الخميس، مايو 07، 2009

عوائل وشخصيات محاويلية أصيلة


د. عدنان الظاهر

في المحاويل شخصيات وعوائل وافدة على المحاويل ليست من أهاليها الأصائل . وماذا عن أهاليها الأصل ؟ إنهم خلائط من عشائر مجاورة لمدينة المحاويل حلّوا فيها منذ أزمان لا يعرف آمادها أحدٌ . ففيهم من ينتمي لقبيلة خفاجة أو ألبو سلطان أو زبيد أو الجبور أو السويد أو الدهيم وغير ذلك من الإنتماءات القبلية المعروفة . سوف لا أتطرق في مقالي هذا لموضوعة الإنتماءات العشائرية للشخصيات المحاويلية لأنها أساساً غير معروفة لي بدقة . إنما سأركّزُ على السمعة الإجتماعية لهؤلاء الأشخاص ومقدار ما معروف عنهم من جاه أو ثراء نسبي محدود حسب مقاييس ذلك الزمان ( 1940 ـ 1950 ) .

آل حَمَدْ

أضع إسم هذه العائلة في المقدمة لأسباب منها أننا سكنّا عام 1939 في دار في وسط المحاويل على الشارع العام كانت من أملاك مختار المحاويل يومذاك المرحوم رشيد الجبر، ثم إنتقلنا لأخرى أكبر منها تقع كذلك على الشارع العام كانت من بين أملاك عائلة الحاج حَمَد وكانت مجاورةً لبستانهم وبيتهم الكبير وبقينا فيها خلال الأعوام 1940 ـ 1941 . ثم تداولها بعدنا مأمور مركز شرطة المحاويل الجديد السيد صبيح الحاج كمال وخليفته السيد سالم السامرائي حتى إستأجرها وأقام فيها بعد السامرائي مدير المدرسة السيد أحمد السيد عباس . مقابل هذه الدار تقريباً تقع دارٌ أخرى لآل حمد أقمنا فيها خلال العام الدراسي 1941 ـ 1942 وتمَّ فيها ختاني وأخي قحطان صيف 1942 . ثمَّ ... كنتُ شاهد عيان وفاة الحاج حَمَد وهو في النزع الأخير يعالج سكرات الموت مطروحاً في فناء داره وإلى جانبه شخصٌ يلقنه مفردات الشهادة / حجي حمد : قلْ لا إلهَ إلا الله ... حجي حَمَد : قل وأنَّ محمداً رسولُ الله ... وكان الحاج يردد بوهنٍ شديد تمتمات غير مفهومة . هكذا كانت معرفتي الأولى بهذه العائلة من خلال البيوت التي إستأجرناها منهم ثم زمالتي الدراسية لنعمة الحاج حَمَد الطفل المؤدب الوديع الشاحب الوجه . ثم زادت معرفتي بهم من خلال ولدهم كرحات مالك وسائق باص ( حافلة ) الهيكل الخشبي لعقود من السنين إذْ كانت علاقته بأهلي قوية . أما هاتف ، إبن أخيهم الأكبر ( محسن الحمد ) فقد ترك المدرسة مبكراً وإنصرف لمساعدة أبيه في إدارة المقهى وخان الحمير والخيول الواقع خلف بيت آل حَمَد والمقهى . كان من أوسع أفراد هذه العائلة شهرة وثقافةً وذكاءً هو السيد عباس الحمد أبو خضيّر . لفت نظري له أمران هما ميله للكلام بالعربية الفصحى ولا أعرف مصادر ثقافته ولا مقدار تحصيله الدراسي . ثم لون بشرته الداكن خلافاً لجميع إخوته الباقين . علمتُ بعد ثورة تموز 1958 إنه كان من أوائل مّن شكّلوا جمعيات فلاحية في ريف المحاويل ولا أستغرب ذلك ، فقد كان عباس الحمد صديقاً حميماً في العهد الملكي للأستاذ المربي الدمقراطي اليساري الصديق محمود رشيد الجبر الذي عانى ما عانى بسبب إلتزاماته السياسية من سجن وفصل من مهنة التعليم. كانت لعباس الحَمَد فرسٌ بيضاء اللون يسمونها [ الهدبة / الهدباء ] وكان يُجري بها مباريات الجري مع سواها من الأفراس في سهل تحيطه سلسلتان متوازيتان من التلال الترابية تقع بين المحاويل وقصبتي ألبو مصطفى وخُنفارة . وكنتُ مرةً شاهدَ عيان إحدى هذه المباريات التي خسرها أبو خضير مقابل دينارٍ ونصف قيمة ذلك الرهان . في الخان الملحق ببيتهم ومقهاهم كانت تجري في أوقات محددة عملية تلقيح إناث الخيل حيث كان تأتي المحاويلَ مجموعةٌ صغيرةٌ من الرجال بصحبتهم حصانان مدرّبان للتلقيح كانوا يطلقون على الأبيض اللون منهما إسم [ القائد ] وعلى الآخر الأحمر الأدهم اللون إسم [ عذاب الخيل ] . كان أصحابُ هذين الحصانين يتقاضون عن عملية التلقيح ديناراً ونصف الدينار مقابل إيصال خطّي مع توقيع وضمان بإعادة العملية بعد شهرين إنْ لم تحمل الفرس المُلقّحة . كانت العملية مثيرة للأطفال حيث ينطُّ الفحل راكباً ظهر الفرس مع همهمة خاصة وطقوس خاصة يمارسها الفحل وتستجيب الفرس المنسجمة المستريحة لها مع تدخل صاحب الحصان في صلب العملية حيث يساعد عضو الفحل في عملية الإيلاج . بعد ذلك يقاد الفحل للمعلف حيث الشعير والتبن ليفترسَ ما شاءَ بشراهة ونهم وعرام للغذاء.

كَرْحات الحَمَد / أبو غازي

الإسم غريب ولا يمتُّ بايّما صلةٍ لقواعد وأسماء اللغة العربية المعروفة قديماً وحديثاً . لم يسالْ أحدٌ زمانذاك عن معنى وأصل ومصدر هذا الإسم الغريب . لعل كرحات هذا كان أول سائق سيارة في ناحية المحاويل وما جاورها من قصبات وأرياف وقرى . أتذكره مُنذُ العام الدراسي 1940 / 1941 حيث وقعت حركة مايس 1941 المعروفة بحركة رشيد عالي الكيلاني . إختفى إبن خالتي المرحوم لطيف عبد علي وكان قد تطوّع للقتال في بعض وحدات الجيش العراقي ضد الجيش البريطاني الذي هبَّ وأُستُنفرَ لوأد هذه الحركة التحررية الوطنية . قيل في حينه إنَّ فقيدنا قُتل في معركة سن الذبّان من لواء الرمادي كما كان يُسمّى يومذاك . وعليه فإن عائلتي ومعها خالتي كانت تقوم بزيارات غير قليلة إلى هناك لتقصّي الحقائق في محاولات للعثور على قبر وجثّة الفقيد . كانت وسيلة سفراتهم تلك هي حافلة ( باص / بس ) السيد كرحات لا غيرها ولا غيره . بقيت بعد ذلك صورة وشخصية وعقال ويشماغ كرحات منطبعة في ذاكرتي الصغيرة لعقود من السنين . مرَّ عام فقرر والدنا أنَّ أوان ختاني وأخي قحطان قد حان . وللختان طقوسه وتقاليده ومتطلباته منها حضور جوقة الغجر ( كاولية ) للرقص والغناء وإطراب المحتفلين بقصَّ قُلفة أعضائنا التناسلية الصغيرة قام بها ختّان خبير خاص [ زْعِرْتي ] عَلَوي تركي إسمه ياسين . وهكذا جهز السيد كرحات حافلته ليأخذ والدي وبعض إخوتي وبعض الأصدقاء ، وكنتُ أنا بينهم وكيف تفوتني مثل هذه الفُرصة التي لا تتكرر في الحياة ... يجوبون المناطق والمدن للعثور على الكاولية يسالون من يجدون في طريقهم ويتشممون أخبارهم ويذهبون في إثرهم حسب مشورات مَن قد سألوا حتى تمَّ العثور عليهم في بعض ضواحي مدينة المسيب وكانت الغجرية ( بدرية ) هي الهدف المبتغى فركبوا حافلة كرحات معنا في عودتنا ضافرين بما قد إصطدنا إلى المحاويل . أشيع في حينه أنَّ لكرحات هوىُ خاص بالكاولية بدرية . وكرحات شخصية عجيبة غريبة حسب مفاهيم وتقاليد تلك الحقبة من الزمن إذْ كان يشرب الخمرة ويلعب القمار ويقوم هو نفسه بإصلاح ما يصيب حافلته من عطب . وكان كرحات ثالث إخوته يأتي بعده أربعة هم عبيد الذي كان يهوى ركوب الخيل وتدريبها على الجري . وبعد عبيد كريم ثم آخر إختفى في ظرف ما كان واضحاً . أما آخر أخوته فهو زميل المدرسة الوديع الطيب الشاحب الوجه نعمة . لا أعرف مكان العمّة عمشة الحمد وهي الوحيدة بين أخوتها لكني أظن أنها كانت أكبر من كرحات وأصغر من عباس الحمد . كم كان عدد نساء الحاج حَمَد ؟ لا أعرف ولم أشأ أنْ أعرف وقتذاك فقد كان هذا السؤال أكبر مني ومن عمري .

آل رشيد الجَبُرْ

ذكرتُ قبل قليل أنَّ عائلتي سكنت عام 1939 أحد بيوت مختار المحاويل المرحوم رشيد الجَبُر في وسط مدينة المحاويل ، وهو والد حميد ومجيد ورشيد والصديق العزيز محمود رشيد ثم أصغرهم محمّد زميلي في الصف الأول الإبتدائي في العام الدراسي 1940 / 1941 . أتذكر حادثاً ما زال في خاطري يوم كان محمد جاري اللصيق يشاركني رحلة أو مصطبة الدراسة وكان مجلسه بجوار شباك مفتوح إذ كان الوقت صيفاً . رفع محمد إصبعه طالباً من المعلم أن يسمح له بالذهاب إلى المراحيض لقضاء الحاجة لكنَّ المعلم لم يأذن له ظناً منه أنَّ هذا التلميذ الطفل يتحايل للتخلص من عبء الحصة التعليمية ، فكيف إستجاب محمد وتصرف ؟ قفز من خلال الشباك المفتوح رغم أنف المعلم لكنَّ حاجته الطبيعية الملحاحة لم تمهله إذ عاجلته لحظةَ أنَّ قفز من الشباك ففعلها على نفسه ثم فرَّ إلى بيتهم ولم يعد للمدرسة ذلك اليوم . كان المعلم كردياً يسمونه ( أبو سُعاد ) . عزيزي محمد رشيد الجبر : هل تتذكر قصتك الطريفة هذه ؟ لم يواصل محمد دراسته كباقي زملاء صفه في ذلك العام الدراسي. إنه كذلك درسٌ للمعلمين أن يتفهموا حاجات الأطفال وكان بعضهم شديد القسوة علينا يأتون الصف وعصي الخيزران أو المساطر الحادة الحواف في إيديهم لا يرحمون طفلاً إنْ أخطأ أو جاء دون أنْ يُحضّرَ الواجبَ البيتيَّ ومن لم يمتلكْ منهم خيزرانة كان بارعاً في الصفع واللطم بكفه القاسية بل وبعضهم كان كالحمير يركل الطلاب بقدمه وياما عانيتُ من قسوة بعض المعلمين في الحلة والمحاويل حتى عقّدوني فكرهتُ المدرسة وما فيها . لا أدري هل أنجب رشيد الجبر بناتٍ أم لا ؟

الأستاذ محمود رشيد الجبر

درس محمود رشيد الجبر في متوسطة الحلة للبنين سويةً مع أخي المرحوم جليل وكانا من جيل واحد وصديقين حميمين . ألقت الشرطةُ القبض عليه أوائل أربعينيات القرن الماضي فجر أحد الأيام قريباً من محطة قطار الحلة ـ البصرة حيث كان كالكثير من طلبة ذلك الزمان يراجع دروسه قبل دخوله مدرسته صباحاً. أكمل دراسته في الحلة فدخل دار المعلمين الإبتدائية في بغداد ليتخرج فيها معلم إبتدائية . تمَّ فصله لأسباب سياسية بعد تخرجه في دار المعلمين وتعيينه معلماً . زارنا في مدينة الحلة ذات شتاء أواخر عام 1948 أو أوائل عام 1949 وكان حينذاك معلماً في بعض مدارس مدينة النعمانية . أتذكر جيداً ما قصَّ علينا من قصص طريفة عن حياته التعليمية هناك . لكنه كان مفصولاً صيف عام 1950 ( وربما قبل ذلك ) لذا مارس دفعاً للسأم تجارة تصدير أقفاص الطماطة من المحاويل إلى البصرة ، وله بهذا الخصوص مداعبات وبعض المشاجرات مع مدير محطة قطار المحاويل وكان من الأخوة الآثوريين وكانت يومذاك إدارة محطات القطار حِكراً لهذه الفئة من أبناء الشعب العراقي ربما لكي تعوّضهم سلطات الإحتلال البريطاني عّما لحقهم من أذى زمان حكم الملك غازي الذي حاربهم ونكّلَ بهم وشرّدهم كما كنا وما زلنا نسمع . قصَّ عليَّ أبو ثائر ، وكان وقتها ما زال عازباً ، كيف عاكس أو حاول مدير المحطة تعطيل تجارته فضربه بمروحة سعف النخيل ( مهفّة ) كانت في يده على وجهه . عاد للخدمة بعد ثورة تموز 1958 أو ربما قبل ذلك ، ورأيته لآخر مرة صيف عام 1959 في مدينة الحلة إذْ كان هناك لمناسبة معينة وما كان مرتاحاً مما حصل له نتيجةَ هذه المناسبة . أتمنى أنْ يقرأ أخي محمود كلامي هذا ويُضيف إليه ما يشاء مشاركةً منه في تثبيت تأريخ المحاويل وأهل المحاويل .

مجيد المْحِمَدْ

ليس بين أهالي المحاويل الأصليين إقطاعيون كبار ولا أثرياء باذخو الثراء إلا أنَّ العم مجيد المحمد كان من بين أثرياء المحاويل بما كان يملك من عقارات من بيوت ومقهى ودكاكين متفرعة من هذه المقهى ثم الخان الكبير علوة مخضرات صيفاً ومربط خيول وحمير صيفاً وشتاءً وفيه ركن تشغله عائلة من مربي الجاموس . وكما هو الحال مع أغلب

المحاويليين ، كانت له بستان عامر بالنخيل خاصةً ملحقةً ببيته وما كانوا معنيين إلآ بتمور نخيلهم فاكهةً وطعاماً طرياً صيفاً ومجففاً أو مكبوساً بالخصّاف أو بجلد الخروف ( كيشة ) شتاءً . كانت الحمضيات موجودة لكنها كانت قليلة لذا كانت تاتي المحاويلَ من بساتين الصباغية والإمام ولا سيّما البرتقال والليمون الحلو والمشمش . أما خضروات الصيف كالطماطة والبامياء والباذنجان والشِجر بنوعيه القرع وحجي أحمد والخيار بنوعيه الصغير العادي والعطروزي أو التعروزي أو الترعوزي فكانت متوفرة تجهزها المزارع المجاورة

للمحاويل فضلاً عمّا ياتيها من القرى الأخرى تحملها فجراً قوافل الحمير تحت حراسة فلاح يمشي خلف القافلة وآخر يقودها وكنا نهاجم القافلة من وسطها ونخطف ما خفَّ حمله ونسرع هاربين فلا حارس المقدمة يترك قيادة قافلته ولا حامي المؤخرة يجري خلفنا للإمساك بنا متلبسين بالسرقة. مَن يحميها إذا تركاها أو أيُّ واحدٍ منهما ؟ تلك كانت بالنسبة لحرّاس القوافل مشكلة عويصة . كانوا في أحيانَ كثيرة يتغاضون عما كان يفعل الأطفال بما في عدول حميرهم من غلاّت أراضيهم عجزاً لا عفواً ولا إقتداراً على قاعدة العفو عند المقدرة . لا أتذكر أنَّ أهل المحاويل كانوا يبيعون ما تنتج بساتينهم الخاصة بل وكانوا يأبون ذلك ويستنكفون منه . ما كانت بساتينهم الخاصة كبيرة ولا كان فيها فلاحون دائمون ولعل بستان العم محمد العيفان في أطراف المحاويل كانت من أكبر بساتين المحاويل الخاصة وكانت فيها فضلاً عن النخيل أشجار تفاح خاص كبير الحجم لكنه يظلُّ حامض الطعم ، ثم خطوط من أشجار المشمش وأعناب هائلة كثيرة الفروع تتسلق أشجار التوت العملاقة ومع ذلك فما كان أبو نعمة ليبيع شيئاً من نتاج بستانه أبداً . نعم ، كان يمارس أحياناً وحسب وقته ومزاجه مهنة حياكة العباءات بالجومة الخاصة به في وسط بيته وقد حاك يوما واحدةً لوالدي ظلت بين يديه شهوراً بطولها . كان حميد ، الإبن الأكبر للعم مجيد المحِمَد هو مسؤول ومدير المقهى الكبير الواقع في صوب المحاويل الصغير إلى جهة الحلة ومرقد السيدة هدية بنت الحسن ومحطة القطار ومستوصف الناحية . وكان نشطاً قديراً وشخصيةً محبوبة مرموقة . وكما ذكرتُ سابقاً ، فارق الإبن الثاني " شهيد " الحياةَ مبكراً وأقامت مدرسة المحاويل وللمرة الأولى مجلس فاتحة على روحه في ساحة المدرسة . أما صغيرهم " هويدي " فتركته طفلاً صغيراً ولا أعر ف مصيره وقسمته بعدي . وكانت للعم إبنة واحدة أصغر من حميد نسيتُ إسمها لعله حميدة . كانت تفرح بي إذْ أزورُ دارهم برفقة صديقي شهيد وتأخذنا لبستان دارهم نلعب ونمرح ونقطف ما نقطف . ما زالت صورة وجهها وخزّامة أنفها في ذاكرتي وكانت شديدة الشبه بأخيها الكبير حميد .

ملاحظة : ما كان العم مجيد المحمد يمارس أي عمل ولا يقوم بأية فعالية إذْ كان ولده حميد يقوم بما يلزم دون تدخل أبيه . كان يأتي مقهاه كأي زبون يتخذ فيها مكاناً له معيناً ثابتاً وأمامه نركيلته الخاصة التي يهتم بها ويعمّرها عامل المقهى الشاطر الصديق رزاق فرحان. كان قليل الكلام لا يضحكُ ولا يبتسم ولا يختلط إلا مع عباس الحمد وما كانا ليفترقان نهاراً حتى يلتقيا مساءً في حجرة ضيافة عباس الحمد على نيران منقلة كبيرة تصطف حول نارها دلال القهوة الثقيلة وكنت مع والدي في ليالي الشتاء نلتحق بمجموعة عباس الحمد نصطلي نار الشتاء ونشرب القهوة . أتذكرُموقفاً لا أنساه حدث ذات مساء صيفٍ من عام 1949 إذْ تشاجرَ بعضُ جنود حامية المحاويل مع بعض شباب المحاويل في إحدى مقاهي وسط المدينة فسرعان ما حضر ضابط ضخم الجثة برتبة رئيس ( نقيب ) وألقى محاضرة في أدب معاملة الضيوف واقفاً في وسط الشارع ثم إلتفت إلى جنوده يسألهم عمّن إعتدى عليهم فأشار أحدهم إلى أخينا العزيز منعم النجم ، وكان هو أحد حرّاس المحاويل الليليين حينذاك ، ناداه الضابط وما أنْ دنا منه حتى لطمه بقوةٍ على وجهه فصرخ منعم عالياً ( آني ياهو مالتي ... ليش تضربني ؟ ) . كان قريباً من المشهد يجلس كلٌّ من مجيد المِحِمَدْ وعباس الحَمَدْ بإعتبارهما زعيمي أو ممثلي أهل المحاويل . كنتُ أراقب الموقف بدقة وفضول منتظراً ردة فعل هذين الرجلين إذْ كان الغضب بادياً على وجهيهما فكتماه وكبتاه إذْ كانا عاجزين عن القيام بأي فعل مضاد حيال ضابط يمثل الجيش الملكي وقد كان محتملاً أنْ يعتدي عليهما لو تدخلا وزادا في تعقيد الموقف . بعد إنسحاب الضابط وجنوده صار عباس الحمد يدمدم ويحرق الإرم بينما واصل العم مجيد المحمد صمته ووقاره وهو يعرف أنه عاجز عن القيام بأي فعل . مرّت وكرّت الأعوام فالتقيت بعد تعييني مدرساً في كلية العلوم / جامعة بغداد بأحد طلبة قسم الفيزياء وما أن عرف أني من الحلة وكانت لنا حياة وعلاقات في المحاويل حتى قال لي إنَّ والده كان آمرحامية المحاويل صيفَ عام 1950 . سألته عن إسم أبيه فقال (( فاضل الزهاوي )) !! وبالفعل ، كان هذا هو إسم ذلك الضابط الضخم الجثة الذي صال وجال أمام أهالي المحاويل ذات مساء .

جاسم العبيّسْ

كنت أتعرف على عوائل المحاويل الأصلية وغيرها إما عن طريق ما نستأجر من دور يملكونها أو بواسطة زملاء المدرسة من بين أولادهم . هكذا عرفتُ العم جاسم العبيس عن طريق صديقي محمد جاسم العبيس زميلاً ثم صديقاً داخل وخارج المدرسة . كان أبو محمد يُدير دكاناً مستأجراً من مجيد المحمد متفرعاً من مقهاه ، وكان شعلة نشاط لافتٍ للنظر يدير المحل بكامل هيئته العربية من عباءة وعقال ويشماغ يبيع ويستلم ويجامل ويستقبل الكثير من الفلاحين والسراكيل وبعض صغار الشيوخ وكان خبيراً بتقطيع التبغ الهندي والشيرازي المخصصين للنواركيل . وكان أغلب بيعه منهما لمقهى مجيد المحمد المجاورة التي كانت تستهلك الكثير من هذا التبغ لكثرة مدخني النركيلة من بين مرتادي هذه المقهى الكبيرة . كان العم جاسم العبيس من بين ميسوري الحال في المحاويل فداره عامرة كبيرة مبنية بالطابوق المفخور ملحق بها بستان واسع كثير أشجار النخيل من أجود الأنواع وما كنت أعرف مَن يعتني بها أو مّن يلقح طلعها في موسم التلقيح أو ( التلجيح ) كما كنا نقول في تلكم العهود . ثم كان هناك ثمة دكانان ملحقان بدار العم أبي محمد يشغل أحدهما الأخ غني شقيق زميلنا صاحب ويشغل الآخر خياط غريب على المحاويل إسمه علي . تفرعات العم جاسم العبيس كثيرة منوّعة مختلطة تمتد من صهره خال أولاده العم حسيّن الحميّد والد الأصدقاء رزاق وغازي ثم علي الأصغر فيهم ، حتى الحاج عمران الحسون حيث إقترن أخوه علي بشقيقة حسين الحميد العمة ( زلّة ) وهي خالة صديقي العزيز محمد جاسم العبيس . هل كان للعم أبي محمد أشقاء في المحاويل ؟ما كنتُ أعرف . هل كانت تربطه علاقات قربى بالسيد مجيد المحمد ؟ لا أدري ولكنْ ربما . لمحمد أشقاء منهم شهيد وعرفت أخيراً آخرين فيهم سعيد ورشيد ثم الدكتور وليد الزبيدي .

آل منصور / آل بنيّان / آل فَدْمَةْ

هذه العائلة المثلثة الأضلاع والزوايا من أكبر عوائل المحاويل وأكثرها تشعباً وتفرّعاً فضلاً عن تداخلاتها الداخلية التي لا تخلو من بعض التعقيد كما سأبيّن عمّا قليل . لنبدأ بادئ ذي بدء بالخالة أم كل من صهرنا المرحوم عبد الجبار عبيد السلطاني وأخيه ستار أو ستّار . زوجها العم عبيد الفدمة السلطاني القائم مع زوجتيه الأولى والثانية على رعاية وإدارة شؤون مرقد هدية بنت الحسن فضلاً عن إدارته لمقهى صغير يتكون من صريفة وبضعة تخوت خشبية من التخوت المعروفة والشائعة في باقي مقاهي المحاويل . ترتبط الخالة أم عبد الجبار بفرعين كبيرين متشعبين بدورهما هما آل منصور وآل بنيان . فهي أخت جاسم المنصور وحسن المنصور من جهة وأخت المرحوم أبي صلاح إبراهيم بنيان والعم أبي كاظم ، عبد الحمزة البنيان وأخيه الأصغر من جهة أخرى . حين أشكل هذا الموضوع عليَّ وضّحه لي أخي المرحوم أبو إلهام وماهر في حينه لكنَّ الزمنَ مرَّ فضاعت مني التفاصيل. ولعل أخي كاظم عبد الحمزة يُلقي الضوءَ لفك رموزهذا السؤال .

آل فدمة /

آل فدمة شقيقان الأكبر هو مرزة السلطاني والد جميل الذي وافته المنية مبكراً فمات بالسل الرئوي تاركاً أرملته لتكون بعده زوجاً لأخيه سلمان مرزة . أما الشقيق الثاني فهو العم عبيد آل فدمة والد عبد الجبار وستار وإبنتين هما نوفة وهدية من زوجته الأولى . وله من زوجه الثانية محمد وأحمد وعلي وإبنة واحدة أظنُّ إسمها حمدية . تشعب هؤلاء الناس الكرام وتفرعوا وتفرعت فروعهم فغدوا عشيرة صغيرة . ترك المحاويل منهم أبو ماهر وإلهام المرحوم عبد الجبار عبيد السلطاني وأخوه ستار الذي عاد للمحاويل بعد تركه لسلك الشرطة مفوّضاً في ناحية أبي غَرَق بين الحلة والهندية ( طويريج ) . وتركها لعقود ثم عاد إليها السيد كاظم عبد الحمزة آل بنيان ، وتركها أخوه عبد الحسين وكان آخر عهدي به مدَّرِساً في بعض مدارس بغداد الثانوية فهل بقيّ هناك أم تُرى عاد أدراجه إلى المحاويل ؟ أما الباقون فتمسكوا بالمحاويل حيث وظائفهم ودورهم وبساتينهم ومصالحهم ومرقد هدية بنت الحسن في ذمتهم وتحت رعايتهم .

آل منصور /

كذلك كان فرعُ آل منصور مكوَّناً من أخوين هما حسن المنصور وجاسم المنصور والد زميلي وصديق طفولتي جليل جاسم ( دّلَمْ ... كما كنا نسميه ) وعبد الرضا الذي فارق الحياة مُبكِّراً وكان وجهُهُ دوماً شديدَ الصُفرة . لجاسم المنصور إبنة واحدة تزوجها رجلٌ حلاوي محترم عالي الأخلاق صاحب سيارة أجرة بين المحاويل والحلة إسمه محمد العوفي. أما حسن المنصور فلم أره إذْ توفي مبكراً بعد أنْ خلّفَ كلا من محمد وعباس وحامد ورابع لا أتكر إسمه . بقيّ أمامي سرٌّ لم أفهمه حينذاك يتعلق بهوية وحقيقة شاب إسمه مهدي حمّودي ... فهل يمتُّ بصلة قرابة لآل منصور وما درجة هذه القربى ؟ وهل هو إبن السيدة حظيّة أم بهيجة وهل حظيّة هي خالة أبي ماهر وإلهام ؟ الإجابات بالطبع لدى أخي كاظم عبد الحمزة وبكل تأكيد .

آل بنيّان /

أكبر آل بنيان هو المرحوم العم عبد الحمزة والد أخينا كاظم وعبد الحسين وفتاح يليه أخ لا أتذكر إسمه ، ثم ياتي الأصغر فيهم المرحوم أبو صلاح إبراهيم آل بنيان. كذلك تمسَّك رجالُ هذا الفرع من آل بنيان ببلدتهم المحاويل فما أنْ غادروها منخرطين في هذه الوظيفة أو تلك حتى عادوا إليها وكان هذا شانُ أخينا كاظم عبد الحمزة وأخيه فتّاح ولا أعرف مصير ثالثهم عبد الحسين أما زال مقيماً في بغداد حيث كان يدرّس في بعض مدارسها بعد أنْ أنهى دراسته في كلية الآداب زمان عبد الكريم قاسم أم عاد لأهله ومسقط رأسه ؟

عبد الرضا جاسم المنصور /

جمعني وعبد الرضا عام واحدٌ وصف واحد هو الصف الخامس الإبتدائي للعام الدراسي 1945 / 1946 . كان عبد الرضا يأتي المدرسة بعقال تحته يشماغ يلفه حول رأسه وعنقه. كان عبقرياً في موضوع الرياضيات أو الحساب كما كنا نسميه حينذاك ، خلافاً لوضعه مع باقي الموضوعات فكان شديد الضعف فيها . درّسنا مادة الحساب الأستاذ الحلاوي علي أحمد الهندي ودرّسنا اللغة الإنكليزية الأستاذ عبد الأمير كاظم الحمداني من أهالي المسيب .

كان عبد الرضا شجاعاً مؤدباً لا يقبل ضيماً أو إعتداءً . أتذكّرُ جيداً كان معنا في صفنا زميلٌ من بغداد إسمه سعدي فيضي الرويشدي . كان سعدي طفلاً ظريفاً مع ميل لإستفزاز زملائه خاصةً أولئك الذين يتهربون من المشاكل . شاء حظه التعيس أنْ يتحرشَ يوماً بعبد الرضا جاسم المنصور فما كان من عبد الرضا إلّا أن خلعَ عقاله وانهال عليه بالضرب المبرّح ثم حصره في زاوية من زويا الصف وشدد بقبضتي كفيهِ على خناقه وسعدي يصرخ ويستغيث ولا من مُغيث ومن ذا يُغيثُ هذا الطفل المدلل الشقي الذي ذقنا جميعاً منه ومن تحرشاته الويل ؟ عاد بعد هذا الحادث الطفلُ سعدي لسويته وغدا لطيفاً مجاملاً ودوداً يتهرّبُ هو من المشاكل والطلايب ... فشكراً لعبد الرضا جاسم المنصور الشهم الشجاع الذي أعاد للمحاويل هيبتها ولأهلها مكانتهم في عيون أهل بغداد .

ترك عبد الرضا المدرسة ليساعد أباه في دلالة سيارات محاويل ـ حلة خاصة بعد أن إبتاع العم جاسم المنصور حافلة صغيرة غامر بقيادتها بدون تدريب أو رخصة قيادة فحمّلها بالعبرية ( المسافرين ) إلى الحلة ولما عاد مساءً إلى المحاويل تصادم في الطريق مع ثور أو جاموسة فتحطمت مقدمة سيارته وسلم الثور !! كنتُ يوماً شاهد عيان مشاجرة وقعت بين الدلال الشجاع عبد الرضا جاسم المنصور وأحد شيوخ ألبو علوان إسمه جواد العنيفص . جاء العنيفص صباح يومٍ من مضارب ألبو علوان على نهر الفرات ممتطياً فرساً يتقدمه أحد أبنائه مسلحاً ببندقية ويمشي خلف فرسه أحد حرسه أو فلاحيه . ترجّل الشيخُ وطلب من عبد الرضا أنْ يُخلي له مكاناً في مقدمة ( صدر ) الحافلة التي كانت متأهبة للمغادرة إلى الحلة . إعتذر منه عبد الرضا قائلاً إنَّ صدرَ السيارة مشغول براكبين إثنين ( نفرين ) كما ترى ولم يتبقَ لديَّ إلا مكانٌ واحد في مؤخرة الحافلة . رفض الشيخ هذا العرض وهدد وأزبد وأرعد لكنَّ عبد الرضا ظلَّ على موقفه السليم الشجاع . تلفظَّ الشيخ عباراتٍ لم تعجب عبد الرضا فردَّ عليه بمثلها وأكثر . ضحك شيخ ألبو علوان المهيب الوجه والقامة وقال لعبد الرضا متهكماً ولكن بلهجة والد لا عدو : طيّحَ الله حظك ! وَلَكْ تتجاسر على عمّك ؟ أيا جُعموصْ ! وهكذا برد الموقف فتحول جذرياً من التوتر إلى إنفراج فوجد عبد الرضا حلاً للمشكلة أرضته وقبله الشيخ العنيفص والد زميل المدرسة حامد وضحك مَن شهد ذاك السجال والمشاجرة غير المتكافئة أصلاً . ومن آيات شجاعة عبد الرضا هذا الأصفر الوجه إنه كان يجري وراء الثعابين يقتنصها من على أغصان الشجر أو من بين شقوق الحيطان واثقاً بما قاله له أحد المشعوذين من دعاة السحر وتعطيل مفعول سم وأذى الأفاعي مقابل رُقية وحبة مصقول ثمنها درهمٌ واحد ( خمسون فلساً ) . رأيته مرةً يجري وراء أفعى دخلت شقّاً في حائط خان العم مجيد المحمد الطيني فأصرَّ على ملاحقتها والإمساك بها لإختبار ما قد إدّعى المشعوِّذ ولم يشأ عبد الرضا أنْ يضيع الدرهم الذي أعطى هدراً . أفلح بعد محاولات شاقة ولأيٍ في إخراج الأفعى عنوةً من الشق الطيني فالتفّتْ فوراً على سباّبة كفه الأيمن وسرعان ما عضّته فسالت من إصبعه قطرتا دمٍ قانٍ فبان التأثرُ على وجه عبد الرضا . كيف عالج الموقف المُحرِج ؟ إتّبع تعليمات صاحبه المشعوّذ قابض الدرهم التي تقضي بالبصاق على الأفعى وعضها كما عضته من أجل إبطال مفعول سمها إنْ كانت الأفعى سامة . أطلق بعد ذلك عبد الرضا أفعاه ولم يقتلها ولا أدري أكانت الأفعى سامة أم لم تكن ؟ لم يُعَمَّرْ بعد ذلك طويلاً فهل كان لعضّة تلك الأفعى دورٌ في وفاته أم لا ؟ هكذا كان عبد الرضا صبياً ثم شاباً شجاعاً جريئاً مغامراً لم يرتدِ بنطروناً أبداً ولم يفارق رأسَه العقالُ واليشماغُ أبداً ولم يشارك باقي الأطفال لا في السطو على البساتين لسرقة التين والرمان والمشمش ولا في السباحة صيفاً في جدول المحاويل وخاصةً في المنطقة العميقة التي كنا نسميها ( الجنبة ) مقابل بيوت وبساتين آل الحسن .

جاسم الحسن وأخوه أبو طالب ومحمود ( جريدي وبزّون )

كان لحارس المحاويل الليلي العم جاسم الحسن ثلاثة أولاد هم جبار الأعرج يليه ستّار من جيل وزميل أخي قحطان ثم أصغرهم زميلي وصديقي رزاق جاسم الحسن . كانت تقع دارهم المتواضعة البناء وأمامها بستانُ نخيلهم قريباً من ضفة نهر المحاويل يفصلها عنه شارع ترابي عريض ، تماماً كما هو شأن دار وبستان العم الثاني والد طالب ومحمود وأخيهم الأكبر لا يحضرني إسمه . وكان لدارهم وبستانهم إمتدادٌ يوازي النهر يمتدُّ طولاً حتى سكة حديد المحاويل ـ الحلة ـ بغداد وكان مسؤول زراعة وفلاحة هذا البستان الأخ الأوسط محمود ( بزون ) .

رزاق جاسم الحسن /

كنتُ ورزاق هذا زملاءَ صفوفٍ واحدةٍ في المدرسة وكانت علاقاتنا مضطربة تشوبها أحياناً شوائب منوّعة بين مدٍّ وجزر ، ود عميق وخصومات تصل حدَّ تبادل الصفعات وركلات الأرجل . كانت شخصية رزاق متفاوتة في طبيعتها بين طيبة مُفرطةٍ وجفاء شديد لذا كان من الصعب التنبؤ بسلوك وردود أفعال هذا الصديق المتناقض المزاج والطبيعة . أذكرُ أنَّ صديقَ طفولتي مهدي كاظم الشلبة الخفاجي كان إبن خالة رزاق لكني لم أرهما معاً طيلةَ سنوات عمري في المحاويل ولا أعرفُ سرَّ ذلك . كان رزاق مجدّاً في دروسه وكان متعدد المواهب والمهارات فكان صائد طيور لا يُشقُّ له غُبار ودقيق التهديف حتى أنه كان قادراً على إصابة إبرة خياطة عمودية الوضع بجازلهِ ( كزوة ) الذي ما كان يفارقه فهو مصدر رزقه أحياناً بما يصطادُ من طيور غريبة وهي في طرق هجرتها من وإلى مختلف جهات الأرض حسب المواسم حرّاً أو برداً صيفاً أو شتاءً . كما كان بارعاً في لعبتي الدعبل والجعاب وبارعاً خبيراً في كشف وجمع الكمأة والفطر بشكل خاص وقت الربيع وكنت أرافقه أحيانا في جمعها إذا كان مزاجه رائقاً ميالاً لي في ذلك اليوم . أخذني مرةً لنصطاد طيور الدرّاج وكان يوماً شديد المطر لكننا عدنا من المحاولة خائبين إذْ لم نعثر عليها في بستان العم جواد الدهيمي والد أستاذنا أبي عقيل محمد جواد الدهيمي وأخيه عبد الأمير . أتذكر مرةً وكان الموسم شتاءً وقد رمى أحدهم سماً خاصاً بالسمك ( زَهَرْ ) فطفت فوق سطح الماء سمكةٌ كبيرةٌ وكان مدير مدرستنا السيد أحمد عباس صدفةً هناك واقفاً قربَ ضفة النهر كما كان رزاق جاسم هناك فطلب أبو شهاب منه أنْ يُمسك بالسمكة المزوهرة فما كان من رزاق إلا أنْ سارعَ في خلع سترته والدشداشة ففوجئنا أنه كان بدون ملابس داخلية ... ولم يبالِ أبداً فرمى نفسه في النهر أمام بيت مدير الناحية لكنْ لم يحالفه الحظُّ إذْ إستعادت السمكة عافيتها وغادرها مفعول السم فغاصت وفلتت من محاولة رزاق وكانت خيبة مديرنا أبي شهاب كبيرة . هذا هو رزاق المتعدد الجوانب والمواهب والمهارات المتقلب المزاج .

كما كانت للعم جاسم الحسن مقهى صغيرة واقعة على الشارع العام بين دار السيد مصطفى الخليل ودارالعم خليل مصطفى أغا والد الصديق عباس ( مكطوف ) وعبد الحسين ( جدّوع ) و محمد الصغير ( خليبصْ ) . كان يفتحها في مناسبات قليلة وما أنْ يدخل فيها حتى يجهز وجاق ( وجاغ ) النار فتتلظى النارُ فيه وتمتلئ المقهى بدخان كثيف ثم يغادرها ليتخذّ مكانه على تخت من تخوت المقهى القليلة قريباً من الشارع العام وأمامه نرجيلته الخاصة به. إستأجرها مرةً سَكَناً العم عبيد الطبيب والد مهدي الطائي وكان تنور الخالة أم مهدي في حوش وراء المقهى يفصله عن بستان عبد الأمير جواد الدهيمي طريقٌ ترابي .

بعد العم جاسم الحسن أصبح ولده جبار الأعرج أحدَ حرّاس المحاويل الليليين . أما أخوهم الأوسط ستار فقد دخل أحدَ أسلحة الجيش العراقي لكنه سُرّح لأسباب صحية وكان أنيقاً ميالاً للعزلة .

العم علي العبّاس

العم علي العبّاس هو والد الأخوة حسين الكبير ثم المربي محسن فالصغير شاكر . وكان العم علي مسؤول السيطرة على حركة مرور قاطرات السكة الحديد وإشارات الضوء الأخضر والأحمر ( مقصجي ) وكان منظراً مألوفاً أن نراه في الليالي حاملاً فانوساً لتأمين سلامة وصحة الإشارات الضوئية . وكان جاراً لبيوت رشيد الجبر من جهة وبيوت آل منير وأل مغير من الجهة الأخرى . هل أنجبَ العم علي العباس بناتاً ؟ لا أدري ، لكنْ ليس لديَّ أي دليل يُشيرُ إلى ذلك ، فبناتُ المحاويل ، كبنيهِ ، معروفات بإسمائهنَّ وأوصافهنَّ إذْ ليس بينهنَّ مَن لمْ تذهب لنهر المحاويل ( المجرية أي المكرية ) لتستقي الماء بالجرّة النحاسية

( البُكمةْ أو المصخنة ) أو لغسل الصحون والقدور وكنا نتباهى أمامهنَّ بالسباحة والغطس الطويل تحت الماء أو القفز من أعالي أشجار الصفصاف وكانت تلك من مُتع الطفولة التي لا أنساها . وفيهنَّ مَنْ كنَّ يسرحن بالغنم والبقر صباح كل يوم ويروّحنَّ إلى بيوتهنَّ قبيل المساء . اتذكّرُ السمراء الطويلة الجميلة ( وطفاء ، وطفةْ ) كريمة العم مغيرالتي كانت مفروضة لإبن عمها كظّوم منير لكنَّ هذا شاءَ أنْ يتزوج من رزيقة إبنة العم فرحان وشقيقة كل من الصديقين رزاق ّ و جبار أو ( جيران كما كنا نسميه ) .

محسن علي العباس /

هو الصديق المربي وثاني أشقائه الثلاثة قضّى العمر في مهنة التعليم بين المحاويل والحلة . كان في شبابه محباً للطرب ومغرماً برقص وأغاني الكاولية وكان النجم الساطع في مناسبات العرس أو الختان ( الطهور ) حيث رقص وغناء الغجر في الساحات الترابية العامة أو حتى في البيوت الكبيرة. كان يرتاد هذه الحفلات بالعباءة والعقال ويؤلف مع آخرين من الشباب جوقة للغناء منفردين أو مرددين غناء الراقصة الغجرية . هل أكمل دراسته في دار المعلمين الريفية في المحاويل قبل غلقها أو في بغداد؟ لا اتذكر ذلك جيداً . رغم فارق العمر ، كانت علاقته الأوثق مع صهرنا المرحوم أبي إلهام وماهر قبل زواجه . وكان محمود رشيد الجبر يلتحق بهما في بعض المناسبات . زارنا محسن وأبو إلهام شتاء عام 1951 في المسيب حيث أرادا لقاء أخي الأكبر الضابط عبد الجبار فذهبنا جميعاً إلى مقر حامية اللواء الأول في ضواحي المسيب فتم اللقاء ثم عدنا للمدينة فتناولنا الغداء في بيتنا معاً وكان سرور والدتي بهما كبيراً . ثم أخذا القطار عائدين للمحاويل وكنتُ في وداعهما في محطة القطار .

خليل المحياوي أبو ترمةْ

هو والد زميلي وصديقي لفترات طويلة كاظم خليل المحياوي وأخيه الصغير إسماعيل وشقيقتهما رزيقة التي تزوجت فيما بعد من الصديق الأستاذ كاظم إبريسم . كان يُديرُ محلاً كبيراً للبقالة والعطاريات مُلحقاً بداره واقعاً على الشارع العام وطريق المحاويل ـ بغداد ـ الحلة . وكان لداره بستان كبير يزهو بأنواع أشجار النخيل وتمتد بينها تحت ظلالها صيفاً صفوف أو مروز الخضروات المنوّعة من طماطة وبامياء وباذنجان وخيار وشجر ولوبياء ، لذا كانت متعتي كبيرة حين يأخذني الصديق كاظم لبستانهم حين أزوره في بيتهم وما كنا لنفترق ... نسبح في النهر معاً وندرس دروسنا في بيتهم معاً حتى أوقاتٍ متأخرة ليلاً حيث كانوا ينامون جميعاً على الأرض في حجرة واسعة ملاصقة لدكانهم . ترك كاظم المدرسة مبكراً ليساعد والده في إدارة محلهم ثم زوجوه مبكراً جداً من شقيقة صديق أخوتي السيد منعم النجم . أما زال كاظم حياً يُرزق وما حلَّ بدارهم وبستانهم وهل خلّف بناتٍ وبنينَ وما مصير أخيه إسماعيل ؟

العم إبريسم

لا أعرف لقبه أو إسمَ أبيه للأسف .

إنه والد الأخ الصديق المربي الفاضل كاظم إبريسم وحَمَد ثم محمد الأشرم وأختهم الوحيدة حمدية أو حمدةْ . كان العم تاجرَ أغنام وكانت كريمته حمدية ترعى غنم والدها في بستان متروك مجاور لبيتهم لا أدري أكان مُلك العم إبريسم أو لا ؟ ثم كانت هي حمدية من يستقي الماء من شط المحاويل والمصخنة على كتفها الصغير والخزامة في طرف أنفها . هل كانت أكبر أو أصغر من أخيها حَمَدْ ؟ لا أدري .

كاظم إبريسم /

كدأبي في تقديم نموذجٍ من كل عائلة من عوائل المحاويل ، أتعرّضُ هنا لشئ من حياة الأخ الأستاذ كاظم إبريسم . لا أعرف أين ومتى أنهى دراسته ليغدو معلمَ مدارس إبتدائية لكني فطنتُ إليه معلماً دائماً وإنْ لم يدرّسْ في مدرسة المحاويل التي لم يدرّس فيها حينذاك من المحاويليين إلا أبو عقيل الأستاذ محمد جواد الدهيمي . كان كاظم أنيق المظهر خفيض الصوت حين يتكلم باسم الوجه واسع الثقافة والإطلاع منطقه اللغوي سليم قريب من العربية الفصحى . كذلك كانت علاقته بالمرحوم عبد الجبار عبيد السلطاني علاقة متينة وثقى . كنتُ أرتاح له وللجلوس معه رغم صغر سنّي سواءً في مقاهي المحاويل أو في نادي الموظفين . إنتقل أبو رياض للتعليم في مدينة الحلة وتوثقت علاقتي به أكثر بعد تخرّجي وتعييني مدرساً فكنتُ والأستاذ كاظم وصهرنا الأستاذ عبد الجبار نلتقي في دار أحدهما في الأماسي الشتائية نشرب الخمرةَ ثم نتعشى ونسمر حتى ساعات الليل الأخيرة . هممتُ مرةً أنْ أطلب من أبي رياض أنْ يسمحَ لي برؤية الأخت العزيزة أم رياض ( رزيقة ) للسلام عليها إذْ ليس معقولاً أنْ أكون في بيتها دون أن أراها وأسلّمَ عليها وقد كانت في المحاويل لا تفارق شقيقتيَّ سليمة ونجاة فضلاً عن زياراتي الدائمة لهم في بيتهم مع صديقي كاظم . لم تتحقق أمنيتي تلك وما زالت حسرةً في نفسي . ما كان الرجلُ ليمانع لو سألته سؤالي لكني أنا مَنْ تلكأَ وجبُن . سلامٌ عليك أخي كاظم إبريسم المربي والصديق والأب المثالي والشخص الرائع تربيةً وخُلُقاً .

آل منير وآل مغير

لم أرَ أياً من العمّين منير ومغير فقد كانا غادرا الحياة قبل أنْ أتعرفَ على الدنيا وأعي حقيقة مَنْ أنا . كان معي من هذين الفرعين لعائلة واحدة أحد أبنائهم زميل المدرسة عبد الله منير شقيق كظّوم أو كاظم . أما من آل مغير فلم أتعرف إلا على محمد وشقيقته وطفاء أو وطفة . كانت العائلتان متجاورتين من حيث السكن في دواخل المحاويل بعيداً عن الشارع العام . كانت بيوتهم واسعة متواضعة البناء لكنهم كانوا يربون الماشية ولا أعرف عنهم أنهم كانوا مزارعين أو من ذوي البساتين والمزارع والحقول ولعلَّ معلوماتي غير دقيقة ومن أين تأتيني الدقة إذا لم يكن لي بين أولادهم صديقٌ حميمٌ أو جدَّ قريب مني كشأن بقية زملائي في المدرسة وأصدقائي . لم يكن عبد الله منير صديقاً لأنه أساساً ما كان ميالاً لعقد صداقات مع تلاميذ صفه في المدرسة وما كان طالباً مجدّاَ أصلاً فترك المدرسة وانصرف فيما بعد للعمل مع أخيه كظوم في مدِّ خطوط وأسلاك الكهرباء في المحاويل عامي 1949 / 1950 .

كظّوم منير /

كظوم منير شخصية متميزة جداً محبوبة جداً وشعبية جداً . لم يقرأ الرجلُ ولم يكتب لكنه كان ذكياً بالفطرة سريع التعلم يتقن العديد من المهارات بدون تدريب أو تأهيل . أتقن اللغة الهندية وتكلمها بطلاقة مع الهنود المشاركين في الجيش البريطاني أوائل أربعينيات القرن الماضي بعد أنْ أسسوا معسكراً أو حامية قرب المحاويل ( الكامب ) . لم يحترف أو يزاول الزراعة على حد علمي ولا أعرف فيما إذا كان يملك أو أبوه بستاناً خارج المحاويل . أصبح بعد نصب أول ماكنة توليد للطاقة الكهربائية في المحاويل عام 1949 مسؤولَ مدِّ وصيانة خطوط الكهرباء في الشوارع والبيوت ولعله إستلم لاحقاً مسؤولية إدارة وصيانة وإدامة ماكنة توليد الطاقة ولا أستبعدُ ذلك وإنه لجديرٌ بها . تزوج من ( رزيقة ) إبنة العم فرحان بدلاً من إبنة عمه ( وطفاء ) التي إنتظرته طويلاً . سمعتُ في بدايات سبعينيات القرن الماضي أنه أُغتيل في أحد الأيام حين كان في بستان خارج المحاويل .

العم جبار السويدي وأخوه الحاج عبد الأمير

كانت لي علاقات زمالة مدرسية وصداقة متينة مع وَلَديْ العم جبار عبيد الكبير ( عباس ) وأخيه الأصغر عبيد الصغير ( هاني ) . كان بيتهم صغيراً يقع على الشارع الرئيس العام بين بيت وحديقة مدير الناحية وبيت العم خليل مصطفى أغا والد عباس ( مكطوف ) وعبد الحسين ( جدّوع ) . وكان في بيتهم على الدوام عددٌ من الحمير للكراء وكنت في الأعياد أكتري منهم أحد حميرهم مقابلَ مائة فلس في اليوم . وكنتُ أُصابُ بخيبة كبيرة أحياناً إذْ أكتشف أنَّ حماري لا يمشي كبقية حمير الله ولا يجري ! تركته يوماً في منتصف الطريق لمكان تجمع القرويين في يوم عيد حول ضريح وليٍّ أو ولية حيث يرقصون الجوبية مع عزف مطبك القصب الشجي وأصوات الإطلاقات النارية . تركته هناك ورجعتُ أدراجي باكياً ولا أدري كيف عرفوه وأدركوه وحيداً حزيناً وأعادوه لبيتهم . في اليوم التالي جاءوا يعاتبونني وأهلي كيف تركتُ الحمارَ وحيداً وسط العُربان ؟! لم يواصل عباس دراسته للأسف وكان على قدر كبير من الذكاء والنباهة وكان طفلاً عملياً من النوع النادر . ما كنا في العطل الصيفية نفترق أبداً لعباً وسباحةً ومغامراتٍ في البساتين وكان بارعاً مثل رزاق جاسم الحسن بلعبتي الدعبل والجعاب وملء هذه بالرصاص لزيادة ثقلها وقوة تأثيرها في الأهداف الأخرى المنصوبة أمامها . كنا نلعب حتى في الليالي المظلمة لعبة ( الختيلة ) وكان عباس بيننا الشجاع المقدام الذي لا يخشى ظلاماً ولا يهابُ شبحاً أو صوتاً مجهولاً . يتقحمُ الدرابين والبساتين المظلمة بحثاً عن الخصوم المنافسين حتى يعثر عليهم ويفوز بالرهان . له شقيقان أكبر منه هما شاكر وخضر الذي إمتهن سياقة السيارات ولعله كان المحاويلي الثاني بعد كرحات الحاج حمد في هذا المضمار . غادرت أم عباس الحياة مبكراً تاركةً أولادها صغاراً فأعرض العم جبار عن الزواج ثانية وأصرَّ على رفضه وفاءً للراحلة أم بنيه التي خلّفت له أربعة أبناء ليس بينهم أنثى تدير شؤون البيت بعد رحيل أمهم . لا أعرف ما كان طعامهم ولا كيف كانوا يتغذون ومَن يجهز لهم الطعام أو الخبز .

أما الجناح الآخر من هذه العائلة فزعيمه الحاج عبد الأمير والد الصديق إبراهيم وأخيه الأكبر كزار صاحب وسائق حافلة خشبية صغيرة خصصها لنقل المسافرين ( العبرية ) بين المحاويل والصويرة مروراً بالصباغية والإمام . وقد كانت لهم هناك مصالح وربما أقارب . كان العم عبد الأمير دلال خان المخضّرات صيفاً وقارئ التعازي والمناسبات الحسينية في كافة المواسم . إمتازت عناصر هاتين العائلتين بجمال الوجه والعيون الملوَّنة .

العم جواد الدهيمي

العم جواد الدهيمي هو والد أستاذنا وأخينا ومربينا أبي عقيل محمد جواد الدهيمي الذي كان أول محاويلي ينهض بمهمة التدريس في مدرسة المحاويل الإبتدائية للبنين ولسنواتٍ طويلة. كان رخيمُ شجيُّ الصوت يُجيد ترتيل آيات القرآن الكريم بأسلوب خاص به . وكانت هوايته جمع أجهزة التصوير ( الكاميرات ) الثمينة والنادرة . تزوج من ( سعدية ) أخت كل من إبراهيم وعمران إسماعيل وهما أولاد خالة كل من عباس خليل مصطفى أغا ( مكطوف ) وجدوع . ولمكطوف وجدوع خالة أخرى لها من الأولاد سعيد بهاء ونائب الضابط شاكر بهاء ثم نوري وبنت وحيدة هي نورية . للعم الدهيمي ولد آخر هو السيد عبد الأمير الذي كان يُدير شؤون بستانهم الكبير المترامي الأطراف مع مزرعة ملحقةٍ به تمتدَّ حتى الجهة المقابلة للمدرسة الإبتدائية خلف بيت العم علي الفلوجي . كنتُ أعرف أَّنَّ في بستان عبد الأمير شجرة مشمش وحيدة قيسية أي أنَّ نواتها حلوة وليست مرّة . فكنت أساله بعض المشمش بين فترة وأخرى وما كان يردُ أو يبخلُ . هكذا عرفت عبد الأمير جواد الدهيمي الشاب المؤدب الكريم اليد والخُلق لذا دُهشتُ إذْ عرفتُ أنه إختلف مع شقيقه الأكبر أبي عقيل بعد ثورة 14 تموز 1958 وأسمعه كلماتٍ ما كان لينطقَ بها قبل ذلك .

للعم جواد ولدٌ ثالث صغيرٌ توفي مبكراً جداً إسمه ( وحيد ) ، ووفاة أطفال المحاويل المبكرة ظاهرة تستلفت النظر . كما توفي بعض شبابهم بالسل الرئوي لشديد الأسف أتذكر أولهم عبد الله الموِّلْ شقيق محمد ومنيرة زوجة سعيد بهاء . كان محمد يزاولُ مهنة كراء الدراجات الهوائية ، وبدراجاته هذه تعلمتُ ركوبها ويا ما أصابني من جروحٍ وكدماتٍ وحوادث كاد بعضها أنْ يوردني مورد الهلاك . وقعت مرةً مع الدراجة في قناة ملأى بالماء ولولا الأخ إبراهيم السيد يوسف لكنتُ لا محالةَ من الهالكين . إذ كان لحسن حظي على مقربة مني وشاهد ما حدث لي في الوقت المناسب فرمى نفسه بكامل ملابسه في القناة ورفعني للأعلى وكنتُ راقداً في الماء تحت الدراجة الهوائية . وأذكر حادثاً طريفاً إذْ دخلتُ بدراجتي دون قصد سئٍّ بين ساقي رجل من ألبو مصطفى طويل القامة كان يمشي في الشارع العام في وسط مدينة المحاويل بين مقاهيها فكيف تصرف هذا الرجل ؟ حصر مقدمة الدراجة بين ساقيه بقوة ثم وجّهَ إلى وجهي لطمة شديدة بكفه أطارت صوابي ولم أستطع أنْ أصرخَ أو أحتجَّ فقد كنتُ مذنباً حقاً . ما زلتُ أتذكرُ وجهَ هذا الرجل الذي لم يسامحْ طفلاً ولم يغفرْ زلته وما زالَ صدى صفعته يرنُّ في أُذني . بعد عبد الله موّل توفي بالسل الرئوي كلٌّ من جواد كاظم الظاهر ثم جميل مرزة السلطاني شقيق سلمان مرزة مختار المحاويل السابق وربما الأخير .

ختام

ذكرت وتكلمتُ عن أبرز العوائل المحاويلية الأصلية ففي المحاويل الكثير من العائلات الأصيلة غير الوافدة أربابها أُناسٌ بسطاء شرفاء مستورون شأن البقية . الطريف أنَّ أغلب هذه العوائل الكبيرة منها والصغيرة ترتبط فيما بينها بأواصر قرابةٍ أو مصاهرةٍ قوية . فكاظم الشلبة ، والد الصديق مهدي كاظم الشلبة الخفاجي ، هو إبنُ عمِ كل من علي العباس وآل منير وآل مغير . وولده مهدي هو إبن خالة رزاق جاسم الحسن وهكذا .

مهدي كاظم الشلبة الخفاجي

كانت حياة مهدي مضطربة متعرجة صعبةً على وجه العموم . أكمل الدراسة الإبتدائية فدخل دار المعلمين الريفية في المحاويل لكنها أُغلقت عام 1948 لأسباب سياسية . دخل سلاح الجو قلاّصاً او سمكرياً أو براداً لستُ متأكداً من إختصاصه لكنه واصل دراسته المتوسطة والثانوية كطالب خارجي وحقق النجاحات المطلوبة فدرس القانون مساءً في كلية الحقوق . زار بريطانيا مرتين ، الأولى في العهد الملكي لمدة ستة أشهر للتدريب حين كان ما زال جندياً في سلاح الجو . أما المرة الثانية فكانت أواخرعام 1962حين كان ضابطَ إحتياطٍ بعد أنْ أنهى دراسته في كلية الحقوق ... أُرسلَ في بعثةٍ للدراسة والتدريب هناك لتأهيله كضابطٍ طيار في سلاح الجو العراقي لكنهُ أُعيد إلى بغداد سريعاً إذْ إكتشف مسؤولوه أنَّ الشروطَ غير متوفرة فيه . سُجن وناله أذى كثير إثرَ أنقلاب الثامن من شباط 1963 . بعد ذلك ترك الجيش ومارس مهنة المحاماة لعقود وعقود وسمعتُ أخيراً أنه فارق الحياة .

دخل مدرسة سلاح الجو أو الصنائع الجوية قبل مهدي كلٌّ من عبيّد حسن الشاهر وأحمد عبيد السلطاني .

كان في المحاويل في أربعينيات القرن الماضي حلاقان إثنان هما فرهود أبو سامي وفريحة ومجيد أبو علي الذي فارق الحياة بلسعة زنبور أسود حين كان يحلق وجه كرحات الحاج حمد وما كان قد أتمَّ حلاقته حين وقعت الواقعة . حلَّ بعد وفاته محله ولده الطفل علي فقام بالواجب خير قيام .

أكيد فاتني ذكر عوائل أخرى ما كان لهم أطفال من زملاء المدرسة أو الأصدقاء لي فما كنتُ مهتماً بجمع المعلومات عنهم أو ما كان يعنيني أمرهم لأسباب أجهلها . أعتذر منهم ومن ورثتهم ومن تبقّى على قيد الحياة منهم ولا سيما عليوي وعمران آل حسين وحسن الهربود وآل عودة الطَنَب كاظم وأخوته الأصغر منه ثم أخوهم لأبيهم عبد الله إبن حسنة . ورزاق وجبار وشقيقتهم رزيقة أولاد العم فرحان . ثم الحاج عمران أبو غنية وأخيه علي زوج السيدة العمّة زلّة شقيقة حسيّنْ الحُميّد وخالة محمد وشهيد ورشيد والدكتور وليد جاسم الزبيدي .

أطلب من شباب المحاويل اليومَ أن يواصلوا جهدي المتواضع هذا وأن يوثقوا تأريخ المحاويل نشأةً وتطوراً وأنْ يبحثوا في معنى وأصل لفظة (( محاويل أو خان المحاويل )) . مَنْ أسسها ومتى تأسست ومن أطلق عليها هذا الإسم وما معناه وما إشتقاقه ؟؟

ليست هناك تعليقات: