هـــيثــم البوسـعــيدي
تضعف الأرواح أمام بحور المال وتستسلم النفوس في مواجهة مغريات الجسد وتندفع القلوب نحو ملذات السلطة، يذهلني الأستسلام، لأكتشف معه تصاغر النفوس ورداءة القلوب، أتعجب من الرغبات الزائلة، وأندهش من الميول الطائشة.
نفسي تحثني على الأختباء بداخلي، ألوذ بشوق مفعم، انشغل برغبة آسرة، تتمايل روحي لمعانقة شهوة من نوع آخر، إنها شهوة الفكر التي تجبرني على التشبث بالأفكار...إنها لذة القلم التي تحرض الحنين القابع في أعماقي، ليستمر لهثي وراء رائحة الكتابة.
عجبا! تستثيرني الكتابة، تطغى على تفكيري، تأسر لذتها جسدي المعذب، تـدور حياتي في فلكها الممتع، يغرق فكري في محرابها، تزورني الساعات والدقائق، تتشبث أنفاسي بالخطيئة المباحة، يشتهي قلبي كل ما هو مخطوط، تستلذ عيوني بكل ما هو رائع في بطون المقالات ودهاليز الكتب لتقاسمني الأفكار المنام والممشى والمجلس.
تتحرك أسئلة في دماغي، أشم روائح الجرائد، ويحرك منظر الكتب غريزتي، يدمن بصري مواقع الأدب، تبتلي خلايا عقلي بالكلمات النفاذة وتختلط شرايين دمي بالرموز المغرية.
أندفع لا شعوريا لمضاجعة القراءة، تلتقط عيوني الحروف، وتصادفني الأفكار الخاطفة، تتوالد مجموعة من الأحداث، لتستنفر أغوار ذاتي، تكثر الخيالات، تتعايش هموم البشر في صدري، يختزل عقلي الواقع ويبذل ذهني طاقة هائلة لتفريخ الأفكار وصناعة الكلمات، تختلط العناصر في مخيلتي، لتشن الكتابة حربا ضروسا، تتصدع معها الدفاعات، تتجمد الحواس، ينهار الجسد، لاستسلم سريعا وبدون مقاومة.
تصاب روحي بغيبوة طويلة، أغيب عن العالم المنشغل بحروبه، يغرق عقلي في سكراته، ليخرج المارد من الأعماق، ينتزع الكلمات من صدري انتزاعا، يفرغ الرغبات، ويكرس المشاعر، تتدفق الحروف خلسة من بين أصابعي، يجري مداد القلم بسلاسة، تجمح روحي نحو أزرار الحاسوب، لتطبع الأنامل أرقى الجمل..عندها استسهل فك الطلاسم..تفسير الأسرار..اكتشاف الخلاص..وعصر المعاني..ليعيش وجداني شهوة لا تقاوم، وتحس جوارحي بالراحة، يهدء طوفان الأحاسيس، وتصل ذاتي الى ذروة اللذة لينتهي الكبت الغائر في أعماقي.
لا تعرف نفسي طيش الكتابة، طعامها العلم وسلاحها الثقافة ومرجعها الكلمة الصادقة..يرفض قلمي ممارسة الدعارة على صدور الأوراق وتستنكر أصابعي مزاولة الشذوذ وتدرك عيوني قدسية الحروف.
أخيرا شهوة الكتابة ..هي نفق الخلاص من الظلام..وقاربي الوحيد في بحر الهموم..سأظل أدواي بها جروح الأيام واغسل واقعي المر..وستظل مشاعري تلعق حروف الأطراء وتـخـفق أحاسيس قلبي لكلمات الأنتقاد..سأضمن رضا الخالق وبركاته...ومهما تقدم العمر وبدأت قصتي مع الموت فلن أستطيع إيقاف شهوة الكتابة.
الأحد، مايو 17، 2009
شهوة الكتابة
Labels:
هيثم البوسعيدي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق