د. ساسين النبوت
"في إحدى جولاته الإنتخابية عرّج على قريتنا أحد المرشحين، الذي هو ابنٌ للشعب البار، وعريقٌ من بلادي، وأبو الفقراء... الذي لا يستطيع النوم ليلاً ولا يحسّ بطعم الأكل إلا وهو يرى الأرض مفتقرةً إلى الفقراء... فاعتقد أنّ صعود ونزول سيارته الفخمة في حفر الطريق المؤدية إلينا، أيادي الناس ترفعه وترقص فيه... استقبله المختار وبعض الوجهاء، كما تجمّع حوله الصبية في الساحة، فعانقهم واحداً واحداً... آملاً أن تلتقط له صورة وهو في هذه الوضعية، فينتخبه كثر لأنّه حنون... قال أنّه آتٍ ليحكي لنا عن برنامجه... ثمّ سألنا إن كان هناك من منبر ليخطب فينا... نظر الحاضرون إلى بعضهم دون جواب... ثم قال أحدهم: آسف يا أستاذ، لم نتوقّع زيارة الشرف هذه... فقال مرشحنا الفضيل: لا يهم... أيّ شيءٍ مرتفع يفي بالغرض... ثم نظر صوب حديقة أحد المنازل وقال: أعطوني هذا البرميل... فقال له المختار: لا يا أستاذ... لا يجوز... وكان ردّه: أعطوني البرميل...
وقف على منبره وراح يخطب فينا: أنا ابنٌ لهذا الشعب... وأنا لكم... نعم لكم... أنا لا أبغي شيئاً إلا مصلحتكم...
فرحل خمسة من الحاضرين وهم يقولون فيما بينهم: مثل من سبقوه!...
ثم قال: أنا لبلدتكم كما انّي لبلدتي... وأنا والله لكلّ الوطن... لن أقبل بعد اليوم حرماناً أو ظلماً عليكم...
فرحل خمسةٌ آخرون وهم يقولون: من هو ليقبل أو يرفض... عندما يصل سينسى كلّ شيء...
وأكمل: سأكون صوتكم هناك...
فرحل فوجٌ جديد وهم يقولون: كلّهم سرقوا أصواتنا... لم يعد لدينا صوتاً لنعطيك...
قال: اطرقوا بابي ساعة تريدون...
فرحل فريقٌ آخر وهو يقول: بابكم من حجر، الطرق عليه يعود علينا بالكسر...
قال: ما إن أصل، سأوصي بإنماء قريتكم...
فقام المختار وصحبه مبتعدين عن المكان وهم يقولون: أصواتنا ليست للبيع... ماذا يعتقد؟ لو أننا أردنا ذلك يوماً لبنينا القصور، وافترشنا الطرقات ذهباً...
لم يبقى إلا شخصٌ واحدٌ جالس ليستمع إليه...
فنزل الزعيم من علياء البرميل، واتجه نحوه قائلاً: أنت من قَبل سماع حديثي حتى آخر لحظة... لن أمرّرها هكذا، ما إن أصل إلى ما أحلم به، سأعطيك مركزاً مهماً...
فرد عليه الرجل قائلاً: عفواً يا أستاذ... لم أكن أستمع إليك... أنا صاحب البرميل، وأريد ردّه إلى البيت... شكراً...
فنفض المرشح رجليه، وصعد في سيارته الفخمة... حلّ ربطة عنقه، ثم أخذ نفساً عميقاً...
على الطريق سأل سائقه: كيف كنت أبدو؟!
قال السائق: لا تليق إلا لك يا أستاذ...
فاندّست في جيبه العلاوة..."
اليوم بلادي هي الأولى في العالم في صناعة المنابر... والكراسي... كما أنّها سجّلت نفسها في كتاب غينس للأرقام القياسية، لأنّ فيها أكبر عدد مواقف (سياسية) في العالم... وأكبر عدد سياسيين وأحزاب سياسية بالنسبة للمساحة وعدد السكان...
هل كلّما أراد أحدهم الجلوس على كرسي ما، لم يستطع الحصول عليه في حزبه السابق... يصنع بنفسه حزبه وكرسيّه...
إلى متى سنستمرّ بالوقوف خلف شخصٍ ما؟
وما هي هذه المشاريع الإنتخابية التافهة التي يلقيها مرشحونا على مسامعنا؟
كيف يحاسب الناخب نائبه؟ على أيّ أساس؟ هل لأنّه لم يعبّد طريق القرية، ولم يوظف ابنه أو ابنته... أم لأنّه وضع خطة شاملة لإصلاح الطرقات كافةً... وأمّن بناء مصانع لنكون بحاجةٍ حتى لأشخاص من الخارج لأنّ عدد عمّالنا لا يكفي...
على ماذا سياحسبوه؟ أليس على تصوّره ونهجه في السلطة، والكمّ من الوطنية... وسياسته الإصلاحية...
المنابر العالية أيّها السادة لا تبقى كذلك... حتى ولو كنتم فوق، ناظرين صوبنا إلى الأسفل... لا تقولوا: كلي يا نفسي وتلذذي... أنا لي السلطان... لأنّ الناس ليسوا عبيداً لكم...
أنزلوا من عليائكم أيّها السادة... سيروا بيننا... تذوّقوا حلونا ومرّنا... اشتمّوا رائحة عرقنا... ألستم بشراً مثلنا؟
كنّا لنسمعكم أكثر لو جالستمونا، وكلمتمونا بصوتٍ خافت... تماماً كما يخبر صديقين شجونهما لبعضهما... أم أنّنا أعداء معاذ الله...
"في إحدى جولاته الإنتخابية عرّج على قريتنا أحد المرشحين، الذي هو ابنٌ للشعب البار، وعريقٌ من بلادي، وأبو الفقراء... الذي لا يستطيع النوم ليلاً ولا يحسّ بطعم الأكل إلا وهو يرى الأرض مفتقرةً إلى الفقراء... فاعتقد أنّ صعود ونزول سيارته الفخمة في حفر الطريق المؤدية إلينا، أيادي الناس ترفعه وترقص فيه... استقبله المختار وبعض الوجهاء، كما تجمّع حوله الصبية في الساحة، فعانقهم واحداً واحداً... آملاً أن تلتقط له صورة وهو في هذه الوضعية، فينتخبه كثر لأنّه حنون... قال أنّه آتٍ ليحكي لنا عن برنامجه... ثمّ سألنا إن كان هناك من منبر ليخطب فينا... نظر الحاضرون إلى بعضهم دون جواب... ثم قال أحدهم: آسف يا أستاذ، لم نتوقّع زيارة الشرف هذه... فقال مرشحنا الفضيل: لا يهم... أيّ شيءٍ مرتفع يفي بالغرض... ثم نظر صوب حديقة أحد المنازل وقال: أعطوني هذا البرميل... فقال له المختار: لا يا أستاذ... لا يجوز... وكان ردّه: أعطوني البرميل...
وقف على منبره وراح يخطب فينا: أنا ابنٌ لهذا الشعب... وأنا لكم... نعم لكم... أنا لا أبغي شيئاً إلا مصلحتكم...
فرحل خمسة من الحاضرين وهم يقولون فيما بينهم: مثل من سبقوه!...
ثم قال: أنا لبلدتكم كما انّي لبلدتي... وأنا والله لكلّ الوطن... لن أقبل بعد اليوم حرماناً أو ظلماً عليكم...
فرحل خمسةٌ آخرون وهم يقولون: من هو ليقبل أو يرفض... عندما يصل سينسى كلّ شيء...
وأكمل: سأكون صوتكم هناك...
فرحل فوجٌ جديد وهم يقولون: كلّهم سرقوا أصواتنا... لم يعد لدينا صوتاً لنعطيك...
قال: اطرقوا بابي ساعة تريدون...
فرحل فريقٌ آخر وهو يقول: بابكم من حجر، الطرق عليه يعود علينا بالكسر...
قال: ما إن أصل، سأوصي بإنماء قريتكم...
فقام المختار وصحبه مبتعدين عن المكان وهم يقولون: أصواتنا ليست للبيع... ماذا يعتقد؟ لو أننا أردنا ذلك يوماً لبنينا القصور، وافترشنا الطرقات ذهباً...
لم يبقى إلا شخصٌ واحدٌ جالس ليستمع إليه...
فنزل الزعيم من علياء البرميل، واتجه نحوه قائلاً: أنت من قَبل سماع حديثي حتى آخر لحظة... لن أمرّرها هكذا، ما إن أصل إلى ما أحلم به، سأعطيك مركزاً مهماً...
فرد عليه الرجل قائلاً: عفواً يا أستاذ... لم أكن أستمع إليك... أنا صاحب البرميل، وأريد ردّه إلى البيت... شكراً...
فنفض المرشح رجليه، وصعد في سيارته الفخمة... حلّ ربطة عنقه، ثم أخذ نفساً عميقاً...
على الطريق سأل سائقه: كيف كنت أبدو؟!
قال السائق: لا تليق إلا لك يا أستاذ...
فاندّست في جيبه العلاوة..."
اليوم بلادي هي الأولى في العالم في صناعة المنابر... والكراسي... كما أنّها سجّلت نفسها في كتاب غينس للأرقام القياسية، لأنّ فيها أكبر عدد مواقف (سياسية) في العالم... وأكبر عدد سياسيين وأحزاب سياسية بالنسبة للمساحة وعدد السكان...
هل كلّما أراد أحدهم الجلوس على كرسي ما، لم يستطع الحصول عليه في حزبه السابق... يصنع بنفسه حزبه وكرسيّه...
إلى متى سنستمرّ بالوقوف خلف شخصٍ ما؟
وما هي هذه المشاريع الإنتخابية التافهة التي يلقيها مرشحونا على مسامعنا؟
كيف يحاسب الناخب نائبه؟ على أيّ أساس؟ هل لأنّه لم يعبّد طريق القرية، ولم يوظف ابنه أو ابنته... أم لأنّه وضع خطة شاملة لإصلاح الطرقات كافةً... وأمّن بناء مصانع لنكون بحاجةٍ حتى لأشخاص من الخارج لأنّ عدد عمّالنا لا يكفي...
على ماذا سياحسبوه؟ أليس على تصوّره ونهجه في السلطة، والكمّ من الوطنية... وسياسته الإصلاحية...
المنابر العالية أيّها السادة لا تبقى كذلك... حتى ولو كنتم فوق، ناظرين صوبنا إلى الأسفل... لا تقولوا: كلي يا نفسي وتلذذي... أنا لي السلطان... لأنّ الناس ليسوا عبيداً لكم...
أنزلوا من عليائكم أيّها السادة... سيروا بيننا... تذوّقوا حلونا ومرّنا... اشتمّوا رائحة عرقنا... ألستم بشراً مثلنا؟
كنّا لنسمعكم أكثر لو جالستمونا، وكلمتمونا بصوتٍ خافت... تماماً كما يخبر صديقين شجونهما لبعضهما... أم أنّنا أعداء معاذ الله...
هناك تعليق واحد:
كلما ارتفع الخطيب في المنصة العالية ، كلما بدى الناس دونه أصغر حجما. أعرف رئيس جمهورية ، خسر من ماله الشيء الكثير ، لينقذ الشعب اللبناني من حربه الأهليه . حمل هو وزوجته روحهما على كفيهما لينقذا لبنان من مصير الهاوية ، علما بأن سلفه للرئاسة قد أغتيل بعد أيام من انتخابه رئيسا . فرغم ذلك لم برعبه أو يزحزح أيمانه بمسئوليته اتجاه شعبه الغارق في حرب مدمرة.
لنترحم جميعا على المرحوم، بأذن الله الرئيس الياس الهرواي، الذي خسر ماله ، وعافيته لينقذ لبنان
إرسال تعليق