بقلم: إبراهيم علي
في يوم الأربعاء الموافق للحادي عشر من الشهر الجاري، كنت ضمن مجموعة من الزملاء الكتاب والصحفيين العاملين في الصحف المحلية في حلقة حوار مستديرة مع الدكتور محمد بشار عرفات. و الأخير لمن لا يعرفه أمريكي من أصل عربي و يمثل "مؤسسة التعاون بين الحضارات"، وهي إحدى المؤسسات الأمريكية الخاصة غير الحكومية.
كان الموضوع الأبرز المطروح للنقاش هو كيفية بناء جسور للحوار والتواصل بين الشعوب الإسلامية والشعب الأمريكي، و هو ما أفاض فيه الضيف، مركزا حديثه على مسألتين محددتين:
المسألة الأولى: أن الجاليات القادمة من البلدان العربية و الإسلامية إلى الولايات المتحدة عاشت عقودا طويلة في حالة من العزلة و اللااكتراث بما يجري من حراك في المجتمع الأمريكي، بمعنى عدم بذلها لأدنى محاولة أو جهد للاندماج في أوساط صناعة القرار والتأثير عليها. هذا على الرغم من إدراكها لما لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة من تأثير على الصعيد العالمي، فضلا عما يسمح به النظام السياسي هناك لمكونات المجتمع المختلفة من حرية العمل و الحركة و التأثير و تأسيس جماعات الضغط. وطبقا للدكتور عرفات فان هذا يعتبر موقفا سلبيا للجاليات العربية والمسلمة، و تقصيرا منها في استغلال ما يتصف به المجتمع و النظام الأمريكيين من انفتاح و تسامح و حريات عامة في إيصال صوتها و طرح مواقفها.
المسألة الثانية: إن الجاليات العربية و المسلمة هناك أصبحت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية في أمس الحاجة إلى الانفتاح والتواصل والتسامح والحوار مع سائر مكونات المجتمع الأمريكي. ومن ناحية أخرى فرضت تداعيات تلك الأحداث البشعة ضرورة أن تقوم منظمات المجتمع المدني في البلاد العربية بتحرك مدروس ومخطط لمد جسور الحوار والتواصل مع مثيلاتها في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق أكد الضيف أن المجتمع الأمريكي و الحكومة الأمريكية كانا دائما و لا يزالان على استعداد للحوار و الاستماع لوجهة النظر العربية العقلانية والمعتدلة و المنطلقة من قاعدتي احترام الاختلافات الثقافية و الدينية، وحماية المصالح المتبادلة بين الأمة الأمريكية و الشعوب العربية.
و في رأينا المتواضع أنه لكي يكون هناك حوار بناء بين الطرفين، لا بد من توافر شروط تسبق الحوار أو توازيه، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: تحقيق توافق داخلي بين مكونات الشعب الواحد في القطر الواحد، انطلاقا من حقيقة أن أي حوار مع الآخر لن يكتب له النجاح إذا خاضه احد طرفيه و هو في حالة انقسام و تفرق. فمثلاً كيف يمكن للشعب البحريني أن يقيم حوارا ناجحا وبناء مع أي شعب من شعوب الدنيا ، إذا كان هو نفسه عاجزا عن إقامة مثل هذا الحوار بين مكوناته و أطيافه المختلفة بروح متسامحة؟
إن هناك مشكلة داخلية متفاقمة في كل بلد عربي، عنوانها العريض غياب التسامح والتوافق وقبول الآخر المختلف، وتسيد عقلية الإقصاء والاستحواذ والوصاية والطائفية والعنصرية المقيتة. ولا شك أن هذا يمثل تحديا كبيرا لا يمكن مواجهته إلا من خلال الاعتراف الصريح بوجوده أولا، و من ثم وضع الحلول العلمية والعملية له بشجاعة ودون مكابرة، هذا إن أردنا أن نخوض حوارا جادا مع الغرب و ننجح فيه.
ثانياً: لكي ينجح الحوار مع الغرب، لا بد من اعترافنا الصريح بأن لهذا الغرب مصالح حيوية في بلداننا، و أن هذه المصالح تتقاطع بصورة أو بأخرى مع مصالحنا، وبأنه ليس من مصلحتنا على الإطلاق معاداته أو التحريض عليه أو إطلاق العنتريات ضده، لا سيما و أن الغرب، مهما كان رأينا فيه، يمسك اليوم بمفاتيح السياسة الدولية و سيظل كذلك لعقود أخرى طويلة بحسب مؤشرات موازين القوى العالمية. وبعبارة أخرى، فان الاعتراف المتبادل بوجود مصالح مشتركة هو بداية الطريق للحوار والتواصل الناجح، علما بأن اعترافنا بمصالح الغرب و قوته و تفوقه، إنما هو اعتراف بحقائق العصر، و ليس تبشيرا بالانكسار و الخضوع والإحساس بالدونية.
ثالثاً: من شروط أي حوار ناجح أيضا، أن يعترف كل طرف مقدما بالمكونات الثقافية و الدينية للطرف الآخر، و أن يتعامل معها بالتسامح والاحترام والفهم العميق من دون ازدراء لها أو تحريض عليها أو تقييد لحريات أصحابها. و ما نعرفه و نسمعه من الجاليات العربية و المسلمة في الغرب، أنها تتمتع بحريات كاملة في إقامة شعائرها و بناء معابدها و نشر عقيدتها و طباعة أدبياتها، و تأسيس مراكزها الإعلامية، هذا في الوقت الذي لا تمنح فيه بعض البلاد العربية مثل هذه الحقوق أو بعضها لرعايا الطرف الآخر أو من ينتسبون إلى عقيدتهم الدينية، بل في الوقت التي تصدح فيه ميكروفونات الجوامع العربية كل جمعة بالدعاء عليهم و على ونسلهم وذريتهم، وصولا إلى تمني زوالهم و سبي نسائهم و تيتم أولادهم!
رابعا: ضرورة وجود مؤسسات عربية و إسلامية غير حكومية مماثلة للمؤسسة التي يمثلها الدكتور عرفات، يكون من أهدافها القيام بنشاطات وزيارات ميدانية عبر القارات، و ذلك من اجل مد جسور التواصل والحوار بين الثقافات والحضارات والاستماع لوجهة النظر المختلفة والمغايرة. فبدلاً من توجيه اللوم للأخر على عدم تفهمه لقضايانا، علينا أولاً أن نسأل أنفسنا ما الذي قمنا بعمله كشعوب وحكومات من أجل تأمين التواصل والحوار مع هذا الآخر؟
bumarwan@batelco.com.bh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق