الثلاثاء، أكتوبر 03، 2006

خارطة الطريق الوطنية

مجلة ليلى تنشر مقال الأديبة سوسن الشاعر كاملاً، بعد أن نشر مشوهاً لأسباب لا يعرفها إلا من شوهه.
**

قبل المقال
اود ان اشكر جريدة الوطن على سماحها بنشر هذا المقال و بنشر مقالات اخرى سابقة متعلقة بتقرير البندر.
فقد سمحت هذه الجريدة ان ترفع سقف الحرية بشكل لم تسبقها فيه أي من الصحف الاخرى, حين سمحت لي بكتابة مقالات ضد توجهها و ضد مصالح ملاكها وهو سقف للامانة ما كانت صحف اخرى لترفعه الى هذا الحد, و قد شهد بذلك العديد ممن تعجب لنشر بعض المقالات التي انتقدت فيها الصحيفة ذاتها و موقفها من قضية البندر, و سماحها بنشر تلك المقالات موقفا رائعا يستحق العناية به, خاصة و قد ورد اسم الصحيفة في التقرير.

كما اود ان انبه الى اننا لن نخوض في "تفاصيل" ما جاء في تقرير البندر لان ذلك من اختصاص جهات اخرى لتثبت كذب او صدق ادعاءاته.

شكرا جلالة الملك
نبدأ بتوجيه الشكر الجزيل لجلالة الملك المفدى على توجيهاته السامية للمسئولين باعتماد ما تتوافق عليه البحرين حول العملية الانتخابية, و سواء كان ذلك لمعالجة تداعيات تقرير البندر الذي طالبت بعض الجمعيات السياسية بالتحقيق فيه او كان ذلك التوجيه بمعزل عنه, الا ان التوجه بحد ذاته يؤكد النهج الديموقراطي الذي سنه بو سلمان في التعامل مع المجتمع البحريني, فقد اكد جلالته على ضرورة التوافق الشعبي و الرسمي في القرار الانتخابي, سواء تطلب ذلك الغاء التصويت الالكتروني او تطلب تشكيل لجنة حقوقية للمراقبة الشعبية على الانتخابات فليكن.
هذا التوجيه هو الذي جعل قرار الغاء التصويت الذي صدر بالامس ممكنا, و بالمناسبة نشكر الجمعيات الاربع التي دفعت وحدها بعدم اعتماد التصويت الالكتروني وهم جمعية الشفافية و جمعية حقوق الانسان و جمعية الميثاق و جمعية الوسط الاسلامي, ليس لاننا ضد التصويت الالكتروني بالمطلق, لكن لاننا مع تحديد اولويات المرحلة و اهمها جسور الثقة, و هذا ما اكدت عليه هذه الجمعيات الاربع في اللقاء, اذ لولا حضورهم لبدا ان (الجمعيات السياسية كلها) موافقة على الالكتروني, و لكان الامر صور على ان هناك (توافق) عليه وهذا غير صحيح, خاصة و الجمعيات السنية الاسلامية حضرت و كانت مع التصويت الالكتروني, انما وجود هؤلاء الاربعة بين ان هناك من يرفض و غير قابل بالتصويت الالكتروني, هذا التواجد هو وحده ما قاد الى الدفع بالغاء التصويت, و ننتهز الفرصة لنوجه لومنا للجمعيات التي قاطعت الاجتماع لتكرارها الاخطاء ذاتها في كل مرة!! رغم اننا نشكرها بالمقابل على تعاملها مع ملف البندر بمهنية عالية منذ لحظة استلامها للتقرير و كان ذلك قبل لقاء الملك بمدة طويلة و اود ان اشيد بالموقف العقلاني جدا للتحالف الرباعي في التعامل مع تقرير البندر حين ما وقع في يده, فقد احتفظوا به لاكثر من اسبوعين دون نشره و دون توظيفه سياسيا ودون استخدام (الشارع) بل التزموا و اكدوا على انهم يرفضون هذه الورقة رغم ان هناك من كان يدفع باللجوء (للشارع) و بشدة و يتهمهم بالخنوع, لكنهم أثروا انتظار ردة الفعل الرسمية, هذا الكلام احقاقا للحق لمن يوجه له اللوم, و لكن لنا تحفظ على طريقة ادارته للازمة فيما بعد و سناتي بالتفصيل على اسباب هذا التحفظ.

دفع تاخر ردة الفعل الرسمية الجمعيات السياسية المعارضة للتعامل العلني معه, و قد كان ما كان, ولا يستطيع احد ان يلومها بعد ان منحت الفرصة للمعالجة الهادئة و لم تحصل على استجابة, ومن السذاجة جدا المطالبة بالتغاضي عما جاء في التقرير لمجرد ان اصحابه نفوه!

اما بالنسبة لتاخر ردة الفعل الرسمي فلقد عودنا الحكم تاريخيا على التاني في ابداء ردات الفعل, انما يعتمد صحة قرار التاني او عدم صحته على الظرف و الملابسات المصاحبة لكل قرار, و بالنسبة لتقرير البندر بدا لنا ان وكان هناك صمت, و كان هناك عدم وجود حاجة لردة فعل! و من الصعب الحكم على صحة تعامل الحكم مع تداعيات التقرير لانها تتطلب معلومات من الداخل, انما نملك ان نتداول ما ظهر من قرارات صدرت بعد تداول التقرير, و بعد اجتماع جلالته مع الجمعيات السياسية, لنرى كم منها يرتبط بتداعيات التقرير.


قرارات توافقية
اولا صدر قرار مفاجئ بتوجيه اللجنة العليا للانتخابات بمهمة تشكيل اللجنة الشعبية ,بعد ان غيبت اللجنة العليا طوال الازمة حتى نسيناها مع انها هي التي يجب ان تكون في الصدارة و ما كان من المفروض للجهاز المركزي الا ان يكون معاونا تقنيا لها حسب القرار رقم 32 الصادر من وزير العدل في 14 سبتمبر.

ثانيا اوكلت رئاسة اللجنة التنفيذية والاشراف عليها للقضاء بعد ان كانت للجهاز المركزي, و هذا تطور آخر جديد عالج به انفراد الجهاز بالقرار التنفيذي, و ذلك تصحيح لوضع كان معوجا بانفراد الجهاز المركزي بالتحكم في الانتخابات و فرض رؤيته قسرا على الاخرين, ان اشراف القضاء المباشر على اللجنة التنفيذية خطوة جديرة بالتقدير, بغض النظر عن ارتباطها بالتقرير ام لا.

ثالثا اصبح التصويت الالكتروني مسألة خاضعة للتوافق بعد ان كان امرا مقضيا, فمن تجاهل تام للراي العام و لراي القوى السياسية الى دعوتها لا للاستئناس برايها فحسب, بل للقبول به و تنفيذه! وهذا ما حصل و الغي التصويت الالكتروني.

من خلال رصد هذه الاجراءات و تلك القرارات الاخيرة نستطيع ان نتلمس معالجة هادئة لمطالب القوى السياسية, و هي نقل سلطة الاشراف على سير الانتخابات لجهات اخرى غير الجهاز المركزي للمعلومات, صحيح ان المعالجة ليست بطريقة دراماتيكية كما يتمنى التحالف, وهذه ربما لحسابات خاصة بالحكم, انما فعليا و عمليا تم من خلال هذه الاجراءات الهادئة نقل "سلطة" تنظيم الانتخابات بشكل تام ليد اخرى.


و لسنا في محل ادانة من وردت اسمائهم في التقرير, و لسنا في محل حكم عليهم, او التشكيك في امانتهم, انما المصلحة العامة و بعيدا عن التقرير تقتضي هذه الشفافية و تلك الاحترازات التي تمت لتنظيم الانتخابات, و التي لا تضر الجهاز المركزي للمعلومات ابدا ولا تسئ له بل تخدمه و تبعده عن الشبهات, و ذلك فخر للبحرين في كل الاحوال, و مثلما الغي التصويت الالكتروني للصالح العام نتمنى ان تتواصل المسيرة و تشكل لجنة رقابية مدنية اختصاصية للاشراف على سير العملية الانتخابية بالتعاون مع الجهاز القضائي المشرف عليها.

و المعالجة العقلانية لتداعيات التقرير تقتضي من جميع الاطراف تحديد اولويات التبعات, و التمييز بين تلك التي لا تحتمل التاخير, وتلك التي بالامكان تاجيلها, اذ قد تتعارض المعالجات و تعيق احداهما الاخرى.

التصرف العقلاني المطلوب هو المشاركة الايجابية في تنظيم الانتخابات و مراقبتها, و اختبار جدية النظام في مسألة تشكيل اللجنة الاهلية الرقابية حتى تسير المركب, و حتى لا تظهر المعارضة و كانها فرحة فقط بما لديها دون اعتبار للمصلحة العامة.
ان الاصرار على معالجة كل تبعات التقرير دفعة واحدة يعد عصى في طريق الحل, و مثلما بدات المعارضة بعقلانية نتمنى ان تكمل توجهها العقلاني, و من وجهة نظري المعالجة الفورية المطلوبة من الجميع لابد ان تتركز الان على سير الانتخابات و نزاهتها, و من ثم لنا كلام حول تبعات التقرير الاخرى.

ترتيب افكار و ترتيب اولويات


هناك تبعات سياسية لما ورد في تقرير البندر خارج نطاق الانتخابات و ابعد منها اثرا و لا يمكن ان تمر تلك التداعيات بدون معالجة مكتملة لها سواء بتحقيق او بغيره, و لا يمكن لاي ساذج ان يتوقع ان تقريرا كهذا ستتركه أي قوى سياسيا يمر مرور الكرام, انه تقرير هز المجتمع البحريني باسره, بغض النظر عن صحة و كذب ما جاء فيه, و من وجهة نظري ان اكثر المعنيين باجراء تحقيق و كشف الحقيقة هم من وردت اسمائهم فيه, هم الذين تضرروا و تمت الاساءة لهم و شهر بهم وهم الاحوج لكشف الحقائق للناس و درء تلك التهم الفظيعة عنهم, و هم من يجب ان يصروا و يطالبوا بالتحقيق كما فعل الزميل محميد المحميد.

ولا يعنينا ابدا من هو صلاح البندر و ما هي اهدافه, فذلك خارج نطاق اهتمامنا, ان اهتمامنا منصب على هذه الاسماء البحرينية التي نتمنى كذب ادعاءات ما جاء في التقرير حافظا على سمعتها و سمعة التيار السني تحديدا, و سمعة البحرين برمتها.

ثانيا لنتذكر انه لا يوجد بلد في العالم ليس به انحراف سياسي يصاحبه فساد مالي و فيما لو ثبت صحة ما جاء في التقرير, فذلك انحراف سياسي ومالي له ادواته المعالجة.

انما يحق لنا ان نهدأ قليلا و لا نفزع هذه الفزعة ليس لان التقرير هين, بالعكس فالتقرير -ان صح ما جاء فيه- فهو خزي و عار, انما لنا ان نهدأ لاننا نملك كنظام دستوري ادوات التعامل مع الفساد و الانحراف, وهذا الذي يجب ان نفزع له لو كنا لا نمتلكه, أي لو كانت يدنا مكتوفة حياله.

ففي كل الدول تحدث مثل هذه القصص, و من يحق له الحزن و الولولة هم من لا يستطيعون حتى ان يفتحوا فمهم و يشيرون لموقع الفساد, لكننا ولله الحمد نملك صحافة لم تتحرج في نشر أي قول او تحليل حول هذا الموضوع, بما فيها جريدة الوطن المتهمة بهذا المخطط, و للامانة قد سمحت بان يكتب فيها مقالات ضد مصلحة ملاكها, و للامانة اتحدى ان يمنح ملاك أي صحيفة الحق للكتاب فيها ان يهاجموا مصالحهم و يضروها بالشكل الذي قامت به الوطن, لذا فاننا في البحرين من حيث حرية التعبير بحال افضل من غيرنا بكثير.

و بعض الدول الاخرى يملك افرادها و صحافتها ان يعبروا كما يشاءون لكنهم لا يملكون غير القول ويدهم مكتوفة و مقيدة عن التصرف حيال المفسدين و لا يملكون غير التنفيس.

اما بعضها الاخر فيملك صحافة حرة و يملك معها الادوات القانونية سواء كانت القضائية او الرقابية النيابية التي تعاقب الفساد و تحجمه, و تلك هي افضل الدول حالا, و هي ادوات نملكها ولله الحمد, فعلاما الاصرار على ان يكون معالجة بقية تبعات التقرير في يد النظام؟

لقد سرنا دهرا من الزمن نقف عند باب الحكومة او باب النظام ليحل لنا امورنا العالقة, و ها نحن اليوم و رغم اننا نملك تلك الادوات بفضل من الله سرنا على عادتنا و وقفنا ننتظر من الحكم ان يبادر لحل ازمة البندر!

المبادرة في معالجة الاثر السياسي ممكن ان تكون في يدنا كمجتمع يمتلك حرية استخدام الادوات القانونية الدستورية خاصة بعد ان اشبعنا القضية كلاما في صحافتنا, لذا فانني انصح بالتالي:

اولا التفكير مرتين قبل رفع دعوى, ليس لان القضية لا تستحق, بل لان هذا معناه خسران ادواتك الرقابية البرلمانية مستقبلا, فحينها ستكون القضية في يد القضاء و لن تستطيع ان تعالجها معالجة سياسية.

ثانيا لا يعالج الملف الا نيابيا بالادوات الدستورية, و امام البرلمان شهور قليلة و ينعقد و سيمتلك اعضاء البرلمان صلاحية تشكيل لجنة للتحقيق برلمانية, و على ضوء نتائج التحقيق يحال الملف للنيابة -ان وجد ما يتطلب ذلك- و حينها تستطيع القوى السياسية ان تتحرك بشكل مهني لائق, لذا فان مطالبة التحالف الان (بتشكيل لجنة مستقلة و تراسها شخصية وطنية متفق عليها) مضيعة للوقت و سندخل في متاهات لا اول لها و لا آخر, و نكون كمن القى بشرط تعجيزي و ادار ظهره للمسألة.

ثالثا عدم المزايدة بطلب وقف من وردت اسمائهم عن العمل فتلك مهمة السلطة القضائية و السلطة التنفيذية, و لا تملكون فرضها, فلا نصعد الامور ونضعها عصاة في عجلة الانتخابات مثلا, كما ان الجميع ابرياء حتى تثبت ادانتهم, فلنتاني و نحن نتناول الاسماء, فتلك سمعة ناس و شرفهم و طعن في امانتهم و لسنا قضاة.

نتمنى في النهاية من كل قلوبنا ان نمتلك جميعنا الحكمة التي هي احوج من نكون لها و ان لا تعالج المسألة تحت ضغط الدعاية الانتخابية, نحن احوج ما يكون للتركيز الان على نزاهة الانتخابات و ضمان الالتزام بالمصداقية و الحيادية بشهادة الجمعيات المختصة, لضمان وصول نواب يعملون على مصلحة هذا الوطن, تلك هي القضية التي يجب ان نكون متفقين على اولويتها ملك وحكومة و شعبا, وبما ان السلطة بدات في اتخاذ قرارات تلقى توافقا شعبيا فاعطوها الفرصة, و بما انكم بدأتم التعامل مع هذا الملف بعقلانية فاتموها.

ليست هناك تعليقات: