بقلم: إبراهيم علي
- كاتب بحريني
بعد الخامس والعشرين من نوفمبر القادم ، وهو اليوم المقرر لإجراء ثاني انتخابات نيابية وبلدية في ظل المشروع الإصلاحي ، سيدخل شعب مملكة البحرين مرحلة جديدة في تاريخه المعاصر. و هو هنا أمام خيارين: فإما أن يتقدم نحو بناء مملكة دستورية نموذجية تنير طريقها العقلانية، مثلما هو متعارف عليه في الممالك الدستورية المعروفة في عالم اليوم، أي نحو المزيد من الحريات المدنية العامة والفردية، والمزيد من معالم مجتمع الرفاه والمعرفة والالتزام بالقانون وإدارة الدولة باستراتيجيات و أساليب مدروسة و راقية و حضارية و مستقرة يكون ولاء المواطن فيها للدولة المدنية المحكومة بدستور مدني وقوانين مدنية نابعة من احتياجات الإنسان المعاصر، وإما أن ينحدر نحو المزيد من التشرذم والتمزق والولاءات القبلية والطائفية والعنصرية، والمزيد من سياسات التنفيع وشراء الذمم بالمال السياسي، والمزيد من تفشي الفساد واستشراءه في مفاصل الدولة والمجتمع، والمزيد من الضياع والتخبط، و غير ذلك مما لا نتمنى حدوثه.
إن صعودنا أو انحدارنا رهن بمدى تمتع نخبنا السياسية والثقافية بعقلية منفتحة مستنيرة ترنو بعزيمة صلبة نحو المستقبل، و تستفيد مما انتهت إليه تجارب الشعوب والأمم المتحضرة، وتتجنب الدخول في المهاترات والمزايدات و المماحكات و الشعارات و العنتريات العقيمة من تلك التي ابتليت بها دول و شعوب مجاورة في مسيرتها الدستورية و الديمقراطية السابقة لمسيرتنا بعقود. فالتاريخ يعلمنا أن الدول التي لا تتقدم في البناء والتنمية والنهضة بصورة مطردة ثابتة لا بد أن يأتي عليها يوم تصاب فيه بالتقهقر والانجرار نحو الضعف والتخلف، مهما توفر لديها من موارد طبيعية وفوائض مالية.
من الكوارث التي يعاني منها مجتمعنا اليوم، تلك السلبية واللامبالاة التي يبديها المواطن إزاء انتهاكات حقوقه وحرياته المنصوص عليها في الدستور و ميثاق العمل الوطني. غير أن الأغرب من ذلك هو أن بعضا من هذه الانتهاكات كان مصدرها للأسف هو ممثلي الشعب المنتخبين المفترض فيهم بموجب القسم حماية حقوق المواطن و حرياته و خياراته و الدفاع عن تعددية المجتمع البحريني و تميزه و انفتاحه، لا التسابق والتنافس في إهدارها تلك الحقوق بحجج زائفة مثل حماية الموروث والخصوصيات الدينية والثقافية. إن المواطن الفرد، والشعب في مجموعه هما خط الدفاع الأول في التصدي لأي تعدي علي الحقوق والحريات، فلا مجلس منتخب أو غيره من المؤسسات قادر على صيانة حقي وحريتي إذا كنت أنا نفسي غير واع بها أو مستعد للذود عنها بالطرق السلمية وعبر الوسائل الديمقراطية المتاحة. فعلى سبيل المثال أين نواب الشعب الذين وقفوا بقوة وحزم إزاء بعض القوانين أو القرارات الإدارية التعسفية كقانون الحشمة المطبق على طلبة جامعة البحرين؟ وهل تقدم نائب أو مجموعة من النواب للطعن بعدم دستورية هذا القانون أمام المحكمة الدستورية؟ وهل قام الطلبة أو تنظيماتهم الطلابية و الشبابية بالدور المرجو و المفترض فيهم لجهة تولي المهمة التي تقاعس نواب الشعب عن الاضطلاع بها؟
إننا نتمنى فعلا أن نرى في مجتمعنا من يتخذ مما هو وارد في نصوص الدستور و روحه، و لاسيما المادة القائلة بأن الشعب هو مصدر السلطات جميعا، منطلقا للجؤ إلى المحكمة الدستورية و رفع الطعون ضد بعض القوانين والقرارات الصادرة من مؤسسات الدولة المختلفة. فهذه الوسيلة السلمية الحضارية هي من أخطر أدوات الرقابة المتاحة للمواطنين، والتي ينبغي عدم التقليل من أهميتها ودورها في تصويب بعض الأوضاع الخاطئة.
وأخيرا فإن لدينا قناعة راسخة، بأن بلادنا تعيش فعلا منذ عام 1999 تحولات نوعية نحو بناء وترسيخ النظام الديمقراطي، بيد أن هذه التحولات للأسف محفوفة بالمخاطر من كل جانب كنتيجة لألاعيب بعض القوى التي لا زالت تعيش خارج مدارات الكون و لها أجندات غارقة في التخلف و الاستبداد و الإقصاء. و في اعتقادي و اعتقاد الكثيرين أن صمام الأمان الوحيد أمامنا هو مدى إدراك المواطن لخطورة دوره وصوته في صنع تلك التحولات وتوجيهها نحو الوجهة الصحيحة. وبعبارة أخرى، إما أن يكون صوته في الاتجاه الذي يخدم مصالح الوطن و أجياله الحاضرة و المقبلة، أو أن يكون في اتجاه الإتيان بمن يعمل ضد التطور و الحداثة و العصرنة و بالتالي ضد مستقبل الوطن و أجياله، على نحو ما حدث في مجتمع مجاور، حينما صوت غالبية مواطنيه تحت ضغوط الواعز الديني أو المذهبي أو الطائفي أو القبلي لحملة الأفكار والأجندات البالية، فكان أن انتكست الإصلاحات و ذبل الوطن الذي كان يوما ما محفزا للآخرين و شعلة وضاءة في الحريات و الانفتاح و التقدم والتنمية و الحراك الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الفني.
bumarwan@batelco.com.bh
بعد الخامس والعشرين من نوفمبر القادم ، وهو اليوم المقرر لإجراء ثاني انتخابات نيابية وبلدية في ظل المشروع الإصلاحي ، سيدخل شعب مملكة البحرين مرحلة جديدة في تاريخه المعاصر. و هو هنا أمام خيارين: فإما أن يتقدم نحو بناء مملكة دستورية نموذجية تنير طريقها العقلانية، مثلما هو متعارف عليه في الممالك الدستورية المعروفة في عالم اليوم، أي نحو المزيد من الحريات المدنية العامة والفردية، والمزيد من معالم مجتمع الرفاه والمعرفة والالتزام بالقانون وإدارة الدولة باستراتيجيات و أساليب مدروسة و راقية و حضارية و مستقرة يكون ولاء المواطن فيها للدولة المدنية المحكومة بدستور مدني وقوانين مدنية نابعة من احتياجات الإنسان المعاصر، وإما أن ينحدر نحو المزيد من التشرذم والتمزق والولاءات القبلية والطائفية والعنصرية، والمزيد من سياسات التنفيع وشراء الذمم بالمال السياسي، والمزيد من تفشي الفساد واستشراءه في مفاصل الدولة والمجتمع، والمزيد من الضياع والتخبط، و غير ذلك مما لا نتمنى حدوثه.
إن صعودنا أو انحدارنا رهن بمدى تمتع نخبنا السياسية والثقافية بعقلية منفتحة مستنيرة ترنو بعزيمة صلبة نحو المستقبل، و تستفيد مما انتهت إليه تجارب الشعوب والأمم المتحضرة، وتتجنب الدخول في المهاترات والمزايدات و المماحكات و الشعارات و العنتريات العقيمة من تلك التي ابتليت بها دول و شعوب مجاورة في مسيرتها الدستورية و الديمقراطية السابقة لمسيرتنا بعقود. فالتاريخ يعلمنا أن الدول التي لا تتقدم في البناء والتنمية والنهضة بصورة مطردة ثابتة لا بد أن يأتي عليها يوم تصاب فيه بالتقهقر والانجرار نحو الضعف والتخلف، مهما توفر لديها من موارد طبيعية وفوائض مالية.
من الكوارث التي يعاني منها مجتمعنا اليوم، تلك السلبية واللامبالاة التي يبديها المواطن إزاء انتهاكات حقوقه وحرياته المنصوص عليها في الدستور و ميثاق العمل الوطني. غير أن الأغرب من ذلك هو أن بعضا من هذه الانتهاكات كان مصدرها للأسف هو ممثلي الشعب المنتخبين المفترض فيهم بموجب القسم حماية حقوق المواطن و حرياته و خياراته و الدفاع عن تعددية المجتمع البحريني و تميزه و انفتاحه، لا التسابق والتنافس في إهدارها تلك الحقوق بحجج زائفة مثل حماية الموروث والخصوصيات الدينية والثقافية. إن المواطن الفرد، والشعب في مجموعه هما خط الدفاع الأول في التصدي لأي تعدي علي الحقوق والحريات، فلا مجلس منتخب أو غيره من المؤسسات قادر على صيانة حقي وحريتي إذا كنت أنا نفسي غير واع بها أو مستعد للذود عنها بالطرق السلمية وعبر الوسائل الديمقراطية المتاحة. فعلى سبيل المثال أين نواب الشعب الذين وقفوا بقوة وحزم إزاء بعض القوانين أو القرارات الإدارية التعسفية كقانون الحشمة المطبق على طلبة جامعة البحرين؟ وهل تقدم نائب أو مجموعة من النواب للطعن بعدم دستورية هذا القانون أمام المحكمة الدستورية؟ وهل قام الطلبة أو تنظيماتهم الطلابية و الشبابية بالدور المرجو و المفترض فيهم لجهة تولي المهمة التي تقاعس نواب الشعب عن الاضطلاع بها؟
إننا نتمنى فعلا أن نرى في مجتمعنا من يتخذ مما هو وارد في نصوص الدستور و روحه، و لاسيما المادة القائلة بأن الشعب هو مصدر السلطات جميعا، منطلقا للجؤ إلى المحكمة الدستورية و رفع الطعون ضد بعض القوانين والقرارات الصادرة من مؤسسات الدولة المختلفة. فهذه الوسيلة السلمية الحضارية هي من أخطر أدوات الرقابة المتاحة للمواطنين، والتي ينبغي عدم التقليل من أهميتها ودورها في تصويب بعض الأوضاع الخاطئة.
وأخيرا فإن لدينا قناعة راسخة، بأن بلادنا تعيش فعلا منذ عام 1999 تحولات نوعية نحو بناء وترسيخ النظام الديمقراطي، بيد أن هذه التحولات للأسف محفوفة بالمخاطر من كل جانب كنتيجة لألاعيب بعض القوى التي لا زالت تعيش خارج مدارات الكون و لها أجندات غارقة في التخلف و الاستبداد و الإقصاء. و في اعتقادي و اعتقاد الكثيرين أن صمام الأمان الوحيد أمامنا هو مدى إدراك المواطن لخطورة دوره وصوته في صنع تلك التحولات وتوجيهها نحو الوجهة الصحيحة. وبعبارة أخرى، إما أن يكون صوته في الاتجاه الذي يخدم مصالح الوطن و أجياله الحاضرة و المقبلة، أو أن يكون في اتجاه الإتيان بمن يعمل ضد التطور و الحداثة و العصرنة و بالتالي ضد مستقبل الوطن و أجياله، على نحو ما حدث في مجتمع مجاور، حينما صوت غالبية مواطنيه تحت ضغوط الواعز الديني أو المذهبي أو الطائفي أو القبلي لحملة الأفكار والأجندات البالية، فكان أن انتكست الإصلاحات و ذبل الوطن الذي كان يوما ما محفزا للآخرين و شعلة وضاءة في الحريات و الانفتاح و التقدم والتنمية و الحراك الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الفني.
bumarwan@batelco.com.bh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق