الأحد، أغسطس 27، 2006

جسر للتاريخ.


د. ساسين النبوت
أبى جسر عرقة إلا وأن يدخل التاريخ...
لطالما كانت القلعة إلى جانبه ليل نهار... شارك رفاتها حرّ الصيف وبرد الشتاء، نور الأيّام وظلمتها... لكنه كان يحسد شهرتها...
هي قلبَها منذ ألف عام زلزالٌ من تحت، فأتاه في الألفية الثانية زلزالٌ من فوق... صوّب عليه ورماه في النهر كمجرد لعبة على حاسوب... مجرّد لعبة، لا أكثر ولا أقل من حفنة بارود وحفنات من الحقد...

قلعة عرقة التي ابتلعتها التلة الأثرية، استدرجت باحثين من كلّ أنحاء الأرض لا زالوا ينقّبون فيها... وفي كلّ يومٍ يجدون شيئاً جديداً...
جسر عرقة لن يستميل باحثين ولا منقبين، فهو لا يحتوي على فن... هو لهم فقط كومة حجارة...

قيل: "لا تكرهوا شيئاً لعلّه خيراً لكم"، كما قيل "التاريخ يعيد نفسه"...
فما المشترك بين الخير وعودة التاريخ؟!
الجواب سهلٌ جداً... انزلوا إلى النهر والمسوا حجارة الجسر المتناثرة... ماذا تحسّون؟ ماذا تجدون؟
إنه عرق جدودنا أيّها العكاريون... عرق جدودنا الأحرار... ديب، يوسف، محمد، حنا، سليم، خالد، إسبر... وكلّ عكّاري بطل من كلّ بيتٍ وقرية... وكلّ امرأةٍ عكارية حملت على رأسها زوادة لتوصلها إلى زوجها أو أخوها أو قريبها، دون أن تنسى زيادة الطعام لكلّ من ليس له ليأكل...
انزلوا إلى النهر... نقّبوا... فتجدون حقّاً ما هو أغلى من كلّ ذهب وقلاع العالم... نعم! إنّها وحدتهم وإرادتهم...

فلنعد التاريخ...
اختاروا يوماً، جمّعوا بعضكم... وليضع كلّ واحدٍ حجر... لنبن ِ سويّاً يداً بيد، وحجراً بحجر جسراً جديداً للمستقبل...
باشروا اليوم، ولا تتوقفوا عن بنائه كلّ أيّام حياتكم، فلا يضطر التاريخ أن يعيد نفسه مرّةً أخرى ليذكر أولادنا كم ثمن "الجسور"...

ليست هناك تعليقات: