الخميس، أغسطس 24، 2006

ربط الأقوال بالأفعال .. مأزق نخبنا المثقفة


بقلم: إبراهيم علي*

شبعنا حتى التخمة من ترديد نخبنا السياسية ورموزنا الثقافية لعبارات وشعارات ضخمة جدا و رنانة جدا ومنافقة جدا جدا من مثل:

"عفن الحضارة الغربية" و "جزاري الأمة" و "مصير الأمة ومستقبلها أولا" و "النفسية النرجسية" و "قوى الاستكبار العالمية" وغيرها كثير من الشعارات الزائفة التي لا تتسع هذه المساحة الضيقة لسردها جميعا.

غير أن ما يمكن الإشارة إليه هو إن كل الذين يرددون مثل تلك العبارات في كتاباتهم وخطاباتهم ومجالسهم، يعرف القاصي و الداني إن سيرهم الذاتية وممارساتهم اليومية في حياتهم العامة والخاصة حافلة بالنقيض تماما لما يدعونه و يروجون له. و بامكان أي شخص متجرد من الأهواء و المجاملات و النفاق الرخيص أن يسرد في هذا السياق الكثير من الأدلة و الشواهد، لكننا سنكتفي هنا بالمثال التالي الفاضح:

المعلوم إن هناك وزراء في الخليج اخرجوا من مناصبهم الوزارية من بعد سنوات طويلة من العمل الرسمي. هؤلاء، حينما كانوا في مواقع المسئولية، شاركوا بحكم مناصبهم في وضع أكثر القوانين جورا و تعسفا ضد شعبهم و انتهاكا لأبسط الحقوق الإنسانية لمواطنيهم. هذا في الوقت الذي كان يجدر بهم على الأقل – بحكم شهاداتهم العالية و ثقافتهم الرفيعة و تجاربهم الفكرية و ما يدعونه من حرص على مستقبل الأمة - الاعتراض على تلك القوانين سيئة الصيت أو مقاومة تطبيقها كيلا نقول تقديم استقالاتهم احتجاجا، خاصة و أنهم جميعا أتوا من طبقات اجتماعية غنية و مرفهة ماديا و من عائلات معروفة و بالتالي لم يكونوا في حاجة إلى ما يمنحه المقعد الوزاري لصاحبه من امتيازات مادية وثيرة أو وجاهة اجتماعية طاغية.

إن ما حدث هو العكس تماما، بمعنى أنهم استمروا في مناصبهم لعقود طويلة دون أن ينبسوا بكلمة اعتراض أو احتجاج أو نقد واحدة، بل راحوا يتشبثون بكراسيهم بكل الطرق و الوسائل بما في ذلك المزايدة لجهة تطبيق تلك القوانين المجحفة و التملق و الاسترحام لدى صانع القرار الأعلى.

أما الأسوأ من هذا فهو أنهم مارسوا الرياء والنفاق مع السلطة من أجل الحصول على أقصى ما يستطيعون من الامتيازات، مثل الحصول على هبات الأراضي الفسيحة في أفضل المواقع، و البعثات التعليمية المجانية لأبنائهم و بناتهم و أقاربهم في أرقى عواصم الحضارة الغربية من تلك التي يصفونها اليوم في كتاباتهم بالحضارة العفنة و المنحلة و الغاشمة، الأمر الذي يستوجب معه أن نطرح عليهم السؤال التالي: إذا كانت هذه الحضارة في نظركم تحمل كل هذه المثالب و العفونة، فلماذا إذن تهافتم وتتهافتون على إبتعاث أبنائكم إلى جامعاتها وتتفاخرون بنيل شهاداتكم منها؟ و لماذا لا تصدقون مع أنفسكم فترسلوا فلذات أكبادهم إلى عواصم الصمود و البطولة والمقاومة و الدفاع عن "شرف الأمة"؟ بل لماذا تحرصون على الاصطياف في كان و ماربيا و ميلان و التسوق في لندن وباريس و جنيف و الاستشفاء في بوسطون و مايو كلينك و دسلدورف؟

ألا يحق لنا أن نسألكم بعد هذا كله: أين كان شرف الأمة وكرامتها وعزتها يوم كنتم تشاركون بضمائر مرتاحة في الدوس على هذه الكرامة وأنتم في مراكز القرار، و تريدوننا اليوم بعد أن خبا وهجكم و راحت الوزارة لغيركم أن نصدق إنكم من المناضلين المدافعين على الحقوق و الحريصين على مستقبل الوطن والأمة، متئكين على ما عرف عن شعبنا من طيبة ومقدرة على الصفح و الغفران؟

أن الدروس المستقاة من تجارب البلاد العربية على امتداد تاريخها تؤكد لنا إن انتهازية نخبها السياسية المثقفة و تلونهم بحسب الظروف وتعاطيهم مع الأمور بوجهين و مكيالين هي احد أهم أسباب تقهقرها وضياع حقوق شعوبها، و بالتالي فانه لن تقوم لهذه الشعوب والأوطان قائمة إلا إذا تخلصت من هكذا نخب منافقة و جبانة تدعي الوطنية والبطولة و نظافة الكف حينما تكون خارج السلطة و تفعل العكس حينما تكون داخلها.

* كاتب من البحرين

bumarwan@batelco.com.bh

ليست هناك تعليقات: