سعيد الحمد
– كاتب و إعلامي من البحرين
ريما مكتبي، شيرين أبو عاقلة، كلوديا أبي حنا، كاتيا ناصر، جيفارا البديري، نجاة شرف الدين، ريما مصطفى، نجوى قاسم، ناجيا الحصري، منى سكرية، منى صليبا، و عشرات غيرهن لا يتسع المجال لذكرهن من اللواتي يقفن على خطوط النار و القتال، و يدخلن إلى مناطق الخطر بكاميراتهن لنقل المشاهد الحية من المواقع الساخنة و الملتهبة و لوضعنا بالصوت و الصورة أمام تقارير تلفزيونية و صحافية موثقة، و لولاهن .. لولا هؤلاء النسوة.. لما استطاع المشاهد العربي، و اغلبه من الذكور، مشاهدة و متابعة ما جرى و يجري في العراق و لبنان و الأراضي الفلسطينية.
هؤلاء النسوة سجلن معنى من معاني الكرامة و معاني المساواة بطريقة غير مسبوقة في عالمنا العربي و الإسلامي. هؤلاء النسوة لسن أشقاء الرجال فحسب، و إنما تفوقن على كثير من الرجال في مواجهة الخطر الحقيقي بشجاعة لا تتوفر في العشرات بل المئات من الرجال، خصوصا أولئك الرجال الذين يريدونها أن تتسربل في عباءتها و تقبع في دارها وراء الجدران الأربعة بلا دور تؤديه، هي القادرة على أداء أصعب الأدوار و اختراق خطوط النار و الخطر. بل أن المراسلات الحربيات من نسائنا ذهبن إلى ابعد من ذلك، و قدمن أرواحهن من اجل إكمال رسالتهن. فأطوار بهجت قضت في الشتاء الماضي و هي تؤدي رسالتها في نقل التقارير الإخبارية من العراق، بعدما اختطفت من وسط ميدان العمل لتقتل و تذبح، لأن كرامتها لم تكن في عباءتها و إنما كانت في دورها و في رسالتها التي أقضت مضاجع القتلة و الإرهابيين. أما ليال نجيب التي لم تبلغ الرابعة والعشرين من عمرها فقد قتلت في الغارات على جنوب لبنان أثناء تنقلها في ميدانها المشتعل، فكانت كرامتها في العمل الاستثنائي الذي امتهنته بكل جسارة من اجل أن تقول و ترد على الذين ما زالوا يرون في المرأة مجرد قارورة عطر شخصي و خاص يملكونها و حدهم و يسكبون منها بضع قطرات على أجسادهم في لحظات معينة، ثم يغلقون القارورة المرأة، و يخبئونها بعيدا عن الأعين وراء جدران عالية و خلف سواد عباءة قالوا بأنها هي الكرامة، ليخدعوها بالمعنى الزائف لوجودها و لدورها و لرسالتها، و حتى لا تفكر ولا تطالب بالمساواة في المواطنة فتثبت للجميع وعلى كافة الصعد أنها أفضل من ألف رجل و رجل. هذا الرجل الذي ما زال ينظر إليها كمجرد جسد للمتعة، و بالتالي لا زال يحبسها خلف الجدران و يدعو إلى إعادتها إلى المنزل لتكنس و تطبخ وتغسل و تتعطر آخر النهار بانتظاره... فذلك حصرا دورها و تلك فقط هي كرامتها.
و لعلنا لا ننسى هنا مي شدياق ببطولة الصمود أمام التفجير الغادر الشرس الذي لم يستطع المخططون له احتمال عقل امرأة و هي تحاور لتكشف أمام الجماهير العربية أصابع المؤامرة الداخلية في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، فسعوا لاغتيالها بعد أن فشلوا أمام عقلها و منطقها.
المرأة عقل.. و المرأة ثقافة.. و المرأة إنسان لا يختلف عن الآخر الرجل الذكر. لكنهم بالقوة القسرية و الأساطير جعلوها مختلفة، بل جعلوها مختلفة حين أشاعوا ثقافتهم التي هي في الأساس ذكورية و ضد المرأة، و حين سعوا للترويج لمثل هذه الثقافة بوضع اطر دينية لها و نشرها بكثافة في عالمنا العربي، حتى استطاعوا أن يقنعوا بها قطاعا واسعا من الناس في مقدمتهم أولئك الذكور و الإناث ممن يعيشون خارج مدارات العصر.
و جاءت الأحداث و جرى القتال على القتال لتثبت المرأة أنها أول الواصلين إلى خطوط النار وميادين المعارك و الدمار .. فاستطاعت أن تنقل لنا نحن الذكور القابعين بعيدا في مساكننا المريحة ما يحدث بالصوت و الصورة. و عندما ذبحت أطوار و لحقت بها ليال، لم يفهم القابعون خارج مدارات العصر الدرس و لم يستوعبوا الرسالة، و استمروا في غيهم يتحدثون و يشيعون أن "كرامة المرأة في عباءتها و التزامها البيت".
يا لها من مفارقة شديدة القسوة و بالغة الوطأة على النفوس: المرأة كريمة إذا ارتدت العباءة وجلست في المنزل تنتظر الرجل فقط ، و هي غير ذلك عندما تحقق كرامتها بالاستشهاد على خطوط النار.
الكرامة ليست لباسا يا سادة.. الكرامة عمل و دور .. و بالتالي فمن السخف و الوقاحة أن نصرخ في المرأة التي تحمل روحها على كتفها و تقف تحت القصف لنقل مجريات الأحداث " اذهبي .. عودي.. و ارتدي عباءتك التي فيها كرامتك".
ثقافة العباءة، أمام ثقافة الرسالة و الدور، تصبح ثقافة قهرية تسلطية و وصائية، لأنها هنا و في كل الحالات و الأزمان سوف تمنع و تصادر و تلغي ثقافة الدور الذي بوسع المرأة أن تلعبه وتؤديه، و هو لعمري دور عظيم كما شاهدنا. و ثقافة العباءة سوف تلغي و تصادر و تمنع ثقافة الرسالة التي تحملها المرأة بين جوانحها، هي القادرة بامتياز على إيصال و تحقيق الرسائل في المجتمع و في السياسة و الاقتصاد و الثقافة و العلم و الفكر و الإبداع و العطاء، و بصورة يفوق إبداع و عطاء الرجل في الكثير من المواقف و المنعطفات، فيما لو اتيحت لها الفرصة و فتح أمامها المجال.
إن كرامة المرأة، بعبارة أخرى، تتجسد في إنسانيتها و في دورها و في نشاطها الإبداعي و في حراكها الاجتماعي الفاعل و المؤثر، بفعل ما عندها من قوة إصرار و قوة صمود و قوة اقتناع برسالتها. إذ لم تكن المرأة العربية المسلمة بلا كرامة و هي تعمل و تنشط و تساهم في بناء مجتمعها بلا عباءة. و لكن عندما اخترقت مجتمعاتنا العربية و اختطفتها "ثقافة العباءة و الأغطية السوداء" تراجعت مفاهيم العمل و النشاط و الإبداع الإنساني للمرأة لصالح مفاهيم تحجيم المرأة وتهميشها و مصادرة رسالتها و وجودها و اختصار دورها في إشباع غرائز الرجل عن طريق رشوتها بزجاجة عطر. و لنا فيما حدث و انتشر خلال العقود الأربعة الأخيرة دليل على التراجع. فهل تعود الآن ثقافة الدور و ثقافة الرسالة؟ نتمنى ذلك معتمدين على مبدأ أن "الخطأ لا يمكن أن يستمر طويلا" و مبدأ "لا يصح إلا الصحيح".
ريما مكتبي، شيرين أبو عاقلة، كلوديا أبي حنا، كاتيا ناصر، جيفارا البديري، نجاة شرف الدين، ريما مصطفى، نجوى قاسم، ناجيا الحصري، منى سكرية، منى صليبا، و عشرات غيرهن لا يتسع المجال لذكرهن من اللواتي يقفن على خطوط النار و القتال، و يدخلن إلى مناطق الخطر بكاميراتهن لنقل المشاهد الحية من المواقع الساخنة و الملتهبة و لوضعنا بالصوت و الصورة أمام تقارير تلفزيونية و صحافية موثقة، و لولاهن .. لولا هؤلاء النسوة.. لما استطاع المشاهد العربي، و اغلبه من الذكور، مشاهدة و متابعة ما جرى و يجري في العراق و لبنان و الأراضي الفلسطينية.
هؤلاء النسوة سجلن معنى من معاني الكرامة و معاني المساواة بطريقة غير مسبوقة في عالمنا العربي و الإسلامي. هؤلاء النسوة لسن أشقاء الرجال فحسب، و إنما تفوقن على كثير من الرجال في مواجهة الخطر الحقيقي بشجاعة لا تتوفر في العشرات بل المئات من الرجال، خصوصا أولئك الرجال الذين يريدونها أن تتسربل في عباءتها و تقبع في دارها وراء الجدران الأربعة بلا دور تؤديه، هي القادرة على أداء أصعب الأدوار و اختراق خطوط النار و الخطر. بل أن المراسلات الحربيات من نسائنا ذهبن إلى ابعد من ذلك، و قدمن أرواحهن من اجل إكمال رسالتهن. فأطوار بهجت قضت في الشتاء الماضي و هي تؤدي رسالتها في نقل التقارير الإخبارية من العراق، بعدما اختطفت من وسط ميدان العمل لتقتل و تذبح، لأن كرامتها لم تكن في عباءتها و إنما كانت في دورها و في رسالتها التي أقضت مضاجع القتلة و الإرهابيين. أما ليال نجيب التي لم تبلغ الرابعة والعشرين من عمرها فقد قتلت في الغارات على جنوب لبنان أثناء تنقلها في ميدانها المشتعل، فكانت كرامتها في العمل الاستثنائي الذي امتهنته بكل جسارة من اجل أن تقول و ترد على الذين ما زالوا يرون في المرأة مجرد قارورة عطر شخصي و خاص يملكونها و حدهم و يسكبون منها بضع قطرات على أجسادهم في لحظات معينة، ثم يغلقون القارورة المرأة، و يخبئونها بعيدا عن الأعين وراء جدران عالية و خلف سواد عباءة قالوا بأنها هي الكرامة، ليخدعوها بالمعنى الزائف لوجودها و لدورها و لرسالتها، و حتى لا تفكر ولا تطالب بالمساواة في المواطنة فتثبت للجميع وعلى كافة الصعد أنها أفضل من ألف رجل و رجل. هذا الرجل الذي ما زال ينظر إليها كمجرد جسد للمتعة، و بالتالي لا زال يحبسها خلف الجدران و يدعو إلى إعادتها إلى المنزل لتكنس و تطبخ وتغسل و تتعطر آخر النهار بانتظاره... فذلك حصرا دورها و تلك فقط هي كرامتها.
و لعلنا لا ننسى هنا مي شدياق ببطولة الصمود أمام التفجير الغادر الشرس الذي لم يستطع المخططون له احتمال عقل امرأة و هي تحاور لتكشف أمام الجماهير العربية أصابع المؤامرة الداخلية في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، فسعوا لاغتيالها بعد أن فشلوا أمام عقلها و منطقها.
المرأة عقل.. و المرأة ثقافة.. و المرأة إنسان لا يختلف عن الآخر الرجل الذكر. لكنهم بالقوة القسرية و الأساطير جعلوها مختلفة، بل جعلوها مختلفة حين أشاعوا ثقافتهم التي هي في الأساس ذكورية و ضد المرأة، و حين سعوا للترويج لمثل هذه الثقافة بوضع اطر دينية لها و نشرها بكثافة في عالمنا العربي، حتى استطاعوا أن يقنعوا بها قطاعا واسعا من الناس في مقدمتهم أولئك الذكور و الإناث ممن يعيشون خارج مدارات العصر.
و جاءت الأحداث و جرى القتال على القتال لتثبت المرأة أنها أول الواصلين إلى خطوط النار وميادين المعارك و الدمار .. فاستطاعت أن تنقل لنا نحن الذكور القابعين بعيدا في مساكننا المريحة ما يحدث بالصوت و الصورة. و عندما ذبحت أطوار و لحقت بها ليال، لم يفهم القابعون خارج مدارات العصر الدرس و لم يستوعبوا الرسالة، و استمروا في غيهم يتحدثون و يشيعون أن "كرامة المرأة في عباءتها و التزامها البيت".
يا لها من مفارقة شديدة القسوة و بالغة الوطأة على النفوس: المرأة كريمة إذا ارتدت العباءة وجلست في المنزل تنتظر الرجل فقط ، و هي غير ذلك عندما تحقق كرامتها بالاستشهاد على خطوط النار.
الكرامة ليست لباسا يا سادة.. الكرامة عمل و دور .. و بالتالي فمن السخف و الوقاحة أن نصرخ في المرأة التي تحمل روحها على كتفها و تقف تحت القصف لنقل مجريات الأحداث " اذهبي .. عودي.. و ارتدي عباءتك التي فيها كرامتك".
ثقافة العباءة، أمام ثقافة الرسالة و الدور، تصبح ثقافة قهرية تسلطية و وصائية، لأنها هنا و في كل الحالات و الأزمان سوف تمنع و تصادر و تلغي ثقافة الدور الذي بوسع المرأة أن تلعبه وتؤديه، و هو لعمري دور عظيم كما شاهدنا. و ثقافة العباءة سوف تلغي و تصادر و تمنع ثقافة الرسالة التي تحملها المرأة بين جوانحها، هي القادرة بامتياز على إيصال و تحقيق الرسائل في المجتمع و في السياسة و الاقتصاد و الثقافة و العلم و الفكر و الإبداع و العطاء، و بصورة يفوق إبداع و عطاء الرجل في الكثير من المواقف و المنعطفات، فيما لو اتيحت لها الفرصة و فتح أمامها المجال.
إن كرامة المرأة، بعبارة أخرى، تتجسد في إنسانيتها و في دورها و في نشاطها الإبداعي و في حراكها الاجتماعي الفاعل و المؤثر، بفعل ما عندها من قوة إصرار و قوة صمود و قوة اقتناع برسالتها. إذ لم تكن المرأة العربية المسلمة بلا كرامة و هي تعمل و تنشط و تساهم في بناء مجتمعها بلا عباءة. و لكن عندما اخترقت مجتمعاتنا العربية و اختطفتها "ثقافة العباءة و الأغطية السوداء" تراجعت مفاهيم العمل و النشاط و الإبداع الإنساني للمرأة لصالح مفاهيم تحجيم المرأة وتهميشها و مصادرة رسالتها و وجودها و اختصار دورها في إشباع غرائز الرجل عن طريق رشوتها بزجاجة عطر. و لنا فيما حدث و انتشر خلال العقود الأربعة الأخيرة دليل على التراجع. فهل تعود الآن ثقافة الدور و ثقافة الرسالة؟ نتمنى ذلك معتمدين على مبدأ أن "الخطأ لا يمكن أن يستمر طويلا" و مبدأ "لا يصح إلا الصحيح".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق