لسنا عابرين في وطننا...
شعبنا سيكون هناك في دولته فلسطين ، ونحن هنا في أرض فلسطين!!
*منذ جيل الثانية عشرة بدأت مسيرة حياتي السياسية التي لم تتوقف حتى اليوم * منذ جيل الثامنة عشرة تلقيت أول أمر يحدد حرية تنقلي * والدي لمدير مدرستي : "طز في مستقبله اذا كان سيعيش بدون كرامة " * اضطررت لممارسة النقد الأدبي ليس عشقا بالنقد ، انما من رؤيتي للتجاهل المريع لكتابات الشباب * أعرف نفسي كوطني ليبرالي .. لست ماركسيا مع ان الماركسية تشكل مساحة واسعة من اهتمامي * انتفاضة الحجارة أرجعتني الى الكتابة الابداعية بزخم كبير * طرح الانتماء الديني مكان الانتماء القومي ، يساهم بتفسخ مجتمعاتنا العربية واضعافها * معظم المفكرين العرب البارزين أضحوا مقيمين في الغرب ، نتيجة الواقع الذي يسود الأقطار العربية * من لايعرف استعمال الشبكة الألكترونية قد يصنف قريبا مع الأميين !! *
حاوره: الأديب عثمان علوشي ( المغرب ) مدير عام منتدى الأدباء والمبدعين العرب
- 1 أعتقد أن اختصار حياة أديب وناقد في بضع سطور يعد تقصيرا في حقه، بنفس القدر الذي لا تعطي هذه السطور أي معلومات كافية عن صاحبها بالنسبة للقارئ. وهنا، أحب أن تحدثني عن حياتك باستفاضة حتى يتمكن القارئ من الوقوف على نبيل عودة شخصا، أديبا، وناقدا.. !!
لا شيء غير عادي في طفولتي ، ولكن منذ بدأ وعيي يتشكل وانا أعيش حكاية شعبي الفلسطيني الذي تشرد .. وقصص التشريد والنضال البطولي للشيوعيين العرب لوقف شحن ابناء شعبهم وقذفهم وراء الحدود .. ومعارك الهويات التي خاضها الحزب الشيوعي ومحاميه حنا نقارة الذي أطلق علية الناس لقب "محامي الشعب" ، وكانوا ينشدون له الأهازيج الوطنية فرحا بتحصيله للهويات عبر المحاكم الأمر الذي كان يعني البقاء في الوطن وعدم اعتبار الفلسطيني "متسللا" يجب قذفه وراء الحدود ، وتحديا أيضا للحكم العسكري الذي فرض على العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم .
ومن تلك الأهازيج :
طارت طيارة من فوق اللية الله ينصركو يا شيوعية
حنا نقارة جاب الهوية غصبا عن رقبة ابن غريونا (1)
وحسب مذكرات الشاعر والمناضل حنا ابراهيم ( كتابه: ذكريات شاب لم يتغرب ) ، كانت تمنح هويات حمراء لمن يعتبروا " ضيوفا " بالتعبير الاسرائيلي ، أي المرشحين للطرد من الوطن . أما غير الضيوف فكانوا يحصلون على هوية زرقاء. ويذكر حنا ابراهيم أغاني التحدي التي كانت تنشد في حلقات الدبكة ، ومنها:
يا أبو خضر (2) يللا ودينا الزرقات والحمرا ع صرامينا
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ما ني مهموما
يقطع نصيب ال قطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي واميل حبيبي (3) والحزب الشيوعي بهزو الكونا
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه :
لو هبطت سابع سما عن حقنا ما ننزل
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
*****
منذ جيل الثانية عشرة بدأت مسيرة حياتي السياسية التي لم تتوقف حتى اليوم . كان والدي من أعضاء عصبة التحرر الوطني الفلسطينية ( الحزب الشيوعي الفلسطيني ) الأمر الذي مهد لي التعرف على الفكر الماركسي بجيل مبكر.
ومع بداية تفتح وعيي ارسلني ، الى منظمة الأشبال الشيوعية ، لم يكن من السهل وقتها ان يكون العربي شيوعيا . هذا يعني التعرض للبطش البوليسي ، الحرمان من التصاريح للوصول الى أماكن العمل . عدم الحصول على وظائف في سلك التعليم أو البنوك أو السلطات المحلية أو غيرها من الوظائف..
التثقيف الذي تلقيته في منظمة الأشبال ، نقلني من التفكير الطفولي ، الى الشعور بالمسؤولية والألم لمصير شعبي ، والى بدء فهم حقائق الحياة الصعبة التي وجدنا أنفسنا في مواجهتها.
كانت منظمة الأشبال مدرسة للفكر الوطني والثوري والتثقيف الشامل والإستعداد النضالي ، ومعرفة التصرف بحالة التصادم مع الشرطة . ونمت فينا فكر الإنتماء الى شعب ولغة ووطن وقضية .. وكانت تقدم المساعدة في الدراسة للأعضاء الضعفاء ، بل وأعرف الكثيرين من الرفاق الشباب الذين تعلموا القراءة والكتابة داخل صفوف منظمة الشبيبة الشيوعية ، بسب حرمانهم من الدراسة لإضطرارهم للخروج لسوق العمل المبكر لمساعدة عائلاتهم اقتصاديا في تلك الظروف حالكة السواد .
في ذلك الجيل بدأت والدتي تساعدني على تعلم القراءة الصحيحة عل صفحات صحيفة الحزب الشيوعي ( الاتحاد ) التي كانت تصدر مرة في الاسبوع ، ثم مرتين . واختيارها للإتحاد لم يكن بسبب فكرها السياسي ، بل بسبب حرماننا من الحصول على كتب باللغة العربية من العالم العربي . وهذا الحصار استمر حتى الستينات .. وأستطيع ان أقول اني منذ الصف الرابع لم أكن بحاجة الى كتاب القراءة العربي المقرر في تعليمنا من الحكم العسكري .. اتقنت القراءة وانطلقت أقرأ سياسة ونظريات وفكر ماركسي ، ولا أفهم معظم ما أقرأ .. ولكن القراءة أضحت هوايتي لدرجة الهوس. وكانت أسئلتي أكبر من جيلي وأكثر اتساعا مما يستطيع والدي ان يشرحاه لي .. وربما أكثر اتساعا مما يقدر مدربي في الاشبال على شرحة ...
لم يكن امام شبابنا الوطنيين الكثير من الخيارات السياسية .. عصبة التحرر أتحدت مع الحزب الشيوعي ، وتشكل الحزب اليهودي العربي الوحيد في اسرائيل ... وكان هو الحزب الذي قاد نضالات شعبنا الشرسة والصعبة ودفع رفاقه الثمن بالنفي والسجون والحرمان من العمل والتعليم . وللحقيقة ، ان الرفاق اليهود في الحزب شكلوا درعا هاما لحماية رفاقهم العرب من البطش السلطوي .
وظل الحزب محافظا على طليعيته في الوسط العربي حتى أواسط الستينات مع بدء ظهور طبقات اجتماعية جديدة ، وبدء مرحلة النهضة القومية العربية ( جمال عبد الناصر ثم البعث ) فظهر تنظيم قومي ( حركة الأرض ) التي قمعتها السلطة الصهيونية بشراسة وعنف .
لا أكتب لأمدح الشيوعيين ، بل اسجل حقبة تاريخية كان لها الأثر الكبير والحاسم في تكوين شخصيتي ووعيي ومفاهيمي الأولية ، وأثرت على حياتي ، وتشكل أفكاري . واليوم أيضا لا استطيع ان أنفي اني نتاج ذلك التاريخ ، رغم اني لا أقبل الكثير من الطروحات الماركسية ، وأرى ضرورة اسقاط بعضها وتطوير بعضها الآخر ، وملاءمته للواقع العربي ، وليس للصياغات الجاهزة التي فرضها النهج الستاليني والسوفييتي على الحركة الشيوعية ، وقادها الى أزمتها الراهنة .. أو مرحلة النهج القديم الأخيرة!!
بالطبع انا لا أكتب صفحات من التاريخ ..انما أرسم الأجواء التي كان لها الدور الحاسم في بداياتي وفي تشكيل شخصيتي .. وفي التأثير على أجيال من أبناء شعبي .. لا يمكن شطبه برعونة ، بل هي مرحلة ثقافية فكرية سياسية جديرة بالدراسة والتحليل المناسبين .
مرحلة الشباب قضيتها مناضلا ومعرضا بشكل دائم للإعتقال البوليسي . والكثيرين من رفاقي تعرضوا للإعتداءات الجسدية اثناء التحقيق. لذلك كل اعتقال كان يعني امكانية التعرض للضرب أيضا . اما الشتائم والتهديد فحدث ولا حرج . ومنذ جيل الثامنة عشرة تلقيت أول أمر يحدد حرية تنقلي ، عمليا سجن داخل الناصرة . مما جعل من المستحيل استمراري في الدراسة الجامعية في حيفا، وصعب وصولي لأماكن العمل .. اذ كنت أضطر لتقديم طلب تصريح للوصول الى عملي الذي يبعد عن الناصرة مسافة 18 كيلومترا ( بلدة طبعون ) كل يوم أحد صباحا وأتلقى الجواب في حدود الحادية عشرة . وعمليا أفقد يوم عمل كل اسبوع.
بالنسبة للكتابة الأدبية :
قد أكون وصلت للكتابة الأدبية عن طريق الصدفة، وحتى اليوم يصعب علي فهم دوافعي للكتابة وأهدافها. اذ بدأت "أخربش " في جيل مبكر ..
ربما كانت تتكون في وعي ذلك الفتي الصغير، من القراءات التي لا يفهمها تماما ، بعض الأفكار حول ان يكون هو أيضا من الطرف الآخر المنتج وليس المتلقي فقط . فبدأت اولى محاولاته الصبيانية لكتابة القصة على نمط قصص بعض الأفلام العربية التي تسربت للسينمات عندنا . ومتأثرا بالقصص الاذاعية التي كان يتابعها بشغف كبير . حتى تحولت الكتابة في وعيه الى آلية للتفكير أيضا . عندما اريد ان افكر : أكتب . عندما اريد ان أعبر عن عاطفة ما : أكتب .
مع كسر الحصار الثقافي بدأت دور نشر محلية تصدر عشرات الكتب، ولا أذكر اني فوت أحدها . كرس لي والدي ( نجار مستقل) ميزانية جيدة لإقتناء الكتب . وبدأت تتوارد علينا مطبوعات عربية من الاتحاد السوفييتي . وغرقت بالقراءة ، ولم يكن عندي وقت فراغ .
في الصف السادس طلب من صفنا موضوع انشاء بمناسة " 10 سنوات على استقلال اسرائيل " وشرح لنا المعلم " عن التطوير والرفاهية وتحسن حال العرب ، وتقدمهم وتمتعهم بالحرية .." وغيره من هذا الكلام المقيت والمذل.
كتبت حول الموضوع ، ولكني كتبت حول اللاجئين الذين شردتهم اسرائيل ، وحول الأراضي التي صودرت ، والحكم العسكري الارهابي المفروض على العرب . وأذكر ان احتفالاتنا الدينية كانت تتحول الى مظاهرات سياسية ضد الحكم العسكري والتصاريح ، مثلا عيد العذراء كان يشهد دبكة ورقصة لعب بالسيوف وينشد الجمهور مسيحيين ومسلمين ، لآ أذكر عيدا في الناصرة ايام زمان ، الا باشتراك كل طوائف الناصرة .. وكان الجمهور يسحج : "يا عدرا عليك السلام " ويشربون العرق .. وتنطلق المظاهرة من كنيسة البشارة للروم الأورتوذكس بشعارات " يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح "., لتجوب شوارع الناصرة .. وطبعا مساء تلم الشرطة الرؤوس التي كانت حسب ظنها وراء المظاهرة.
المعلم ارتعب ، من موضوع الانشاء ، خوفا على وظيفته ( في تلك المرحلة كان يفصل كل معلم وطني مخلص ، وتكفي وشاية صغيرة ليجد المعلم نفسه بلا عمل ). أعطى دفتري الانشاء للمدير ، وكان من زلم السلطة ، المدير طلبني وبهدلني بصراخ ظننت ان عيناه ستنفجران من الغضب ، وانا أصررت ان ما كتبته هو الحقيقة.
طردني لأسبوع ، وطلب ان لا أعود الا مع والدي. أخبرت والدي فورا بما حدث ، فغضب وشتم المدير والدولة التي تشغله ، وأغلق منجرته وتوجه للمدرسة معي وهو يرتجف غضبا من كلاب السلطة . ومدني بالشجاعة بأني انا على حق وهم خونة.
دخل غرفة المدير غاضبا ، وانا محتم وراءه ، لوهلة ظن المدير انه غاضب من ابنه العاق. ولكنه سرعان ما استوعب ان الأب من صف ابنه . ولم تساعد كلمات المدير عن "ضياع مستقبل الولد ". أجابة : " طز في مستقبله اذا كان سيعيش بدون كرامة ". فصرخ بوجهي المدير : " نبيل ارجع للصف "
هذه الحادثة لا تنسى . وتركت أثرها في ذهني بشكل لا يمحى. كلما أمسكت القلم ، لا أقول الا ما أعتقد انه الحقيقة .. وأعرف ان حقيقتي ليست هي الصواب دائما .. وكثيرا ما سببت لي مشاكل وغضب من البعض .. ولكني لا أتردد في طرح مواقفي .. ولا أخاف من الخطأ .. ومنهجي اني ما دمت قادرا على التفكير من جديد ، فانا قادر اذن على التطور والاستفادة من الآخرين ..
بعد الثمانينات حدثت انقلابات فكرية عميقة في حياتي ، تأثرت فيها بالفيلسوف كارل بوبر ، وخاصة كتابه : "المجتمع المفتوح وأعداؤه " وانطلقت الى مراجعات فلسفية وفكرية بذهنية منفتحة .. واضطررت لممارسة ما يعرف مجازا بالنقد الأدبي . ليس عشقا للنقد ، انما من رؤيتي للتجاهل المريع لكتابات الشباب ، وانا منهم . كان نقدنا يتمحور حول شخصيات حزبية وأسماء مختارة واهمال شبه كامل للآخرين .. فحملت السلم بالعرض .. وما زلت أعتبر كتاباتي النقدية أقرب للكتابة الثقافية ، وبالطبع هناك كتابة نقدية فكرية .. موضوعها يختلف . وبالتلخيص أقول ، اتجاهي للنقد كان ردا على حالة النقد عندنا ، الذي اقتصر على اختيار أسماء معينة تجلب الشهرة للناقد ، وتتجاهل بشكل مطلق الأسماء الأدبية الأخرى التي أثبتت نفسها . وانا بتواضع ، أحد هذه الأسماء. الوضع اليوم أكثر سوءا . لدينا نقاد ممتازون ، ولكنهم يهربون من الخوض بأدبنا المحلي ، الا نادرا. وبات النقد كتابات أشبه بالعلاقات العامة للناقد .. وللأسف لم أنشر على الشبكة الألكترونية مئات المداخلات الثقافية – النقدية ، بسب تعرفي على هذا العالم الألكتروني بجيل متأخر ، ومصاعبي في التعامل مع التقنيات الجديدة ، وبطئي في الطباعة ... وعادتي التي أعشقها باستعمال القلم ...
رؤيتي انه في واقعنا كأقلية باقية في وطنها ، وتواجه التجزئة والانكار لشخصيتها القومية ، لا يمكن فصل الثقافي عن السياسي . أحدهما يكمل الآخر. القيادات التاريخية لشعبنا كانت قيادات مثقفة ونشطت في المجالين السياسي والثقافي ، أبرزهم القائد الشيوعي والكاتب الكبير اميل حبيبي ، وغني عن القول ان شعراءنا البارزين ، محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وأخرين ، هم نتاج هذه المدرسة الثقافية السياسية ، مهما تفرعت طرقهم فيما بعد.
بالطبع الموضوع شاسع ولا يمكن عرضه بعجالة صحفية .. انما حاولت طرح الأجواء التي شكلت تفكيري الأساسي.
انا اليوم أعرف نفسي كوطني ليبرالي. لست ماركسيا مع ان الماركسية تشكل مساحة واسعة من اهتمامي ودراستي الأكاديمية .. انا ابن للثقافة العربية الاسلامية ، التي تعرفت عليها خارج كراسي الدراسة ، وسحرتني بثرائها وعمقها .. وابن لكل الفكر الانساني ، لي نظرة نقدية من جميع ما يطرح ، وأومن ان الوصول للكمال لن يكون الا عبر الحوار والتفاعل الثقافي والفكري بين أصحاب الرأي والفكر.
أرفض التعريف الطائفي وأعتبر ذلك سقوطا فكريا لمجتمعاتنا . وأرى أن الطائفية هي اشد حالات الانعزال النفسي عند الأفراد أو الجماعات، وتقود الى العقم الفكري والانغلاق والتفسخ الاجتماعي والوطني ، وتشكل خطرا مدمرا على المجتمع وأفراده . وأظن انها تمثل عجزا عن فهم العالم الواسع والاندماج حضاريا معه . وتقود الى مناصبتة العداء ، تحت صيغ تزيد من الانغلاق والابتعاد عن حركة الحياة والثقافة والتطور .
لا اتهم الحضارة العربية بالعجز ، الحضارة قادرة دائما على التفاعل مع سائر الحضارات . وأرفض نظرية صراع الحضارات الغبية . لا صراع بين الحضارات . انما تفاعل واندماج وتطور عبر التأثير المتبادل. الصراع الذي اراه هو صراع بين حضارات جميع الشعوب ، مع الفكر المنغلق والمنعزل والرافض للخروج من كهفه .
قد يكون فهمنا للحضارة مصاب بعقم ما . عندما يتحدث الغرب عن الحضارة فهو يقصد تحديدا انتاج الثروات المادية . في لغتنا العربية ندمج بتعبير الحضارة بين الانتاج المادي والانتاج الروحي ( الأدب والفنون ) . تعبير ثقافة في الغرب يعني الابداع الأدبي والفني فقط .. بينما الثقافة أو الحضارة في فكرنا ولغتنا تشمل الانتاج المادي والانتاج الروحي.
- 2 تعد قضية عرب 48 أو فلسطينيو 48 من القضايا التي أثارت ردود فعل متفاوتة بين الفلسطينيين، من جهة، والعرب، من جهة أخرى. هل بإمكانك أن تحدثنا عن هذه القضية، ما ردك على ردود فعل الفلسطينيين والعرب على حد سواء؟ وهل ترى أن على العرب أن يغيروا نظرتهم تجاه عرب 48؟
الجماهير العربية في اسرائيل " أو " العرب الفلسطينيون مواطنو اسرائيل "هذه هي الصيغة التي نستعملها , وتعابير مثل عرب 48 .لا تعبر عن واقعنا.
لا اريد الدخول في التفسيرات القانونية ، ولكنها مهمة لنا في وطننا ، واصرارنا على التمسك بأرضنا . ان الحصول على الهوية الاسرائيلية ليس حبا وافتخارا ، ولكن البديل كان التشريد. تعبير عرب 48 تطور عند مجموعة اليسار الفلسطيني وبعض الدول العربية ، سوريا على الأخص.. لرفضهم استعمال اسم اسرائيل. اليوم مثلا تتراكم امام محاكم القدس الاف قضايا الحصول على الهوية لسكان القدس الفلسطينيين . هل بسب خيانتهم القومية ؟ اطلاقا لا بل للبقاء في عاصمة وطنهم ، وحماية أرضهم وبيوتهم من المصادرة ، وعدم تشريدهم الى خارج القدس ، لتفريغها من أكثر ما يمكن من الفلسطينيين . الى جانب حصولهم على خدمات هامة جدا تسهل صمودهم ، خدمات صحية ، تأمين بطالة ودخل ، مخصصات أولاد ، مخصصات عجزة .. وغيرها . وهناك ظاهرة انهم مستعدون لدفع ايجارات عالية جدا للبقاء في القدس .. وكنت أتمنى لو تحركت أجسام عربية قومية وحكومية مع الجامعة العربية لدعم هذا الصمود البطولي ، بدل التبذير على شخصيات ومؤسسات لا تخدم الا الفئوية السياسية ، وجيوب "الوطنيين اللامعين " .
السؤال : هل رفض الصيغة التي استعملتها سيغير من الواقع ؟ هل سيجعل اسرائيل تختفي؟ هل تفاوض السلطة الفلسطينية اسرائيل ام عرب 48 ؟ هل أعضاء الكنيست العرب ، وعلى رأسهم الدكتور عزمي بشارة ممثل التيار الوطني الذي يصر على استعمال تعبير عرب 48 ، هل هو عضو ( كان ومجموعته باقية ) في الكنيست الاسرائيلي أم في كنيست عرب 48 ؟ هل حزبه ، وسائر الأحزاب العربية ، ُسجلت في عرب 48 ام في اسرائيل ? وهل نحمل جنسية عرب 48 ام جنسية اسرائيل؟ وحتى لا نضيع في المتاهات : ليس دفاعا عن تسمية ، لتذهب كل التسميات الى الجحيم . لسنا سعداء بهزيمة 1948 . ولسنا سعداء بهزيمة 1967. ولسنا سعداء بفشل حرب اكتور 1973. ولسنا سعداء بضعف الأنظمة العربية امام الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة ، وآخرها على سوريا. ولكن هل الكذب على انفسنا سيغير الواقع ؟ انا من أشد منتقدي سياسة حكام اسرائيل . ولا اتردد في عرض انجازات اسرائيل مقابل استمرار التخلف العربي. ليس حبا باسرائيل ، بل بكاء على الواقع العربي الذي تعلقت أوهامنا به خلال عقود مصيرية من تاريخنا .. رغم ان هذا يغضب بعض المثقفين ويجعلهم يقولون لي " لتتهنى باسرائيل "
مواقع معينة تتغطى بالقومية أوقفت نشر مقالاتي بسبب هذه المواقف. لا لن أكون مهرجا وكذابا . سأقول الحقيقة المؤلمة . . مهما كانت صعبة على القبول.
في فترة معينة عوملنا نحن المواطنين العرب ، كعملاء للصهيونية ، وكان ممثلي بعض الدول العربية يرفضون الحديث معنا. هذا استمر حتى نهاية السبعينات تقريبا .. حين انكسر الجليد . وأذكر ان محمود درويش تألم من هذا الواقع ، وكتب قصيدة يهاجم فيها العقلية التي تقف وراء مقاطعتنا لأننا نحمل الجنسية الاسرائيلية ونعيش في وطننا داخل اسرائيل. واذا لم تخني الذاكرة نشر تلك القصيدة في مجلة "انباء موسكو" بنسختها العربية ( كان يحررها الكاتب السوري سعيد حورانية ) ، اثناء دراسته الحزبية في المعهد الشيوعي عام 1970.
العرب في اسرائيل ، او عرب ال 48 كما يصر البعض ، هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني . ونضالهم من أجل حقوق شعبهم لم يتوقف منذ النكبة ، وربما كانوا الفصيل الوحيد المنظم في نضاله .
هناك تجاهل عربي لنا اليوم أيضا . غياب دعم لمؤسساتنا . وغياب نظرة متطورة لمتطلبات صمودنا . قدمت أموال لأفراد .. رفعوا من شأنهم ماليا واعلاميا ، والنتيجة ارتداد وتفسخ على المستوى الوطني للعرب في اسرائيل - او عرب 48 حتى لا يزعل البعض !!
نحن باقون ومتمسكون ببقائنا فوق تراب أرضنا . ونريد ان نرى دولة فلسطينية مستقلة ، شعبنا سيكون هناك في دولتة الفلسطينية .. ونحن هنا في أرض فلسطين !!
-3 ما الذي أدى بالضبط إلى فشل صحيفة "الأهالي" التي كنت نائبا لرئيس تحريرها؟
أُنشأت صحيفة الأهالي بشراكة بين متمول عربي وصحيفة معريف العبرية في بداية عام 2000 ، ولكن الشراكة لم تصمد الا لأقل من ستة أشهر ، بسبب اختلاف الرؤية السياسية . وفكت الشراكة بعد مقال هجومي للصحيفة على اريئيل شارون وصفناه بالقاتل.
نهجت الصحيفة على نقد بلا مواربة للواقع السياسي العربي داخل اسرائيل ، وللفساد اينما كان ، وتحولت الى منبر فكري وسياسي وثقافي حر لعشرات الكتاب ، ولاقت الصحيفة نجاحا كبيرا واقبالا جماهيريا غير عادي ، وكانت تنفذ النسخ من السوق بأقل من ساعة بعد وصول الصحيفة لنقاط التوزيع.
ترأس تحرير الصحيفة الشاعر والمفكر البارز سالم جبران ، وكنت نائبا له ، ولم يكن غيرنا في طاقم التحرير ، نفذنا كل الأعمال . وبدأنا نصدرها مرتين اسبوعيا ، ثم ثلاث مرات اسبوعيا , وكنا بطريقنا لتحويلها الى صحيفة يومية.
وفي نهاية 2003 ، أي بعد 3 سنوات من صدورها ، أتصل صاحبها وأعلمنا انه قرر وقف الصحيفة . لم نفهم ما يجري ، خاصة والصحيفة بدأت تربح من الاعلانات أيضا وتشد جمهور المعلنين وتبني نهجا جعلها في الطليعة .. وصحيفة يحسب الجميع حساب ما تنشره .
فيما بعد تبين انه تعرض لضغوطات واغراءات مالية من الأحزاب العربية ،ووعود بالاعلانات ، مقابل تغيير المحررين ونهجها النقدي .. واليوم تصدر حسب التساهيل ، وفي حديث لي مع صاحبها قال انه نادم على قراره ،وانه لو أستمر معنا لأصبحت الأهالي الصحيفة المركزية للعرب في اسرائيل.
بالنسة لي كانت الأهالي مدرستي الصحفية . وخاصة العمل مع صحفي كبير وشاعر ومفكر بقدرة سالم جبران ألذي تأثرت به ، بفكره واسلوبه وتطورت ، تحت ارشاداته ، قدراتي الكتابي والفكرية. وقد جئت للصحافة من عمل مهني ، مدير عمل ومدير انتاج في الصناعة المعدنية .. مع خلفية صحفية نظرية جيدة ، دون تطبيق ،الا الكتابة .. وكانت فرصة لتطبيق ما تشكل في وعيي الاعلامي . وقد تلقت الصحيفة ، وانا شخصيا تهديدات قذرة مختلفة ضدي وضد أبناء عائلتي من نشطاء حزب معين بالأساس ،وكذلك من فئات سياسية أخرى ... بسبب مقالا تي التي فضحت فيها العديد من الممارسات الفاسدة ، والتلون السياسي .. ووصل الموضوع للصحافة في اسرائيل والعالم العربي ، واضطرت الشرطة للتحقيق بسب ضغط الصحافة العبرية بالأساس !!
-4 القضية الفلسطينية أصبحت أرخص من البقل في "السوق السياسية الدولية والعربية" على حد سواء، كما أنها أصبحت قضية فاشلة وضعيفة حتى في الداخل الفلسطيني بسبب التفكك والنزاع حول "السلطة"، ما هي رؤيتك حول هذه القضية التي بدأ الرأي العام العربي ينساها شيئا فشيئا؟
المشكلة الأساسية تتعلق بعدم احترام الشرعية الفلسطينية الممثلة بكل وضوح بالسلطة الفلسطينية ، وأعلى جسم في الهرم الفلسطيني ، الرئاسة الفلسطينية .
لا أكتب دفاعا عن محمود عباس وحركة فتح وفساد مؤسسات السلطة . ليس هذا ما يشغلني بهذه المرحلة الحرجة . انما طعن الشرعية الفلسطينية ، هو بمثابة تجاوز بالغ الخطورة على المستقبل الفلسطيني .
اذا كان أصحاب الشأن يذبحون بعضهم بعضا ، فعن أي دولة مستقلة يتحدثون ؟ اذا كانت الشرعية الفلسطينية تداس بأعقاب البنادق الفلسطينية قبل اقامة الدولة الفلسطينية ، وما زالت فلسطين وشعبها تحت سطوة الاحتلال والحصار والقمع .. فكيف سيتصرفون بعد اقامة الدولة ؟
هناك خطوط حمراء للأسف غائبة من الساحة الفلسطينية .. ما يجري هو دمار للقضية الفلسطينية. واضعاف لمكانة المفاوض الفلسطيني .. ليس أمام اسرائيل فقط ، بل في الساحة الدولية كلها .
هل من المنطق اقامة دولة في الضفة الغربية ، وامارة في غزة ؟
حسنا فتح فاسدة ؟ وهل السحل في شوارع غزة ، وقذف المعارضين لحماس من الطبقات العليا ، قادر على وقف فساد فتح ؟ أو ليس أكثر خطورة من فساد فتح ؟
رأيي المتواضع ان ما ارتكبته حماس ، جر ويجر على شعبنا الفلسطيني مآس نحن في غنى عنها . حماس بانقلابها ، ومهما تحججت بأسباب تبدو منطقية .. ارتكبت حماقة سياسية قد تكون بالغة التكليف لها ولشعبنا الفلسطيني. وقد يكون خطؤها الكبير مشاركتها بالانتخابات للسلطة الفلسطينية التي قامت بناء على اتفاقات ترفضها حماس. القبول بالمشاركة ، يعني قبول حماس لكل الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل ومن ضمنها الآعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة اسرائيل ، التي كانت الخطوة التمهيدية لأقامة السلطة الفلسطينية.. الحلم بالوصول الى السلطة قاد حماس الى طريق ليست لها في هذه المرحلة. وأعتقد انها ستخرج خاسرة .
الفساد في السلطة الفلسطينية وحركة فتح ، له اسقاطاته الخطيرة على الواقع الفلسطيني ، ولكنه موضوع آخر يتعلق بأنشاء مؤسسات سلطة مستقلة تخضع للمحاسبة كل المسؤولين كبارا وصغارا. وهذا يمكن علاجة بتكاليف أقل من علاج انقلاب عسكري وانفلات انتقامي دموي ...
لا أطرح دفاعا عن طرف ضد الطرف الأخر ، انما أطرح رؤية سياسية دون تفاصيل الخلافات الحمساوية والفتحاوية . حماس بدت انها تريد الدمقراطية باتجاه واحد ، الوصول للسلطة ، بعدها لا ضرورة للدمقراطية .. هذا التفسير الوحيد .. واليوم ترفض حماس الحل على اساس اجراء انتخابات جديدة ( الاقتراح المصري ) ، وتقامر بادخال الحالة الفلسطينية ، مع انتهاء الفترة الرئاسية لمحمود عباس ، الى طريق مسدود ومأزوم بالغ الخطورة. هذه هي مسؤوليتهم الوطنية !!
5 - لَمُّ الشتات العربي" عبارة ما برح العرب يتغنون بها في كل المحافل والمؤتمرات العربية، هل تساوي شيئا في ظل التخلي عن القضايا العربية الراهنة (الفلسطينية، العراقية، على سبيل المثال)؟
العالم العربي يواجه مشكلات بالغة الخطور على مستقبل دوله . أخطرها البطالة المرتفعة جدا ، والأمية السائدة بشكل يبدو انها تزداد بمعدلات رهيبة .. والتخلف الآقتصادي والعلمي أمام الغرب ، والتحول الى مستهلكين فقط .. وقضية فلسطين لم تكن بمركز الاهتمام العربي ،الا بقدر تأثيرها السلبي على الأنظمة واضطرار الأنظمة لدفع الضريبة الكلامية ... الا في فترة جمال عبد الناصر ومصر تحديدا . نفس الوضع يسود حول استباحة العراق .
حسب تقارير الجامعة العربية منذ سنتين أو أكثر ، تقدر البطالة ب 25 مليون انسان ولا أستهجن اذا كان هذا الرقم معتدلا جدا ولا يمثل الا نصف الحقيقة. وحسب الجامعة العربية ، العالم العربي يحتاج الى خلق خمسة ملايين فرصة عمل جديدة كل سنة ليتلاشى الانهيار الاجتماعي والاقتصادي. هذا الواقع يجعل العقول العربية تهرب الى الغرب . ليس سرا ان 500 خبيرا مصريا من أحسن الاختصاصات المطلوبة في العالم ، تركوا مصر الى امريكا وكندا واوروبا. وليس سرا أن أبرز المثقفين العرب ينشطون من اوروربا وأمريكا وعودتهم الى أوطانهم في هذه الظروف ، تعني السجن وربما الاعدام.
الأمية الرهيبة ، 100 مليون أمي ، ولكن الحقيقة أكثر بشاعة ، اذا شملنا من لا يعرف قراءة صحيفة مثلا ، او فهم ما يقرأ من لغة الصحافة البسيطة . هل سننشئ جيلا عربيا واعيا في أحضان الجهل ؟ واقع المرأة الرهيب .. راجعوا تقارير التنمية التي أصدرتها الأمم المتحدة ، لا أستطيع عرض كل المعطيات .. ان قضية المرأة مصيرية بالنسبة لأي مجتمع . عزلها اجتماعيا هو عزل لطاقة انسانية هائلة .. لا اتحدث فقط عن الجانب الانساني والحقوقي رغم أهميته العظيمة ، ليس للمرأة فقط ، انما لمجمل تطوير المجتمعات العربية.
التعليم في العالم العربي من أدنى المستويات العالمية .. بين أول أفضل مائة جامعة في العالم ، لا توجد ولا جامعة عربية .. الابحاث الجامعية في الحضيض . لا ميزانيات للأبحاث .. وهنا أنا مضطر للقول ان دولة اسرائيل ( الصهيونية كما يهاجمها البعض ، والنسبة لهم هذا مديح ) توظف 15 مرة أكثر مما توظفه كل الجامعات العربية . فهل بالصدفة ان اسرائيل دخلت عالم الأقمار الصناعية وتربح الملايين مقابل توفير اتصالات خاصة للشركات وبعض الدول والتجسس على الدول العربية وايران وغيرها ؟
طباعة الكتب ، وهذه معايير للرقي الاجتماعي والحضاري، كل العالم العربي يطبع اقل من دولة متوسطة مثل اليونان . فقط خمس ما تطبعه اليونان. مطبعة في فرنسا تستهلك من الورق سنويا أكثر مما تستهلك كل مطابع مصر.
اريد أن أضيف أمرا هاما : ان بناء مجتمع عربي متكامل ، داخل اطار كل دولة ، لا يمكن ان يتحقق الا ببناء اقتصاد قوي. الآقتصاد هو العامل الموحد والمجمع .. وأصلا لم تتطور فكرة القومية والدول القومية تاريخيا(في اوروبا اساسا ) الا بتطوير الاقتصاد وانعكاسه الايجابي على المجتمعات ..
كيف سنلم الشتات العربي . هل من قاعدة صلبة ، اقتصادية فكرية علمية تساعد على التواصل بين المجتمعات العربية ؟ او بين أفراد مجتمع واحد ؟
دولة مثل ايطاليا تصدر أكثر من تصدير كل العالم العربي .. دولة مثل اسبانيا انتاجها القومي الاجمالي يزيد عن انتاج العالم العربي كله .
ماذا أنتجت مؤتمراتنا حتى اليوم ؟ هل المزيد من الشعارات ستحل مشاكل العرب..؟ هل المزيد من التعانق امام كاميرات الاعلام يكفي للم الشمل العربي ؟ هل تنفذ الدول العربية ما تتفق عليه في مؤتمراتها ؟ انا في شك . وآمل ان أكون مخطئا!
فهل ستنشغل أنظمة هذا واقعها بمجموعة من اللاجئين الفلسطينيين ، لا يشكلون 1% من سكان العالم العربي ؟ ولا يشكلون حتى جزءا صغيرا من هموم الأنظمة وأولوياتها ؟
المثل يقول : " ما جلدك الا ظفرك" .
6 - ما تقيمك للفكر العربي/الإسلامي في ظل تكالب الأزمات والهزائم على العرب؟ وهل فشل هذا الفكر في ترقية العقل العربي إلى تطلعات ومتطلبات القرن الحالي؟
لم يلعب الفكر العربي / الاسلامي أي دور مميز في تغيير الواقع العربي نحو الأفضل. وكما في كل التيارات الفكرية ، هناك صراع بين اتجاهات مختلفة .. حتى صار من الصعب تحديد دقيق لمفهوم الفكر الاسلامي .
سقوط البدائل القومية والماركسية.. وفشلها في رفع مستوى حياة المواطنين ، أعطى بلا شك ارتفاعا وقوة غير مسبوقة للتيار الفكري الاسلامي . ولكن التناقضات غير بسيطة . ولا أرى اني جاهز للخوض في هذا الموضوع . رغم اني دائم الاطلاع ، لأبقى على معرفة بما يدور !!
ولن أدخل مع أحد في حوار حول الفكر الاسلامي ، لأني أعرف اتجاهات النقاش ، وهي اتجاهات مؤسفة لا تحتمل الرأي الآخر ، حتى بين المفكرين الاسلاميين أنفسهم . وتصل فورا الى مواقف قاطعة وغير قابلة للنقاش ، ولست على استعداد لهذا النوع من النقاش. لي تجربة في منتدى سابق ، انا متألم منها حتى اليوم ، ليس بما طرحته ، بل ما استنتجه الطرف الأخر .. وما أطاحه بي من تهم .. لا ترد على خاطر انسان متزن. وهذا يشير الى غياب النزعة الانسانية من الحوار .. ولن أضيف أكثر!!
-7لديك تجربة في القصة، الرواية، الكتابة المسرحية والمقالة، هلا حدثتنا عن هذه التجربة/التجارب؟ وإلى أي حد كان لها الفضل في إخراج اسمك إلى الساحة الأدبية والفكرية العربية؟
نشرت اول قصة وانا في الصف التاسع .. تجربتي اعتمدت على القراءات الواسعة ، والانتباه لأسلوب مختلف الكتاب في رسم الشخصيات والحوار والمبني الدرامي.. قلدت في بداياتي اساليب مختلفة .. ثم بدأت أشعر اني أبني عالمي الخاص .
قبل انتفاضة الحجارة بعشر سنين كنت قد توقفت عن الكتابة الابداعية وغرقت أكثر بالكتابة السياسية .. ولكن انتفاضة الحجارة أرجعتني الى الكتابة الابداعية بزخم كبير.. وأستطيع ان أقول اني استشرقت الانتفاضة بقصة أسمها " الحاجز " ، كتبتها عشية الانتفاضة ، كانت الأحداث قد بدأت في غزة .. وأعتبرت اول قصة تكتب عن الانتفاضة ... بعدها كتبت عشرات القصص عن الانتفاضة ، بل وأول كتاب قصصي أصدرتة : "نهاية الزمن العاقر" كانت كل قصصه عن الانتفاضة ... وشمل كتابي الثاني " يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها " قصصا عن الانتفاضة وعن مرحلة ما بعد الانتفاضة حتى حرب أكتوبر 1973.
بعدها وجدت نفسي أغرق بعمل روائي.. وتابعته بعملين آخرين ومسرحية . وجمعت مقالاتي الثقافية والنقدية والفكرية في كتابين ، وتتراكم عندي مئات المواد التي لم أجمعها بكتب بعد .
قضية مكانتي وأسمي أتركه للآخرين .. لم يشغلني الا ان أعبر عن واقع شعبي .. ولم أتحمس لاصدار كتبي .. ووصولي للعالم العربي كان مبكرا مع اكتشاف العالم العربي لأدب المقاومة ، بالطبع أحتل الشعر المكانة الأولى .. ومع ذلك كان لي حضوري .. دخولي للشبكة الألكترونية قبل سنتين فتح لي آفاقا واسعة ..
8 - الصحافة المستقلة" موضة جديدة في عالم الصحافة، إلى أي حد يمكنها أن توصل الحقائق إلى الرأي العام العربي والدولي، بالأحرى، هل بمقدورها تغيير شيء في ظل الوضعية العربية الراهنة؟
هل نقصد بالصحافة المستقلة ان ملكيتها ليست للدولة ؟
هذا لا يجعلها صحافة مستقلة . في دولة تسيطر بشكل مطلق على الاعلام ، لا توجد صحافة مستقلة. الدولة قادرة على حجبها اذا نشرت موضوعا حتى ثقافيا لا يتلائم مع عقلية المراقب .
في دولة تفتقد لنظام دمقراطي ، وفصل بين أجهزة الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) واستقلالها الكامل عن بعض ، من المستحيل الحديث عن صحافة مستقلة أو تعددية فكرية .
مسالة الصحافة الحرة حتى في مجتمع غربي دمقراطي هي مسألة نسبية . الصحافة تخضع للقوى الاقتصادية أو السياسية عن طريق الاعلان . بالطبع مسألة الحرية في الغرب أوسع .. هناك فهم أفضل لتعدد الاراء . لا يخيفهم النقد .. وربما يجندون اصحاب اقلام "لنقدهم ".. بطريقة تظهر رحابة صدرهم .. وانهم لا يستهترون بالنقد ، بل يحسنون نهجهم حسبه .
نحن امام ظاهرة اندماج الراسمال الكبير بالصحافة ووسائل الاعلام المختلفة والفنون والسينما .. تماما كما نشهد الاندماج بين الراسمال الصناعي والراسمال المالي ( البنوك والبورصة ) . والصحافة العربية تبحث عمن ينقذها من تعسف الأنظمة.
-9 قيل الكثير في نبيل عودة، هناك من قال أنه مرتد وعميل لإسرائيل، وهناك من قال إنه يضمر ضغينة للتيار والفكر الإسلاميين، إلخ... كيف ترد على كل هذه الاتهامات؟ وهل يمكن أن نعرف توجهك الفكري/السياسي/الديني؟
العمالة لإسرائيل أتركها للتاريخ ، هذا كلام صبياني لا يستحق الرد ... وخوفي ان مطلقي هذه التهم يغطون على خوائهم الفكري والثقافي وربما السياسي أيضا.
انا ضد التصنيف الطائفي . ارفض ان اعامل على اساس انتمائي الديني .انا وطني عربي .وكل من يطرح الانتماء الديني مكان الانتماء القومي ، يساهم ، بارادته الواعية أو غير الواعية ، بتفسيخ مجتمعاتنا العربية واضعافها . لا أحمل ذرة من العداء لابن شعبي المسلم . ومعظم أصدقائي ، في العمل وفي العلاقات الاجتماعية والنضال السياسي من المسلمين ، ولم أكن أعرف انتماء بعضهم الديني لسنوات طويلة ، ولم يعنني الأمر في السابق . ولا يعنيني اليوم أيضا.
لم أخبئ فكري وتوجهي ، وشرحته بالتفصيل في الجواب على السؤال الأول .. انا علماني .ولدت في بيت مسيحي .. لم أختر ديني ، كما ان الآخرين لم يختاروا دينهم .. جدي من جهة أمي كان كاهنا . وجدي الآخر كان من شخصيات الطائفة في الناصرة ، درست حتى الصف الخامس في المدرسة المعمدانية ( الأمريكان ) . وتصادمت مع معلم الدين وطردت ، وكان سبب الصدام موضوع مظاهرة أول ايار ، اذ حاول ان يهددنا بان من يشترك بالمظاهرة التي كان ينظمها الحزب الشيوعي في مدينة الناصرة ، سيرميه الله الى جهنم ويحترق بالنار، فقلت له انه يتكلم متل الحكومة التي تحرض على الشيوعيين .. وان هذا يوم عيد للعمال يجب ان نحترمه ونحتفل به كما نحتفل بعيد ميلاد المسيح . ودافعت كما يبدو عن الشيوعيين الذين سماهم كفارا ، ولم أكن أفهم معنى تلك الكلمة. فسألته ماذا تعني بكلمة كفار ، فشرح لي بأنهم الذين لا يؤمنون بالله ، فكيف كفار اذن وهم يناضلون من أجل شعبهم ويسجنون ويضربون من الشرطة ويتظاهرون ؟.. بل هم المؤمنون المسيحيون أكثر من الجميع .. فقال لي انت وقح وتستحق عقاب الرب .. وبعدها فلتت الأمور .. لا اتذكر التفاصيل ولكن يبدو اني غضبت وقلت كلاما صبيانيا وغبت عن المدرسة في أول ايار ، فعدت لأجد مكتوب الطرد ، ونقلت لمدرسة حكومية ، مستواها متدن بالمقارنة مع المدرسة المعمدانية .وكان ذلك بداية وعي جديد ، وأظن ان خياري للعلمانية بدأ يتشكل منذ تلك السنوات . هذا لا يعني اني لا أحتفل بالمناسبات الدينية ، واني معاد للدين . , اطلاقا لا أرى علاقة بين علمانيتي وعلاقتي مع المتدينين بل ومشاركتي في الاحتفالات الدينية.
علاقاتي مع الناس من كل الطوائف عادية .. أحترم كل العقائد الدينية ولا اتدخل الا بأمر واحد ، بأن لا يصنفني أحد دينيا.. بل قوميا فقط .
أرفض الانجرار للنقاش الديني والعقائد الدينية . هذا نقاش بيزنطي لن يقود الا لمزيد من الانغلاق والتعصب بين المتناقشين . اعطيت لأبنائي مطلق الحرية في خياراتهم الدينية. وابني أقرب مني للدين .. هذا خياره الذي لم أجبره علية او على غيره. وأكثرية أصحابه من المسلمين وبعضهم متدين ، ولم أسمعهم يطرحون موضوع الدين اطلاقا . على العموم يدعى دائما ليحتفل معهم بأعيادهم ، ويدعوهم ليحتفلوا معه في أعياده. يحبهم مثل أخوته ، وأنا على ثقة انهم يبادلونه نفس الحب والاحترام .
- 10 ما تقيمك للإنتاج الأدبي والفكري المطروح في الساحة العربية؟
سؤال يحتاج الى مداخلة طويل . ساعطي ملخص ما اراه :
الابداع الأدبي العربي مثير للإهتمام ، هناك أسماء هامة ، خاصة في الرواية العربية .. في الشعر الوضع مأزوم نسبيا. بغياب محمود درويش لا أجد شاعرا قادرا على تعبئة الفراغ مكانه . حالة النقد الأدبي في السنوات الأخيرة في انحسار كبير ... لا أرى جيلا جديدا من النقاد .. الا اذا كان هناك ما لم أطلع عليه .. وواضح انه من الصعب متابعة كل ما ينتج . ولكني الاحظ ان معظم المفكرين العرب البارزين أضحوا مقيمين في الغرب ، نتيجة الواقع الذي يسود الأقطار العربية ، في ظل غياب حد ادنى من الدمقراطية والتعددية الفكرية والثقافية.
- 11 كلمة وجيزة في حق الشابكة (الإنترنيت)؟
شبكة الانترنت عالم سحري عجيب ، لها الكثير من التأثير على مجتمعاتنا . بعضه تأثير سلبي مثل استعمال الشبكة بشكل غير ثقافي وغير أخلاقي وتحريضي على المختلفين .
وجانب عظيم منه ايجابي ، عبر اختصار الزمن ، وتقريب المسافات ، والوصول الى أوسع مجموعة ممكنة من القراء ، لدرجة ان الحدود تذوب وتتلاشى . ويعتبر الانترنت شبكة معرفية راقية ومتطورة ، وتوفر للكثيرين مراجع بكافة المواضيع التي يفكر فيها الانسان.
لا يمكن تصور عالمنا بدون هذه الشبكة ، واعتقد ان من لا يعرف استعمال الشبكة الألكترونية قد يصنف قريبا مع الأميين!!
==============
1 – بن غريون اول رئيس لحكومة اسرائيل .
2 – ابو خضر ضابط بوليس اكتسب شهرة بأعمال القمع وا لارهاب
3 - من أبرز قادة الحزب الشيوعي . اميل حبيبي هو نفسه الكاتب الفلسطيني الكبير .
الاثنين، يناير 05، 2009
ملتقى الأدباء والمبدعين العرب في حوار مع الكاتب والناقد الفلسطيني نبيل عودة
Labels:
نبيل عودة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق