*الخلافات الفلسطينية يجب وضعها على الرف واعادة الوحدة على قاعدة احترام الشرعية الفلسطينية*انتقاد حماس لايعني اطلاقا تأييد العدوان الاسرائيلي * حسابات اسرائيل أكثر اتساعا من قطاع غزة وأبعد من حماس * 350 مليون عربي يعجزون حتى عن تمرير حل لصالح اسرائيل وضمن شروطها * يجب وضع الخلافات الفلسطينية جانبا واعادة الوحدة على قاعدة احترام الشرعية الفلسطينية * التاريخ العربي يحتاج الى اعادة صياغة عقلانية وعلمية * من المؤسف ان التصنيف الديني أصبح هو التصنيف السائد ثقافيا وفكريا وسياسيا * واقعنا في اسرائيل لم نختاره ولسنا سعداء به ، رغم انه أفضل بما لا يقاس من واقع المواطن في العالم العربي * تهافت الكثير من المفكرين الى حضيض فكري متزمت ومنغلق ، يشكل لوحة سوداء قاتمة للحالة التي تسود في ثقافتنا العربية * نحن أحوج ما نكون الى عصر نهضوي فكري وعلمي .. الى رينيسانس عربي *غياب فلسفة عربية يجعل من النقد العربي بمفوهمه الاجتماعي والثقافي ، اجتهادات بلا برمجة * أرى ان الشعوب العربية تملك خيارات أفضل مما هو قائم اليوم *
حوار مع الكاتب والاعلامي نبيل عودة عن أخطر القضايا السياسية والثقافية التي تشغل المثقفين العرب هذه الأيام
حاورته الإعلامية ياسمين صلاح الدين
سؤال - دعني أبدأ بسؤالك كإعلامي و مثقف كيف تقرأ ما يجري في غزة و من المسؤول في نظرك؟
جواب - ليس من السهل اعطاء جواب يرضيني وانا أرى دمنا الفلسطيني ينزف . أرى ان لاسرائيل نوايا أبعد من حماس ، وحسابات أكثر اتساعا من قطاع غزة. ومشكلة حماس انها توهمت أن الانتقال من حركة مقاومة الى سلطة سياسية ، والاحتفاظ بنفس النمط السابق ، ونفس العقلية السابقة ، ونفس التصرفات السابقة، كحركة مقاومة وطنية ، هو مسألة ميسرة وتخدم اتجاهها وعقليتها الاجتماعية والدينية ( حول شكل المجتمع الذي تريده ) . ويبدو اليوم أن مشروعها السياسي كان الوصول الى السلطة لخدمة ارتباطاتها المنطقية ، مع حزب الله وايران، ومع النظام السوري ، حيث تعيش تحت ظله قيادتها العليا.. مما أوقعها بحسابات بعيدة عن المصالح الوطنية الفلسطينية.. وفي مشاريع ليست هي المطروحة على المجتمع الفلسطيني اليوم. ان انتقاد حماس لايعني اطلاقا تأييد العدوان الاسرائيلي ، وكنت أفضل ان يكون هذا الحوار في ظروف مغايرة لا يواجه فيها شعبي نزيف الدم . بنفس الوقت انا مع غزة ضد المعتدين . انا مع شعبي من أجل ان يفشل هذا العدوان في تحقيق أي من أهدافه.. وان يتحول العدوان الى مغامرة يدفع ثمنها المغامرون أيضا ، وليس حماس والشعب الفلسطيني فقط .
منذ اليوم الأول لفوز حماس رأيت الصورة غير السليمة ، الحبلى بالمخاطر والمغامرات على الشعب الفلسطيني ، وكتبت مقالا تحت عنوان " انتصار حماس كارثة للشعب الفلسطيني" ، لأني رأيت ان حماس دخلت في مشروع لا مصلحة فيه للشعب الفلسطيني في وضعه المعقد والصعب، ولن يخدم المشروع الأهم على الأجندة الفلسطينية ، التحرر من الاحتلال نهائيا وبناء الدولة الفلسطينية الدمقراطية المستقلة على قاعدة مشروع السلام العربي ( السعودي) الذي لا أرى امكانية لطرح آخر بديل عنه في ظل ما هو سائد في الواقع السياسي العربي والدولي ، والواقع الشرق أوسطي في المعادلة السياسية والعسكرية ، القائمة بين اسرائيل والأقطار العربية والشرق أوسطية كلها .صحيح انها معادلة لا يقبلها العقل أو المنطق ، حين يكون 350 مليون عربي ( عدا ايران ) في مواجهة 7 مليون اسرائيلي ، ومع ذلك يعجزون حتى عن تمرير حل لصالح اسرائيل وضمن شروطها ..
انتخابات دمقراطية ام انقلاب عسكري
بعد انقلاب حماس ، وتخلصها من الشرعية الفلسطينية ، بات كل حديث عن فوزها بانتخابات دمقراطية ، كتبرير لأنقلابها العسكري يعتبر طعنا بالشرعية الفلسطينية ، ودفع نحو سياسة المغامرات السياسية والعسكرية ، والمغامرة بمستقبل الشعب الفلسطيني ، خاصة في هذه المرحلة التي تزايدت فيها الجهود الدولية للتوصل الى حل ، والمستهجن .. ان الشيخ حسن نصرالله بات يردد هذه الصيغة بالغة الخطورة على الشرعية الفلسطينية ( فوز حماس بانتخابات دمقراطية ،وكأنه المحكمة العليا الفلسطينية ؟! هل التزم حضرته بالانتخابات الدمقراطية اللبنانية ؟ وهل التزم بشرعية السلطة المنتخبة في لبنان ؟ ) .
رأيت بوضوح ان الكارثة تقترب ، وأن حماس توفر الأرضية التي تنتظرها اسرائيل.. وانتقدت استمرار اطلاق الصواريخ البدائية ( وأسميتها العابا نارية ) على السكان في البلدات الاسرائيلية بينما تقوم الماكنة العسكرية الاسرائيلية بردود تدميرية للإنسان الفلسطيني واقتصاده والبنى التحتية وتضييق الحصار على الفلسطينيين ، ولم يعد سرا من هم الذين استفادوا من الحصار لتهريب البضائع والتجارة بها ، ورأيت ان ما يشغل حماس يتلوث بخطط معينة لا مصلحة للفلسطينيين فيها ...وكانت مناظر سحل قيادات فتح وعناصرها ببربرية مذهلة في بشاعتها ، هو الحد الذي رأيت عبره المستقبل الأسود لشعبي..لا أقول ذلك دفاعا عن فساد فتح أو السلطة الفلسطينية.. ولكن الفساد أفضل مليون مرة من مناظر القتل الهمجي ...وعقلية القتل الهمجي.. هل هكذا يتصرف المنتصر في انتخابات دمقراطية ؟؟ ام هي دمقرطية ذات اتجاه واحد تنتهي بعد الوصول للسلطة ؟؟ لذلك أقول: كان الأفضل ان يكون الحوار في ظروف أخرى حتى لا يفسر كلامي خارج حدود الكلمات والألم الذي لا يمكن ان يفارق أي فلسطيني بعد الذي حدث في غزة منذ وصول حماس "دمقراطيا" الى السلطة .
ومع ذلك لا أستطيع ان اكون حياديا في هذه الظروف.. ورؤيتي ان الخلافات الفلسطينية يجب وضعها على الرف واعادة الوحدة على قاعدة احترام الشرعية الفلسطينية ، وبتجاهل كامل للترسبات المؤلمة .. كأفضل خيار الآن لوقف العدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني . الهجوم لا يستهدف حماس بالتحديد بل كل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة . ولا بد ان تخرج الفصائل الفلسطينية بميثاق ينظم اللعبة السياسية الدمقراطية بينها ، ويضع خطوطا حمراء يمنع تجاوزها. العدوان لن ينجح في سحق حماس ، واسرائيل ربما كانت تملك رؤية واضحة عن أهدافها من العدوان ، ولكن كل شيء في المواجهة يتغير، والسؤال هل تعرف اسرائيل اليوم الى أين تتجه ، وكيف ستنهي حربها على القطاع ؟ انا في شك من ذلك ، وأقول : ممنوع ان تخرج اسرائيل منتصرة سياسيا في هذه المواجهة ..
سؤال - هنالك من يحمل حركة حماس مسؤولية العنف بأنها تحاول فرض خطابا دينيا بلغة السلاح. ما رأيك؟
جواب - ليس مجرد تحميل حماس مسؤولية ، هذا هو الواقع .. الاعتداء على عناصر فتح بالقتل والسحل وجرائم غير مسبوقة في تاريخ المجتمع الفلسطيني . الاعتداء على المدارس والكنائس والشخصيات المسيحية بالقتل ... قرارات سلطة حماس المستهجنة والمتعددة ، منها الغاء كتاب حول الأدب الشعبي الفلسطيني ، من منطلقات سلفية متحجرة.. تصريحات الزهار حول بناء المجتمع الإسلامي الفلسطيني في غزة تمهيدا لبناء دولة فلسطين الاسلامية . اقرار قانون العودة الى "العقاب الاسلامي" بقطع اليد والجلد وغيره ، وصدر قبل اسبوع من بدء هجوم اسرائيل .. والمتابع لبرامج تلفزيون حماس شاهد توظيف الفكر الديني السلفي في محاربة السلطة الفلسطينية وحركة فتح ورموزها..وكأنهم من دين آخر يتناقض مع دين حماس .
سؤال - صحف عربية (في مصر و الأردن و لبنان) قالت أن حركة حماس اختطفت سكان غزة في هذه الحرب، و أنه لو سئل أغلب الضحايا قبل الحرب لرفضوها. ما رأيك؟
جواب – لا أظن ان انسان عاقل ، في ظل حصار قاتل ، جفف غزة وسكانها ، يمكن ان يفكر بمثل هذه الحرب.. الا اذا كان يكرر سدوم وعاموراة فلسطينية في مواجهة اسرائيل. السؤال ما هي حسابات حماس؟ او من أعطى الأوامر لحماس لتصل الى هذه المواجهة ؟ والسؤال الأكثر أهمية : هل كانت تتوقع حماس ان بدء المواجهة الحربية في قطاع غزة ، سيقود الى تفجير جديد للوضع في الجبهة اللبنانية ، وربما ما هو أكثر اتساعا ؟ وهل دفع حماس لهذه المواجهة جاء بقرارات تخدم المصلحة الفلسطينية ؟ ومن هي الجهة التي شجعت حماس على مواجهة أضخم آلة حربية في الشرق الأوسط ؟
الادعاء ان الحصار هو ما دفع حماس لهذه الحرب التدميرية الواسعة ، هو خطأ ... لأنه يتجاهل ان الوصول الى اتفاق مع السلطة الفلسطينية ، وانهاء التمرد ، كان سيقود الى فتح معبر رفح مع مصر ، وفتح بقية المعابر للبضائع .ولكن عقلية التمسك بالسلطة ( وفوائدها ؟ ) ورفض الحلول المقترحة ، خاصة الاقتراح المصري ، كان يشير الى ان حسابات حماس تقع بعيدا عن غزة وسكان غزة . وان ما يشغلها استمرارها بالسيطرة ، والانخراط بلعبة أكثر اتساعا من رقعة غزة ، او الأهداف المرحلية الملحة للشعب الفلسطيني.
سؤال - دعني أنتقل إلى سؤال آخر: تطالب في العديد من المقالات بتحرير الفكر العربي من الأفكار الجاهزة المبنية على المغالطات التاريخية و الفلسفية، ما نوع المغالطات التي يتوجب محارباتها فكريا لتحقيق مجالات أرحب و أكثر تسامحا و تقبلا للآخر؟
جواب – التاريخ العربي يحتاج الى اعادة صياغة عقلانية وعلمية . كثيرا ما اصطدمت مع " مفكرين " يدافعون عن فترة الحكم العثماني مثلا .. بل ويبكون عليها ، بينما الواقع انها كانت فترة تصحير كامل للشعوب العربية والمجتمعات العربية ، ما زلنا نعاني منه حتى اليوم ، وبعض أصحاب " الفكر " يرون بالقومية والعلمانية ، الد اعداء الشعوب العربية ، ونتاج استعماري وصليبي... الخ
لا شك ان المسيحيين العرب لعبوا دورا هاما في ارساء الفكر القومي العربي من رؤيتهم انه الانتماء الذي يوحدهم وطنيا في اطار دولهم مع سائر ابناء شعبهم. فهل صاروا بسبب هذا الطرح "صليبيين ".. معادين لشعوبهم ؟
من المؤسف ان التصنيف الديني أصبح هو التصنيف السائد ثقافيا وفكريا وسياسيا. واذا قلت اني ولدت في بيت مسيحي ، أو اني علماني غير متدين ، تواجهني كتائب من المهاجمين بمستوى أقل ما يوصف ، انه عار على الفكر العربي ، ونادرا ما أجد من يستعد لقول الحقيقة بجرأة للمتهافتين الى حضيض التحريض.. واذا وجد من مدافع فهو شبه "حيادي" و "يدافع" من المنطلقات نفسها التي تحرك المتهجمين..
اذا تجرأت ( ولا أتردد ) وأقمت مقارنة ، بين الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والعلمي في اسرائيل ، والواقع في العالم العربي ، أتهم بأني أمدح العدو الصهيوني ، بينما الحقيقة اني أبكي واقع جماهيرنا العربية المتخلف عن دولة اغتصت حقوق شعبي الفلسطيني ، ولكنها بنت قوة عسكرية واقتصادية ونظاما دمقراطيا ليبراليا ، وضمانات اجتماعية واسعة وضمانات صحية متطورة جدا وجامعات من ارقى الجامعات في العالم ، ومعاهد ابحاث علمية متطورة ، وتوظف بالأبحاث العلمية 15 مرة أكثر من العالم العربي كله ، وتترجم وتطبع من الكتب أكثر من كل العالم العربي مرتين على الأقل... ومستوى الدخل للفرد فيها يتجاوز كل الدول العربية حتى الغنية بالنفط .. وتصل حصة الفرد الى 24 - 25 الف دولار من الانتاج القومي الاجمالي ، وتشكل التكنلوجيات الدقيقة ( الهايتك ) 80% من صادرات اسرائيل ، أقول ذلك لأشير الى الفجوة العلمية الرهيبة مع العالم العربي الذي يستهلك الهايتك والتكنلوجيات الدقيقة وغير الدقيقة ، ولا ينتج حتى احتياجاته الأولية في هذا المجال. وكل مقارنة تظهر كم عالمنا العربي في القاع مع اسرائيل.
هل هذا مدح ام استفزاز للنهوض؟
حتى الجماهير العربية في اسرائيل ، رغم سياسة الاضطهاد القومي والتمييز العنصري ، التي تجعلها في التدريج الاقتصادي والاجتماعي أدنى من المواطنين اليهود ، الا ان واقعها أرقى بما لا يقارن من واقع الجماهير في العالم العربي.. هذه حقيقة يجب طرحها بدون تزوير. لتعرف الشعوب العربية ان ثرواتها الهائلة لا توظف لبناء مستقبلها ومستقبل ابنائها. وأن الجزء من العرب الخاضعين لحكم "المغتصبين الصهاينة" ، حسب التعبير الرائج في أفواه اكثرية المتثاقفين العرب .. هم أكثر تقدما من جميع الشعوب العربية في كل المجالات.. وبسبب هذه الطروحات تمتنع مواقع " يسارية " عربية وغير يسارية عن نشر مقالاتي.. وأواجه كتائب من المتخلفين الذي يتهجمون علي شخصيا دون محاولة فهم طروحاتي ...ويؤسفني ان اقول ان الصورة داخل اسرائيل ليست أفضل كثيرا ، عندنا تتطور سياسة الرفض مع سبق الإصرار لكل طرح من حكومة اسرائيل ، حتى لو كان فيه محاولة لتحسين الواقع .. وكاننا نعيش في المريخ ونتلقى خدماتنا من المشتري ، ونحصل على حقوقنا القانونية من زحل ، ونحمل هويات عطارد !! وندفع ضرائبنا لحكومة كوكب الزهراء؟؟
هذا الواقع لم نختاره .. ولسنا سعداء به . لسنا سعداء بنبكة شعبنا ، لسنا مسرورين بهزيمة حرب حزيران .. ولن أعدد بقية مصائبنا... رفعنا رؤوسنا من اليوم الأول لنصون بقائنا وفي وطننا وننغرز بأرضنا، ونعيد بناء مجتمعنا الممزق والضائع بعد ليل النكبة ، ونتمسك بلغتنا في مواجهة سياسة التجهيل ، ونرتبط ثقافتنا وتراثنا العربي .. ونجحنا .. كسرنا الحكم العسكري البوليسي الأرهابي .. كسرنا محاولة اعادة تشريد من عادوا بعد النكبة ولا يملكون الهوية .. وخضنا نضالات بطولية وأهمها يوم الأرض الخالد .. وللأسف بدأنا ، بعد تغير الواقع السياسي لمزيد من الحرية والحقوق المدنية ، بالتراخي ، والتنافس على المصالح الشخصية... وأهملنا استمرار نضالنا من أجل المساواة الحقيقية .. وهذا حق لنا يجب ان ننجزه ، برلمانيا وشعبيا وقضائيا ، وكل انجاز نحققه ينعكس ايجابا على نضالنا لدعم شعبنا من أجل تحصيل حقوقه القومية من اسرائيل . هذا هو دورنا الهام من قلب اسرائيل... وكل دعوة أخرى ، كما تصدر من بعض القوى السلفية او القومجية ، هو دفعنا الى الانتحار السياسي وانعزالنا عن الحياة السياسية في اسرائيل .وهذا خطأ ممنوع ان نرتكبه ..
هناك مواضيع اتحايد الخوض الواسع فيها لأساب عديدة .. ولكني أقول انه يجب تغيير الأولويات في العالم العربي ،بوضع التنمية والعلوم والتعليم ( وتنقيته من التلقين والغيبيات ) ومساواة المرأة وتطوير واقعها التعليمي والحقوقي ، وضمان حقوق الطفل والقضاء على البطالة والفقر ، على رأس سلم الأولويات ، والقضاء على الفكر الخرافي حول الاعجازات العلمية والفتاوي الفضائية والأحاديث الغيبية ل "علماء" الأمة ، التي حولتها بعض المواقع الى عروض مسجلة موثقة عن حالة الفكر والحياة الفكرية والمستوى" العلمي " و " البحثي " في العالم العربي ودول شرق أوسطية أخرى ، تناقضها مثير ومذهل مع المنطق الأكثر بساطة للإنسان المعاصر (شاهدوا مثلا موقع memri - - معهد لأبحاث الاعلام في الشرق الأوسط ) .
5. هنالك تراجع رهيب في الحرية الإنسانية في أكثر من دولة عربية. هل يمكن صناعة ثقافة حداثية حقيقية في ظل هذا التضييق على الحريات؟
جواب – الحداثة هي الحرية أولا.. ولا حداثة بلا تنوير . للأسف عصر التنوير العربي تعثر . اليوم يسود الفكر الماضوي .. حتى في أوساط المثقفين العرب تجد تعثرا ثقافيا. أرى اننا مجتمعات تعيش في الماضي ، ولا تجد الطريق للخروج من الماضي.. لا أدعو لقطع الصلة مع الماضي ، ولكن لا يمكن البقاء بأسر فكر لا يتغير ، أشعر ان العالم ينطلق بسرعة الصوت ، ونحن نضرب في صحراء .. ننقل أقدامنا بصعوبة ولا حساب للزمن في وعينا.
سؤال - ألا يحتاج الأمر إلى تحرير المثقف من ارتباكه التاريخي الذي قسمه إلى تيار موالي للحاكم و تيار مناهض للحاكم دون بديل حقيقي، ما رأيك؟
جواب – الإرتباك التاريخي يقود الى ارتباك عقلي أيضا. تنتج عنه خزعبلات يروجها ليس بسطاء الناس ، بل حملة شهادات عليا ، . هل هو شلل دماغي ؟ أم استكانة غير مفهومة بمعزل عن الحياة ؟ السؤال: ماذا تبقى من المثقف العربي الخاضع لارتباكه التاريخي ..؟ هذه أرضية خصبة للسلطة لإنتاج المثقف السلطوي . وأرضية خصبة أيضا لخلق مثقف ماضوي معاد للسلطة ، قد تكون ماضويته التاريخية أكثر انغلاقا. هذه الظاهرة تسود عالمنا العربي .
أرى ان معركة المثقفين العرب الليبراليين فكريا ومن مختلف التيارات ، هي معركة تزداد تعقيدا وصعوبة ، لذا ليس بالصدفة ان معظم المفكرين الكبار ينتجون وينشطون من خارج أوطانهم .
سؤال - لكن أغلب الحروب ذات الطابع الشخصي التي تنفجر باسم الفكر تؤكد استفحال الرداءة الفكرية في خطاب المثقف العربي الراهن؟
جواب - للأسف الشديد هذا صحيح نسبيا ، ولكن ممنوع جعله حكما تعميميا. لأن الطرح الفكري الراقي موجود .
الكثير من النقاش الذي يتفجر حول الفكر يتمحور فورا حول الشخص. ومعظمه ينطلق من الذم والتشهير لأسباب تتعلق بعلمانية الكاتب او طرحه الذي لا يلتزم بالعقليات السلفية.ورؤيتي ان السلفية لم تعد تعبر عن تيار .. انما أضحت النهج الرسمي لأكثرية المتدينين. حتى الذين كان يمكن اعتبارهم منفتحين . ربما تجربتي واسعة أكثر من غيري في هذا المجال. اذا صغت لمحة جنسية ، يثور بغل بشري انخدشت مشاعره . وكأن الحديث عن قبلة في قصة ، أو علاقة ممنوعة، هو جريمة .. بينما زواج عجوز من طفلة يعتبر حالة طبيعية. وقس على هذا المنوال.. حتى القدماء كانوا أكثر انفتاحا ووعيا وتراثنا مليء بالجنس . بل أفضل كتب التراث وأجملها هو ما شكل الجنس جوهر مضمونها. هذا يشير الى تهافت الفكر الثقافي العربي الرسمي والماضوي.. والى تهافت الكثير من المفكرين الى حضيض فكري متزمت ومنغلق ، يشكل لوحة سوداء قاتمة للحالة التي تسود في ثقافتنا العربية.
سؤال - طيب، وكيف تفهم كمثقف ما يجري في الساحة الفكرية العربية وفق ما في الساحة من تيارات متقاتلة فكريا و التي تظهر في المنتديات الثقافية بصورة مأساوية.
جواب – الساحة الفكرية العربية ملئية بمثقفين متنورين . للأسف لا يشكلون التيار السائد. ولكنهم يمثلون ضمير شعوبهم الثقافي والحضاري . الأكثرية المطلقة تعاني من الحياة في المهجر.وبالطبع هناك من يمارسون نشاطهم من داخل دولهم ، ولكن وضعهم ليس سهلا ..
نحن أحوج ما نكون الى عصر نهضوي فكري وعلمي .. الى رينيسانس عربي . حتى لغتنا العربية تتهاوى وتعاني من الجمود ، وتحكمها القواعد التي وضعها سيبويه وأقرانه منذ مئات السنين ، فيما عدا تغييرات طفيفة أملتها الحياة المعاصرة، ويعتبرها " الغيورون" خروجا على اللغة طبعا". كيف يمكن للغتنا ان تخضع لسيبويه والكسائي الى أبد الآبدين" ؟ ونفس الحالة ، كيف يمكن للفكر البشري ان يخضع لقيود لا شيء يربطها بواقع مجتمعاتنا الحديثة...؟
سؤال - ألا يعني هذا أن الخلل في المثقف نفسه أكثر مما هو في أداة الثقافة كفعاليات مثلا؟
جواب – هناك ترابط شرطي بين خلل المثقف وخلل الفعاليات. ربما مفهومنا للمثقف يجب ان يتغير. ومفهومنا للثقافة يجب ان يتغير. الثقافة هي شكل من أشكال الوعي الاجتماعي. يجب ان نقيسها على هذا الأساس . هل ما أطرحة متزمت؟ لا أفهم النص الثقافي ، الذي لا يقود الى فكرة ... أي يغيب عنه مفهوم الوعي الاجتماعي. تجد قصائد لمئات الشعراء في شبكات الانترنت ، ولكن عدد قليل جدا من القصائد التي تستحق ان تقرأ. يوميا تنشر مئات المقالات ، معظمها تهريج فكري وشعارات وموقف لخدمة شخصية الكاتب وليس الفكر الثقافي أو الاجتماعي. والنفاق هو مكمل للخلل الثقافي... هناك غياب مقلق للنزاهة والأمانة الثقافية .. بدون معيار اخلاقي فلسفي ثابت للفكر نحن نتخبط بلا بوصلة ... ان غياب فلسفة عربية يجعل من النقد العربي بمفوهمه الاجتماعي والثقافي ، اجتهادات بلا برمجة ... معظم المفكرين البارزين العرب يعتمدون فلسفات اوروبية . هذا ليس خطأ . ولكن المشكلة ان القارئ العربي بعيد عن تأثير العقلانية الفكرية للمثقفين العرب ... وضعف فهم المقرؤ لأسباب تتعلق بواقع اللغة العربية ، وواقع التعليم العربي ، يجعل تأثير الفكر العربي العقلاني المتنور ضعيف ، وتأثيره ثانوي جدا ومحصور في أوساط ضيقة ...
انا متشائم من الواقع العربي. ولا أرى ان الشعوب العربية تملك خيارات أفضل مما هو قائم اليوم . قد يكون النموذج التونسي هاما للشعوب العربية ، في دستوره وتنظيمه الاجتماعي .. ولكني أرى انه يتعثر لأسباب تتعلق بأصحاب القرار السياسي وارتدادهم عن تجربة ونهج بورقيبة.
الأربعاء، يناير 14، 2009
نبيل عودة :لا أستطيع ان اكون حياديا في هذه الظروف التي ينزف فيها دم شعبي
Labels:
نبيل عودة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق