زياد جيوسي
صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا وطن، صباح آخر جميل من صباحات الوطن يبدأ به الثلث الأخير من شهر الرحمة والغفران، شهر يغفر الله فيه للمخطئين والمسيئين من البشر، ولا يتسامح البشر مع بعضهم البعض، ولا يتنازلوا في حل صراع الإخوة، في الوقت الذي ينحنون فيه أمام أعدائهم، هي طبيعة النفس البشرية ودم ذوي القربى، وكما يقول مثلنا الشعبي: "الدم ثقيل على بعضه"، فيا لدمنا حين نحل سفكه بيننا، ولا نسكت عن المطالبة بالثارات ونصمت أمام العدو.
ضباب رام الله المنعش البارد في الصباح الباكر، ينعش ذاكرتي وأنا أجول وحيداً في صمت المدينة وهدوئها، فأعود بالذاكرة للطفولة وجمالها، ولا أعرف ما الذي يشدني للبدايات، ربما هي الوحدة وربما هو الحنين، وربما الألم بما أصبحت عليه الأحوال مقارنة بتلك الأيام التي كانت تفيض بالمحبة والجمال، رغم قسوة العيش والظروف المعيشية الصعبة التي كان الناس يمرون بها، ومع ذلك ومقارنة مع هذه الأيام أشعر بالفرق كم كان كبيراً.
أول ما تستعيده ذاكرتي ويشكل نقطة البدء فيها هو مدينة الكرك في جنوب الأردن، حيث كانت أول نقوش في ذاكرتي، وكنت أبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط حين سكنا الكرك، كان والدي في شرطة السير وكثير التنقل، فقد ولدت في مدينة الزرقاء بينما ولد أخي الأصغر مني بعامين والأقرب لروحي في حي الأشرفية في عمان، حيث روت لنا الوالدة أنها ولدته في "الثلجة الثانية الكبيرة" عام 1957، وقد كان الناس يربطون أحداثهم بأحداث طارئة متميزة، لكني بالتأكيد لا أذكر شيئاً من تلك الفترة، فالكرك هي أول ما أذكره في الطفولة المبكرة، كنا نسكن في حي يسمونه "حي المسنات" وهو اسم عشيرة من عشائر الكرك، وما زال في الذاكرة بعض من تفاصيل البيت وجلسات "الغليون" للسيدات، حيث كانت النساء تتجمع ويدخن التبغ بواسطة "غلايين" طويلة القصبة تمتد لمنتصف الغرفة، وما زالت في ذاكرتي بشكل واضح الكنيسة التي كان القسيس يجمعنا من البيوت ويتركنا تحت الرعاية في باحتها وقاعتها، كان يجمعنا جميعاً بغض النظر عن الديانة، فلم تكن سوسة الطائفية المقيتة لها وجود بين الناس، وكان يضع لنا بعض من الألعاب نلعب بها حتى يحين موعد إعادتنا للبيوت، ويمكنني القول أنها كانت بداية لما عرف بعدها بالحضانات، وكانت تمثل للأمهات فرصة "لضب" الأطفال والتخلص من إزعاجهم، وكان الكنيسة تقوم بهذه المهمة مقابل تبرعات قليلة غير محددة القيمة، لكنها تمثل ربما دخلاً ما لصندوق الكنيسة، وأذكر أنني مرة هربت من الكنيسة عائد للبيت، ولكن ما كدت أبتعد قليلاً حتى رأيت كلباً مربوطاً أمام بيت ونبح عليّ، فارتعبت خوفاَ وتجمدت مكاني وبدأت بالبكاء والصراخ، حتى أتى رجل وأمسكني من يدي وأعادني للكنيسة، حيث كان درسي الأول في الحياة من قبل القسيس حين قال لي وهو يمسح دموعي: هذا جزاء من لا يستأذن الكبار ويهرب، وسلمني للراهبة التي قرصت أذني بنعومة وهي تشرح لي ضرورة أن لا أخرج مرة ثانية بدون مرافقة القسيس والا أكلني الكلب.
في تلك الفترة في الكرك ولد لنا أخ جديد، كان جميل بطريقة غريبة، كان يشبه والدي بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، وما زالت صورته منطبعة في ذاكرتي، وذهبنا وعمره سنة في زيارة لعمان لبيت جدي لأمي، حيث أصابته حمى، وانتقل لرحمته تعالى ودفن بمقبرة "مصدار عيشه"، وما زلت أذكر منظر جدتي ووالدتي وبعض النسوة وهن يبكين عليه، حتى أتى بعض الرجال من أقارب والدتي، ولفوه بالقماش وأخذوه للدفن، ولم أكن أدرك بحكم السن ماذا يحصل، وكل ما فهمته من والدتي أنه ذهب برحلة إلى السماء مع الملائكة، وكنت بعدها دوماً أنظر للسماء على أمل أن أراه يعود، وحين حضر والدي لإعادتنا للكرك فوجئ بوفاة أسامة فبكى، واستغربت لماذا يبكي وأسامة قد ذهب مع الملائكة، ولم يكن بالامكان إخباره قبل الدفن، فلم تكن هناك وسائل اتصال وهواتف كما اليوم.
لم نستمر بالكرك بفترتها فقد نقل والدي إلى عمان، وكان علينا أن نحمل أغراضنا ونرحل، وسكنا في تلك الفترة في بيت صغير في حي من أحياء جبل عمان هو حي "خرفان"، لننتقل منه بعد فترة قصيرة لبيت أكثر اتساعاً في جبل عمان أيضا، في شارع اسمه شارع "الملفوف"، وهناك وضعني أهلي عند سيدة كانت تجمع الأطفال أيضاً في بيتها، تعلمنا بعض الأناشيد وتقص علينا بعض الحكايات، كان نناديها الست ليلى، كانت حسبما انطبعت صورتها في ذاكرتي جميلة بشعرها الأسود المتدلي على كتفيها، وكان أكثر ما يعجبني في بيتها "حوش" البيت"، الذي كان يتيح لي النظر إلى البيوت القليلة المتناثرة في عمان الشرقية، مثل أحياء الأشرفية والجوفة، وكانت معظم البيوت في السفح المطل على "سيل" عمان، أما منظر "سيل" عمان فكان من أجمل ما انطبع في ذهني بتلك الفترة، فقد كان أشبه بنهر صغير تحفه الأشجار والبساتين، وحين كان يفيض في الشتاء فقد كان بجرفه للطين يعطي منظراً ذهبياً جميلاً، وخاصة بعد توقف الأمطار وبزوغ الشمس ولو قليلاً، وفي أوقات الربيع كنا نذهب برفقة الوالدة والجيران لهناك، لتناول الطعام تحت أشجاره وفي البساتين التي كانت تحف جانبيه، من رأس العين حيث كان ينبع، وصولاً لحي المحطة حيث محطة القطار، ومع الزمن بدأت المباني تحتل البساتين ومياه السيل تجف قليلا قليلاً، وآخر عهدي به في بداية سبعينات القرن الماضي، بقايا مياه قذرة تنقل الأوساخ والقاذورات معها، قبل أن يتم سقفه تماما وفتح شارع على السقف الأسمنتي الذي غطاه، وتحول اسمه من "السيل" إلى "سقف السيل"، ولم يتبقى من تلك الأشجار وعيون الماء العذبة شيئاً، فقد اندثرت ولم يبقى منها إلا ما حفظته ذاكرة من عايش تلك الأيام.
تلك الفترة من حياتي كرست محبة متميزة مني لأخي الذي يصغرني، وما زالت هذه المحبة والقرب لأخي جهاد تسكننا الاثنين بشكل متميز عن باقي أشقائنا، فمنذ رحيل أخي أسامة، وأنا وبحس توجس طفولي، كنت أخاف على جهاد أن يذهب مع الملائكة، ويتركني وحدي، بعد أن لم تعيد تلك الملائكة أخي أسامة، قبل أن أكبر في العمر وأدرك ما معنى تلك الرحلة، وأدرك معنى قضاء الله وقدره.
ذكريات تجول الذاكرة في هذا الصباح المبكر، واستعداد لبدء الخريف الذي بدأ جغرافياً منذ أيام، ووداع لشهر أيلول الذي نقش في الذاكرة آلاما كثيرة، فمن صراع دموي بين الأشقاء إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى خلق إقليمية بغيضة فصلت بين أبناء الشعب الواحد، إلى وفاة قائد لم ننساه أبدا فليرحمك الله يا أبا خالد، إلى ذكريات اعتقالات متكررة لي كان لأيلول غالباً موعد معها.
صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا أهلي في عمّان، صباح الخير يا والدتي العظيمة ويا والدي الكبير، كم أشتاق أن التقيكم في عمان أو في الوطن، بعد هذه السنوات العشر العجاف من البعد والفراق، صباح الخير يا أبنائي وزوجتي ويا شقيقتي الوحيدة، صباح الخير يا أصدقائي الذين فرقنا الزمن أغبط عمّان أنها تضمكم بين جنباتها.
أعود لصومعتي متأبطاً صحيفتي، أستحضر طيفي وحروفي الخمسة، أقف لنافذتي أتأمل صحو المدينة، أزيل بعض الأوراق التي بدأت تأخذ اللون الأصفر الخريفي من حوض أزهاري، واستمع لشدو فيروز:
ورقو الأصفر شهر أيلول...تحت الشبابيك، ذكرني ورق ودهب مشغول... ذكرني فيك، رجع أيلول و أنت بعيد.. بغيمة حزينة قمرها وحيد، بصير يبكيني شتي أيلول.. يفيقني عليك يا حبيبي، ليالي شتي أيلول.. بتشبه عينيك، يا ريت الريح.. إذا انتَ نسيت حبيبي.. طول الخريف و ما جيت، ينساها الحور و قمرها يغيب... و ليلها يطول، و نبقى حبيبي.. غريبة و غريب.. أنا و أيلول..
صباحكم أجمل.
صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا وطن، صباح آخر جميل من صباحات الوطن يبدأ به الثلث الأخير من شهر الرحمة والغفران، شهر يغفر الله فيه للمخطئين والمسيئين من البشر، ولا يتسامح البشر مع بعضهم البعض، ولا يتنازلوا في حل صراع الإخوة، في الوقت الذي ينحنون فيه أمام أعدائهم، هي طبيعة النفس البشرية ودم ذوي القربى، وكما يقول مثلنا الشعبي: "الدم ثقيل على بعضه"، فيا لدمنا حين نحل سفكه بيننا، ولا نسكت عن المطالبة بالثارات ونصمت أمام العدو.
ضباب رام الله المنعش البارد في الصباح الباكر، ينعش ذاكرتي وأنا أجول وحيداً في صمت المدينة وهدوئها، فأعود بالذاكرة للطفولة وجمالها، ولا أعرف ما الذي يشدني للبدايات، ربما هي الوحدة وربما هو الحنين، وربما الألم بما أصبحت عليه الأحوال مقارنة بتلك الأيام التي كانت تفيض بالمحبة والجمال، رغم قسوة العيش والظروف المعيشية الصعبة التي كان الناس يمرون بها، ومع ذلك ومقارنة مع هذه الأيام أشعر بالفرق كم كان كبيراً.
أول ما تستعيده ذاكرتي ويشكل نقطة البدء فيها هو مدينة الكرك في جنوب الأردن، حيث كانت أول نقوش في ذاكرتي، وكنت أبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط حين سكنا الكرك، كان والدي في شرطة السير وكثير التنقل، فقد ولدت في مدينة الزرقاء بينما ولد أخي الأصغر مني بعامين والأقرب لروحي في حي الأشرفية في عمان، حيث روت لنا الوالدة أنها ولدته في "الثلجة الثانية الكبيرة" عام 1957، وقد كان الناس يربطون أحداثهم بأحداث طارئة متميزة، لكني بالتأكيد لا أذكر شيئاً من تلك الفترة، فالكرك هي أول ما أذكره في الطفولة المبكرة، كنا نسكن في حي يسمونه "حي المسنات" وهو اسم عشيرة من عشائر الكرك، وما زال في الذاكرة بعض من تفاصيل البيت وجلسات "الغليون" للسيدات، حيث كانت النساء تتجمع ويدخن التبغ بواسطة "غلايين" طويلة القصبة تمتد لمنتصف الغرفة، وما زالت في ذاكرتي بشكل واضح الكنيسة التي كان القسيس يجمعنا من البيوت ويتركنا تحت الرعاية في باحتها وقاعتها، كان يجمعنا جميعاً بغض النظر عن الديانة، فلم تكن سوسة الطائفية المقيتة لها وجود بين الناس، وكان يضع لنا بعض من الألعاب نلعب بها حتى يحين موعد إعادتنا للبيوت، ويمكنني القول أنها كانت بداية لما عرف بعدها بالحضانات، وكانت تمثل للأمهات فرصة "لضب" الأطفال والتخلص من إزعاجهم، وكان الكنيسة تقوم بهذه المهمة مقابل تبرعات قليلة غير محددة القيمة، لكنها تمثل ربما دخلاً ما لصندوق الكنيسة، وأذكر أنني مرة هربت من الكنيسة عائد للبيت، ولكن ما كدت أبتعد قليلاً حتى رأيت كلباً مربوطاً أمام بيت ونبح عليّ، فارتعبت خوفاَ وتجمدت مكاني وبدأت بالبكاء والصراخ، حتى أتى رجل وأمسكني من يدي وأعادني للكنيسة، حيث كان درسي الأول في الحياة من قبل القسيس حين قال لي وهو يمسح دموعي: هذا جزاء من لا يستأذن الكبار ويهرب، وسلمني للراهبة التي قرصت أذني بنعومة وهي تشرح لي ضرورة أن لا أخرج مرة ثانية بدون مرافقة القسيس والا أكلني الكلب.
في تلك الفترة في الكرك ولد لنا أخ جديد، كان جميل بطريقة غريبة، كان يشبه والدي بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، وما زالت صورته منطبعة في ذاكرتي، وذهبنا وعمره سنة في زيارة لعمان لبيت جدي لأمي، حيث أصابته حمى، وانتقل لرحمته تعالى ودفن بمقبرة "مصدار عيشه"، وما زلت أذكر منظر جدتي ووالدتي وبعض النسوة وهن يبكين عليه، حتى أتى بعض الرجال من أقارب والدتي، ولفوه بالقماش وأخذوه للدفن، ولم أكن أدرك بحكم السن ماذا يحصل، وكل ما فهمته من والدتي أنه ذهب برحلة إلى السماء مع الملائكة، وكنت بعدها دوماً أنظر للسماء على أمل أن أراه يعود، وحين حضر والدي لإعادتنا للكرك فوجئ بوفاة أسامة فبكى، واستغربت لماذا يبكي وأسامة قد ذهب مع الملائكة، ولم يكن بالامكان إخباره قبل الدفن، فلم تكن هناك وسائل اتصال وهواتف كما اليوم.
لم نستمر بالكرك بفترتها فقد نقل والدي إلى عمان، وكان علينا أن نحمل أغراضنا ونرحل، وسكنا في تلك الفترة في بيت صغير في حي من أحياء جبل عمان هو حي "خرفان"، لننتقل منه بعد فترة قصيرة لبيت أكثر اتساعاً في جبل عمان أيضا، في شارع اسمه شارع "الملفوف"، وهناك وضعني أهلي عند سيدة كانت تجمع الأطفال أيضاً في بيتها، تعلمنا بعض الأناشيد وتقص علينا بعض الحكايات، كان نناديها الست ليلى، كانت حسبما انطبعت صورتها في ذاكرتي جميلة بشعرها الأسود المتدلي على كتفيها، وكان أكثر ما يعجبني في بيتها "حوش" البيت"، الذي كان يتيح لي النظر إلى البيوت القليلة المتناثرة في عمان الشرقية، مثل أحياء الأشرفية والجوفة، وكانت معظم البيوت في السفح المطل على "سيل" عمان، أما منظر "سيل" عمان فكان من أجمل ما انطبع في ذهني بتلك الفترة، فقد كان أشبه بنهر صغير تحفه الأشجار والبساتين، وحين كان يفيض في الشتاء فقد كان بجرفه للطين يعطي منظراً ذهبياً جميلاً، وخاصة بعد توقف الأمطار وبزوغ الشمس ولو قليلاً، وفي أوقات الربيع كنا نذهب برفقة الوالدة والجيران لهناك، لتناول الطعام تحت أشجاره وفي البساتين التي كانت تحف جانبيه، من رأس العين حيث كان ينبع، وصولاً لحي المحطة حيث محطة القطار، ومع الزمن بدأت المباني تحتل البساتين ومياه السيل تجف قليلا قليلاً، وآخر عهدي به في بداية سبعينات القرن الماضي، بقايا مياه قذرة تنقل الأوساخ والقاذورات معها، قبل أن يتم سقفه تماما وفتح شارع على السقف الأسمنتي الذي غطاه، وتحول اسمه من "السيل" إلى "سقف السيل"، ولم يتبقى من تلك الأشجار وعيون الماء العذبة شيئاً، فقد اندثرت ولم يبقى منها إلا ما حفظته ذاكرة من عايش تلك الأيام.
تلك الفترة من حياتي كرست محبة متميزة مني لأخي الذي يصغرني، وما زالت هذه المحبة والقرب لأخي جهاد تسكننا الاثنين بشكل متميز عن باقي أشقائنا، فمنذ رحيل أخي أسامة، وأنا وبحس توجس طفولي، كنت أخاف على جهاد أن يذهب مع الملائكة، ويتركني وحدي، بعد أن لم تعيد تلك الملائكة أخي أسامة، قبل أن أكبر في العمر وأدرك ما معنى تلك الرحلة، وأدرك معنى قضاء الله وقدره.
ذكريات تجول الذاكرة في هذا الصباح المبكر، واستعداد لبدء الخريف الذي بدأ جغرافياً منذ أيام، ووداع لشهر أيلول الذي نقش في الذاكرة آلاما كثيرة، فمن صراع دموي بين الأشقاء إلى مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى خلق إقليمية بغيضة فصلت بين أبناء الشعب الواحد، إلى وفاة قائد لم ننساه أبدا فليرحمك الله يا أبا خالد، إلى ذكريات اعتقالات متكررة لي كان لأيلول غالباً موعد معها.
صباح الخير يا رام الله، صباح الخير يا أهلي في عمّان، صباح الخير يا والدتي العظيمة ويا والدي الكبير، كم أشتاق أن التقيكم في عمان أو في الوطن، بعد هذه السنوات العشر العجاف من البعد والفراق، صباح الخير يا أبنائي وزوجتي ويا شقيقتي الوحيدة، صباح الخير يا أصدقائي الذين فرقنا الزمن أغبط عمّان أنها تضمكم بين جنباتها.
أعود لصومعتي متأبطاً صحيفتي، أستحضر طيفي وحروفي الخمسة، أقف لنافذتي أتأمل صحو المدينة، أزيل بعض الأوراق التي بدأت تأخذ اللون الأصفر الخريفي من حوض أزهاري، واستمع لشدو فيروز:
ورقو الأصفر شهر أيلول...تحت الشبابيك، ذكرني ورق ودهب مشغول... ذكرني فيك، رجع أيلول و أنت بعيد.. بغيمة حزينة قمرها وحيد، بصير يبكيني شتي أيلول.. يفيقني عليك يا حبيبي، ليالي شتي أيلول.. بتشبه عينيك، يا ريت الريح.. إذا انتَ نسيت حبيبي.. طول الخريف و ما جيت، ينساها الحور و قمرها يغيب... و ليلها يطول، و نبقى حبيبي.. غريبة و غريب.. أنا و أيلول..
صباحكم أجمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق