صادق مجبل الموسوي
قراءة لنص "رحلة تفقدية في حدود الوطن" للشاعر جواد كاظم إسماعيل
في الشعرِ مساحة قد لا يمكن لأي كائن كلامي آخر أن يحمله هو مساحة تحتوي كل الانفعالات الإنسانية،هو إدراك لهذه الحياة وكما يصف البعض الشعر إن وحي أو ينبع من شيطان شعري داخل نفس الشاعر أيضا هو إدراك وان الشاعر هو الذي يطوع لغته ومفردته لينتج نصاً مع اعترافي بالقول الأول واعتقادي به في الكثير من النصوص الشعرية المؤثرة
يشمل الشعر كل الجوانب الإنسانية والأدب بصورة عامة هو جدارية لكتابة الحياة وقد حفلت كتابات الكثير من رواد الكتابة العالمية تفاصيل الحياة وحروب عقب وتجارب عديدة..الحرب نار تطاردنا منا من عاش وسط لهيبها قد يمر عليه الموت يخطف من جنبه الحرب جبهة موت محقق .
وإذا كان دون كيشوت الرجل الذي يحارب طواحين الهواء فنحن نحارب لهيب من نار وإذا كان كيشوت قد سار وراء أفكار مثالية وهو محق في إيرادها والتفكير بها فنحن سرنا وراء حماقة مجنون اشتهى الحرب ..لست بصدد أجراء مقارنة بين نص شعري عراقي يكتب في فترة من فترات حزننا المزمن كما يقول شاعره وبين ملحمة إنسانية ظلت خالدة في الذاكرة لكن اريد ان أوضح مدى تأثير الحرب في ن فوسنا بغض النظر عن تأثيرها المادي الذي حرق ما حرق من ثروات هذا البلد .
الحرب تعيش في قصائدنا ونصوصنا الأدبية لأنها مرحلة لا يمكن لها ان تمر دون ان نلقي عليها من ضوء كتابتنا وننقل حقيقة ما يجري هناك.
نحن نحارب ليس على شيء ..إذا كان همنغواي حارب في أسبانيا تطوعا ورغبة فنحن نمضي للحرب مجبرين فنار الحرب أمامنا ونار الهروب خلفنا ..الحرب التي رحنا ضحيتها وان لم يعشها بعضنا هي علامة لا يمكن إن تزول عن تفكيرنا ، الحرب في نص شعري يتجول في حدود الوطن يتفقد.. هذا ما أريد أن أسلط عليه بكلماتي هذه . فقد قرأت نصا للشاعر والكاتب جواد كاظم إسماعيل في احد المواقع الالكترونية عنوانه(رحلة تفقدية في حدود الوطن) وأعجبني كثيرا أسلوبه الجميل انه يوزعك بين مشاهد مختلفة يتنقل بتقنية شعرية يجعلك أمام حقائق الحرب .
وجواد كاظم إسماعيل كاتب عراقي سومري يحمل وجع أهله وهمومهم ويتواصل بنشر كتاباته في صحف ومواقع عراقية وعربية مختلفة .في نصه الأخير ثمة ما يدعوني للبكاء ..البكاء على أولئك الذين يودعون أهلهم وهم يمضون إلى ساحات الموت لحرب طواحين الجثث وليس الهواء ، في رحلة الشاعر التفقدية هذه أصوات تصرخ بالشعر تأخذ من الواقع مفرداتها وفكرتها هو يصور النار المنتشرة في بداية رحلته يقول الشاعر في بداية نصه :
(هناك في أقاصي الشيب
وعند تخوم الطيب
حتى حدود الدير
نار تشتعل)
فيكمل الشاعر في قصيدته ويورد أدوات الحرب ما يكون في ساحتها التي يبدو انه عاشها إلى جنب أقرانه فيقول :
(رؤوس موزعة بين الملاجىء والخنادق
رائحة البارود تملاء السماء
جثث تتفحم في فرن الخطيئة
خوذ متنائرة
قنابر
أزيز رصاص
سرف معطلة عن الحركة
سواتر تفصل جسد المدينة)
هو يورد ما يتواجد هناك في نقل الواقع ولحظته إلى فضاء القصيدة لنعيش نحن مع النص وكأننا أمام مشاهد واقعية تدور إحداثها أمامنا على الأرض،ثم يكتب الشاعر تضمين غاية في الروعة ومناسب جدا من حيث الغرض
(أناشيد تزيد من لهيب النار
( أحنة مشينة للحرب لأجل الوطن سالم يظل أحنة مشينة للحرب)
كلما نضجت الجلود
صاحت هل من مزيد..؟)
نحن نحيا حياة (الهوسة) والشعار والهزازات العروبية لا كما يقول رولان بارت "نحن نحيا حياة الصور" ففعل هذه الأناشيد والشعارات والخطابات التي تهيج عواطف المساكين وتصور لهم عدوهم التاريخي انها "احنا مشينا للحرب" حالها كما يقول سيد مكاوي الارض بتتكلم عربي وكما في نشيد السلاح صاحي وغيرها من أناشيد الحرب التي تهز في الجنود عواطفهم وتبعث فيهم حماسة من شعار .عموما. لقد كان التضمين جميل في هذا النص .كما يضمنه اهزوجة ( ياحوم أتبع لو جرينة) وغيرها .ويستمر الشاعر في عرض مشاهد من الحرب ويصور ما يجري بمفردات حافظ الشاعر على ان تكون مناسبة وقريبة إلى القارئ ومؤثرة في من عاش الحرب،
....
في رحلته الثانية أو مشهده الثاني وكأننا أمام نص مسرحي يحمل ثنائية الزمان والمكان يتحدث الشاعر مواصلا الحرب،وهو منذ البداية يريد ان ينقل لنا الملل الذي ينتاب تفكير من عاش الحرب وهو يتحدث عن نفس المكان
(رحلة ثانية:
في ذات المكان
وفي ذات المسار
عند تخوم الوطن المتشظي
عبرت الذاكرة تتفحص نزيفها
رحلة قصية
رحلة تفقدية
أليك مجددا
أليك ياندم
أليك يانزيف
أليك ياهزيمة
أليك ياكذبة
ياكذبة سرقت أعمارنا وصبانا وشبابنا)
انه تفكير كل عاقل دخل الحرب فيخاطب يائسا يا ندم/نزيف/هزيمة /كذبة ،وفعلا لقد كانت كذبة ونحن ضحيتها .
ولعل أجمل ما جذبني نحو النص هو احتوائه على مفردات قريبة
وطين حري/لبن الجاموس/رطب البرحي/زئبق العمارة/لوحات ليلى العطار/خريط الجبايش/دهينة النجف/كباب اربيل/كرزات الموصل/رائحة ابو نؤاس/رحلة السندباد/ابن زريق/عيون المها/أسوار بغداد..الخ
من مفردات منسوجة في مخيلة العراقي إضافة إلى ذكره ومن بين هذه الاشياء قصائد شعراء كبار من العراق .
ثم يتحدث في (من يشتري؟) عن أسماء عراقية مبدعة سأطل معه على بعضهم
(زيدان حمود،نعيم عبد مهلهل،عالية طالب،ناصر الموسوي،ياسر البراك،طارق حربي،بلقيس حسين،أمنة عبد العزيز،خضير ميري،أنتظار الشمري،أحمد عبد السادة،عبد الزهرة زكي ،جواد الحطاب،منذر عبد الحر،فضل خلف جبر،أكرم التميمي،أبراهيم سبتي،فاضل ثامر،عارف الساعدي،علي عبد النبي الزيدي، ،حيدر عبد الخضر،مجاهد ابو الهيل،وجيه عباس ،يحيى السماوي وهذه الاسماء اغلبها من الاسناء الفاعلة في المشهد الثافي العراقي فزيدان حمود هو ذلك الجنوبي الاسمر والقاص المبدع ونعيم هو كنز من كنوز ارض سومر كاتب بمخيلة سومرية نسجتها رؤى من هذا الطين وامنة مبدعة حقا وشاعرة رقيقة اما احمد عبد السادة فهو ذلك الجريء والكاتب الذي يفهم ويهتم وجاد لايعرف التقليد والنمطية ،وعارف الساعدي هو نخلة عراقية شامخة وحيدر عبد الخضر صديقي السومري النحيف بقوة الشعر وكلهم على قدر ثقافي كبير ولهم نتاج ابداعي واسع ومتميز .
واخيرا لا ادري ماذا جر الشاعر ليفز جرحه
(عدت اليك يا جرحي المستديم
عدت الى مرساي ألأول والأخير
الى مقهى حسن عجمي
فوجدت الكراسي تتصارع
فأودعوني سجن المجانين مجددا)
في هذا النص او(الرحلة التفقدية ) في حدود الوطن مذاق عراقي ورؤية شعرية لحرب تحدثنا عنها بقليل من الكلمات في البداية لكنها تبقى اكبر..اما الشاعر فكيف لا يبدع وهو سومري طبع اسمه بقوة في قائمة احفاد جلجامش وهو ايضا يبحث عن سر الكلمة ويقدم ابداع رائع في نص واقعي يثير فينا آلامنا المتراكمة ويوقظ حزننا المزمن
فتحيتي له على هذا النص الجميل وهذه الكلمات ليست دراسة نقدية مجرد رؤية وانطباع حول هذا النص .
Sadeq89@yahoo.com
قراءة لنص "رحلة تفقدية في حدود الوطن" للشاعر جواد كاظم إسماعيل
في الشعرِ مساحة قد لا يمكن لأي كائن كلامي آخر أن يحمله هو مساحة تحتوي كل الانفعالات الإنسانية،هو إدراك لهذه الحياة وكما يصف البعض الشعر إن وحي أو ينبع من شيطان شعري داخل نفس الشاعر أيضا هو إدراك وان الشاعر هو الذي يطوع لغته ومفردته لينتج نصاً مع اعترافي بالقول الأول واعتقادي به في الكثير من النصوص الشعرية المؤثرة
يشمل الشعر كل الجوانب الإنسانية والأدب بصورة عامة هو جدارية لكتابة الحياة وقد حفلت كتابات الكثير من رواد الكتابة العالمية تفاصيل الحياة وحروب عقب وتجارب عديدة..الحرب نار تطاردنا منا من عاش وسط لهيبها قد يمر عليه الموت يخطف من جنبه الحرب جبهة موت محقق .
وإذا كان دون كيشوت الرجل الذي يحارب طواحين الهواء فنحن نحارب لهيب من نار وإذا كان كيشوت قد سار وراء أفكار مثالية وهو محق في إيرادها والتفكير بها فنحن سرنا وراء حماقة مجنون اشتهى الحرب ..لست بصدد أجراء مقارنة بين نص شعري عراقي يكتب في فترة من فترات حزننا المزمن كما يقول شاعره وبين ملحمة إنسانية ظلت خالدة في الذاكرة لكن اريد ان أوضح مدى تأثير الحرب في ن فوسنا بغض النظر عن تأثيرها المادي الذي حرق ما حرق من ثروات هذا البلد .
الحرب تعيش في قصائدنا ونصوصنا الأدبية لأنها مرحلة لا يمكن لها ان تمر دون ان نلقي عليها من ضوء كتابتنا وننقل حقيقة ما يجري هناك.
نحن نحارب ليس على شيء ..إذا كان همنغواي حارب في أسبانيا تطوعا ورغبة فنحن نمضي للحرب مجبرين فنار الحرب أمامنا ونار الهروب خلفنا ..الحرب التي رحنا ضحيتها وان لم يعشها بعضنا هي علامة لا يمكن إن تزول عن تفكيرنا ، الحرب في نص شعري يتجول في حدود الوطن يتفقد.. هذا ما أريد أن أسلط عليه بكلماتي هذه . فقد قرأت نصا للشاعر والكاتب جواد كاظم إسماعيل في احد المواقع الالكترونية عنوانه(رحلة تفقدية في حدود الوطن) وأعجبني كثيرا أسلوبه الجميل انه يوزعك بين مشاهد مختلفة يتنقل بتقنية شعرية يجعلك أمام حقائق الحرب .
وجواد كاظم إسماعيل كاتب عراقي سومري يحمل وجع أهله وهمومهم ويتواصل بنشر كتاباته في صحف ومواقع عراقية وعربية مختلفة .في نصه الأخير ثمة ما يدعوني للبكاء ..البكاء على أولئك الذين يودعون أهلهم وهم يمضون إلى ساحات الموت لحرب طواحين الجثث وليس الهواء ، في رحلة الشاعر التفقدية هذه أصوات تصرخ بالشعر تأخذ من الواقع مفرداتها وفكرتها هو يصور النار المنتشرة في بداية رحلته يقول الشاعر في بداية نصه :
(هناك في أقاصي الشيب
وعند تخوم الطيب
حتى حدود الدير
نار تشتعل)
فيكمل الشاعر في قصيدته ويورد أدوات الحرب ما يكون في ساحتها التي يبدو انه عاشها إلى جنب أقرانه فيقول :
(رؤوس موزعة بين الملاجىء والخنادق
رائحة البارود تملاء السماء
جثث تتفحم في فرن الخطيئة
خوذ متنائرة
قنابر
أزيز رصاص
سرف معطلة عن الحركة
سواتر تفصل جسد المدينة)
هو يورد ما يتواجد هناك في نقل الواقع ولحظته إلى فضاء القصيدة لنعيش نحن مع النص وكأننا أمام مشاهد واقعية تدور إحداثها أمامنا على الأرض،ثم يكتب الشاعر تضمين غاية في الروعة ومناسب جدا من حيث الغرض
(أناشيد تزيد من لهيب النار
( أحنة مشينة للحرب لأجل الوطن سالم يظل أحنة مشينة للحرب)
كلما نضجت الجلود
صاحت هل من مزيد..؟)
نحن نحيا حياة (الهوسة) والشعار والهزازات العروبية لا كما يقول رولان بارت "نحن نحيا حياة الصور" ففعل هذه الأناشيد والشعارات والخطابات التي تهيج عواطف المساكين وتصور لهم عدوهم التاريخي انها "احنا مشينا للحرب" حالها كما يقول سيد مكاوي الارض بتتكلم عربي وكما في نشيد السلاح صاحي وغيرها من أناشيد الحرب التي تهز في الجنود عواطفهم وتبعث فيهم حماسة من شعار .عموما. لقد كان التضمين جميل في هذا النص .كما يضمنه اهزوجة ( ياحوم أتبع لو جرينة) وغيرها .ويستمر الشاعر في عرض مشاهد من الحرب ويصور ما يجري بمفردات حافظ الشاعر على ان تكون مناسبة وقريبة إلى القارئ ومؤثرة في من عاش الحرب،
....
في رحلته الثانية أو مشهده الثاني وكأننا أمام نص مسرحي يحمل ثنائية الزمان والمكان يتحدث الشاعر مواصلا الحرب،وهو منذ البداية يريد ان ينقل لنا الملل الذي ينتاب تفكير من عاش الحرب وهو يتحدث عن نفس المكان
(رحلة ثانية:
في ذات المكان
وفي ذات المسار
عند تخوم الوطن المتشظي
عبرت الذاكرة تتفحص نزيفها
رحلة قصية
رحلة تفقدية
أليك مجددا
أليك ياندم
أليك يانزيف
أليك ياهزيمة
أليك ياكذبة
ياكذبة سرقت أعمارنا وصبانا وشبابنا)
انه تفكير كل عاقل دخل الحرب فيخاطب يائسا يا ندم/نزيف/هزيمة /كذبة ،وفعلا لقد كانت كذبة ونحن ضحيتها .
ولعل أجمل ما جذبني نحو النص هو احتوائه على مفردات قريبة
وطين حري/لبن الجاموس/رطب البرحي/زئبق العمارة/لوحات ليلى العطار/خريط الجبايش/دهينة النجف/كباب اربيل/كرزات الموصل/رائحة ابو نؤاس/رحلة السندباد/ابن زريق/عيون المها/أسوار بغداد..الخ
من مفردات منسوجة في مخيلة العراقي إضافة إلى ذكره ومن بين هذه الاشياء قصائد شعراء كبار من العراق .
ثم يتحدث في (من يشتري؟) عن أسماء عراقية مبدعة سأطل معه على بعضهم
(زيدان حمود،نعيم عبد مهلهل،عالية طالب،ناصر الموسوي،ياسر البراك،طارق حربي،بلقيس حسين،أمنة عبد العزيز،خضير ميري،أنتظار الشمري،أحمد عبد السادة،عبد الزهرة زكي ،جواد الحطاب،منذر عبد الحر،فضل خلف جبر،أكرم التميمي،أبراهيم سبتي،فاضل ثامر،عارف الساعدي،علي عبد النبي الزيدي، ،حيدر عبد الخضر،مجاهد ابو الهيل،وجيه عباس ،يحيى السماوي وهذه الاسماء اغلبها من الاسناء الفاعلة في المشهد الثافي العراقي فزيدان حمود هو ذلك الجنوبي الاسمر والقاص المبدع ونعيم هو كنز من كنوز ارض سومر كاتب بمخيلة سومرية نسجتها رؤى من هذا الطين وامنة مبدعة حقا وشاعرة رقيقة اما احمد عبد السادة فهو ذلك الجريء والكاتب الذي يفهم ويهتم وجاد لايعرف التقليد والنمطية ،وعارف الساعدي هو نخلة عراقية شامخة وحيدر عبد الخضر صديقي السومري النحيف بقوة الشعر وكلهم على قدر ثقافي كبير ولهم نتاج ابداعي واسع ومتميز .
واخيرا لا ادري ماذا جر الشاعر ليفز جرحه
(عدت اليك يا جرحي المستديم
عدت الى مرساي ألأول والأخير
الى مقهى حسن عجمي
فوجدت الكراسي تتصارع
فأودعوني سجن المجانين مجددا)
في هذا النص او(الرحلة التفقدية ) في حدود الوطن مذاق عراقي ورؤية شعرية لحرب تحدثنا عنها بقليل من الكلمات في البداية لكنها تبقى اكبر..اما الشاعر فكيف لا يبدع وهو سومري طبع اسمه بقوة في قائمة احفاد جلجامش وهو ايضا يبحث عن سر الكلمة ويقدم ابداع رائع في نص واقعي يثير فينا آلامنا المتراكمة ويوقظ حزننا المزمن
فتحيتي له على هذا النص الجميل وهذه الكلمات ليست دراسة نقدية مجرد رؤية وانطباع حول هذا النص .
Sadeq89@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق