نجوى عبدالبر
التنافس له وجهان الشريف منه والمذموم , بل أحياناً يكون له العديد من الوجوه ، ولعل التنافس مع الذات هو أفضل أنواع التنافس من وجهة نظري المتواضعة فالمرء كلما تنافس مع ذاته كلما تقدم أكثر وقدم الأفضل لنفسه وللآخرين ، وبذلك فهو في صيرورة دائمة وكأنه منظومة تقدم الأحسن فلا اليوم مثل الأمس ولا الغد مثل اليوم .. فالأمس شيك بدون رصيد والغد شيك مؤجل الدفع إنما اليوم هو ما بين أيدينا فلنتوخى الحرص والحكمة في تدبيره أيا كان المضمون والمعنى .
أيضا لا يبقى ولا يمكث في الأرض ويعطي النتائج المرجوة الجيدة إلا الجيد من التنافس والعمل الشريف أما ما دون ذلك فهو مثل غثاء السيل فكل كثرة غير نافعة فهي كغثاء السيل .
ولكن التنافس بوجهه الآخر غير الشريف هو كمن اختار أن يدمر كل من حوله ليعلو بنيانه ويصير قرشاً يبتلع كل ما يصادفه دون رحمة أو هوادة على عكس من يبني نفسه وفي ذاته اقتناع تام أنه يريد أن يكون أعلى من غيره دون تدميره , فالمنافس غير الشريف هو من يحاول أو يريد أن يكون إنسانا ً ناجحاً إطاراً لا مضموناً دون أن يكون له قيمة والعكس يحدث مع المرء الذي يريد التنافس الشريف فهو يضع نصب عينيه القيمة ومن بعدها بالتأكيد يأتي النجاح .
لاشك أن طلب الشهرة والمال لا عيب فيه أبدا فالإنسان مجبول على محبة الدنيا والاستمتاع بمنافعها وعلى حب المال وتشغله مصالحه الدنيوية في الغالب أكثر من أي شيء آخر , ولكن العيب في أن يوظف حبه هذا في الطالح وليس الصالح ، وأن يمنعه حبه هذا من إيتاء الناس حقها فيتصور ما حرم الله عين الحق فيأخذ بالحرام ما يعتقد أنه الحلال .
السعي في الدنيا والتنافس وراء المال والشهرة وخلافه لا خلاف عليه ، ذلك أن التنافس المحمود المؤدي إلى الشهرة التي تجلب على الإنسان الخير والمنفعة دون أن تسيء إلى الآخرين هو أفضل أنواع التنافس .
وإنما التنافس المذموم الذي ُيؤثر الإنسان فيه الدنيا على الآخرة بل ويؤذي به المجتمع ، فالدنيا لا ينبغي أن تكون أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وأيضا ً لا موضع تنافس وتسابق إلا على النافع من العمل الصالح الموصل بالإنسان إلى المكان المرموق في الآخرة وليس في الدنيا ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ).
ومن الصور البغيضة في التنافس على الدنيا ( التكاثر ) بمعنى أن كل إنسان يحب الإيثار الدنيوي لنفسه ولكن على حساب الآخر فيتطاول عليه بشتى الطرق حتى يصل إلى مبتغاه من الشهرة وكسب المال .
وقد يكون التكاثر وحب المال والأولاد والغرق في الدنيا أحياناً سببا ً في الإلهاء والتقاعس عن ذكر الله وعن أداء حقوقه وحقوق الآخرين ، فيكون الهلاك ، فالإلهاء يؤدى إلى الهلاك ، ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) .
التنافس إن كان يعنى الإيثار فلنجعله إيثار الآخرة على الدنيا وليس العكس فالعكس سيؤدي بنا إلى المضي في التهلكة ، ( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) وما المنفعة الدنيوية إلا شيء هلامي زائل ولا يبقى منه إلا ما كان ذخرا ً للآخرة ، فإن جعلتم الدنيا سوقاً وتجارة فلتكن تجارتكم مع الله وليست مع الشيطان فتكون ربحها طيبة في الدنيا والآخرة فما ارتفع أبدا ًسهم وعلا على سهم التجارة مع الله .
وقد حذرنا رسولنا الكريم - صلوات الله عليه وسلامه - من بسط الدنيا وشرورها والانغماس في ملذاتها فلا أخطر على الإنسان من بسط الدنيا فهي ابتلاء وفتنة ، فالفرح والبسط يكون بمقدار حتى لا يمهد لنا طريق إلى البطر والفسق والغرور والتقاتل والتباغض ...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم ، أو فتلهيكم كما ألهتهم " ابن ماجه : الفتن (3997) , وأحمد (4/137(.وخلاصة القول أن التنافس نتيجة حتمية من نتائج بسط الدنيا وما نحن فيه الآن من تفرق وتشرذم وفتن وفقر لهو ناتج من نواتج بسط الدنيا ، وما الابتلاء إلا ابتلاء الغنى والبسط وليس الابتلاء ابتلاء الفقر , فأحسنوا التنافس الشريف في الدنيا يرد عليكم في الآخرة .
مسك الختام: إن ابتليتَ بالضراء رفعتَ الأكف بالدعاء إلى الله عز وجل راجيا ً صابرا ً محتسباً ًًًً، وإن ابتليت بالسراء مضيت في الدنيا دون التفات ونسيت من .. مِنَ النعم أعطاك َ ..الخالق الوهاب الرزاق المعطى بغير حساب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق