الأربعاء، مايو 16، 2007

الباحث عمر امين مصالحة يثري المكتبة العربية ببحث جديد


نبيل عودة
التلمود - المرجعية اليهودية للتشريعات الاجتماعية

الكتاب: التلمود
المؤلف:عمر أمين مصالحة
اصدار: مسار- معهد ابحاث وتخطيط واستشارة، جت (2006)
(215 صفحة من الحجم الكبير)

بعد كتابة الاول عن "اليهودية- ديانة توحيدية ام شعب مختار" الذي صدر قبل سنة ، يعود الباحث عمر امين مصالحة الى اليهودية من زاوية اخرى ليكمل الصورة امام القارىء العربي، عن خبايا الديانة اليهودية واصول التشريعات الاجتماعية الحياتية في الديانة اليهودية، المعروفة باسم التلمود، في بحث جديد شامل يحمل اسم "التلمود-المرجعية اليهودية للتشريعات الاجتماعية". وقدم للكتاب الاستاذ موفق خوري- نائب عام مدير وزارة الثقافة .

الباحث عمر امين مصالحة، الذي يعد اليوم الدكتوراة في جامعة سانت بطرسبورغ (لينينغراد سابقا) هو من مواليد1956، من قرية دبورية الواقعة على الطريق الى جبل الطور المشهور في المسيحية ، ،وهو مترجم وباحث في الشؤون الفلسطينية والاسرائيلية، ومتخصص ايضا في الديانة اليهودية . له العديد من الابحاث المنشورة في الصحافة العربية والعبرية، الى جانب ترجمة العديد من الكتب الدراسية وقصص الاطفال، ويعمل مدرسا في ثانرية "عمال" في الناصرة.

ما يميز ابحاث عمر مصالحة، موضوعيته العلمية، واعتماده على المصادر الاصلية لمواضيع بحثه، هذا ما جعل كتابة الاول من افضل الدراسات عن اليهودية،التي كتبت باللغة العربية ، والمتميزة بالمصداقية والدقة العلمية ، دون التدخل والتعليق واستنتاج مواقف شخصية، وهو بذلك اثبت نفسه كباحث ثقة ، يمكن الاعتماد عليه في فهم اليهودية، واليوم يطل علينا بكتاب هام جدا لقراء العربية، حول التلمود كمرجعية للتشريعات . ويبدو ان هذا البحث، غير مسبوق في اللغة العربية، بموضوعه من حيث الالمام والشمولية وبموضوعيته غير القابلة للتهاون بنفس الوقت .

يشرح عمر مصالحة ان التلمود، يتشكل من عنصرين: الاول هو الجانب التشريعي والقانوني (هلاخي) الذي يذكرنا باحكام الفرائض والتشريعات الواردة في اسفار الخروج والاويين والتثنية ، والثاني: العنصرالقصصي،الاسطوري (اجادي) بما يشمله من اقوال مأثورة واخبار وخرافات وخيال، الى جانب السحر والتراث الشعبي.

في الفصل الاول، يمهد الباحث عمر مصالحة لبحثه باستعراض نشوء اصول التشريعات اليهودية بدءا من الموقف في جبل سيناء ، حين تسلم النبي موسى ، حسب القصة التوراتية ، الوصايا العشر من الله ، ثم دخول ارض فلسطين ، ومرحلة القضاة في التاريخ اليهودي (هشوفطيم)... وصولا الى اقامة مملكتي اسرائيل- المملكة الشمالية والتي سميت "مملكة اسرائيل"، والمملكة الجنوبية والتي سميت "مملكة يهودا" ... مستعرضا اسماء ملوكها ، وصولا الى هدم الهيكل واعادة بنائة وهدمه من جديد، والاحداث التاريخية التي عصفت بالمملكتين منذ ذلك التاريخ ، مثل الاحتلالات المختلفة... وتشتت اليهود .. سبيهم !!


ويطرح الباحث اجزاء المشناة. التي تشمل مواضيع واسعة للغاية، مثل:
1- الزراعة وقوانينها - ويشمل الري والحرث والحصاد ، والموضوع الزراعي في المشناة يكاد يكون برنامجا زراعيا كاملا، وبالطبع له جانبه الديني، حيث يرتبط بالعبادة اليومية والتبريكات .
2- العبادات والمواعيد - عن تبجيل السبت والعبادة فية ومواعيد الصيام والاعياد والاحتفالات والتقويم العبري .
3- النساء - ويشمل قوانين الزواج والطلاق والجنس بين الزوجين.
4- الجنوح والجنايات - ويشمل التشريعات المدنية ومسلكيات التصرف اليومي، وانواع العقاب، ونظم التجارة والسياسة .
5- المقدسات - مخصص لاعمال الضحايا (القرابين) مهام رجال الدين وواجباتهم.
6- الطهارة - ويشمل امور التطهر من النجاسة ، ويتحدث عن الصلة بين بني البشر والانسان اليهودي والكائنات الاخرى، وما يجوز اكله من الحيوان.
يبين الباحث الخلافات والتناقضات في التشريعات اليهودية ، ومع ذلك تحولت هذه التناقضات الى شرائع مقدسة لدى المجتمعات اليهودية. ثم يعالج اقسام المشناة الستة "سدريم" واسفار كل قسم، التي تشمل كل تفاصيل حياة الفرد اليهودي في جميع مناحي حياته اليومية والعامة.
يوضح الباحث عمرمصالحه للقارىء العربي جذور الدين والعقيدة اليهودية، التي لا تدع للفرد مساحة للاجتهاد.. انما اموراً جاهزة وفرائض نهائية. صحيح ان الباحث لا يعالج وقع هذه الفرائض على الانسان المعاصر، لكن القارىء يستطيع ان يصل الى النتيجة الاساسية ، بان الدين اليهودي يتعامل مع الانسان باحكام وعقلية لم يعد شيء يربطها بالواقع الانساني المعاصر، وهذه اشكالية كل الديانات السماوية، ربما كون الديانة اليهودية ديانة محدودة بالعدد، يجعلها اشبه بالمحمية الطبيعية، ومع ذلك نجد في الغرب ، والى حد ما في اسرائيل، تيارات يهودية لم تعد تستطيع التماثل مع قيودات الدين الاصلية، فأنشأت اتجاهات حديثة ليبيرالية، تقوم بينها وبين التيار الديني اليهودي المحافظ ( الاورتوذكسي ) حرب عنيفة ، لدرجة عدم الاعتراف بيهوديتهم ورفض التعامل معهم على كل المستويات.
يفسر عمر مصالحة مصادر كلمة المشناه، والذي جاء من "شنه" الذي يعني بالعربية كرر أو ردد
وذلك لان اسلوب التعليم كان يفرض على الطالب ان يردد ما يسمعه من المعلم. وقد استعمل هذا الاصطلاح للدلالة على دراسة "الشريعة الشفوية" . الكتاب يستعرض اسماء مؤلفي المشناه والتلمود حيث بدأها الحاخام هليل الاول في بابل. ويستعرض الباحث ما اشتملت عليه المشناه.
اما اسم التلمود فهو مشتق من الجذر العبري "لمد" أي درس وتعلم ، وهو نفس الاصل السامي لكلمة "تلميذ" العربية . ويشرح الباحث ان التلمود من اهم الكتب الدينية عند الشعب اليهودي، وهو الموجه والمنظم للحياة الاجتماعية، وهو الثمرة الاساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير الحاخامات للشرائع التوراتية. ويؤمن البعض ان نصوص التلمود أوصي بها من الروح القدس نفسه (روح هكودش) باعتبار انها مساوية للشريعة المكتوبة(التوراة).
ليس من السهل استعراض الكتاب بكل تفاصيله. فالكاتب لا يترك أي فرغ للتأويل، بل يطرح جميع التفاصيل بتناقضاتها احياناً، ليوضح جذور الدين اليهودي، ببحث واسع لم يغفل أي تفصيل.
الكتاب يثري المكتبة العربية بمرجع هام جداً وضروري لفهم احدى اقدم الديانات ومصادرها، وطرق تفكيرها، بعيداً عن الاستنتاجات الارتجالية، وبهذا يخدم الباحث الحقيقة العلمية المجردة.

mostkbel@netvision.net.il

روائي ، قاص ، ناقد وكاتب سياسي

ليست هناك تعليقات: