الأحد، أبريل 18، 2010

عم صابر لسه صا بـــــــــــر

أيمن يحيى
عم صابر لسه صابر

نفسه يعرف بس أخرة صبره ايه

كل حاجه يا دنيا فيكي معانده ليه

حلم عيلته من طفولته انه يبقي وكيل نيابه

يبقي سيف للحق يحمي مره بيه ضهر الغلابه

ينصف المظلوم يجيبله

حقه من بق الغلابه

شد حيله عم صابر

قاسي واتحمل وعافر

بس جت ساعة النتيجه قالولوا بره

اصلك انتا مالكش واسطه

قال وماله

حلم ضاع راح يجي غيره

حلمي لازم يوم مسيره هاشوفوه في ابني

عاش ورزقه ربنا ولدين وبنت

ربي فيهم ان مصر دي امهم

نيلها خيره بيجري جوه في دمهم

يعني تبقي اغلي من أبوهم وأمهم

وأما أبنه شد حيله واجتهد

قال احقق حلم أبويا والبلد

برضه جت ساعة النتيجه قالوالوا بره

اصلك انتا مالكش واسطه

وعم صابر لسه صابر نفسه يعرف بس أخرة صبره ايه

dr.ayman44@yahoo.com

الباب المغلق

عيسى القنصل

على ابواب ِ ذاكرتى ..

وقفتُ اليوم منتحبــــــــــــا

ومخنوقا ً من الاوجاع ِ مرتعبا

فليل الصمت انسجة ُ

تنامت ْفوق اجنحتى

فتمنعنى ..بان امضى
طليقا امتطى السحبـــــــــــــا

خيالى لم يعد يقوى

ليحملنى ..

الى احياء مادبتــــــــــــــــــى

فنسيان غشى فكــــــــرى

سنين البعد قد سلبت مخيلتى

جناح الغوص فى اعماق ماضينا

انا تعب ُ

ومطروح ُ على بعد بلا جهة ِ

عيونى لم تعد ابدا ً بقادرة ِ

على التحديق ٍ فى امسى وذاكرتى

فلحمى قد غدا عظما ..

وعمرى هاربا يبكى

بما يجرى لامنيتــــــــــــــــــــــى

على ابواب ذاكرتى ...

رايت القفل نسيانا ,,

رايت الهدم عنوانا ..

بانى لم اعد اقوى على تحريك اجنحتى

بفكر صامت حقا

بذهن يبتغى امسى .. صلاة ً تمتطى شفتـــى

.><><><><><>

احبائى ..

امعذرة ً
..خيول الفكر جامدة ُ

ومرهقة ُ ونائمة ُ من التعـــــــــــــــــــــب ِ

واجنحتى ..مكسرة

من التجوال بين الجهد واللعــــــــــــــــب

وعين الفكر ...يغلقهــــا

رماد ُ السهد من احلام منتحــــــــــــــــب

لقد ضعنا ...وما عادت منازلنا

لتحمينا بوقت الهم والاحزان والنــــوب ِ

وعمرى قد غدا كرة ً

تقاذفها ...لئيم الدهر فى مكر وفى غضب ِ

انا كرة ُ من الثلج ِ

وغدر ُ الدهر عاصفة ُ من اللهــــــــــــــــب

فما عندى سوى الذكرى

لترجعنى ..الى عرشى ..

لدنيا الحب والطــــــــــــــــــــــــــــــــــــرب

ولكن درب ذاكرتى ...

غدا وعرا ..فيا خوفى من الــــــــــــــــــدرب

ارى امسى وخلانــــى

كاشباح ِ بلا ظل ِ بلا قشـــــــــــــــــــــــــــب

وكل حكاية ٍ تاتى

تمزقنى ... بدمع ِ الحزن والكــــــــــــــــرب

لماذا لم اعد احضى برويتهم ؟؟

لماذا لم اعد امضى الى اربـــــــــــــــــــــــى ؟؟

لماذا الامس يرفضنى ؟؟

غدا ضدى ؟؟غدا رعدا بلا سحــــــــــــــــــب ؟؟

انا جرح ُ عميق النزف يا وطنى

بلا ذكرى .. بلا اهل ؟؟ بلا بعض ٍ من الحــــب َ

وذاكرتى غدت قبرا ..

غدت عينا بلا رمش ٍ بلا هـــــــــــــــــــــــدب ِ

انا جرح ُ طبيب الدهر يرفضنى

ويرسلنى الى حزنى كاحجية ٍ الى الطـــــب

...د>د>...>>دد<<

تعالى انت غاليتى ؟؟

وهاتى برهما يشفى ..حزينا عاشقا يبكى

تعالى واغسلى المـــى

فانت ولا سواك ليعطينى بلسما بلا شك ِ

احبك فاقبلى حرفى

احبك فاقبلى شعرى

فقافيتى اتت تبكى وتستجديــك غاليتى

فهاتى الامس يسقيتى

ولو بعضا من الذكرى لعينيـــــــــــك

فما امسى سوى انت

وما عمرى سوى انت

غيابك سوف يقتلنى .. ويحرقنى ..

ويرمينى

بعمق الموت والفتــــــــــــــــــــك ِ

تعالى لحظة قربى ..

وخبينى ؟؟ولو طفلا على اهداب عينيك


بغداد: يا خير دجلة

نوري الوائلي
بغدادُ هل عزفت لك الأوتارُ = اوغرّدت في لحنك الأشعار
بغداد يا عين المها وجفونها = قد زيّنتها في الدجى أقمار
يا نجمة الشرق الجميل وسحره = يا واحة البيداء حين تزار
يا خير دجلة والفرات معانقا = غربا كأنّ ذراعه أسوار
وتلألأت في جانبيك مآذن = ومدارس وحناجر وثمار
وتألقت مُهج الكلام لترتوي = من بحر جود تستقيه بحار
مرحى لنهر حين شقّ خمارها = خفتت لنور ضياءها الأنوار
ماذا أحدث في القريض وقد علا = من راحتيها منهلٌ وعَمَار
ماذا أقول وقد تمثّل عالم = من معطيات ما لها أسوار
لم يشهد التاريخ مثلك أمّة = رغم النوائب دهرها أسحار
لم تعل عزمك في المصائب جفلة = أو بات يطوي دارك الأعصار
تبقين في ثغر الزمان قصيدة = تشدو بها الأحرار والأخيار
لا زلت عند الضالعات كعلقم = لن يستسيغ مذاقه استكبار
بغداد أوجعني الفراق وقد علا = قلبي الضعيف من الأسى جزّار
ما لي أراك وثوب أهلك أسود = والناعيات لدارك أستنفار
وشوارع حمر يبارك لونها = من كلّ فجّ منحرٌ ومنار
وشوارع تطفو بها من كل عيـ = ن أدمع ونوائح وغيار
ونسائك الثكلى تشق خدودها = وصدورها للاطمات جدار
والشامتون على المصاب كأنهم = أمنوا المصاب وحولهم أستار
وتناثرت عبر الأثير منابر = ومنائر وحواجب وجمار
لا زلت قلبا نابضا رغم الردى = رغم الأنين فصبرك الاصرار
فوق المآذن والمزارع رفرفت = روحي يشدّ جماحها مضمار
وتشبثت ولعا بكل صغيرة = وكأنها للعاشقين مزار
بغداد ما عادت دموعي مؤنسا = أو خفّفت من بُعدك الأذكار
قد عزّني والله رغم تحملي = بُعدي , وهدّت مضجعي الأسفار
ما ذقت يوما مثل زرعك يانعا = أو أشبعتني بَعدك الأمصار
من صبرك الدنيا تكسّر قيدها = وأزاح ليلَ الضارعين نهار
هل تسمعين من الحبيب توددا = أم صكّ سمعك هاون وغبار
مشغولة عني وعذرك مفزع = فالموجعات بقلبك استحضار
لو كان غيرك في البلاء ممحّصا = لأنهار فيه أيابس وخضار
أحترتُ فيها والزمانُ لصبرها = والصبر منها مثقلٌ محتار
وتحمّلت محن الصعاب وأيقنت = ان الخريف وراءه الازهار
لله درّك ترتمين لظلمة = والأهل قلبٌ كالشموس نُضار
محروسة بالله أرض باركت =ها بالدماء مساجدٌ وديار
محروسة بالله يا أرض الهدى = يا أرض جمع قاده الإيثار
ولقد ملكت من الفداء قواسما = ومراقدا تحبو لها الأقطار
وتشدّ عزم اليائسين الى العلا = وكأنها للموجعين عقار
أنت العراق كرامة وحضارة = أنت العراق علامة وشعار
بغداد أنت الى العراق أواصر = بل أنت أنت الى العراق اطار
بغداد في حضني كأنك طفلتي = بل أنت أهلي والهوى والدار
قلبت فكري في الليالي سائلا = هل أنت أحلى أم بك الأسحار
قلبت فكري باحثا لأمومة = فإذا بفكري في هواك يدار
يا دوحة الأسلام يا دار التقى = يا قلب أرض نبضها استغفار
هل يأتنا يومٌ تطير حمامة = بين الحشود, ونبعها تختار
وسجدت أبكي والدعاء يلمّني = يكفيك من سوط العِدى الجبّار

ليلى والبنات الثانية

ماهر طلبه
إيه الفرق بين ليلى وأي بنت ثانية ..؟
كل ما أفتح قلبي علشان أصفي مية حزنه ألقى ليلى جواه ماسكه الجردل وبتنزح المية .. أبوسها وأضمها لصدري ونقعد سوى لحد مية القلب ما تنشف .. ساعتها أقفل عليها قلبي وأبدأ أمارس حياتي .. عمري في يوم مافتحت قلبي لقيت أي بنت تانية بتنزح أو حتى بتساهم في نزح المية .. طول الوقت البنات الثانية إللي بتلعب في حدايق قلبي وتدوس برجليها خضرته .. وإللي قاعدة تسرح شعرها جدايل تشنقني بيها وإللي قاعدة تتزوق علشان تشاغل مراية قلبي فتحرمني الشوف .. كل دا كان صحيح جميل وكان ساعات كثير بيسعدني ، لكن قد إيه أنا كنت بحب ليلى لما أشوف التعب المرسوم على وشها والهدوم إللي بتشر مية وتجيب البرد وهى لامسة الجسم الرقيق دا وبتهزه بعنف يخليني أحاول أدفيها بأي طريقة فمالقاش قدامي حل غير إني أقلع هدومي وأخلع عن ليلى هدومها المبلولة وأضمها لصدري فتدفى وأوصل أنا للفرق الحقيقي بين ليلى وأي بنت تانية ....
* * *
صوتها ... صوتها لما باسمعه باحس كإن الشيخ رفعت بيأذن لفطور رمضان ... صوت بيخليني أحس إنى ملاك سابح في بحر فضي من النور مش نور عادي لا .. نور رباني مانقدرش نشوفه ولا نحس به ألا بقلبنا ... صوت بتقعد مستنيه بشوق جعان للقمة ولهفة عطشان لبق مية ..
دا الفرق بين ليلى إللي بترفعني بصوتها للسما فاشبع وأرتوي والبنات الثانية إللي بيشدني صوتهم لحجرة مقفولة الأبواب وضوء أحمر وسرير واسع .. واسع ... عمري ما شبعت منه ولا بل ريقي...
* * *
..... شعرها .... شعرها ليل .... مش زى أي ليل لكن زى أحلى ليل ... ليل مافهوش قمر ولا بتلعب فيه نجوم لكن أسود .. أسود لدرجة إن ريحته تديك الإحساس دا فتنعشك زى هوا البحر المتغمس باليود وتسيبك أنت تنام وتحلم بإنك بترسم على الشاشة السودا ده خطوط وردي ... آه ... لما شفايفي لمست الشعر دا ... مت واندفنت واتحسبت ودخلت الجنة ...
هو دا الفرق بين ليلى إللي شعرها بينجيني من حساب الأخرة وأي بنت ثانية من إللي شعرهم بيقيد في قلبي نار جهنم
* * *
.....جسمها ... جسمها شجرة البان إللي واقفة على عمودين من المرمر بيقربوا من بعض لحد ما تفضل بينهم يا دوب فتحة صغيرة جدا زى الثقب الأسود أو هى فعلا ثقب أسود جاذبيته تشد وتحطم أي جسم يقرب منه أو يحاول يعبره .. لكن أكيد إللي يقدر يعبره من غير ما يتحطم هيعيش في عالم جديد بزمن جديد واحاسيس جديدة عمر ما انسان قدر يعيشها أو حتى يمكن يتصور وجودها ...
هو دا الفرق بين ليلى النجم الكبير إللي جمع كل جاذبيته في ثقب صغير جدا... لكن خطير جدا .. مدمر جدا .. يجذب له ويحطم أكبر وأقوى الكائنات وبين أي بنت ثانية مجرد قمر أو كوكب أو شمس مجال الجاذبية عندها محدود وممكن حسابه
* * *
ليلى نار... تحس جواها بالبرد والسلام أما أي بنت ثانية جنة.. شهوات مش ممكن تنتهي ومش ممكن تشبع كل شهواتي ...

الجمعة، أبريل 16، 2010

رحلتي المقدسة



شعيب حليفي


هل رأيتَ كم هي شامخة آثار الشوق على وجهي الأسمر؟

• أبشرْ..يا صاحبي
هل تريدُ فعلا أن أصف لكَ شعوري وأنا أهبط لأول مرة بجزيرتنا ، المملكة العربية السعودية ، على صوت طاهر، جهوري لآذان فجر يوم الأربعاء، وأصوات أخرى بداخلي ظلت حبيسةَ نفسي منذ آلاف السنوات..حينما وطأت أرض مطار الملك خالد بالرياض ، قادما من الدار البيضاء بعد ست ساعات ونصف من الطيران، اعتقدتها ثوانٍ معدودات رغم الاختلاف الزمني الذي قدره الفلكيون في ثلاث ساعات مُضافة .

لا أستطيع بالتأكيد ! لأني غير قادر على لَمِّ فيضِ خاطري بكل طبقات الحب الفطري في وجداني وهويتي لمملكة الله الواحد القهار ..حيث عرَّشَت مشاعري وظللت أرضا كنتُ أخبئها مثل موسيقى ابتهالية أُدَنْدنُها في نفسي..
نفسي العامرة بالآثام التي لا تُذَوِّبُها دموعي الآن، أو جثوي طويلا فوق آثار الأنبياء، أتنفس طولا لإفراغ الهواء الذي يقبعُ بداخلي، ومَالِئا رئاتي وكل مسامي بهوائهم الطاهر .
من هنا، تشكلت لغتنا وتخاييلنا الرائقة واللذيذة في السرود الصغرى ثم الكبرى .ومن هناك تَفَجَّرَت شَلاَّلات أنهر الشعر العربي مع فحوله المؤسسين .

من هنا أيضا ، بزغ نور الإسلام الذي روى عَطَشَ الأفئدة وأضاء ظلاما ثقيلا .نُورٌ لو حَضَرَهُ الأنبياء السابقون لانخرطوا فيه ..

أليس كل هذا كافيا لنُحب هذه الأرض ونخاف عليها ؟ حتى أنني ، في صفاء مطلق ،مقتنع أن الأرض التي منحتنا لغتنا ومتخيلنا وديننا ، ما زالت قادرة على العطاء ، وتحفظ لنا حقوقنا في صاحبي.

سبعة أيام قضيتها بممالك الله : الرياض وجدة ومكة المكرمة، للحضور والمشاركة إلى جانب عدد من الأدباء من المغرب وباقي الدول العربية في مهرجان الجنادرية ، الدورة الخامسة والعشرون في الأسبوع الثالث من شهر مارس .

• من قبل ..
في كل رحلة لا أشعرُ بما شعرتُ به اليوم ، فخاطري متحفزٌ ، به شيء جديد كما لو كنتُ مهاجرا عن المكان منذ ألف وأربعمائة سنة مرت مثل ظل في فصل ماطر. وها أنذا أعود إليها وبي خوف يهزني مما سألقى ..بيتي وكهوفي وأرضي وإبلي وكذلك الرقاع التي خبأتُها بعناية بعدما دونتُ عليها آيات ربي ..وتلك الجبال التي عبرتُها طويلا في رِحْلاتي التجارية ورِحْلاتي رُفقة امرئ القيس بحثا عن فداء دمه ودمنا ، أو في حروبي الجاهلية كما في غزواتي بجانب صاحبي خاتم الأنبياء .

ما زلتُ أذكر (كما لو أن كل شيء وقع قبل قليل فقط، وحرارته تسري في دمي )أنني كنتُ حزينا بعد وفاة صاحبي عليه الصلاة والسلام .شعرتُ باليتم ولزمتُ بيتي بالنهار ، وفي الليل أقضي الساعات بجوار غار حراء جالسا مُتَعَبِّداً .

ما زلتُ أذكرُ ( وكل شيء أمامي الآن، حيٌّ مشتعل) أني انتفضتُ فزال عني الغمُّ، بعدما عدتُ إلى نفسي، أن الله وحده الحي القيوم ، وأننا نواصل ثورتنا . آنذاك نويتُ ورحلتُ غازيا ومهاجرا حتى وصلتُ أقصى الغرب فطاب لي المقام .
***
خلال غمرة الإعداد للسفر في هذه الرحلة انشغلتُ بانخراطي ، معَ أصدقائي بكل ربوع البلاد في انتفاضة أطلقنا شرارتها الأولى في العشرين من فبراير دفاعا عن الثقافة المغربية من الأصنام والسدنة وأتباع مُسيلمة ..مما زاد من اجتماعاتنا واتصالاتنا لبلورة رؤية واضحة نواجه بها تلك الغمة التي بدأت تستأنس بواقعنا .

ورغم كل ذلك ،كنتُ أعود يوميا إلى جناح خاص بمكتبتي، به مؤلفات ونصوص في الرحلات، وضمنها توجد النصوص الحجية التي كتبها مغاربة وعرب على مر القرون، بالإضافة إلى مخطوطات حجازية مغربية غير مُحققة ، اخترتُ منها نصين، وقرأت الأجزاء الخاصة بوصف مكة والمدينة . الأولى للفقيه عبد الرحمن بن أبي القاسم الغنامي الشاوي( رحلة القاصدين ورغبة الزائرين) في القرن 17، والثانية لأحمد الصبيحي: الرحلة المكية في النصف الأول من القرن العشرين .
***
في يوم سفري ، وكان يوم ثلاثاء ، قضيتُ الصباح كله بالكلية ، بينما كان عليَّ اللقاء، في ما بين الزوال والعصر ، بصديقين لي لاستكمال بعض الترتيبات معهما .

الأول رجل أعمال جاء لي معه، من فرنسا، بوثائق غميسة حول الشاوية . التقيتُهُ بوسط المدينة في المقهى التي اعتدنا الجلوس فيها من حين لآخر .وبعد عشر دقائق رآنا أحد أصدقائه فالتحق بنا دون استئذان وشرع يحدثنا عن نفسه ومنجزاته حينما كان مسؤولا وطنيا هنا وهناك، ثم تحول مستعرضا علاقاته بالوزراء القدامى والجدد.
استشعرتُ أن شهيته للكلام تزداد توقدا ، فقطعتُ حبل الاستماع إليه ثم نهضتُ منسحبا ،معتذرا لصديقي بعدما أخذتُ منه الكتب وأنا أفكر في حياة هؤلاء الموصولة بعوالم رجالات الدولة ومشاغلهم ، مقابل حياتنا البسيطة التي نعيشها بدون روتوشات أو بذخ بل بدون وساطات أوأسماء تُرصعها الألقاب والنياشين ..ونحن أسعد دائما لأن سَنَدَنا هو الله فقط لا غيره .

واصلتُ سيري نحو صديقي يوسف بورة، وهو رئيس الجمعية البيضاوية للكتبيين وصاحب مكتبة لبيع الكتب المستعملة بسوق شعبي شهير بالدار البيضاء يسمى اقْريعة درب السلطان .جالسته للترتيب معه بخصوص معرض الكتاب بكازابلانكا والتزامات سابقة. كنت ُقد وجدته منتهيا من حالة تردد تنتابه ، استطاع إفراغها في خاطرة من خواطره الرقيقة ، دُوَّنها على ورقة واحدة .سلمها لي، وواصلنا حديثنا لساعة أو أقل، قبل أن أتوجه إلى البيت استعدادا للسفر .
كتبَ يوسف في ورقته ما رأيتُه نصا يستحق القراءة والتأمل :
"أشعر بخوف كبير .لا أدري .
هل هو إحساس بالرحيل .لكنني أريد من هذا الإحساس أن يُمهلني وقتا كافيا، ولو قليلا، لكي أتمم بعض الأفكار التي تتحرك في رأسي .إنها جد مهمة .لا أريدها أن ترحل برحيلي .
لماذا الحياة قاسية بهذا الشكل ؟ هل المادة هي التي تتحكم فينا ؟ أم العلم أم أشياء أخرى نجهلها؟
ربما سأُجَنُّ .أريدُ جوابا شافيا لكل ما يدور برأسي .هل سأستمر معهم في اللعبة أم أُغير مسار حياتي ؟
أتمنى أن أفقد ذاكرتي وأعود إنسانا آخر لا يهتم بالمبادئ والأخلاق .إنسان يكون هَمُّهُ الوحيد جمع المال والعقارات ولو على حساب الطبقة الكادحة ..أما العلم فليذهب إلى الجحيم !!."

• ابتهالات شافية
بالرياض ،استقر رِحالي صبيحة يوم الأربعاء بفندق ماريوت ، الغرفة 549 .ثم انتقلنا بعد الزوال إلى قرية الجنادرية ، هناكَ استمتعنا جميعا، وإلى غاية الساعة الواحدة صباحا، بحفل فني رفيع المستوى ، شارك فيه خمسة من كبار الفنانين السعوديين : محمد عبده وعبد المجيد عبد الله وراشد الماجد وعباس إبراهيم وماجد المهندس بالإضافة إلى يارا وفدوى المالكي والطفل خالد الجيلاني .
اوبيريت الجنادرية ( وحدة وطن)بموسيقى ملحمية ، أخذتنا بقوتها وسحرها ..فرسان يفتحون المكان ويخترقون الزمان ، يقودهم بطل مؤمن بالله والرسول والصحراء.

وأنا أتابع هذا المشهد الأخَّاذ، التحمتْ روحي بالحدث فصرتُ أسمع وقع سنابك الخيول وحركاتها الواثقة .وسَقَطَ في قلبي سؤال رحيم عما يمكن أن يكون قد وقع في نفس اليوم قبل ألف وأربعمائة سنة خلت وربما قبلها بسنوات ؟

هممتُ بالقيام كأني أريد الدنو مما أرى ، فرفع أكثر من واحد ممن كانوا على يميني وشمالي أبصارهم الشاخصة ..ثم انتبهتُ وقد استبدَّ بي الوجد والحال فتسربت مني الكلمات التالية وأنا أتهالك على مقعدي مرة أخرى :
- أريد أن أكون معهم الآن !!

لم يفهموا قصدي البعيد .هل عنيتُ أني أبغي الدخول في الصحراء على فرس بربرية فاردًا جناحي ببُرنسي الأبيض المنطلق..أم ماذا؟
***

حينما ولجتُ غرفتي بالماريوت، وسط سكون صحراوي بليغ، لم أكن أسمع إلا لدقات قلبي ولم أدر كيفَ ولماذا طلعت مني كلمات ندِيَّة من ابتهالات كلام شعبي غيواني ، تستفتحه موسيقى صحراوية موغلة في استعاراتها اللاهبة :

يا ذا الرِّيْم منها مَوْلـُـوعْ مَرْحَبْتِي به إلى جَانِـــــي
ولا زلتِ منها ملســــوع ولوْ عَ الحبلْ مَشَّانـِــــي
أدَنْ أدَنْ أدَنْ
غيرْ خُذُونِي ... لله غير خُذُونِي
روحي نْهِيبْ لَفـْدَاكم غير خُذُونِي
مَعْدُوم وُلـْفـِــي . . . لله دلُّونــــــــــــي
ما صابرعَ اللِّي مْشَاوْ . . . أنا ما صابر
صفايح فِ يِدِّينْ حدَّادْ أنا ما صابـــــــــــر
قلبي جا بين يِدِّينْ حدَّادْ.. حداد ما يْحنْ ما يشفق عليه
ينزل الضَّربة عَ الضَّربة وإلى بْرَدْ زاد النار عليــــــه.

أرتاحُ للموسيقى..لأن وجداني له مزاج خاص يُحب الابتهالات هنا بكلمات تجد أجوبتها في ما أنا فيه .
ما زلتُ مرتميا في فراشي بملابسي والساعة تشير إلى الثانية صباحا .قمتُ مُطلا من النافذة على السماء باحثا عن نفسي في كل مراحلها منشغلا بالآتي ،وعما لم أستطع استيعابه في حياتي .. الأشياء التي لم أكتب عنها أو ما زالت نطفة في كبدي.
- هل أنا ابن الأرض أم السماء ؟
عدتُ بعدما استحممتُ وجلستُ على المكتب الوحيد بالغرفة أمام أوراقي البيضاء متفكرا في ما وقع لامرئ القيس لاستدراج النوم والتغلب على فارق الساعات الثلاث الغريبة عني .
***
لم نجد أحدا يكتب عن تفاصيل رحلة ذي القروح الطويلة ، والتي استغرقت الجزء الأخير من حياته ، خصوصا حينما كان عند الحارث بن شمر الغساني بالشام ، قادما من حصن السموأل.
ألم يسحره المكان وقد وصله في دسمبر وسط دفء الأمطار وتباشير أرض زاهية بالحياة .والتقى هناك على ربوات الرقة جوار نهر جار ، حبيبته سُلافة والتي غذت روحه "برحيق مفلفل".
جلسَتْ قُبالتهُ وهو يتفاوض مع زعماء وثوار القبائل العربية خلال أربع ليال، لإقناعهم بعدالة قضيته وحقه التاريخي ، وكانوا جميعهم يعتقدون أن الأمر كله يتعلق بدم أبيه ، في حين كان امرؤ القيس يعني حبَّ سُلافة ، وهو الذي قال :
تُضِـيءُ الظَّلامَ بِالعِشَاءِ كَأَنَّهَــا
مَنَـارَةُ مُمْسَى رَاهِـبٍ مُتَبَتِّــلِ
إِلَى مِثْلِهَـا يَرْنُو الحَلِيْمُ صَبَابَــةً
إِذَا مَا اسْبَكَرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْـوَلِ
تَسَلَّتْ عَمَايَاتُ الرِّجَالِ عَنْ الصِّبَـا
ولَيْـسَ فُؤَادِي عَنْ هَوَاكِ بِمُنْسَـلِ.

الثالثة والربع صباحا ، قمتُ من مكاني وقد شعرتُ باحمرار وجه سلافة ، وهي تعود إلى خيالي بعدما انفض جمع الثوار وبقيتُ أراقب امرأ القيس وهو يُحدثها عن الحب والأسى وما تُخبئه الأقدار التي تسير بما لا تشتهي النفس.
قالت له ( وكنتُ ممددا على فراشي على أهبة الانتقال إلى ملكوت النوم ، مخيلتي ما زالت مفتوحة ، منتشية باستمرار الحكاية )
- (قالت سُلافة ): أنا لا أُعوِّلُ كثيراً على الجانب الإعصاريّ في تأثيري عليك أيها الملك الشاعر ، يهزّ، ويخطف ثمّ يتلاشى، بعد أن يدمّر الأرض وما عليها...! إيماني أكبر بآليّة عمل السيل، يمتدّ، ويستمرّ، وقد يغرق، لكن ما أن تنحسر حركاته الطلائعيّة حتّى تخضرّ الأرض، وتصحّ الحياة!
فانظر أيّهما أبقى، لأظلّ أنعم بمشاعرك النبيلة والمحبّبة.
- (قال لها بعد لحظات مديدة ): أنتِ يا سُلافتي شمس مثل بهجة تُحررُ روحي .كنتُ – من قبل - لا أخشى الموتَ أبدا وهو يتجنبني وأنا أبحثُ عنه في كل مكان .
الآن، لا أريد أن أموت دون أن ترتوي مشاعري الشاهقة بالأنين .
روحي التي تعلو وتعلو وأنا أعلو معها. وأطمع في معجزة من ربي ليشاركني بوحْي منه حتى أُعَبِّرَ عما يُلهب في دواخلي بقول مُعجز منه صادق عفوي نافذ .
قول تسري فيه حرارة تجعلني أتمنى لو كانت لي يد روحانية لمددتُها إليك أينما كنتِ ...
يد ...تتلمس وجهك[أولا]( والذي كلما تذكرته أفتح قلبي وأبادله النظر) بيدي التي هي روحي فأرتعش ارتعاشة الثمل وأشعر بسخونة حارة كما أشعر بها الآن وأنتِ أمامي.ثم أرمي بيدي نفسها، وبنفس مشاعرها الشاهقة وسخونتها التي لا تحتمل استعاراتي فأنزل قليلا كما لو أنها تصلي.
هل تعرفين أن نقطة ضعفي هي العنب والعسل والرمان.وكلما رأيته أو تلمسته أرتعش رعشة الأنبياء فتسري في كل جسمي نار تتقد وتغلي .
سُلافة، مزنة ،ليلاي، تالة ،نشوة، رامة ،فاطم ..بماذا أناديك؟
لو تعانقيني الآن حتى أذوب فيك ؟
لو تمنحيني الشجرة التي أعادت إلينا جدَّنا ؟...لو !
سأسافر يوم الثلاثاء إلى ملك الروم بالقسطنطينية، وعهدي لك ، وأنا الغريب الوحيد، أن تذكريني كل يوم كلما تأهبت الشمس للغروب .

• أنا وثابت بن أوس العدواني
في اليوم الثاني من وصولي ، وفي البهو العام للفندق ، أثار انتباهي شخص غريب ونزق من ضمن المدعوين ، في حوالي السبعين من عمره ، تَصدرُ عنه أفعال تهور ، يُدعى موسى النمَّاسْ.
اقتربتُ منه وهو يتكلم عن نفسه بدون رابط، مما أغراني بالاقتراب منه وقد حدستُ أن"شخصيته" قد تفيدني بشيء ما !
جاء للمشاركة باعتباره ، كما صرح لي ، مهتم بالتراث الشعبي ، فقد سبق أن كان فنانا شعبيا ينشد الأغاني البدوية بالأرياف وبجوار الأضرحة والأولياء قبل أن يعتزل ويهتم بتجارته .
ازدادت شكوكي حوله وبدا لي أن به حُمقا مُترسِّخًا حينما كان يتكلم مُتهورا ومدعيا مما يفضح جهله وخواءه .

ومما قاله لي مثلا ،موسى هذا ، بأن سلطان بلاده تحدث مع سلطان الحجاز كي يكون حاضرا ممثلا لبلده خير تمثيل.
كنتُ كلما حاورته واستمعتُ إلى أكاذيبه المفضوحة ازددتُ اقتناعا بأنه شخص جاء عن طريق الخطأ.
***
استمرت أشغال المهرجان بشكل متنوع ومتكامل في ندوات فكرية وأنشطة موازية تعكس روح الحياة بتنظيم مُحْكم ودقيق، يشعر معه الضيوف بالأمان والراحة من طرف لجنة تنظيمية علمية تسهر على تلبية طلباتهم ، الصغيرة أو الكبيرة ، بدءا من الأستاذ الفاضل حسن بن عبد الله آل خليل والأديب فالح العنزي والروائي الصديق الدكتور سلطان سعد القحطاني ، وبرفقتهم فريق كامل يعمل مثل خلية نحل لا تتعب ولاتكل .

في السابعة مساء، وبدعوة كريمة ،انتقلت مع صديقي ثابت بن أوس العدواني( وهو نفسه من كان بجواري في الشام حينما رافقنا امرئ القيس نفاوضه نثريا في شعرية ثورته) وكان معنا أحمد المصري للترويح عن النفس في المكان الذي جلس فيه امرؤ القيس في نفس يومنا من سنة 561ميلادية، عشر سنوات قبل ميلاد صاحبي.

لم أستوعب حقيقة الأمر .هل فعلا هو المكان نفسه أم ظله في هذا الليل الرائق والمتمايل في غنج فاضح كأنه ما زال يردد ما قاله هنا وهناك عن لياليه الطويلة ، والتي كان الصمتُ يلُفُّها من عَجَبٍ حتى يتكلم المرقسي ويُدندن.

جلسنا نحن الثلاثة ، قبل أن يلتحق بنا صديق ثالث . وفي جلوسي سعيتُ إلى استجماع مشاعري وأنا أراها وهي تتشتتُ هنا ، وقد ضاع منها ما ضاع وتبخر الباقي، لاحقا، وسط غيم مرَّ في موعده بحسبان .مرَّ مرور مُزنة خالدة عَبَرت المحيط ثم الجزيرة والشام وهامت في ملكوت الله تسبح وتنتشي .

انغمسنا في أحاديثنا ، ومن حين لآخر كنا نمد أيادينا البيضاء إلى أطباق من التوت والعنب، نُغَمسُها في عسل نعيم .

لكن المشهد ، نفسه، الراسخ في أكبادي ومشاعري،يُفاجئني ويحضر أمامي ..فأرى امرئ القيس بوجهه المشع نورا وعينين أرخاهما الوجد والتذكر وامتداد الأرق في قلبه .
توقف يتأملني حتى خِلتُنِي نقطة يعبر منها إلى عوالمه الأخرى ؛ بنظرة تستطيع القفز فوق الليل والصحراء والموت .ثم قال لي قبل أن يمضي ويتركني :

فقلتُ له لا تبك عينك إنما *** نحاول ملكا أو نموتُ فنعذرا
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها *** ولا بن جريح في قرى حمص أنكرا

قبل أن يمضي ويتركني أرفع رأسي إلى السماء ، أقفزُ من نجمة لأخرى باحثا عن الكلام الذي سمعناه والتقطته الزَّفَّانات لتدوينه على غيوم صديقة .

هزَّتْتي حرارة القول فرأيتُ ثابت بن أوس العدواني صاحبي يخاطبه:
- لا تلبس لباسهم وابقَ حُرا لا تطلب المدد إلا من ربي الواحد .
عاد الشوق يهزني هزا ، فتناهى إلى سمعي صوتُ قديم لزفّانات زفَّت إليَّ من أناشيد الثوار ما يلي :
أنا مَا نْسِيتْ "السيف" / أنا مَا نْسِيتْ الكصبة
أنا مَا نْسِيتْ الكور / ولا مَجْمَعْ الطلبة
أنا مَا نْسِيتْ دوّاري/ يا بلاد الكَصْبَه
أنا مَا نْسِيتْ لعْشيرة/ ولا قمْحْ الرَّحْبَه
أنا مَا نْسِيتْ حياتي/ يا ناس المْحَبَّه
ما هَمْني ولا رَشّاني غير فراق الصحبه ؛لا ما ، لا تربة ،لا صابه لا غمره.
شمسنا ضوها جمرة ، لا نجوم لا كمرة ..ويا ليعتْ القُدرة .]

***
كان الغلام ازْبير (الهندي) يخدمنا، في كل حين يأتينا بأطباق التوت والعنب ،وإلى جوارنا نار تُدفئُ وحدتنا رفقة ذي القروح ونحن جلوس قرب بحيرة ماء ، نفترش الأرض في فضاء صحراوي واسع تحول إلى واحة ممتعة ، تُحيط بنا بيوتات من وبر أبيض يجلس بداخلها فقراء وفقهاء وأولياء وشعراء يعبدون بدون حساب .
وأنا من أكون هنا ، وسط سؤال يؤرقني ، أقَلبُه على كل الجهات دون الظَّفَرِ إلا بحياة جديدة ، أشدُّ غرابة من الأولى .
الساعة الثانية صباحا .ودعتهم وعدتُ إلى خلوتي قاصدا خيالي لمواصلة رحلتي مع أصدقائي الآخرين الأشد ، بدورهم،نورا وإدراكا .
بل نسيتُ، فمن قبل كل هذا ، كُنَّا جالسين قُربَ بحيرة الرمال بالحجر، أنا وثابت بن أوس العدواني وأحمد، نتأملُ الليل حولنا تتلاطم صفحاته البيضاء مذعورة مما سيُكتب عليها .وفجأة يلتحق بنا ابن آكلُ المرار ، امرؤ القيس، وكنا نناديه المُرقسي، وحيدا وسعيدا يحمل معه زاده .ربطَ فرسه على جدع نخلة غير بعيدة عنا ..ثم أخذ مكانه بيننا ، قبل أن يلتفتَ نحو ضوء بعيد ومتراقص .هناك لاحت امرأة بخمار قرنفلي ، فخاطبها بصوته المشبع برقة الشعراء الرخيمة:
أفاطِـم مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ
وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي
وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ
فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ
وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي
بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ.
استمرَّ معنا يلعب النرد ويشربُ حليب النوق المخلوط بالعسل ، قدَّمه لنا الغلام ازْبير، وقد عجبتُ وأنا أرى بعيدا، كيف أمكن للنمامين الافتراء عليه ، خصوصا حينما فاجأنا شيخ وقف أمامنا حاملا لأمر جلل ، فأخبر امرئ القيس بأن بني أسد قد قتلت والده الملك.
رفعَ رأسه نحو مُخبره، وقد جحظت عيناه واحمرَّتا.فأعاد الشيخ تأكيد كلامه ثم انصرف دون أن يسمع منه شيئا .
انهار الشاعر مثل طفل شعر باليتم التام وبكى طويلا ونحن في قنت صامتين ..والرياح تطوف بنا فتزندُ جمرنا وليلنا .
قال بعد ساعة أو أكثر : رحم الله أبي ، ضيعني صغيرا وحمَّلني دمه كبيرا .اليوم جمرٌ وغدا أمر.( لم أعرف لماذا حرَّفَ الرواة حرف الجيم واستبدلوه بحرف الخاء ).
قبل أن يأتيه نبأ الغذر بوالده ، كان امرؤ القيس ،كما عرفناه، رجلا طهرانيا وشاعرا لا يعجز أبدا عن تحويل أي كلام إلى شعر ساحر .لكنه لما بلغه الخبر صار شخصا آخر تجري في عروقه دماء ساخنة للثأر والحروب ، فرحلنا معه لسنوات نبحثُ عن جيش نحارب به ونقفز فوق الموت .
• تاسع عشر مارس
قُمتُ في الساعة الثامنة إلا ربعا .نزلتُ إلى المطعم بعدما اغتسلتُ،ثم في بهو الفندق شرعتُ أتصفحُ جرائد الصباح .
بعد ساعة التحق بي السيد موسى ،وبدون تمهيدات شرعَ يُمطرني بأكاذيب جديدة مفتعلا أنه يُكلمُ ،بهاتفه، أميرا أو يتحدث إلى مسؤول كبير بعاصمة بلاده .ثم عاد إلى أحاديث فقيرة تعكس وعيه المحروم ..وأنا أنظر إلى أفاعيله مما دفع به إلى الاقتراب مني وهو يُكلمني بصوت خفيض:

- هل أنت نظيف وفي حالك؟
- لم أفهم ياموسى ما تعنيه؟
- وتقول أنك مثقف وكاتب ...أعني أنه لا دخل لك في أمور السياسة في بلدك؟
- ( أكدتُ له بكلامي وكل حركات رأسي ) أنا يا موسى ، في بلدي من الدار إلى العمل ومن العمل إلى الدار.
افتعل بدوره انه صدقني ، ثم قال لي ما كان يهيء له:
- سأكلم لك مسؤولا كبيرا جدا ببلدك يجعل منك شخصية مهمة ، ولا أريد منك سوى الدعاء .
الغريب في موسى ،هذا، ان مواهبه متعددة ، فكلما أنهى كلامه "المؤثر" دمعت عيناه وارتمى يعانقني .وليست المرة الأولى التي يفكر فيها بالبكاء بعد أحاديثه ، فيلجأُ إلى تحريك وجنتيه وعينيه لتسقط الدموع مِدرارة وجافة.

عدتُ أسأله بصيغ متعددة حول سبب قدومه إلى المهرجان وهو لم يُفارقَ أبدا بهو الفندق ، ولم يحضر أي لقاء من الأنشطة الكثيرة ، فانطلق يحكي لي كلاما كثيرا ، جلُّه افتراء ، ومن خلال هذا السيل من الكذب استطعتُ القبض على خيط دفعني إلى البحث في اللائحة الكاملة للمدعوين لأكتشف أن اسمه غير موجود ، في حين عثرتُ على اسم آخر لمثقف من نفس بلده يشترك معه في اللقب العائلي فقط.
كل القرائن تدل انه انتحل صفة شخص آخر، أعرفه أيضا، وهو مثقف مغمور له جمعية تهتم بالتراث الشعبي .
***
انتقلنا إلى الغداء بقرية الجنادرية في جو صحراوي عرف عواصف رملية ،عمت أرجاء كل البلاد ، ولما عدنا بعد العصر توجهتُ إلى رحلة في تاريخ الجزيرة بمركز الملك عبد العزيز ، حيث زرتُ محطتين من فضاء واسع ومتعدد: قصر المربع والمتحف الوطني الذي صُمم بطريقة حديثة ومتطورة وبتنسيق جمالي رفيع يروي تاريخ المنطقة منذ ما قبل الإسلام حتى الآن .وقد أخذتني البهجة وأنا أطوف لساعتين كاملتين كما لو أنني طفت لأزيد من ألفي سنة .
رجعتُ إلى الماريوت بعدما هبط الظلام ، حيث زارني صديقي الباحث محمد بن سعود الحمد وهو أديب يقتفي آثار العلماء ويجتهدُ في عمله.فقد عرفته منذ سنوات بحاثةً يزور البلدان العربية لأزيد من عشر سنوات منقبا عن معلومات متفرقة في مراجع ومصادر أشبه بالتنقيب عن كنوز شديدة الغور ..حتى أتم مؤلفه الهام ( موسوعة الرحلات العربية والمعربة .المخطوطة والمطبوعة: معجم ببليوجرافي ) ومازال مستمرا في عمله مواصلا لفتوحاته العلمية والأدبية ؛ وقد أخبرني أنه بصدد إصدار مؤلف جديد يستكمل الكتاب الأول .
لبيتُ دعوته الكريمة إلى عشاء بمطعم جميل قضينا فيه صُحبه بعض الأصدقاء الأجلاء أزيد من ثلاث ساعات ، سعدتُ فيها بالتعرف إليهم وإلى اهتماماتهم في الأدب والتاريخ والأنساب .

• في ضيافة الملك
تابعتُ ندوة أخرى يومه السبت ، قبل أن ننتقل إلى قصر الملك ، خادم الحرمين الشريفين ، بدعوة كريمة منه للغداء ، في قصر مهيب .فسلم علينا واحدا واحدا ثم دعانا مُرحبا إلى مائدته العامرة والسخية بكافة أنواع المأكولات والفواكه .
قصر مهيب في مدينة فارعة ، كبيرة وعصرية ، تُشْرِحُ النفس كأنها روضة منبسطة وقد قامت على أنقاض وبقايا مدينة حجر اليمامة التاريخية ،والتي يعود تاريخها إلى زمن قبيلتي طسم وجديس .بناها واستوطنها بنو حنيفة كما يروي ياقوت الحموي ذلك ، مثلما أن ابن بطوطة في القرن الرابع عشر الميلادي يورد حكاية لقائه بأمير حجر، ويُسمى طُفيل بن غانم، والذي رافقه في الرحلة إلى مكة آنذاك .
***
تواصلت الندوات بوم الأحد مع دخول فصل الربيع ،على مستوى عال من الفكر والنقاش، وفي الساعة العاشرة صباحا انتقلتُ وصديقي العُماني د/ محمد المحروقي إلى جامعة الملك سعود حيث ألقيتُ محاضرة بقسم اللغة العربية وآدابها بعنوان (التمثيل والتخييل في الأجناس السردية العربية الصغرى) أمام أساتذة القسم ، وعلى بُعد عشرات الكلمترات وبتقنية عالة جدا في توصيل الصوت يوجد قسم الطالبات رفقة أستاذاتهن للاستماع والحوار نظرا لمنع الاختلاط. وتعتبر جامعة الملك سعود إحدى أهم المعالم العلمية في الوطن العربي وربما تفوق العديد من الدول الأوربية ..

ثلة من الأساتذة الباحثين بجامعة الملك سعود بالرياض ، من خيرة العلماء والأدباء الذين يحملون مشعل النقد الأدبي يؤسسون لتقاليد علمية رصينة ستُظهر آثارها في مستقبل الأيام .
جامعة تتكامل فيها كل الشروط العلمية العالمية ، بحيث إن كل باحث جاد أو عالم مقتدر إلا ويتمنى قضاء ردح من عمره العلمي بين أساتذتها وباحثيها .
ويوجد بهذه المنارة العلمية صديقي الناقد د/ مُعجب العدواني ود/ أحمد صبرة كما تعرفتُ إلى أصدقاء جدد منهم د/ صالح ود/ زياد وآخرين .

***
عدتُ إلى الماريوت .تناولتُ وجبة الغداء رفقة أصدقائي وقد صرت متبرما من موسى النمَّاسْ الذي تحول إلى شخصية مزعجة ومشبوهة ، فكرتُ لو كانت شخصية في إحدى رواياتي لتجرأتُ وقدمتها للمحاكمة بتهمة النصب والكذب والإدعاء .

عدتُ بسرعة إلى خلوتي في قيلولة متأخرة ولما استفقتُ هبطتُ لمتابعة المناقشات الفكرية المتواصلة إلى غاية الثامنة لحظة جاء صديقي ثابت بن أوس العدواني وأخذني إلى خلوة امرئ القيس بالرمال .في جو ليلي بارد دخلنا الخيمة السابعة .هناك تمددنا نتسامر بالحديث الطيب ونأكل التوت والعنب مُغَمَّسًا في عسل حريف ، قبل أن يلتحق بنا كل من أحمد المصري وصديق ثالث ..وبقينا مواصلين سهرتنا والغلام ازْبير يخدمنا إلى أن أتانا بعشائنا ساخنا ولذيذا .

رويتُ لهم حكاية موسى النماس الذي خدع دولتين بنصبة سريعة ، فضحكنا وبصري من حين لآخر يُراقب الباب في انتظار مرور طرفة بن العبد من هنا ..وكنت متأكدا من عبوره نحو حتفه.
تخيَّلتُ أن أكتب إليه رسالة مني يحملها إلى المغرب الأقصى بافريقيا بدل البحرين ..ثم رأيتهما ،هو والمتلمس، يقفان بجوار تلك البحيرة المقابلة لنا وكل واحد منهما يحمل كتابه بيمينه . شاب أسمر اللون في العشرين من عمره كما أقدر ، هو طرفة وإلى جواره المتلمس ،شيخ شايْبْ ومهْلُوبْ.نادى المتلمس على الغلام ازبير وهو خارج من خيمتنا القريبة منهما،( وأنا أتابع كل شيء كما لو كنتُ واحدا منهما أو هما معا ) حتى إني تململتُ من مكاني هَامًّا بالقيام فسقطت بعدما خانت الركب حاملها لأقول له إن لي حقوقا في معلقته وإني مسافر يوم الثلاثاء إلى مكة وسأعلقها على أستار الكعبة . كنت أريد قول كل ذلك وارتخيت أحرك المشهد المتسمر أمامي خارج الخيمة ببضعة أمتار .
قال المتلمس للغلام (ازْبير) أن يقرأ له الرسالة، فقال له هذا الأخير إنها تحمل أمرا بقتلك على عجل ( وكنت أعرف حق المعرفة أن ازبير لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولكنه تنبأ وتوهم وقال ما قال لتكون الحكاية أمامي كلها لصالحي ).خرّقَ المتلمس الرسالة ورماها في البحيرة وهو يتطلع إليها والتيار يجول بها في كل جدول .ولما رفض طرفة تقطيع صحيفته، دعوته أن يستبدلها بصحيفة كتبتُها له ويحملها إلى حبيبته مُزنة الشامية ذات الملامح الأندلسية ، ملكة الشمال الأشهل ، عوض عامل الملك على الحيرة .
جاء في الصحيفة البديلة ما يلي :
"هل يستطيع النهر تغيير مجراه حتى أُغير قدري عن الموت المحتوم؟لم يفكر أحدٌ ، من قبلُ ، كيف تشكلت تلك العلاقة أول مرة بين الماء والمجرى ..وليس بين النهر والنهاية .
ليس عبورا أو انفلاتا وجدانيا ، بل دهشة ربانية .

[الـنــهــر ظـمــــــــــــــــــآن لثــغـرك الـــعـــــــــــــــــذب
قل لي إلى أين المســـــــــــــير في ظلمة الدرب العســـــــــير
طالـت لياليـــه بنـــــــــــــــا والعمر لو تدري قصيـــــــــــر ]

أنا شاعر أحلمُ بحرث الأرض وبذرها بالكلمات.ولما أموت أحب أن أكون بذرة أخرى في بطن الأرض الرحيم ، قصيدة دالية تتدلى منها أيامي العذبة .

التاريخ الذي يضرب في الجذور ، ليس عابرا لأني حينما أفكر فيك أشعر بالفرح (شعورا ومذاقا) في كل مكان لا يهمُّني والدك ابن الرقاني أو المتلمس خالي .أنتِ من يترك حرارة في اللسان وعذوبة في الكلام .
الشمس التي تطلع يوميا منذ أن رفع آدم نظراته الطاهرة بحثا عن نصفه الأزلي وسط زمان ومكان لا محدود ...ليس عابرا .
المطر الذي يهبط منذ بدء العالم ويضرب الأرض حبا وغزلا ليس عابرا .
كذلك أنتِ التي أوجدها الله في هذا الزمان لاختبار الوجدان ..لستِ عابرة أبدا .

[أخـــاف أن أمـشـــــــــــــي فــي غربتـــي وحــــــــــــدي
آه مـــن الأيـــــــــــــــام
آه لم تـعط من يهوى منــــــــــــاه
ما لي أحــــــــــــــس أنني روح غريب فــي الحيـــــــــــــــــــــــــاة
أخـــاف أن أمـشـــــــــــــي فــي غربتـــي وحــــــــــــدي]

***
أتمنى لو ينامُ العالم لجزء من الثانية ، توازي رمشة عين بها كحلٌ وبراءة الشفق ، وحينما تنقضي تلك المدة الزمنية التي هي ذرة لامرئية ، يكون ربيَّ اللهُ قد عدَّل في الزمان بقدرته، وهو القادر المانح العزيز المدرك والمستجيب ، بعد رمشة العين تلك، سنجد أنفسينا – أنا وأنتِ – وقد صرنا مثل سفينة عائمة ..
ألا يا ثاني الظبــي * * الذي يبرُقُ شنفاهُ
ولَولا الملكُ القاعد * * قد ألثَمَني فـــــاهُ.

***
حينما التفتتُ إلى صديقي ثابت بن أوس العدواني وجدته منهمكا في قراءة رقعة جلد قديم، له لون مثل لون جلدي ، كُـتِب عليه الجزء الضائع من رحلتنا إلى الشام وقصائد مجهولة لطرفة بن العبد .
قال لي :
- لقد ضللنا أعمارنا وراء الملك الضليل ، ثم عُدنا نرافقُ طرفة في رحلته الأخيرة ؟
قلتُ له :
-بل لبسنا جبة امرئ القيس التي هي علينا حتى الآن .وركبنا فرس طرفة للقفز فوق ظل الزمن.
• أنا والفجر ونوار اللوز

وصلتُ مكَّةَ قبل الفجر بوقت معلوم عبر رحلة مِعراجية من الرياض إلى جدة، ثم برا في حوالي ساعة وقليل إلى مكة .وكان الظلام مرفوعا غير عاقل .رتبتُ بسرعة حقيبتي في فندق قريب من الحرم ثم خرجتُ في إحرامي حافيا عاري الرأس كأني ذاهب إلى نبع حياتي لتفقُّد دهشاتي الأولي ودفاتري التي دوَّنَ فيها ملاكي ، بإذن ربي مالك الروح ، كل آثامي وخطايايَ الخفيفة منها والثقيلة .
دخلتُ دربا سرتُ فيه وحدي ، متعجلا بمهل.عقلي يتأمل وأنا أمشي على خطوات الأنبياء منذ سيدنا إبراهيم الذي مرَّ شامخا ووحيدا قبل أن يملأ العالم بذريته الصالحة ..

من هنا كان محمد (ص) يُجالس أصحابه ورآني منذ ذلك التاريخ في هذا المكان .

أتقدم مثلما تتقدم الأمطار من السماء نحو الأرض ..المطر هو الأشد عطشا للاندساس والذوبان في التراب .

بيني وبين باب الملك عبد العزيز خطوات فقط .استبدَّ بي شوق الأطفال لأثداء أمهاتهم ...للحليب الساخن ..لحبات الرمان بلذة البراءة ، بمذاق القرنفل وورق البسباس البري وصوت الوحيش المختلي منذ زمان ، بحنين الشفق الشفيق إلى مخابئه السرية .

هكذا كان إحساسي ، سخونة في هويتي تجتاح كل جسمي ، فلم أعد أتحكم فيه ؛ فقط خطواتي تقودني وأنا لا أبصر سوايَ في خط مستقيم أهش على روحي التي تسبقني ثم تلتفتُ نحوي تستعجلني ..
تستعجلني أن أفتح قلبي وقد صرتُ على درج الباب أرى الكعبة شامخة فترتعد فرائصي ويملأ الدمع عينيَّ والعرق يتصبب مني مدرارا وقد فاضت دموع العين مني صبابة حتى بلَّ دمعي روحي .
اندفعتُ بعدما جدّدتُ النية في الاعتمار ،ودخلت وسط جموع أحباب الله والرسول من كل الجنسيات ، أطوف طواف العبد المستغفر .أطوف كأنني في أول حياتي خلف سيدنا إبراهيم نرسم الخطوات التوحيدية الأولى لعقيدتنا .

كأنني في أول حياتي خلف سيدنا محمد في وداعه لنا.. أردد ما يردده وأتمنى ما يتمناه.

سبع دورات كنتُ فيها ملفوفا بسبع لفَّاتٍ ثقيلات بالآثام والذنوب وفي كل طوفة أستغفر ربي وأدعوه أن يغفر لي سهوي وانشغالي عن حقوقه كما يغفر لي سوء تقديراتي وشططي عن قصد أو غيره .

في كل طوفاتي السبع حضرتني سبعة واجبات بترتيب عفوي بدءا بحقوق ربي عليَّ، وحقوق والديّ ثم أبنائي ، يليهم أساتذتي الذين علموني وأخرجوني من الجهل إلى النور ومكنوني من تعبيراتي وربُّوني على القيم وعزة النفس .وكذلك حقوق وطني بدءا من القبيلة إلى المجتمع، وأخيرا استغفرتُ ربي مما اقترفتُ في حق أصدقائي وحق كل الذين أعرفهم أو لا أعرفهم .
أحسستُ وأنا أُنهي دوراتي كمن دخلت في البدء وعلى كتفي جبالا رواسي، وخرجت رشيقا ..كمن صرت شجرة لوز في جبل عال بنوار أبيض أو غيمة حرة تحملُ روحها وتسبحُ في كون الله.

اقتربتُ من الكعبة ، تلمستُها وقبلتُها في المكان الذي تلمَّسَها وقبَّلَهَا صاحبي ، ولم أشأ أن أخبر أحدا أنني شعرتُ خلال طوافي بارتفاعي عن الأرض مثل نبي يأخذه الله إلى جواره أو كنوَّار أبيض مشبع بعسل .لم أصدق ما أنا فيه ، لذلك كنتُ منقطعا عن كل ما هو زائل ومتصلا بما عرفَته روحي من مكمنها وكأن أياد أبوية لا مرئية تشدُّني وتحملني من إبطي .

ثم أعلنَ المؤذن قيام صلاة الفجر المكي لكل العالمين فأقمنا راكعين ساجدين خاشعين بشموخ لا محدود للرب الواحد الأوحد ، وسط غبش الفجر المتسلل من جبال وشعاب كل الجزيرة. وبعد انتهائنا من الصلاة أتممتُ السعي وباقي الفروض .

كنتُ في حالة انتشاء مُفرطة .ذهني خال من كل ما أفسدته الأيام ...فقط أفكر في ما كان يفكر فيه سيدنا إبراهيم لحظة انتهى وطاف وفي كل ما كان يفكر فيه سيدنا محمد يوم هبوطه من غار حراء .بل راقني رؤية أن طوافي في تلك اللحظات الجليلة قبل انبلاج أولى نوَّارات الفجر الأبيض قد أشعرني أن من كانوا حولي هم أصحابي على مر العصور ..وجميعا كنا خلف صاحبي.
***
أحس بدبيب قوي يضخُّ الحياة في ذاكرتي ، فأشعر، ولأول مرة، أنها بثلاث طبقات تَسَعُ أرشيفا بألوان مختلفة ، جزء مُغلق يثوي أزمان وحيوات سلالاتي ؛ وجزء ثان به حياتي مذ ولدتُ حتى اللحظة التي أنا فيها ؛ أما الجزء الأخير المثير فهو الذي يختزنُ ما سيأتي من أزماني ، وأنا هنا ، في هذا المكان الذي اختاره الله لانطلاق النور والحياة.


أنهيتُ عُمرتي ، وعدتُ إلى غرفتي .استحممتُ وتناولتُ فطورا خفيفا من حليب بارد وتمر وخبز شعير لأرجع إلى حالات الذهول؛ أرى ببصري في مشهد لا يقبض عليه بالكلام ، كل الأزمان التي سبقت هذه اللحظة .

وأنا أغادر مكة في اتجاه مدينة جدة للعودة إلى المغرب ، كانت السعادة تغمرني بالكامل ، وفي العمق البعيد هناك حزن صغير يقبع بدواخلي، لكوني لم أستطع إقناع اللجنة التنظيمية بتدبير إضافة ثلاثة أيام أخرى أطوف فيها دروب مكة وكل الأماكن التاريخية والدينية وأزور المدينة المنورة .
لكنني كنتُ أعود لأعزي النفس بأن الفرصة ستأتي مرة أخرى وربما بشكل أحسن بكثير .
***
قال لي : يا شعيب يا ابن محمد ، عليك بالدقة والوضوح فأنتَ في أرض الحقيقة والأحرار لا تحتاج إلى الاحتمال .
قلتُ له: أنا في حاجة إلى غار تستريح فيه روحي .أمكث به ساعة أو دهرا كاملا أناجي ربي، أبوح له بذنوبي ..أنا العبدُ الخطَّاءُ في حق نفسي وأرضي وهويتي .
أريدُ أن أكون في غاري عابدا مُطْلقا ، أُدَوِّنَ حياة أمتي وأحلامها متأملا في من نكون ..هل نحن نور الأنبياء أم رمادهم الساخن أم صوتهم الساكن في أكباد الأزل ؟
لَوْ تَمْنَحُنِي ، رَبِّي، فُرْصَةً أُخْرى ،وَأَنْتَ المَانِحُ بِلا حِسَابٍ ،لَطَلَبْتُ أَنْ أَحْيَا وَأَمُوتُ كَمَا كُنْتُ دَائِمًا فِي حياتي خلال كُلِّ العُصُورِ وَالأَزْمَانِ .

chouaibhalifi@yahoo.fr




ليس عضوا في النادي

نبيل عودة

قصة

وقعت حادثة غريبة في نادي للسباحة ، فجأة عبر بسرعة رجل عار كما ولدته أمه ، يخفي وجهه ويهرول نحو غرف الرجال. كانت الصديقات الثلاث يجلسن على حافة البركة يتبادلن انطباعاتهن وتعليقاتهن التي لا تنتهي، حول مشاهداتهن وأخبارهن وما وصل لمسمعهن ، او ما يسمى بلغة الرجال " حديث نسوان " . وكانت ضحكاتهن تلعلع وكأن لا أحد غيرهن يتسفع على جوانب البركة ..
- انظري لتلك الشقراء .. أمس جاءت بمايوه أزرق سماوي.. اليوم مايوه أبيض ، يكشف من مفاتنها أكثر مما يخفي
- اوه .. لو سارت بدون مايوه لكانت مستورة أكثر.
- لا ينقصها شيء .. لديها ما تفخر به .. ليتني مكانها .
- ولكني أعتقد انها ممتلئة قليلا .. يجب ان تنقص من محيط خصرها 10 سنتيمترات على الأقل.
- الا توافقين معي انها كما هي .. تشد انظار كل أعضاء النادي الرجال .. وحتى النساء ؟
- انظري لذلك الرجل .. ظل يلاحقها بعينيه حتى ارتطم بعمود الإضاءة.. يا له من مخبول.. كأنه لم ير مفاتن امرأة في حياته .
- هو دائما هكذا .. نهم لا يشبع .
- هكذا كل الرجال .. التي لا يصلوا اليها هي المشتهاة .
- هل ترين تلك السمراء.. كل اسبوع مع صديق جديد ..
- ربما حان الوقت لتُغير نادي...
- الله عليك .. تغارين منها ؟ الا تذكرك بأيامنا الماضية ؟
- ليت أيامنا تعود ..
- نعود عشر سنين الى الوراء ؟
- ما هذا التخريف.. لا يمضي يوم دون ملاحقتنا ..
- انظري لصديق الشقراء .. كنت أعرفة منذ سنتين على الأقل..
- يا لها من صائدة جيدة ..
- بل هو صائد ماهر..
وانطلقت الضحكات ..
- انت لا تشبعين يا صاحبتي .
- ماذا تعنين ؟
- نحن أيامنا تمضي .
- ايامك أنت .. يا عجوز .. انا دائما مرغوبة
وينفجر الضحك مرة أخرى..
- أمس لاحقني سعيد مرة أخرى . انه ملحاح .. لصقة انكليزية .. اراد ان يشدني لتواليت الرجال ... يا له من معتوه ..
- ارسليه لي.. لأجعلة يزحف على بطنه أمام الجميع ..
وانفجر الضحك قويا مرحا ... ولحظتها وقع الحادث الغريب..
ظهر رجل عار كان يغطي وجهه ويركض نحو غرف الرجال.. وعورته مكشوفة ، لافتا انظار الجميع .
علا الصفير والضحك من كل أطراف البركة ، ولفت خاصة أنظار الصديقات الثلاث ... وغمر الضحك المرتفع كل من شاهد تلك الحادثة النادرة وعلا اللغو ، وتبادل الجميع التفسيرات ..
قالت الصديقة الاولى وهي تتأمله قبل ان يختفي :
- هذا ليس زوجي ..
قالت الثانية.
- بالتأكيد ليس زوجك .
تفرست فيه الثالثة وقالت :
- هذا الشخص ، من المؤكد تماما ، ليس من أعضاء النادي .
وانفجرن بضحك صاخب جعل الدمع يملأ عيونهن ...

نبيل عودة – كاتب ناقد واعلامي – الناصرة
nabiloudeh@gmail.com

الأربعاء، أبريل 14، 2010

قصة : في ليلة .. خنقوا فيها القمر

أنطوني ولسن


ما أن ينتهي من قراءة عناوين الصفحة الأولى من الجريدة اليومية ويبدأ في تصفحها ليكمل قراءة الجريدة حتى يسمع وقع خطواتها الهابطة فوق درج سلم محطة قطار "دالويتش هيل DulwichHill"

يرفع عينيه خلسة من خلف الجريدة ويتتبع قوامها الممشوق، ورقبتها الطويلة، وشعرها الأسود الطويل المتدلي فوق ظهرها، ومشيتها الساحرة التي توحي لمن ينظر اليها انها لا تسير على الارض بل انها تطير مثل ملاك.

تعرج شابتنا ناحية اليمين وتتجه نحو موقف محدد تحت سلم المحطة وتقف في انتظار قدوم القطار المتجه إلى المدينة.

يكتفي صاحبنا بطي الصفحة الأولى مع النظر الى الصفحة الثانية دون ما قراءة أي خبر أو عنوان بها. بل جل همه مراقبة فتاة الصفحة الثانية كما يحلو لنفسه ان يطلقها عليها كلما يتذكرها.

يأتي القطار من ناحية الجنوب متجها ناحية الشمال. تبدأ عجلاته في التباطؤ حتى يقف تماماً أمام الرصيف رقم واحد للمحطة.

العربة الأولى للقطار بمحاذاة نهاية الرصيف او بدايته ثم العربة الثانية وبابها الاول امام صاحبتنا «فتاة الصفحة الثانية» وبعض من الركاب والراكبات. فيندفع كل الى الركوب، ويكون صاحبنا قد طوى الجريدة تحت إبطه وتحرك مع المتحركين لركوب العربة الثانية ولكن من الباب الثاني.

بعد ذلك لم يعرف عنها شيئا ويضيع هو مع أحداث اليوم وتسير هي في طريق يومها، ولم تلحظ يوما ذلك التصادف العجيب بين هبوطها درج سلم المحطة مع انتهاء تصفحه للصفحة الأولى من الجريدة اليومية التي يشتريها من محل بائع الجرائد الموجود عند مدخل مبنى المحطة.

ذات يوم تأخر «صاحبنا» عن موعده. شغله صديقه على الهاتف ولم ينتبه غلى انه قد تأخر على موعد رؤية «فتاة الصفحة الثانية» فأنهى المكالمة مسرعاً على الرغم من ان كل منهما «هو وصديقه» هذا لا يفترقان.. لا في العمل.. ولا خارج العمل.. وساعات الافتراق في الليل. الهاتف يجمع بينهما قبل النوم. وهو «أي الهاتف»، يوقظهما للقاء في الصباح.

لم يكن يسكن بعيداً عن محطة القطار. لذا قطع المسافة جرياً.. بل وثبا حتى وصل الى مبنى المحطة، ولم ينتظر دوره لشراء الجريدة، بل أسرع واختطفها من مكانها وألقى للرجل بورقة من فئة الخمس دولارات وقال له وهو ملتفت اليه برأسه لكن جسده مستمر في المشي «احتفظ بالباقي».

إصطدم بإنسان.. إنتبه لماحدث.. نظر إلى من اصطدم به فإذا بها إمرأة وقعت حقيبة يدها وإنفتحت وتبعثر ما بداخلها.. انحنى إلى الأرض يلملم ما تبعثر على اثر اصطدامه بالمرأة دون قصد . عندما ناولها الاشياء التي لممها نظر اليها.. ثم أخذ يضحك بصوت عال مشيرا إليها بأصبعه قائلاً لها:

- «فتاة الصفحة الثانية».. هاها.. ها..

تملك الغيظ المرأة.. واشرأبت اعناق من كان في المكان لترى صاحب هذه الضحكة العالية ولتعرف من هي «فتاة الصفحة الثانية».

انتبه إلى عملته.. فاعتذر لها. وكانت قد وضعت كل ما تبعثر منها داخل حقيبتها.

هبطا الدرج سويا.. وصل القطار قبل ان ينتهيا من الهبوط.. اسرعا.. توقف القطار وكانا قرب الباب الأول للعربة الثالثة للقطار. همت ان تجري ناحية العربة الثانية.. أمسك بذراعها طالبا منها برأسه ان تركب معه العربة الثالثة.

سارت معه.. ركبا سوياً القطار، وفي الرحلة من محطة «دلويتش هيل» الى محطة «وينيارد» في قلب مدينة سدني كان قد أخبرها بحكاية " فتاة الصفحة الثانية "، بعد أن اخبرها بأسمه «توم» الموظف باحدى شرطات التأمين ويقطن غير بعيد عن محطة القطار.. محطة قطار «دالويتش هيل» بالطبع.

أما هي بعد ان استمعت اليه لم تجد حرجا في تقديم نفسها وإخباره بإسمها ومهنتها، بل تحدثت اليه عن ما تحب ولا تحب في مختلف المجالات والآراء الثقافية والسياسية.

ماري آن.. هذا إسمها.. أصبحت بعد ذلك اللقاء أكثر لهفة للوصول الى محطة قطار «دالويتش هيل» للقاء توم وهما يتحدثان عن الجو إن كان صحواً مسمشاً، أوغائماً ممطراً، بعدها يقص كل واحد منهما على الآخر مافعله منذ لحظة نزول ماري آن وحدها في محطة قطار «وينيارد» واستمراره في القطار حتى محطة «تاون هول» حيث مقر عمله.

تعوّد كل منهما على رؤية الآخر، وتعوّد كل منهما على إخبار الآخر بكل الاحداث التي مر بها في فترة البعد هذه.

لاحظ «جيرالد» الصديق الحميم لتوم التغير الكبير الذي طرأ عليه وحاول استدراجه لمعرفة سر التغير.. لكنه لم يفلح.

حاول توم أن يتخلص من صحبة جيرالد في فترة الغداء. فعمد إلى تغير موعد الغداء بالاتفاق مع رئيسه على ذلك، واصبح يتناول الغداء مع ماري آن في حديقة «الهايد بارك» فازداد وقت رؤية كل منهما للآخر.

كما عمد الى رفع «سماعة الهاتف» في الصباح حتى يقطع على جيرالد إتصاله الدائم به والاحاديث المتكررة والتي بدأ يمل منها.

توطدت العلاقة بين توم وماري آن، لم يعد مجرد لقاء في الصباح، تناول الغداء في «الهايد بارك» ظهراً، بل تعدته إلى لقاءات مسائية والذهاب الى مشاهدة الأفلام التي تعرضها دور العرض، وإلى مشاهدة اي عمل فني آخر سواء مسرحي أو استعراضي.

الحب هو الطريق الطبيعي لمثل هذه العلاقة. وكما تروي الحكايات والقصص عن قصص المبحين.. نستطيع ان نؤكد ان هذا ما سيحدث بين توم وماري آن.

حاول جيرالد صديق توم ان يعرف سبب تحول توم عنه. بدأ جلياً لجيرالد أن توم يخفي عنه سراً.. سراً لم يستطع معرفة كنهه.

ذات مساء في ساحة عرض احدى دور العرض السينمائي في شارع جورج بسيدني، لمح جيرالد صديقه توم متأبطاً ذراع فتاة جميلة. اندفع نحو صديقه وفي سخرية لاذعة أخذ يوبخه لكتمان سر هذه الصداقة أو الحب الذي بينه وبين هذه المرأة.

تلجم لسان توم لهول المفاجأة، اصاب ماري آن ذهول لجرأة و" صفاقة "هذا الانسان الذي مهما كانت صلته بتوم، ما كان واجباً عليه أن يتهكم هكذا.. وعلى مرآى من الناس.

كاد توم أن يخرج عن صوابه ويلكم جيرالد بقبضة يده في وجهه لكنه تماسك وابتسم وقام بتقديم ماري آن له على أنها صديقته .

هدأ جيرالد.. لكن لم يستطع كتمان غيظه. ودون أن يتفوه بكلمة تركهما منفعلاً وغادر المكان.

إنتاب ماري آن هاجس كئيب.. فرفضت مشاهدة الفيلم، وأصرت على العودة الى المنزل.

في الطريق الى المنزل حاول أن يشرح لها توم الصلة التي بينه وبين جيرالد.. وأخذت هي تفكر فيمن يكون هذا الانسان الذي لم يشر إليه توم ولو بإشارة عابرة. أغاظها هذا وأخرس لسانها. غادرت السيارة بعد وصولهما امام منزلها دون أن تلفت وراءها أو حتى تلقي تحية المساء لتوم.

عاد توم الى منزله حزيناً مهموماً لا يعرف ماذا يفعل مع جيرالد ومع حبيبته ماري آن.

دخل غرفته وأغلق الباب عليه وأخذ يجهش بالبكاء كطفل أخذوه من حضن أمه.

دق جرس الهاتف.. أفزعه الصوت.. أخذ يكفكف دموع، أمسك بسماعة الهاتف أملاً في أن تكون ماري آن هي المتحدث. لكنه فوجئ بجيرالد يعتذر له عما بدر منه. لم يحتمل توم صوت جيرالد عبر الأثير، فوضع السماعة بعنف مكانها دون ان يرد عليه بكلمة واحدة.

كانت ليلة حالكة السواد على توم. انه يحب ماري آن وهو حر في اخبار جيرالد بهذا الحب أو لا يخبره. لكنه جيرالد المتسلط الغيور الذي يظن انه امتلك توم. اتخذ توم قراراً في تلك الليلة بقطع صلته نهائياً بجيرالد.

في الصباح الباكر خرج متجها الى منزل ماري آن، ظل واقفا قرب المنزل فترة لم يعرف كم طالت. لكنه أراد أن ينتظرها ويسير معها الطريق الى محطة القطار. لم يذهب الى المحطة وحده وينتظرها كما يفعل كل يوم. بل لو كان يستطيع الدخول اليها في بيتها، لفعل ذلك. لكن الوقت مبكراً ولا يصح ان يفعل هذا أويتصرف هكذا كطفل صغير.

خرجت ماري آن في موعدها متجهة في سيرها ناحية المحطة ولم تر توم سار خلفها وقلبه يكاد يقفز من بين ضلوعه من هلع الخوف. انه يخاف أن تكون ما زالت على ما هي عليه من غضب. لذا فضل السير خلفها محاولا بقدر الاستطاعة أخذ الحيطة حتى لا تراه.

وصلت مدخل المحطة واتجهت مباشرة الى الدرج. سار بمحاذاتها والقى عليها تحية الصباح. ردت التحية دون ان تلتفت اليه. ترك الدرج وصلا الى رصيف المحطة. لم يفتح احدهما فمه، وقفا صامتين.

استقلا القطار معاً.. جلسا في نفس المكان، وما زال ستار الصمت يغلفهما، لم يستطع لا الاعتذار ولا الحديث عن هذا الصديق الذي ظهر فجاة، بصورة مقززة، لم تعرف أبداً أن هناك اصدقاء بكل هذه السفاهة والتسلط، فعن أي شيء يمكنها أن تتحدث معه.

وصل القطار الى محكة «وينيارد» حيث مكان وصولها لتهبط من القطار وتتجه الى عملها في يورك ستريت.

فوجئت بتوم ينهض ويهبط معها. نظرت اليه وسألته بعينيها اين انت ذاهب. طأطأ رأسه ولم يرد عليها لا بشفتيه ولا بعينيه. صعدا السلم الكهربائي سوياً، خرج الى شارع ضيق ثم إلى داخل ممر صغير، عبرا بعده شارعاً الى أن وصلا الى حديقة وينيارد.

أمام أول مقعد في الحديقة أمسك توم بيد ماري آن ونظر اليها مستعطفاً ان تجلس فوق المقعد.

لم تمانع.. بل جلست في هدوء، لم يجلس الى جوارها بل ركع على ركبتيه امامها، أخرج من جيب سترته علبة، فتح العلبة وأخرج منها خاتماً ذهبياً، أمسك بالخاتم قائلاً لها:

- ليس عندي كلام أعتذر به عن ما حدث ليلة أمس، لكن أقدم لك هذا الخاتم لأطلب يدك للزواج، أرجو ان تقبليه، لأنني لن استطيع العيش بدونك.

وضعت يدها فوق رأسه.. أخذت أصابعها تلعب في شعره، مدت اليد الاخرى وضمت رأسه اليها، ظلا لحظات هكذا ثم نهضت ممسكة بيده تساعده على النهوض.

وضع الخاتم في اصبعها.. غابا في قبلة طويلة امتصت كل ما كان بينهما من خلاف.. لم يذهب أي منهما إلى عمله. بل امضيا الوقت سوياً في الحديث عن الزواج واجراءات الزواج، وبالطبع قبل كل شيء طلب يدها رسمياُ من عائلتها.

تمت الخطوبة، واصرت هي على دعوة صديقه جيرالد. بعد الخطوبة أخذا يستعدان للزواج بالبحث اولاً عن بيت الزوجية، استطاعا بالفعل دفع مقدم شراء منزل، ولحسن حظهما في نفس الحي، وقد تحدد موعد الزواج، بالطبع في أستراليا كل شيء رهن الإشارة. كلاهما يعمل.. وكلاهما له راتب لا بأس به.. وكلاهما متلهف على إتمام الزواج.

تم فرش المنزل، وتم شراء فستان الزفاف، وقبلت ان يكون جيرالد الصديق الأول له وتم الاتفاق على كل شيء.

العادات في بلادنا تختلف عن العادات هنا في أستراليا في بعض نواحي ما قبل ليلة الزفاف. وأهم العادات المختلفة هي خروج «العريس» مع صحبه في ليلة قبل الزواج يطلقون عليها Boys night out يودع فيها العريس حياة العزوبية. وتخرج العروس مع صاحباتها ايضاً قبل الزواج يطلقون عليها Girls night out تودع فيها العروس ايضاً العزوبية، كل مجموعة تختار ليلة مختلفة. وهي ليلة مباح فيها كل شيء، وإن كانت كلمة مباح نستخدمها نحن للتعبير فقط عن ما هو مباح وما هو غير مباح، لأن الحقيقة لا شيء غير مباح. غير المباح يحدده الفرد والأسرة التي ينشأ وسطها.

جاءت ليلة «العروس» وصاحباتها، خرجت ماري آن في تلك الليلة مع كل صديقاتها ومنهن من جاءت من مدينة أورنج ومن مدينة نيوكاسل وغيرها من المدن.

ذهبن إلى المكان الذي يذهب اليه كل المحتفلين والمحتفلات، ذهبن الى الـ Kings Cross حيث يكون المباح أكثر إباحية، شربن.. تحدثن.. ضحكن.. رقصن.. ثم جلسن يثرثرن عن كل شيء دون أن يكون للثرثرة معنى. ومع ذلك اوقفت الثرثرة احداهن وقالت لهن وهي شبه مخمورة:

- بنات.. أريد أن أقول لكن انني رأيت فستان زفاف ماري آن. وهو أجمل فستان رأيته في حياتي.

تغيرت «الثرثرة» وأخذت طابع الاستفسار والاستفهام، ثم الرغبة الجامحة لرؤيته فوراً.

خرجن جميعاً وقد عادت اليهن الحالة الهستيرية، والنشوة الى أن وصلن الى المنزل.

لاحظت ماري آن أن ضوء غرفة النوم مضاءة. تعجبت وسألت نفسها.. هل توم بالداخل؟!!.. وماذا يفعل؟!!

أشارت الى صديقاتها بالسكوت التام، بل خلعت حذاءها، وفعلن مثلها. فتحت باب المنزل ومشت على أطراف أصابع قدميها إلى ان وصلت الى باب غرفة النوم الذي كان مفتوحاً.

وقفت.. ووقف الجميع خلفها.. أشارت اليهن بأصبعها أن لا يتحدثن.. فهززن رؤوسهن بالموافقة. أطلت برأسها داخل الغرفة. لكنها عادت الى وقفتها بسرعة. لحظات وكأنها تستعيد شجاعتهاودخلت داخل مخدع الزوجية.

وقفت أمام ما رأت خرساء، عمياء ولا تسمع. جيرالد صديق توم مرتدياً فستان زفافها.. وتوم المفروض انه سيتزوجها بعد أسبوع يمارس اللواط معه.

حاولت ان تصرخ.. فلم تستطع. أمسكت عنقها بيدها.. ثم خرجت الى حديقة المنزل الخلفية The back yard نظرت الى السماء، فرأت القمر في تمامه، واياد كثيرة ممتدة أصابعها تحاول خنقه.

صرخت صرخة عالية مدوية زلزلت الأرض وهزت السماء. ثم سقطت على ارض الحديقة.

هرعت صاحباتها اليها.. انحنين عليها.. وجدنها جثة هامدة.

الثلاثاء، أبريل 13، 2010

القلب يرجو

محمد محمد علي جنيدي

القَلْبُ يَرْجُو والرِّضَـاءُ صَفَـاءُ

إنَّ المَحَبَّـةَ لَـوْعَـةٌ وشِـفَـاءُ

إنْ هَامَ قَلْبِي لَنْ يَهِيـمَ بِمِثْلِكُـمْ

وحَنِيـنُ وَجْـدِي لِلِّقَـاءِ دُعَـاءُ

والحُسْنُ فِيكِ بَـدَا كَأعْظَـمِ آيَـةٍ

ومَشَاعِري ظَمْـأى ومِنْـكِ رُوَاءُ

وجَبِينُكُمْ كَالبَـدْرِ يُهْـدِي نُـورَهُ

وبِوَجْهِكُـمْ تَتَـلَأْلَأُ الأضْــوَاءُ

باللهِ يَا سِحْرَ العُيُـونِ أمَـا لَهَـا

جَرْحَى وقَتْلَـى مِثْلُنَـا شُهَـدَاءُ

العَيْنُ تَطْـوِي لَوْعَـةً بِجِفُونِهَـا

وهْىَ الَّتِي هَامَتْ بِهَـا الشُّعَـرَاءُ

ولَقَدْ سَمِعْـتُ حَدِيثَكُـمْ مُتَرَنِّمـاً

وكَأنَّمَـا هَمْـسَ الكَـلامِ غِنَـاءُ

وأرَاكِ كَالبَدْرِ المُضِيءِ مُسَافِـراً

والشَّعْـرُ كَالْلَيْـلِ البَدِيـعِ رِدَاءُ

وفَمَاً بِلَوْنِ الوَرْدِ يَبْـدُو مُزْهِـراً

فِيـهِ نَفَائِـسُ لُأْلُـؤٍ وبَـهَـاءُ

وقَـوَامَ عُـودٍ لا يَلِيـنُ لِنَاظِـرٍ

صُنْعُ المُصَـوِّرِ آيَـةٌ عَصْمَـاءُ

ويَدَاً تُدَاوِي كَالحَرِيـرِ شَقَاوَتِـي

وجَمِيعُ مَا فِيكُمْ رِضَـاً وشِفَـاءُ

وإذِا مَشَيْتِ فإنَّمَـا هِـيَ خُطْـوَةٌ

أخَذَتْ قُلُوبَ النِّاسِ كَيْفَ تَشَـاءُ

ولَكَمْ أُنَادِي فـي بَهَـاكِ كَبُلْبُـلٍ

ولِكُلِّ طَيْـرٍ فـي هَـوَاكِ نِـدَاءُ

وأرَاكِ في الخُلُقِ الكَرِيـمِ كَأنَّمَـا

فَرِحَـتْ بِـهِ الأقْمَـارُ والغَبْـرَاءُ

كَرَمُ الكِرَامِ فَضِيلَـةٌ دَامَـتْ لَكُـمْ

والْبِـرُّ مِنْـكِ هَدِيَّـةٌ وسِـقَـاءُ

تُبْدِينَ في الآفَاقِ فِكْـراً صَائِبـاً

فَيُجِلُّـهُ الأُدَبَــاءُ والعُلَـمَـاءُ

أمَلاكَ رُوحِي القَلْبُ هَامَ لِحُسْنِكُمْ

يَحْنُـو كَأنِّـي لَهْفَـةٌ ورَجَــاءُ

ولَقَدْ رَأيْتُ صَبَابَتِي تَلْقَـى بِكُـمْ

أُنْساً وأنْـتِ البَسْمَـةُ السَّمْحَـاءُ

سَيَظَلُّ أسْرِي مِنْيَةً أصْبُـو لَهَـا

ولَأنْ أمُوتَ فَتَكْفِنِـي الحَسْنَـاءُ

ويَظَلُّ عِشْقِي في الجَوَانِحِ والحَشَا

يُغْرِيـه فِيـكِ فَضَائِـلٌ وسَنَـاءُ

مؤسسة ابن رشد للفكر الحر تفتح باب الترشيح لجائزة عام 2010

تخصص جائزتها لصاحب مدونة (رجل او امرأة) تركز نشاطه على شبكة الانترنت من أجل تعزيز الجدل الحر المفتوح

أصبح من الصعب الاحاطة بكل ما لشبكة الإنترنت من دور فعال في تغيير الاتصال الجماهيري. إن معظم وسائل الإعلام في البلاد العربية من صحافة وإذاعة وتلفزيون ومواقع الكترونيه، مؤسسات حكومية لا تمنح المجال الكافي للنقاش العلني المفتوح في المواضيع المثيرة للجدل. لهذا أصبح للحرية المكتسبة من خلال التعبير عبر شبكة الانترنت التي يصعب التحكم بها أهمية غير بسيطة في طرح قضايا سياسية وفكريه واجتماعية. إن الكثير من المواضيع التي تعتبر على ارض الواقع من المحرمات ولا يتسنى النقاش حولها في المجتمع تجد طريقها للنقاش في الفضاء الافتراضي في المنتديات الحوارية والمدونات العربية على شبكة الانترنت التي يزيد عددها الـ 40.000. رغم معارضة الحكومات والمراقبة والمضايقة وعقوبة السجن أصبحت شبكة الانترنت وسيلة هامة توسعت من خلالها طبيعة النقاش العام في العالم العربي: باتت فضاء تعبير جديد وسّع المجتمع المدني في العالم العربي من خلاله مساحة وجوده، مما مكنه من نقاش قضايا انحصرت سابقا في المجال الخاص لتصبح الآن نقاشات عامة. ليس هناك شك بأن لهذه الوسيلة الاعلامية الجديدة تأثير شديد العمق على القيم والمفاهيم والنظرة الى العالم في المجتمعات العربية والاسلامية.

تهدف مؤسسة ابن رشد للفكر الحر من خلال اختيارها موضوع "الانترنت" لجائزة عام 2010 إلى لفت الانتباه الى انشطة فردية او جماعية على شبكة الانترنت ودورها في تعزيز حرية التعبير وكذلك ايضاً لفت النظر الى الانترنت وأهميته باعتباره منبراً لتعزيز الحوارالمفتوح ومساهمته في نقله يوماً ما من الواقع الافتراضي على شبكة الانترنت الى الواقع الفعلي.

يفوز بجائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2010 :
صاحب مدونة ( رجل أو امرأة أو مجموعة) أي شخص (طبيعي أو اعتباري( يقوم من خلال محتوى مدونته الخاصة أو توفير موقع على شبكة الإنترنت بتشجيع حرية التعبير وتوسيع النقاش المفتوح عبر شبكة الإنترنت لإثراء النقاشات العامة حول القضايا الاجتماعية والسياسية.

سوف تختار لجنة تحكيم مستقلة من الخبراء الفائز أو الفائزة من الاسماء المرشحة لجائزة ابن رشد 2010. بإمكان اي فرد اقتراح مرشح أو مرشحة (لا يقبل الترشيح الذاتي) ينشط أو تنشط في المنطقة العربية. ولأول مرة يشترط حد اقصى لعمر المرشح او المرشحة، في عدم تجاوز سن الأربعين.

الرجاء ارسال ترشيحكم عن طريق الكتابة لنا عبر الفاكس او البريد الإلكتروني على العنوان الموجود أدناه، مع تزويدنا بنبذة ذاتية مختصره عن المرشح أو المرشحة وسبب ترشيحكم له أو لها. آخر موعد لاستلام رسائلكم هو 25 مايو 2010.
تقدم المؤسسة للفائز او الفائزة جائزة مالية رمزية بقيمة 2500 يورو، تعتمد مؤسسة ابن رشد للفكر الحر على تمويل الجائزة من اشتراكات وتبرعات اعضائها وأصدقائها. أنظر:
http://www.ibn-rushd.org/pages/ar/Awards/index.html
من المتوقع إقامة احتفال التكريم بجائزة ابن رشد للفكر الحر لعام 2010 في نهاية شهر نوفمبر بمدينة برلين في المانيا.

Ibn Rushd Fund for Freedom of Thought
Erich-Weinert-Str. 17
10439 Berlin
Germany
Tel. +49 (0) 30 32664-721
Fax +49 (0) 30 32664-722
Web: www.ibn-rushd.org
E-Mail: contact@ibn-rushd.org

________________
ساهم بدعم مؤسسة ابن رشد للفكر الحر مادياً (PayPal) أو اصبح عضوا.

الاثنين، أبريل 12، 2010

الضياع ـ الحلقة الأخيرة

أنطوني ولسن


تحذير: هذه القصة للكبار فقط

ساد الصمت من جديد، لكن روجينا قطعته بصوت متردد:

- مدام.. معلهش سامحيني.. رايحه تعملي ايه مع فريد؟!

تطلعت بها المدام وأطالت النظر.. ثم قالت:

- إيه رأيك انت؟.. أعمل فيه ايه؟

- طبعاً تعاقبيه يا مدام.. لكن.. لكن..

- لكن ايه يا روجينا؟

- ما تموتهوش يا مدام..

- يا سلام.. بالبساطة دي يخون ويسرق وأعاقبه بس؟!

- علشان خاطري.. تعاقبيه ولو حتى ترميه في الشارع زي ما جبتيه..

- رأيك كده يا عبيطة بعد ما عرف كل اسرارنا؟

- طيب نحبسه إحنا مدة طويلة..

- ما تشغليش بالك بالموضوع ده.. المهم عندي الاحتفال بانضمام عفاف اللي حيكون اسمها فنيسا.

- تحت امرك يا مدام.. دا حتى اسم فنيسا جميل ولائق عليها..

- الاحتفال عايزاه في هول المعبد.. احتفال تدربيها انت عليه، وتفهميها ايه الخطوات اللي تتبع.. عايزه مفاتن جسمها تبان، وتحطوا رقبتها داخل حبل المشنقة، وعينيها عليها عصابة سودا، وما تشوفش منها حاجة خالص.. تفهميها وتحفظيها سر اللي ينضم لينا.. الطاعة العمياء.. حتى لو طلبنا منها تقتل نفسها.. أو اي انسان مهما كان عزيز عليها.. اعملي اتصالاتك مع كل اللي بيعملوا معانا انهم يكونوا حاضرين قبل الساعة تسعة مساء، انا محضرة لها فستان جديد تلبسه بعد الانضمام وقسم الولاء والطاعة.. اعملي حسابك شخصيات كبيرة ورجال الشرطة اللي بيتعاونوا معانا.

- مفهوم يا مدام..

- طيب روجينا.. روحي انت ونفذي اللي قولته لك..

خرجت روجينا وفي داخلها صراع مرير، لا تعرف الحب، لكنها تميل الى فريد. وعندما وهبته نفسها، كان الدافع الى ذلك اعجابها به كرجل من خلفية اثنية تختلف عن خلفيتها، وكان من أنشط الرجال وأكثرهم حركة وولاء للمدام، ولية نعمتهم، التي انتشلتهم من حالة التردي والضياع التي وصل اليها كل فرد منهم في ظروف وإن اختلفت، تعتبر متشابهة.

ما عرفته عن فريد حبه للقمار، طلقته زوجته وطردته من البيت وصدر حكم يقضي بعدم التعرّض للزوجة وللأولاد. تلقفته أيدي زبانية الشيطان، عمل على ترويج السموم بين الناس، احتياجه للمال جعله يضاعف نشاطه. قبض عليه مرة، ووضع في قسم الشرطة، قام الكونستابل النوبتجي بالاتصال بالمدام، بعد ذلك صار واحداً من رجالها، بل أحد الاركان الاربعة للمنظمة.

لكنه خان القسم والوعد اللذين أخذهما على نفسه ليلة الاحتفال بانضمامه الى المنظمة. انه قسم واضح لا لبس فيه «الموت لمن يفشي أسرارنا.. الموت لمن يخون.. الموت لمن يعمل لحسابه دون اخبار الآخرين بذلك.. والطاعة العمياء للمنظمة التي ترأسها المدام.

رغم العبء الذي سببه لها الاستعداد للاحتفال كما طلبت منها المدام، إلا أن روجينا كانت تفكر في أمر فريد، وما آلت اليه.. انه ميت.. ميت.. المدام تكره الخيانة، وتكره الطعن في الظهر.. رأسها مدبر ومخطط، كبار رجال الدولة كالخاتم في اصبعها، تحركهم كيفما تشاء وساعة تشاء. نفوذها واسع وطريقتها بسيطة للغاية. تضع عينها على الرؤوس الكبيرة، تقيم الأحتفالات بأسم مؤسسات وشركات تسيطر عليها، وتقدم الشيطان لهم في امرأة جميلة وكأس خمر مخدر. تسلط كاميرات التصوير.. وتأمر المرأة، الطعم، بإذلال أصحاب النفوذ جنسياً وأخلاقياً وهم في حالة من الوعي واللاوعي.

بعدها تبدأ بفرض سيطرتها عليهم عن طريق الهدايا والاعتبارات الشخصية فإن تجاوبت الضحية وتعاملت معها، فهذا ضمان لتسيير امور المنظمة، وإن رفضت او اعترضت تبدأ في اظهار أوضاعهم المخزية التي صورتهم بها، وكانت تخزن كل ذلك بكومبيوتر خاص بالفضائح.

روجينا تعلم علم اليقين ان كل من يعمل مع المدام هو تحت المراقبة، تسجل تحركاته حتى في داخل الحمام وهو يقضي حاجته او يستحم. نظام الكتروني تجسسي عجيب، لا تعرف هي او غيرها كيف تستطيع المدام مراقبة الناس بهذه الدقة. لهذا يخشاها الجميع، وتتعجب أشد العجب كيف فعل فريد ذلك!! كيف تجرأ وأحضر هذه الكمية الهائلة من الحشيش والألماس.. الصور تظهر كل شيْ بالتفصيل، رغم ذكاء فريد، الجيوب السرية التي رقدت بها الحقائب، مع كتابة اسم زوجته عليها. إن ضبطت الحقائب يقبض على صاحبتها، ولا غبار عليه هو. فلسوف يؤخذ الجمل بما حمل كما يقول المثل.

الآن تريد المدام منها الاستعداد للاحتفال. معنى هذا ان عفاف ستنضم اليهم بصورة رسمية ودائمة. ستقسم يمين الولاء والطاعة.. تُرى، هل ستكون عفاف هي أداة الانتقام من فريد؟!!

أقلقها هذا الخاطر.. لكن ماذا عن الحضور والجمع الكبير؟ وهل ستسمح المدام بمثل هذا الحدث أن يحدث؟! وإن سمحت فعفاف امرأة رقيقة، تصلح لأن تكون شاعرة حالمة لا قاتلة.. فكيف تنفذ ما تأمرها به وتقتل فريد أمام الحضور؟!

هول المعبد كبير وله مداخل سرية لا احد يعرفها غير المدام، والحالة التي يكون عليها الحضور وقت الاحتفال تجعلهم بمنأى عن التفكير والوعي.. الكل في نشوة حقيقية عارمة. وهذا ما يعطي المدام حرية الحركة وتنفيذ كل ما تبغي. إن لم تنفذ الخطة على يد عفاف فسوف تنفذ على يد أي انسان آخر غيرها. هذا الانسان قد يكون أنت يا روجينا..

أنا اقتل فريد؟!.. أقتل من عطيته جسدي لأول مرة ودون أن أفكر لماذا؟ّ.. هل هو الحب يا روجينا؟.. امثالنا لا يكتب لهم أن يحبوا، ولا يعيشوا حياة المحبين.. نحن أبناء الشيطان، نعرف اللذة والشهوة والشر والجنون فقط، وفكرة قتل فريد، ان نفّذت، هي خير دليل على ذلك..

امتلأت الصالة الكبرى بالمدعوين الذين جاءوا من كل حدب وصوب. الرجال العاملون في المنظمة يلبسون بذلاتهم السوداء، وفوق رؤوسهم اقنعة تخفي الرأس كله والوجه.. ما عدا الفم.. وحده الفم بقي دون تغطية. وفوق الرأس يعلو قرنان بارزان يشبهان قرني شيطان وحرملة لونها سماوي فاتح تحيط خاصرة كل رجل مرسوم عليها رمز الجماعة، وهو عبارة عن حبل مشنقة والى جواره كأس وامرأة عارية. اما النساء العاملات ايضا كن يرتدين نفس القناع فوق رؤوسهن، الظهر عار من فوق والصدر تلفه قطعتا قماش رفيعتان، واحدة بلون البرتقال والثانية سوداء مربوطتان في العنق، ولاشيء يغطي النهدين.. وبقية الرداء عبارة عن قطع متعددة الألوان، على شكل شرائط مربوطة في الوسط ومتدلية الى أسفل.

أما الضيوف فكانوا بملابس السهرة العادية. وهكذا أصبح من السهل جداً معرفة من يعمل في المنظمة التي تديرها المدام ومن هم الضيوف في تلك الليلة.

قبيل الساعة التاسعة مساء اختفى العاملون في المنظمة، ثم أعلن البدء بالاحتفال. دخل الضيوف الى قاعة المعبد، فوجدوها على شكل حدوة الفرس، فتحتها ناحية الشرق، وبها كرسي كبير مطعم بالذهب.. كانت روجينا واقفة عن يمين الكرسي، وسوسو عن يساره. باب الدخول كان من ناحية الغرب وكانت المقاعد على شكل يحدد مجلس الاعضاء كل حسب مركزه. أما الضيوف فقد جلسوا في الناحية الجنوبية للقاعة.

مع دقات الساعة التاسعة مساء، دخلت المدام من ناحية الشرق، وسط حراسة من رجال ونساء المنظمة. ثلاثة فقط كانوا غير مقنعين.. المدام في اجمل زينتها، وروجينا وسوسو.

استقبل الجميع المدام بالوقوف، فأشارت لهم بأصبعها بالجلوس، فجلسوا بعد ان جلست. طلبت من روجينا بنظرة من عينيها أن تبدأ الاحتفال، انحنت روجينا امامها وحيّت الحضور، ثم صفقت بيديها، ففتح الباب الغربي.. استدارت ناحية المدام، وطلبت من سوسو أن يتفضل ويحضر المحتفى بها.

أحضر الحراس عفاف وهي معصوبة العينين، ترتدي فستاناً ممزقاً متسخاً، يظهر عورتها، وحول رقبتها حبل مشنقة، يمسك بطرفه أحد الرجال، تقدم سوسو ناحية الرجل، انحنى له انحناءة خفيفة، وأمسك بطرف الحبل وقاد عفاف، كالبهيمة خلفه.. وهي تمشي دون أن تدري الى أين، او دون ان ترى شيئا حولها. كانت خطواتها متعثرة، ويداها تضربان في الهواء بحثا عن الطريق.

أعضاء المنظمة واقفون والضيوف الذين لم يروا احتفالاً كهذا من قبل، كانوا في دهشة من امرهم، ولا يعرفون ماذا سيحدث للمسكينة.

وقف سوسو أمام المدام، فأشارت بطرف اصبعها الى روجينا كي تستلم منه عفاف. انحنى سوسو لروجينا وسلمها طرف الحبل الملتف حول رقبة عفاف. في وحشية وغلاظة شدت روجينا الحبل، فأندفعت عفاف الى الأمام، وكادت ان تقع، لكن روجينا بحنكتها وخبرتها، امسكت بعنقها من الخلف، ومنعتها من السقوط وان كانت قد أجبرتها على السجود امام المدام.. ثم صرخت بصوت عال عبر ميكرفون صغير معلق بفستانها:

- سيدتي، سيدة هذا الكون والاركان الأربعة.. سيدة الشرق حيث مجلسها، وسيدة الغرب حيث موضع قدميها.. وسيدة الشمال حيث يخضع ليدها اليسرى، وسيدة الجنوب حيث يخضع ليدها اليمنى.. أقدم لك سيدتي، خادمتك وعبدتك عفاف، التي اخترت ان يكون اسمها من اليوم وصاعداً فنيسا، لتظهر ولاءها وطاعتها العمياء لك امام الجميع.. وفي هذا الحفل البهيج الذي اضيء بأشراقة طلعتك علينا، ستردد القسم خلفي، كما رددناه جميعاً من قبل، يوم قبلتينا أعضاء بجسدك الجميل النابض بالحياة.

أرخت روجينا قليلاً من قبضة يدها على رقبة عفاف، وطلبت منها ان تردّد خلفها قسم الولاء والطاعة العمياء للمدام وللمنظمة، وأنها لا تتردد في تنفيذ ما تؤمر به دون أسئلة أو رفض، عليها القبول والطاعة والتنفيذ.

ما أن انتهت عفاف من ترديد القسم، حتى تقدمت منها ثلاث نساء من المنظمة، واحدة خلعت العصبة السوداء عن عينيها والثانية ازاحت حبل المشنقة والثالثة مزقت ما تبقى من ثيابها، فبدت عارية أمام الجميع، وبدأت الموسيقى الصاخبة تتعالى في أرجاء القاعة.. والنساء الثلاث يرقصن مع عفاف رقصات جنونية ثم انضمت لهن عضوات المنظمة. الموسيقى تصرخ والأضواء المختلفة الألوان تتراقص.. وفنيسا وسط الدائرة تتلقفها ايدي النساء ويدرن بها كيفما شئن.

فجأة صفقت المدام، فتوقف كل شيء عن الحركة. لا اضاءة ملونة ولا موسيقى ولا رقص مجنون. تطلعت المدام الى الجميع، وحديثها موجه الى فنيسا:

- ابنتي الحبيبة فنيسا، إنه لشرف عظيم لك ان تنضمي الينا وتصبحين واحدة منا. واحدة مميزة ومقربة الَيَ شخصيا. وبما انك اقسمتي على الولاء والطاعة وتنفيذ كل ما يوكل اليك من اوامر نصدرها.. وكما تعرفين ان جزاء من يخوننا الموت.. ها الوقت قد حان لاثبات ما اقسمت عليه.

أشارت المدام بيدها ناحية الشمال، فتح باب، ودخل حراس ممسكين برجل ربطت يداه خلف ظهره، وأعصبت عيناه حتى لا يرى شيئاً، وتابعت القول لفنيسا:

- واحد بيننا خائن، إنسان وثقنا به لكنه خان الثقة، وعليك انت تنفيذ حكم الموت به.. احضروا المجرم الخائن.

دفع الحراس بالمجرم الخائن، حتى اصبح قبالة فنيسا التي لم تعرف من هو ولا ماذا ستفعل.

نزلت المدام الىحيث تقف فنيسا والمتهم، فأفسحوا لها المجال، ثم جاءت روجينا حاملة صينية من الفضة عليها ثلاثة خناجر سلمتها للمدام.. جاء الحراس بطاولة وضعوها قبالة المدام، التي أمرت بكمّ فم المتهم، وتمديده على الطاولة، وتقييد جسده حتى لا يتحرك. ثم تقدمت الى فنيسا وهي تحمل الصينية وقالت لها:

- فنيسا.. الآن وقت امتحانك.. فأما ان تكوني موضع ثقتنا، وإما ان تكوني الى جواره، وأقوم أنا بنفسي بتنفيذ الحكم عليكما.. هذا زوجك الذي جاء بك بريئة ساذجة وأراد استغلالك واستغلالي.. رجل وثقنا به وانتشلناه من الفقر والضياع، وها هو يخونك ويخونني.. وعقوبة الخيانة..

تعالت الأصوات مجلجلة:

- الموت.. الموت.. الموت..

أمسكت المدام احد الخناجر الثلاثة، وقدمته الى فنيسا وهي تقول:

- بهذا الخنجر.. إطعنيه الطعنة الأولى في قلبه..

بيد مرتعشة وعينين زائغتين امسكت عفاف الخنجر وهي لا تدري ماذا تفعل.. شذرتها المدام بنظرات شرسة مهددة، وبدأ الأعضاء يتحركون ويشكلون دائرة صغيرة بدأت تكبر وتكبر حتى احتوت المكان.. والكل يهتف في صوت واحد:

-اقتليه.. اقتليه.. الموت للخائن..

اقتربت روجينا وسوسو من المدام، وقفت هي من جهة وسوسو من الجهة الثانية.. بينما وقف أحد اعضاء المنظمة المقنعين وراء المدام مباشرة، واخرج مسدساً رفعه الى أعلى، وأطلق عياراً نارياً في الفضاء.. فساد صمت مفاجئ.. بسرعة ازاح الرجل قناعه ومثله فعل عدد كبير من النساء والرجال المقنعين، بعد ان اخرج كل واحد منهم مسدسه. ثم توجه رئيس المباحث الواقف خلف المدام نحو روجينا وسوسو وقال لهما:

- شكراً لكما علىمساعدتكما خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة.. لو لم تكن مساعدتكما، ما كنا قد استطعنا ان نختفي بين أعضاء المنظمة.. اما أنت يا مدام فسألقي القبض عليك بنفسي.. لأنك انت الخائنة.. ولا احد غيرك.

طلبت روجينا من احد الحراس احضار ما يستر عري عفاف وزوجها فريد، وهي تنظر الى المدام بعينين دامعتين وتقول:

- سامحيني.. لم أعد احتمل هذا العذاب، انني افضل السجن على هذه الحياة.

بصقت المدام على وجهها ومشت في عزة وكبرياء وسط حراسة الشرطه، التي القت القبض على كل الموجودين. وتم إحالتهم للمحاكمة بعد إثبات إدانتهم، فقد وجدت عند تفتيش القصر على كميات كبيرة من الممنوعات كالمخدرات والمسروقات والاسلحة النارية.

حكم على المدام بالسجن مدى الحياة ومصادرة ممتلكاتها وأموالها، وعلى فريد بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً ولم يكن لديه شيء يمتلكه فقد كان البيت الذي كان يعيش فيه ضمن أملاك المدام.. وحكم على روجينا وسوسو بالسجن لمدة سنتين مع وقف التنفيذ لتعاملهما مع رجال الشرطة ووضع خطة محكمة للتواجد اثناء الاحتفال.

أما عفاف فقد أودعت في مصحة للعلاج من الادمان الذي فُرض عليها..وتم تطليقها من فريد، كما انها حصلت على تعويض مالي كبير نتيجة الاذى الذي لحق بها. وقد خيرت بين البقاء في أستراليا واحضار والدتها واشقائها الثلاثة ، وخاصة وان اباها قد مات.. وبين العودة الى وطنها الأم.. فقررت البقاء.. والرجوع لتسهيل سفر العائلة وإحضارها معها، بعد زيارة قبر الوالد الحبيب.

(تمت).

يُعلن بيت الإبداع العربي عن مسابقة للحصول على نسر الفن العربي في أوكرانيا

الصحفي / رمضان اوراغ
يُواصل بيت الإبداع العربي نشاطه التاريخي في أوكرانيا وَ يُروج لأعماله عبر موقع صحيفة حول أوكرانيا العربية المنبر المُميز وَ أهم نافذة على أوكرانيا من العالمين العربي وَ الإسلامي، وَ كما سبق وَ أن جاء في أهم قنوات الإعلام العربي بأننا منحنا جائزة السنبلة الذهبية العربية للأقلام الحرة للمحلل الفلسطيني الأستاذ مأمون شحادة تقديراً لأعماله البارعة التي وصلتنا وَ قد قُمنا بنشر باقة منها على منبرنا الحر
وَ لكن بيت الإبداع العربي يمضي في نشاطه وَ يُعلن عن مُسابقة نسر الفن العربي في أوكرانيا وَ هي جائزة تقديرية لأهم الأعمال الفنية التي يُقدمها أبناء الجالية العربية في المهجر وَ بوجه الخصوص في أوكرانيا في عدة مجالات: الرسم، النقش، المسرح، الإخراج السينمائي، التمثيل وَ حتى العروض الفنية الأخرى مثل تصميم الأزياء

وَ يُمكن للقارئ أن يرسل لنا إقتراحه بخصوص شخصية عربية مهمة تنشط وَ تُنتج وَ لكن الظروف لم تسمح لنا بإكتشافها وَ لكن رغم ذلك نؤكد بأننا قُمنا بإنتخاب مجموعة من الشخصيات البارعة في مجال الفن وَ سنترك القارئ يحكم بشكل ديمقراطي وَ نزيه عن قدراتها وَ مواهبها وَ إليكم بعض النجوم الفنية الرائعة التي تألقت في أفق بيت الإبداع العربي وَ هي كالتالي: المُخرج جلال اليمني الذي أقام بإنتاج فيلم رائع "المهمة الخاصة" وَ الذي ستبثه قريباً أحد الفضائيات العربية؛ الفنان زُهير محمد راضي الذي أقام عدة معارض فنية بالعاصمة الأوكرانية، المُخرج ماهر بربهان شاب عربي موهوب يعمل في قناة تلفزيونية محلية في كييف، الفنان وَ الرسام جمال بدوان الذي يهتم كثيراً بالقضية الفلسطينية وَ أقام معرضاً ممتازاً مؤخراً ببيت الفنان؛ المُخرج المهند كلثوم وَ هي شخصية معروفة على الساحة وَ قدم أعمالا مهمة في الفن النقدي عبر عدسته التي ترصد كل تحركات العنصر العربي بمدينة خاركوف؛ الفنانة التشكيلية ليلى قادر.

وَ سنُحاول أن نعكس صورة إيحابية للعنصر العربي خلافاً لما يُنشر بمأن الوطن العربي أصبح مصدر قلق بالنسبة لاوروبا بسبب تدفق الهجرة غير الشرعية، وَ قد يُحاول بعض المنابر الإعلامية المحلية غير المُهتم في إعطاء العرب الصورة الموضوعية بإلتقاط صور لشباب يعكفون في الأسواق العامة وَ الآخرين وراء سيخ الشاورما وَ الآخرين يُلتقطون مُتسللين على الحدود وَ حتى أن الآخرين يقبعون في السجون.
وَ لكن في حقيقة الأمر هذه أمور موجودة في كل المُجتمعات وَ هي حتمية حضارية لا يُمكن إستئصالها، وَ لكن للعنصر العربي في أوكرانيا صفحات أخرى نفتخربها، حيث نجد قدرات عقلية وَ إبداعية تُثلج الصدور وَ تُبهر البصر وَ تُحرج الأطراف التي لا تريد مصلحة أوكرانيا لأنّ العمل الدؤوب للمُبدع العربي يرفع بأوكرانيا إلى مقام الدولة الحاضنة للأقليات الفعالة التي لا يستنغني عنها المُجتمع المُتقدم في عصر العولمة

نحن في إنتظار الشخصيات المرموقة على بريدنا الإلكتروني لهيئة التحرير -

nasar_boulicar@hotmail.com


روضوا دموعكم : بقلم الراحلة أمى



ناصر الحايك


مالي أرى الدموع السخية تترنح في العيون ؟؟

مالي أراها تنساب سهوا في جفول ؟؟

مالي أراكم وقد أعياكم الحزن وبتم تعتنقون الهموم ؟؟

مالي أسمع بقايا أنين، ألم يرحب بنعشي نزلاء القبور؟؟

توقف نبض العمر وما الموت إلا مررا للعبور.

ألم تروا إشراقة وجهي قبل الرحيل بقليل، أم هل ساورتكم الظنون؟!

هونوا عليكم ،لا تستمعوا إلى أنشودة الفراق ، فهو أبد الدهر سيطول.

ليتكم تدركون عذرية هذا الفناء، فلا ضغائن ولا خطايا ولا مجون

كفوا عن النحيب فقد تحررت من هيمنة الكفن

روضوا دموعكم فالأرواح الطاهرة لا تحتضر

تريثوا فهي لن تضل طريقها إلى ضفاف الخلود

هونوا عليكم فالبلابل لا تجيد النعيق

لا تدعوا الأزهار تتبرأ من رحيقها

لا تجعلوا نشوة الشوق تبسط نفوذها

اعقدوا هدنة مع ضوضاء أوجاعكم

أوصدوا الأبواب أمام تزاحم وفود آهاتكم

همساتي القادمة من الفردوس ستنوب عنى

انهلوا ما شئتم من ينابيع حبي ، فهي لا تظمأ

تنويه : لا أصف ما كتبته بالشعر ، بل مجرد خواطر وأحاسيس أطلقت لها العنان وحاولت التعبير من خلالها عن مدى جموح حبي واشتياقي وحنيني إلى أمي المغفور لها بإذن ربها الفاضلة السيدة (عفاف أبو رمضان) والتي رحلت عن هذه الدنيا مؤخرا تاركة لوعة لا تنطفئ ولن تخبو شعلتها في قلب كل من عرفها عن كثب وأحبها .

فيينا-النمسا

العفيف تدشن فعاليات الأيام الثقافية السعودية



وسط حضور جماهيري كبير دشنت مؤسسة العفيف الثقافية عصر الاثنين 12 إبريل فعاليات الأيام الثقافية السعودية التي تقام في إطار برنامجها الثقافي للعام الجاري تحت شعار "من أجل حوار ثقافي دائم"..فقد دشنت الأيام التي تستمر حتى الأربعاء بأمسية شعرية أحياها ثلاثة من الشعراء السعوديين الذين قدموا مجموعة من قصائدهم الجديدة والموزعة ما بين العمودي والتفعيلة، وتفاعل معها الجمهور بشكل ملفت للانتباه..حيث قدم الشاعر علي محمد الأمير الذي يعمل مدرساً في جامعة صنعاء قصائد متنوعة ظل يعيد مقاطعها لأكثر من مرة وتنوعت عناوينها بين "معان متفرقة ، المغني، حلفت للشعر، بين الرصافة والجسر، شغاف، أطفأت أسئلتي"، ليقدم بدوره الشاعر الجميل حسين الصميلي مجموعة من قصائده التي هي الأخرى تفاعل معها الجمهور الحاضر وتوزعت عنوينها بين "أثلج فؤادك، فؤاد الشاعر، في ضيافة صنعاء" وهذه الأخيرة نالت حظها من التصفيق الحار، كما قدم الشاعر موسى مروعي قصائد كانت على درجة عالية من الإثارة لأجواء الأمسية حيث ألقى ما يزيد عن خمس قصائد منها "عبس النخيل، أرح جوادك، وبين جازان وصنعاء" والأخيرة كتبها كما قال وهو في طريقه إلى اليمن..الأمسية التي أدارتها الشاعرة اليمنية ميسون الإرياني وطعمتها بالكثير من الآراء الانطباعية حول ما قيل من شعر كانت مفتتح جميل بحسب الحضور لأيام ثقافية تستمر على مدى ثلاثة أيام، وجاءت لتفتح آفاق للتواصل الثقافي والمعرفي بين مثقفي البلدين، كما وللتعرف على ملامح الحركة الثقافية السعودية من خلال هذه النماذج التي قدمت على منصة العفيف

هذا على أن يحاضر الدكتور فيصل بن علي الطميحي في إطار ذات الأيام وفي الرابعة والنصف من عصر الثلاثاء 13 إبريل محاضرة عن "المسكوكات في الدولة الرسولية".

أحمد عبدالرحمن
مسئول البرامج والأنشطة الثقافية



الجمعة، أبريل 09، 2010

الصحوة الدينية وجوهر الأديان

محمد محمد علي جنيدي

إذا ما كان تفسير النهضة هو تحقيق إنجازٍ ما نحو التقدم في كافة مجالات الحياة الإنسانية وبالتالي إحداث تنمية تستطيع أن تنقل مجتمعٍ ما لمصاف الدول المتقدمة أو المضي قدماً للحاق بها- يبقى لنا - أن نسأل ما هو مردود الصحوات الدينية في هذا الاتجاه في مجتمعاتنا!..

فإذا ما رأينا أن جميع إسهامات هذه الصحوات تقريباً قد أدت إلى نتائج غير مرضية وأحياناً عكسية - عرفنا - كيف كان لها تأثيراً بالسلب على الدول والشعوب التي تنشط فيها مثل هذه الصحوات!

ولا يفهم من هذا أبداً وجود قصور ما في دياناتنا السماوية ومبادئها ودعوتها - لا سمح الله - والعكس هو الصحيح،بل المتابع يرى دائما أن مسؤولية فشل هذه الصحوات تقع على عاتق أصحابها اللذين لا يعبرون عن مفاهيم تعاليم أدياننا السماوية تعبيراً سليماً حقيقيا كما أنهم يخفقون دائماً في نقل جوهر وروح هذه الأديان للآخرين - ولو صدقوا لتحقق لهم ما أرادوا!!.



ليوم مولدها الذي لم تولد به بعدُ

د. عدنان الظاهر

( قصة رمزية حقيقية )
هل وُلدتْ حقاً في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني [ نوفمير ] وفي أي عام ميلادي أو هجري ؟ هذا هو السؤال الكبير واللغز المُحيّر . هل وُلدتْ حقاً هذه العنزة المشوّهة المسخ أمْ لم تزلْ تنتظر السقوط من بين رجلي أمهّا ؟ سألني الفنانُ الرائعُ والصديقُ الصدوقُ المُصدَّقُ الحبيبُ هذا السؤالَ البريءَ ظاهراً والذكيّ في حقيقة أمره . ماذا أقولُ وكيف أُجيبُ يا صديق ؟ إني مثلك حائرٌ وفي شكّ قويّ من هذا الأمر العويص المُلتبس . كيف تُنجبُ البشرية مسوخاً والفيلسوف الألماني نيتشة مع الكمال البشري وسواء الخلقة وقوة العقل والجسد ؟ إنه مثل حكماء إسبارطة وحكّامها لا يُطيق الضعف والتشوّه ولا يرحمُ عاجزاً أو مسكيناً . أضاف صاحبي الفنان عاشق الشقاريق السومرية ،أضاف قائلاً : وأزيدك علماً أنَّ الوزير العباسي إبن الزيّات كان يقول إنَّ الرحمةَ ضعفٌ أو خَوَرٌ في الطبيعة البشرية ؟ إستفزني قول إبن الزيات هذا حقّاً حتى أني كفرتُ به وبما قال وبكل عهود بني العباس بدءاً بسفّاحهم وإنتهاءً بالمستسلم الجبان الضعيف الخليفة المستعصم بالله الذي سلّمَ بغداد للغازي المغولي هولاكو فانهارت على يديه وفي زمنه الخلافة العباسية الإسلامية ودار الزمان على بغداد وكل العرب حتى إنتهى أمرهم وأمرنا ـ نحن العراقيين ـ إلى ما نحن فيه الآن من التخلّف والعجز والهوان . إستدرك الصديق المفكّر والفنان قائلاً إنما أنا وضعتُ أمام عينيك ما قال هذا الوزير فإني كما تعلم ضد ما قال وإنه ـ هذا الوزير المتكّبر الشقي في دنياه وآخرته ـ قد خالف فيما قال تعاليم دينه وقرآنه التي تحثُّ المسلمين على الرحمة بالضعفاء والمساكين وأبناء السبيل واليتامى والأرامل وكل مَنْ يستحق العطف والرحمة والمساعدة . هززتُ رأسي موافقاً فإني على علم بما جاء في القرآن من وصايا وحث وحضّ على إتيان الخير ومساعدة الضعفاء والقاصرين والعاجزين وخاصة الأبوين [[ ولا تنهرهما ولا تقلْ لهما أُفّ ]] . ثَقُلَ الموضوع عليَّ قليلاً وخرج بنا عمّا قصدناه . سألت صديقي المفكّر الإنسان الفنّان أنْ يساعدني بالرجوع إلى الموضوع الرئيس الذي شغلني لأكثر من أربعة أشهر شمسية في تعدادها ـ قمرية في طبيعتها ومفعولها وتأثيرها في رأس وعصب متتبعها . قال بأدب جم : أنا حاضرٌ تحت طلبك ، أطلبْ ما تشاءُ ستجدني إنشاءَ الله عند الطلب وحسن ظنّك . ألا ما أروعك يا أيها المُصدَّقُ وما أعلى قدرك عندي وعند الله والناس . ما دمتَ كما عرضتَ فساعدني على تجاوز محنتي مع هذه العنزة الممسوخة شكلاً وجسداً وخلقةً وأخلاقاً . ساعدني في الأقل على محاولة فهمها وتفسير سلوكها الغريب العجيب غير المألوف وغير المسبوق فإني لآراها الشذوذ الأكبر بين أفراد جنسها على وجه الإطلاق . هزَّ صاحبي رأسه بأسى إستنكاري ثم أفصح قائلاً : يبدو أنك لم تتعرف على الكثير من بنات جنسها فإنها ، لعلّمك ، ليست الشذوذ الأكبر إنما هي تمثّلُ الوسط الغالب بين النساء . كيف يا صديقُ ، وضّحْ ؟ لاذ الصديق بالصمت بل وغاب حين يُفتقدُ البدرُ . لمن أتوجّه وبمن ألوذ بمحنتي وأسئلتي ومصابي ، لمن ؟ ما سبب غيبتك الفجائية يا صديقُ وأنت عندي المُصَدّقُ أبداً ؟ أجابت المسخ الممسوخُ بعد صمت مريب ... جاء صوتها أو صدى موائها القططيّ الموبوء المزعوم والمفتعل : دعهُ يغيبُ . إنهُ صديقٌ غيرُ أمين ، لا يُجيدُ فنَّ إسداء النصيحة الخالصة لوجه الله والحقيقة . دعه وشأنه ... إنه فنّانٌ ومفكّرٌ وفيلسوفٌ وأنا لا أرتاحُ ولا أطمئنُ للفلاسفة وآرائهم وخيالاتهم وتهويماتهم وسفسطاتهم ... دعه يمضي لحاله وليدع فلسفته وينصرف لخلق خلطات لونية جديدة غير معروفة ... ذاك أجدى له وأكثر نفعاً من تسطير الحكم والآراء الفلسفية والتنظيرات المُملّة . أضافت المحتالةُ : أنا بطبعي ملولة أكره الأمور الجديّة ولا أطيقها وأميل للخفيف من أمور الحياة ثم أضافت ، هل تعلم ؟ أنا نصف مجنونة ... سبق وأنْ قتلتُ طيراً بريئاً أتاني هديةً مربوطاً بخيط طويل أتدري ما فعلتُ به ؟ ربطته بخيط في نهايته بالون مليء بغاز الهيليوم وصرت أطلقه ليُحلّقَ طليقاً حتى يرتطمَ رأسه بسقف حجرة نومي ثم أسحبه وأعاود الكرّة مرةً تلوَ المرّة حتى نفقَ المسكين ومات بين يديَّ . عاد صديقي الفنان من عالم الغيبة ليقولَ لها محتجّاً بصرامة وغضب يذكّرني بغضب أسود بابل : كيف سوّلت نفسك لك أيتها المسخ اللئيمة قتل طائر جميل بريء ؟ أيتها القاتلةُ القبيحةُ المجرمة ... لو مسكتك لقصفتُ رقبتك ولفصلتُ رأسك النتن المتقيّح عن باقي جسدك الذي لا يرى الماءَ الساخنَ إلاّ مرةً في الشهر القمري الواحد . تظاهرت الكّذابة المحتالةُ النصّابة بالغضب وأرادت الإحتجاج على ما قال صديقي لكني أوقفتها ومنعتها مما كانت تنوي أنْ تقولَ وأنْ تفعل . قلت لها إنَّ صديقي لعلى حق وإني معه في كل ما قال بحّقك وإنه لا ينطقُ عن الهوى وإنْ هو إلا بشرٌ يوحى وهو صادق وهو مُصدّقٌ منزّه عن الكذب والإختلاق . لاذت الدجّالةُ ، التي تجهلُ يوم وعام ميلادها ،لاذت بالصمت المهزوم المُخزي فشَحُبَ وجهها القبيحُ وازداد شحوباً حتى إسوّدَ فامتلآت عيناها الكابيتان بسائل قاتم اللون قريب الطبيعة من القار المصهور أو القطران الذي إستخدمه أجدادنا أعرابُ البوادي في علاج جرب جلود أباعرهم (( وأُفردتُ إفرادَ البعير المُعَبَدّ / لطَرَفة إبن العبد ) . إنها كذلك جرباء حقّاً وحقيقة ... علّقَ الصديقُ الذي غاب واختفى في ظروف غير غامضة . إنْ غاب عنّي صديقي فصوته هيهاتَ هيهاتَ أنْ يغيب :
إنْ غبتَ عنّي فما إنسٌ يؤانسني
وإنْ حضرتَ فكلُّ الناس قد حضرا

كما قال إبن زيدون يخاطب حبيبته ولاّدة بنت المستكفي في بلاد الأندلس .
أيتها القبيحة وجهاً وتربيةً وسلوكاً وطبيعةً ... متى تعترفين أنك شاذّةٌ في كل أمر من أمور حياتك الفانية عاجلاً فالعطب في قلبك قاتلك عمّا قريب عقاباً لك على سوء خلقك وتصرفاتك ومجمل فعالك . متى تعترفين وتعتذرين أم أنك أقبح وأسوأ من أنْ تستطيعي مزاولة ذلك ؟ أتيت الدنيا مسخاً مشوّهاً فعاقبتك وأضافت إلى طبعك الأهوج والأعوج والأعور عيباً خطيراً آخرَ هو الخلل في صمّامات قلبك الذي غدا بذلك ، أو ربما بدونه ، قاب قوسين أو أدنى من التوقف عن ضرب دقّات الحياة الطبيعية المعروفة عدّاً وذبذبةً . رأيتها تمسحُ من بين مآقي عينيها الذئبيتي النظرات قطرات أشدَّ كثافةً واسوداداً من منصَهَر القار الذي يغلي في حوض حَجَريّ منصوب فوق نيران جهنم . أصاب صديقي الفنان الرقيق شيءٌ من الجَزع ورقَّ حاله حاسباً أنَّ العنزة أو الصخلة إياها إنهارت وخارت قواها لفرط ما سمعت من تقريع وتأنيب وسخرية تستحق ما هو أكبر وأكثر منها .
طلب مني بإشارة منه ـ لا يفهمها غيري ـ أنْ أخفف من وقع مصابها وأنْ أكفَّ عن اللوم الشديد والسخرية الممضّة . نكّست العنزةُ الجرباءُ رأسها خزياً ومدارةً لعارها ثم إعترافاً غيرَ مكتوب ولا مقروء ولا مسموع بما إقترفت من جنايات مُخلّة بالشرف إنْ كان فيها أصلاً شيءٌ من الشرف الشخصي أو العائلي والخُلُقي.
يطلب صديقي مني أنْ أخففَ عنها وأنْ أتجاوزَ إساءاتها التي فاقت كلَّ تصوّر وتوقع . يطلب مني أنْ أكفَّ وأنْ أكتفي بما قد قلتُ فيها ولها وأنْ لا أفضحها على نطاق واسع وأنْ لا أخبرَ الأصدقاء بما فعلت وما اقترفت يداها وما سوّلت لها نفسها التي أمرتها بالسوء وركوب طريق الشياطين وقطّاع الطرق وحرامية منتصف الليل . قال أعفُ عنها فالعفو عند المقدرة وأنت القادر المتمكن والعفو من شيم الكرام . رأيتُ أمام عينيَّ شعر أبي الطيّب المتنبي :
كلُّ حلم أتى بغير اقتدار
حُجةٌ لاجيءٌ إليها اللئامُ

جعلني شعرُ المتنبي ألوذ بصمت قاتل مريب ورحتُ أُسائلُ نفسي : تُرى هل أنا حليمٌ وهل أنا أدّعي الإقتدار بل وهل فيَّ شيءٌ من قدرة وحلم ؟ القدرة على ماذا ، القدرة على تحمّل جور الزمان وقبول المعوّج من الأمور والتغاضي عن المنغصّات والمزعجات وتناسي إساءات مَنْ لا يستحقون الحياة ؟ شخُصَ شبح المتنبي أمامي موبّخاً محذّراً يهدرُ صوته كقصف الرعد بين الغيوم :
واحتمالُ الأذى ورؤيةُ جا
نيه غذاءٌ تَذوى به الأجسامُ
لأجلك يا مُصدّقُ الحبيبُ ولأجل عينيك وطائرك الأثير شقراق سومر ... سأسامح هذه المعزاء الجرباء وأغفر لها خطيئتها لكني ـ أعدكَ يا صديق ـ سوف لا وسوف لن أنسى دَنَس خطيئتها وما كشفت من سوء عورتها . سأدعها للحياة وعدالة السماء لتقتصَّ لي منها عساها تتعلم وتتعظ قبل أنْ توافيها المنية وإني لآراها قريبة جداً منها بل وأقرب من حبل الوريد .

خطوات دافئة

فاطمة فناني


قال لي:
سمعتكِ...يا أميرتي...من بعييييد
وصوتُ خطواتك يُدفئني...
يعلو...ويعلو...حينَ تقتربين
وخطواته ...تدنووو... رويداً رويداً
ضمّني...
غمرني بندى عينيه...
بشوق...وحنين
فاستَوطَنَتني..نَظَراتُهَ....
هدهدتني على
هديرِ أمواجِ سحابه...
بنسماتٍ...وتراتيل
ونسجتُ في فضائي غيوماً
حيث داعبت خجلي...
وكبريائي....
فتحدااااني...حبي....
ووقفتُ على حافة الجنون..
ورأيت الجبال معلقة بديول من السماء
ترقص...تتمايل...على دقات
طبولي...ونغم العاشقين ...
والنجوم كقلادةٍ بلورية ....
تسحرُ البدرَ الساطع...المنير...
وسمعتُ القمرَ يدندن اغنيةَ الضياء...
ويعزفُ بأصابعِ النور الدليل ...
على ضفةِ نهره...غنيت...
بعزفِ العود والناي
نغماً...يوقِظُ العواصفَ النائمة...
في سراديب الروح...
والإحساس الدفين...
ففتحنا لشمسنا أبوابا...
بألوانِ الفراشات...
و عطرِ الكاردينيا ...
والنرجس والياسمين...
ثم سبحنا في عالمنا ا الفسيح
وإختلسنا الواقعَ من الخيال...
كأننا في حلمٍ...أو سبات...
لا نستفيقُ منه إلابهمسات...
و مناجاة....
تحتَ دموعِ فرحةِ السماء...
والتماعِ البروقِ...وأضواءِ القناديل
بينَ حدائقِ الأقحوان...
والفلِّ...والخُزامى...
كملكين تحت ظلال النخيل...
في جنان السلسبيل

الخميس، أبريل 08، 2010

ختام أنشطة "١٣ آذار" الثّقافيّة في حيفا




ندوة "محمود درويش في الذّاكرة" وحفل موسيقي

* حيفا - من "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" -

غصّت قاعات "مركز الكرمل" في حيفا، مساء الجمعة الماضي، بالجمهور النوعي والواسع، الحيفاوي بالأساس، ومن الجليل والمثلث أيضًا، حيث شاركت في اختتام التظاهرة الثقافية التي أضفت لونًا ثقافيًا راقيًا وفي الوقت نفسه شعبيًا، على المدينة، مدينة محمود درويش بلا منازع، تظاهرة "١٣ آذار - اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية"، في أماكن عديدة من المدينة، والذي أُقيم على مدى ثمانية أيام، تحت شعار: "سنكون يومًا ما نريد"، وخُتم بالندوة الإختتامية: "محمود درويش في الذّاكرة"، حيث شارك فيها نخبة من الأساتذة والأدباء: د. حسين حمزة - الذي قدّم إضاءة على شعرية درويش، وروفيسور سليمان جبران عن محمود درويش في المرحلة الأخيرة من شعره، والأستاذ فتحي فوراني فتح "شُرفات على الحدائق الخلفيّة"، أمّا الأديب محمد علي طه فتحدث عن محمود درويش - الصديق والشاعر. وتحدّث السيد عبّاس زين الدين من حيفا عن ذكرياته الإجتماعية الحميميّة مع الشاعر في العمل في جريدة "الاتحاد" والحزب الشيوعي.


وكان عريف الأمسية الشّاعر بشير شلش، الذي افتتح الأُمسية بكلمة "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" التي نسّقت وأعدّت وأشرفت على كل النشاطات على مدى أكثر من أُسبوع، قائلاً:

"مرة أخرى تجمعنا فعالية من فعاليات اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية التي ابتدأت فعالياته في حيفا، في يوم ميلاد الشاعر الفلسطيني محمود درويش، في الثالث عشر من آذار، وتحت إشراف "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنية"، والتي تتوزع نشاطاتها على غير مدينة ومكان في الداخل الفلسطيني، تزامنًا مع إحياء هذا اليوم في شتى مناطق وجود الفلسطينيين في بلادهم".


وقال في كلمته الإفتتاحيّة:

"لعلّ أكثر ما يجدرُ بنا فعله، ونحن نحلُّ ضيوفًا على اسم محمود درويش في ذكرى ميلاده، التي أُعلنت يومًا للاحتفاء بالثقافة الوطنية الفلسطينية قاطبة، أن نستذكر المحطّات الأبرز التي ساهمت في خلق هذه التجربة الفلسطينية المتفردة، ذات الحضور والرسوخ غير المتكرر وغير المسبوق في الذّاكرة الجمعية لأبناء شعبه وأُمته، وفي ثقافات العالم الحديثة، بما يساهم في الإضاءَة على حياته وتجربته الأدبيّة المديدة، بمختلف مراحلها ومستويات قراءتها".

 وأضاف: "قيّض لمحمود درويش أن يعيش شاعرًا حتى الرمق الأخير. ورغم نجوميّته غير الاعتيادية ، لم يركن إلى منجزه وتصفيق الجمهور، بل اشتغل بدأب يثير الإعجاب وبالغ التقدير على تطوير مشروعه الشعري، وفتح نوافذ فلسطين على العالم، حتى صارت فلسطين استعارة كونية، وسؤالاً عن جوهر العدالة، واختبارًا جماليًّا وأخلاقيًّا لضمير العالم المُعاصر".


وقال: "ببطء، لكن بثبات، تحوّل اسمُه إلى مرادف لبلاده بشجرها وبشرها وحجرها، في جدل متعدِّد المستويات، بين محطّات حياته الشخصية المفصلية، التي شاءَت الظروف التاريخية أن يجد السواد الأعظم من الفلسطينيين صورتهم في مراياها، وأن يتماهوا مع صوت حكايته الشخصية التي وجدوا فيها صدى لأيامهم وأصواتهم، في لعبة لا تني تتفرّع وتغتني بين العام والخاص، والشخصي والعمومي، والذاتي والوطني في آنٍ معًا".


واختتم كلمته بالقول: "باحتفائنا بمحمود درويش وأدبه، إنما نحتفي بحصّتنا من هواء النّهارات وأشعة الشمس، وحقِّنا الطبيعي في الحرّية والحب وتذوّق الجمال وتقديره، وفي الاحتفاء البسيط، وليس الساذج، بإنسانيتنا التي يحاول عدوّنا أن يسلبنا إياها، ليواصل احتلال بلادنا وترويع أحلامنا".


ثم قدّم أول المتحدثين، بروفيسور سليمان جبران، أُستاذ الأدب العربي في جامعة تل أبيب، وأحد الباحثين الجادين في الأدب العربي الحديث عبر مساهمة متواصلة في غير ميدان مهم، في دراسة الأدب العربي، بالإضافة ربطت البروفيسور جبران علاقة صداقة مع الشاعر تواصلت، بشكل خاص، واستعيدت، بعد عودة الشاعر إلى أُمسية حيفا التاريخيّة عام ٢٠٠٧. وقدم البروفيسور جبران مداخلة حول المرحلة الأخيرة في شعر درويش، وهي المرحلة التي شهدت ولادة الأعمال الأجمل والأنضج في مسيرة الشاعر المديدة. فافتتح كلمته بالقول:


"لا أظنّني مغاليًا إذا قلت إنّ محمود درويش هو أكثر الشعراء العرب، بعد الحرب العالمية الثانية، شهرة وانتشارًا. عوامل كثيرة ومتنوّعة تضافرت في تشكيل هذه المكانة المتميزة للشاعر وشعره، في حياته وبعد وفاته أيضًا. هناك أوّلا موهبة شعرية فذّة تجلّتْ بوضوح حتى في "أشعار الصبا" التي بدأ درويش كتابتها ونشرها، وهو ما يزال على مقاعد المدرسة الثانوية، في أواخر الخمسينات من القرن الماضي. هذه الموهبة، أو "السليقة"، كما يسمّيها هو، كفلت للقصيدة الدرويشية، في مراحلها كلّها، انسيابها في طواعية ويسر، مهما كانت القصيدة راقية ومركّبة".


ثم أضاف إلى أن "العامل الثاني أن درويش، بشعره وحياته، غدا "شاعر فلسطين"، أو "شاعر القضية"، أو "شاعر المقاومة"؛ يذكّر بفلسطين وتذكّر به دائمًًا، سواء رغب الشاعر في هذه "الألقاب" أو رفضها. درويش نفسه شكا غير مرة من تناول شعره "فلسطينيًّا"، دونما التفات إلى الجانب الجمالي فيه؛ كأنّما القضيّة الوطنية هي رافعة هذا الشعر ومدعاة رقيّه وانتشاره. بل إن الشاعر، في أحيان كثيرة، كان "يشاكس" جمهوره رافضًا إلقاء قصائده السياسية المباشرة، تلبية لإلحاح هذا الجمهور، عادة، في الأمسيات الشعرية الحاشدة التي شارك فيها . إلا أن ذلك كلّه لا ينفي طبعًا قيام الإيديولوجيا عاملاً آخر من عوامل تقييم هذا الشعر و انتشاره".

وقال البروفيسور جبران، إلى أن "العامل الأخير، والأهمّ في رأينا، في انتشار هذا الشعر، وفي بلوغه مستوى فنّيًا راقيًا، في الأساس، أنّ درويش واصل خلال نصف قرن وأكثر كتابة الشعر دون انقطاع، وفي خطّ صاعد في مجمله. بل يمكن القول إنه كرّس حياته، فعلاً لا مجازًا، للقراءة المتواصلة المتنوّعة، ولكتابة الشعر، والانطلاق به إلى مناطق جديدة على الدوام. كأنّما ظلّ، على امتداد هذه المسيرة الشعرية الحافلة، يطرح على نفسه السؤال/ الطلب ذاته: ماذا بعد؟ فهو لم يقنع يومًا بالجماهيرية الواسعة التي حقّقها شعره الخطابي المباشر، حتى في المرحلة الأُولى من نتاجه، قبل مغادرته إسرائيل سنة ١٩٧٠، ولا بالمديح يُغدق عليه من قرّائه وناقديه في البلاد وفي العالم العربي، بل واصل دائمًا البحث عن الجديد غير قانع بما أنجز".



ثم قدّم عريف الحفل الأديب محمد علي طه قائلاً: أن محمد علي طه عاش مثل محمود درويش مرارة تهدُّم أمكنة طفولته في عام النكبة، وزامل الشاعر الكبير على مقاعد الدراسة، وظل وفيًّا لصداقة امتدت عدة عقود متواصلة، وهو قبل ذلك، قاص فلسطيني مميّزٌ ومتميّز، أغنى المكتبة العربيّة بعدد وافر من المؤلّفات، إضافة الى كونه أحد كتاب المقالة الساخرة المبرّزين في أدبنا المحلي الذي أغنى الجمهور بذكريات من مقاعد الدراسة ومن الفترة الأخيرة من حياة الشاعر، خاصة بعد "عودته" الجزئيّة إلى البلاد.



ثم قدّم بشير شلش المتحدث التالي الأستاذ فتحي فوراني "مربي أجيال، وعاشق للغة العربية، وجار محمود درويش أيام سكن الشاعر في شارعي عباس والمتنبي، طوال عقد الستينات، وناشط سياسي له حضور وافر في حيفا. ثم قرأ الأستاذ فتحي فوراني مختارات من نصوص متنوّعة، كتبت استذكارًا للفترة التي عاشها محمود درويش في حيفا، واحتفاء بصداقة وجيرة لم تنقطع أواصرهما بالرغم من تبدلات الزمن والمصائر طوال العقود الأربعة الأخيرة".


فيُحدث فتحي فوراني الجمهور عن أول زيارة لفدوى طوقان في حيفا:

"فدوى طوقان..في حيفا!

كان لقاء مثيرًا..صاعدًا من دائرة الحلم!

بعد أشهر من الجرح الحزيراني.. يتصل محمود هاتفيًا.. ويأتي صوته سائلاً:

- ماذا عندك هذه الليلة؟

- لا شيء خاصًا..

- أنت مدعو..

- ما الخبر؟

- عندي هذه الليلة..فدوى!

- ومن فدوى؟

- فدوى طوقان!

- فدوى طوقان؟!!

لم أستطع أن أكبت دهشتي.. فقد كانت فدوى طوقان بالنسبة لجيلنا شاعرة فلسطينية عصيّة على اللقاء.. إنها في ذهننا أُسطورة.. وهي أُخت شاعر فلسطين إبراهيم طوقان.. وحفظنا شعرها غيبًا.. ولا سيما "أعطنا حبًّا".. ونسخنا ديوانها ودواوين شعراء الحداثة: عبد الوهاب البياتي ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ونزار قباني، بقلم الحبر السائل.. وكنّا نستمتع بعملية النسخ.. ونتفنن في كتابة الخط وتزيين الدفتر.. ولم نحلم في حياتنا أن نلتقي بالأُسطورة.. بفدوى طوقان..

هذه الليلة نلتقي مع الأُسطورة!

ويكون لقاء تاريخي مثير.. مع الشاعرة الفلسطينية التي دغدغت وجدان جيل كامل من عشاق الشعر الحديث..".


ثم يأتي دور السيد عباس زين الدين، الذي زامل الشاعر في صحافة الحزب الشيوعي، حيث قدّمه العريف:

"الشهرة ، كما يكتب درويش نفسه، فضيحة الكائن المحروم من الأسرار، ومحمود درويش كان بشكل ما، كائنًا محرومًا من الأسرار، لكنه قبل ان يصبح نجم القصيدة الفلسطينية الأكثر سطوعًا، وبعد، عاش تفاصيل حياته اليومية بكثير من البساطة. الرفيق عباس زين الدين كان واحدًا من الذين عرفوا الشاعر عن قرب أيام مرحلة حيفا في حياته، وأثناء عمله محررًا لمجلة "الجديد" الثقافية". ثم أجاب عبّاس زين الذين على أسئلة من مثل:

- نحن في حيفا ذاتها، حبذا لو حكيت لنا، اين كانت أمكنتكم الأثيرة، في أي الأمكنة والبيوت كنتم تلتقون، ومن كان أبرز أفراد المجموعة التي عاش محمود درويش بقربها ومعها.

و - كيف استطاع محمود درويش، رغم سنوات الإقامة الجبرية المتواصلة، أن يواصل حضوره الاجتماعي أيضًا في المدينة، كيف تحايل وتحايلتم على حبسه المنزلي؟


وكان آخر المتحدّثين - د. حسين حمزة الذي بدأ علاقته بشعر محمود درويش قارئًا متذوقًا للأدب، وأوصله شغفه بشعر محمود درويش إلى كتابة إحدى رسائل الدكتوراة الأكثر جدّية من التي كتبت عن محمود درويش. والذي عرف كذلك الشّاعر عن قرب عبر عشرات اللقاءات والحوارات التي أجراها معه بهدف الإعداد لرسالة الدكتوراة.

وشارك حسين حمزة الجمهور في مداخلته عن مميّزات شعرية محمود درويش في المرحلة الأخيرة من حياته، وهي المرحلة التي شهدت ولادة أجمل أعمال الشّاعر الإبداعية، وأكثرها تميُّزًا ونضجًا وحضورًا في مسيرته الأدبية.



أمّا الجزء الثاني لهذا النشاط المسمّى "يغنون محمود درويش"، فقد أحيته رنا خوري التي غنّت من قصائد محمود درويش: "ريتا" و"أنّ إلى خبز أُمي" - من ألحان مارسيل خليفة و "أنا الطريدة" و "عن لاجئ" من ألحان سعيد مراد (من فرقة "صابرين") وكذلك من "الجدارية" من ألحان حبيب شحادة حنّا - الذي رافق رنا خوري على العود سويّة مع درويش درويش.


وبين شطري الأُمسية، التي ملأ جمهورها كافة قاعات المركز، افتتح في إحدى القاعات، معرض الحلى الفلسطينية من صنع الفنانة هيام روحانا.


وفي القاعات الرئيسية في "مركز الكرمل" أحاط الجمهور معرض صور محمود درويش، الذي هو عبارة عن ٢٣ لوحة مطبوعة بحجم كبير وبجودة عالية ترصد كافة مراحل حياته، والذي أعدّته ونسّقته سهام داوود، منسّقة كافّة برامج الأُسبوع،


عقدت أمسية "محمود درويش في الذّاكرة" بالتعاون بين "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" وصحيفة "الاتحاد"، و"مركز مساواة" و"جمعية التوجيه الدراسي للطلبة العرب" و"المشغل - الجمعيّة العربية للثقافة والفنون - حيفا". حيث قامت مؤسسات "مركز الكرمل" بتجهيز كافة الإستعدادات لاستقبال المشاركين، وقاموا بنصب شاشة تنقل النشاط من القاعة إلى قاعة ثانية، حيث سمع صوت محمود درويش بقراءات من أُمسية حيفا التّاريخيّة، بالإضافة إلى مغناة "أحمد العربي" بصوت مارسيل خليفة وأُميمة الخليل، وموسيقى التونسي أنور ابراهم المستوحاة من نصوص درويش.


يذكر أنه لوحظ حشد كبير من وسائل الإعلام المختلفة: المكتوبة، والإلكترونية، والتلفزيونية، حيث تعد شركة "الأرز" تقريرًا خاصًا عن هذه الفعاليات بطلب من التلفزيون الفلسطيني.


أمّا "معرض أعلام فلسطين" التشكيلي، بريشة الفنان وليد أيّوب - فقد فتحت مكاتب جريدة "الاتحاد" طوال نهار الجمعة ١٩ آذار خصيصًا، لكي يتسنى لأكبر عدد ممكن من الرواد مشاهدته. وكان التلفزيون الفلسطيني أجرى مقابلة مطوّلة مع وليد أيّوب بين ردهات المعرض.


وكانت أُقيمت ليلة الخميس أُمسية ثانية في "آزاد" ضمن نشاطات "١٣ آذار"، حيث حجزت أماكن الدخول مسبقًا فامتلأ المقهى تمامًا، أحيت الأُمسية الفنّانة تيريز سليمان بأشعار ملحنة لدرويش وخلافها، ورافقتها هلا حمدان بعزف على اليتار . وقدّمت أسماء عزايزة قراءات منتقاة لدرويش من "آن لهذه القصيدة أن تنتهي" (قصيدة: موعد مع إميل حبيبي) وكذلك من نصوص "أثر الفراشة".


وأعلنت سهام داوود، منسِّقة البرامج، إلى أن المعرضين، معرض أعلام فلسطين، ومعرض محمود درويش، سيتنقلا بين البلدان والمؤسسات المختلفة، كما أن "لجنة ١٣ آذار للثقافة الوطنيّة" ستقوم بإقامة نشاطات إضافيّة في الشهور القادمة بالتنسيق ومشاركة مؤسسات ونوادي ثقافية في البلدات المختلفة، تحت شعار: "أيّام الثقافة الوطنيّة".




«١٣ آذار للثقافة الوطنيّة» - (اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية / يوم ميلاد محمود درويش)


للتنسيق والإستعلام:

13aazhar@gmail.com

972-050-3667180

972‪-‬050‪-‬5366718

972-04-8222702

مجلّة السّايح الألكترونية للشعر باللغة المحكيّة والزجل

صدر العدد الأول من مجلة السايح من موقع ضيعتنا مرمريتا . مجلة السايح أول مجلة الكترونية لادورية تهتم بالشعر باللغة المحكيّة وبالزجل .
تحمل مجلة السايح إرث الماضي و عبق التراث وتنظر إلى الأمام والأعلى .
*
ترافق القصائد والأعمال الأدبية المنشورة في المجلة مقطوعات موسيقية جميلة وصور فوتوغرافية التقطتها
عدسات شباب وصبايا هواة أحبّوا جمال مرمريتا والوادي ونقلوا لنا لوحات من طبيعة بلاد الشام الخلابة التي تعكس كرم الخالق و عظمة جوده.

المجلة بإشراف الدكتور إياد قحوش ونخبة من الأقلام المبدعة من سوريا ولبنان .
نتمنى أن تستمتعوا بتصفّح العدد الأول ونعدكم بالاجتهاد لتقديم الأفضل دائماً .
شكرا لإدارة موقع ضيعتنا وأهلا بكم في مجلة السايح
هنا رابط المجلة
http://www.dai3tna.com/poetry/index.php