د. شاكر النابلسي
-1-
الحمد لله الذي أصبح الليبرايلون مستهدفين من قبل الجماعات الارهابية في العالم العربي.
الحمد لله الذي أصبح الليبراليون يشكلون خطراً على الجماعات الدينية المعلنة منها والمضمرة.
الحمد لله الذي أصبح الليبراليون علكةً في فم الإعلام العرابي الظلامي يلوك بها ليلاً نهاراً، ولا يفوّت فرصة من الفرص، ولا لقاءاً من اللقاءات، ولا حديثاً من الأحاديث إلا ويأتي بسيرة الليبراليين شتماً وسباً وقذفاً من العيارات الثقيلة.
الحمد لله الذي أصبح الليبراليون مستهدفين من الأنظمة العربية الهشة المتهالكة، التي تحتاج إلى نفخة كنفخة التاسع من نيسان 2003 المجيد لكي تطير كنسيج العنكبوت كما طار من قبل نسيج العنكبوت الصدامي.
الحمد لله الذي أصبح فيه الليبراليون مطلوبين لكل شياطين الأرض في العالم العربي، فتلك هي البداية لمعركة فكرية حقيقية بين الليبرالية العربية والظلامية العربية.
-2-
الحمد لله الذي أصبحت فيه الليبرالية العربية خطاباً حضارياً عربياً له وزنه ومكانته في العالم العربي وخارج العالم العربي.
الحمد لله الذي أصبحت فيه المجلات الفكرية العربية الرزينة تخصص أعداداً خاصة لتنوير الفكر الليبرالي العربي كما فعلت مؤخراً مجلة "حوار العرب" الفكرية الصادرة عن "مؤسسة الفكر العربي" في بيروت. حيث كان عنوان محور العدد رقم 17 ، إبريل (نيسان) 2006 عن الليبرالية العربية. وقد تضمن المحور أبحاثاً كـ "أقلمات الليبرالية وتنويعات الليبراليين" لسعيد منصور الريامي، والذي يقول فيه إن من تحوّل إلى صفوف الليبرالية من بين أوساط المعارضات العربية، إنما تحول إليها كرد فعل على نظام الفكر الواحد والقائد الواحد. وقدم الباحث المهدي عمر قبال، "قراءة نقدية في مأزق الخطاب الليبرالي العربي" قائلاً إنه مع هزيمة الايديولوجية الماركسية ممثلة بسقوط الاتحاد السوفياتي، عادت الروح من جديد إلى الليبرالي العربي الذي انكفأ على نفسه من قشعريرة الاتهامات التي طالته، فراح يبشر بعهد جديد من الديمقراطية. وكتب د. يوسف سلامة بحثاً بعنوان "هل من سبيل للمصالحة بين الإسلام والليبرالية؟" مبيناً أن النقاش لا ينصب على المصدر الذي ينسب إليه الإسلامي قدسية النصوص التي يستنبط منها أفكاره وخياراته، بل ينصب على الشخص الذي نصب نفسه ناطقاً بلسان السلطة الإلهية.
وقدم الناشط السوري الليبرالي أكرم البني "قراءة للظاهرة الليبرالية في المجتمع السوري"، قائلاً أنه لا معنى للحديث عن وجود ليبرالي في مجتمع تسيطر فيه الدولة على النشاط الاقتصادي سيطرة شبه تامة في المشاريع الاستراتيجية والحيوية وفي مجال الاستثمار.
-3-
الحمد لله الذي أصبح الفكر الليبرالية فكراً يناقش على مستوى الأكاديميا العربية الموضوعية، ويشترك في نقاش هذا الفكر كبار الباحثين والأكاديميين العرب، كما فعلت جامعة القاهرة مؤخراً في ندوة "الديمقراطية والاصلاح السياسي في الوطن العربي.. نحو رؤية عربية"، وكما قامت د. أميمة مصطفى عبود ببحثها الأكاديمي الرزين بعنوان "مفهوم الإصلاح السياسي في بعض نصوص الخطاب الليبرالي العربي الجديد". والذي قالت فيه:
" بعيدا عن الجدل والنقاش الدائر حول أسباب وتفسيرات ملائمة أو عدم ملائمة أو حتى وجود تناقض بين الليبرالية والثقافة العربية الإسلامية من عدمه، نجد أن هناك توجه واضح وظاهر ولا يمكن إنكاره نحو إحياء الليبرالية في البلدان العربية. وقد بدأت إرهاصات هذا التوجه في عام 1983 باجتماع عقد في قبرص لمناقشة أزمة الديمقراطية في العالم العربي وقد ضم عدد كبير من المفكرين العرب، وعلى إثر القرارات التي تم اتخاذها في هذا الاجتماع تأسست في القاهرة منظمة عربية لحقوق الإنسان والتزمت منظمات أخرى تأسست قبل اجتماع قبرص وبعده إما بنشر الفكر الليبرالي أو بممارسة العمل السياسي الذي يرمي إلى تشجيع القضية الليبرالية في العالم العربي.
وتأكدت هذه العودة القوية للتيار الليبرالي إلى العالم العربي في عقد التسعينيات من القرن العشرين من خلال عدة مظاهر من أهمها تأسيس جمعية النداء الجديد في مصر في مطلع التسعينيات، ثم إصدار المسودة الأولى لمانيفستو الليبراليين العرب الجدد بعد 11 سبتمبر 2001 والتي لخصها شاكر النابلسي في 25 مبدأ، وقد بين أن هذا الجيل الجديد من الليبراليين هم امتداد لأفكار التنوير التي جاءت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
وقد وصف البعض عودة التيار الليبرالي العربي الجديد باعتبارها واحدة من المحطات الرئيسية في استقبال وتطور الأفكار الليبرالية في الوطن العربي، والتي بدأت بالطهطاوي وجهوده في تقديم أهم مفاهيم الفكر الليبرالي في كتابيه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" والذي صدر عام 1834 و"مناهج الألباب في مناهج الآداب العصرية" والذي صدر عام 1869 كما قام بترجمة الدستور لفرنسي لعام 1814. أما الوقفة الأخرى جاءت مع خيرالدين التونسي والذي أصدر كتابه الشهير "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" في 1867. ثم جاء جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، وحاولوا إقامة جسور بين مبادئ الدين وما أتى به العالم الحديث من أفكار. وجاء بعدهم عدد من أبرز علامات الفكر الليبرالي العربي وهم أحمد لطفي السيد، وطه حسين، ومحمد حسين هيكل، وبطرس البستاني، وقاسم أمين، وسلامة موسى، وفرح أنطون، وجميل صدقي الزهاوي، وتوفيق الحكيم، ولويس عوض، وزكي نجيب محمود... وغيرهم.
-4-
نعم هؤلاء هم الليبراليون العرب الجدد، المطلوبة رؤوسهم اليوم من قبل الارهابيين العرب ليس من قِبل الجماعات الدينية الأصولية المسلحة فقط، ولكن من قِبل الإعلام الظلامي العربي، ومن قِبل أجهزة المخابرات العربية وأجهزة الأمن العربية، التي تلبس أحياناً مسوح الجماعات الدينية الأصولية، وتصدر الفتاوى باسم جماعات شبحية مجهولة لا وجود لها على أرض الواقع، ومن قِبل الرعاع في الشارع العربي، ومن قِبل الحالمين باعادة نظام صدام حسين إلى العراق، ومن قِبل أعداء الحداثة والعولمة واصلاح المناهج الدراسية العربية والحلول السلمية للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
نعم هؤلاء هم المطلوب جزَّ رؤوسهم غداً أو بعد غد، كما سبق أن جُزّت رؤوس كثيرين غيرهم من الليبراليين في الماضي والحاضر العربي: فرج فودة، حسين مروة، مهدي عامل، المهدي بن بركة، رضا هلال ، سمير قصير، جبران تويني، ، وقائمة طويلة من المثقفين والمفكرين.
-5-
الليبراليون العرب الجدد الآن أصبحوا مطلوبين Wanted أياً كانت الجهة التي تطلبهم، سواء كانت جماعة أصولية ارهابية مسلحة حقيقية، أو مخابرات عربية تعمل تحت اسم هذه الجماعة أو تلك، لأنها تعتبر أن ما قام به قسم من هؤلاء الليبراليين بالاشتراك في مؤتمرات مناصرة الأقليات والدفاع عن حقوق الأقليات في العالم العربي تهديد واضح وصريح للنظام السياسي الهش والمتهاوي.
والليبراليون العرب الجدد أصبحوا مطلوبين للإعلام الظلامي العربي بتسفيههم وشتمهم والصاق تهم العمالة للاستعمار الجديد بهم كما فعل الظلاميون مع طه حسين وجيله الليبرالي التنويري حين رموه بالعمالة للمخابرات الفرنسية والصهيونية.
ولكن الليبراليين سائرون.. ويتقدمون.. ولن يتوقفوا.. ولن يعلنوا التوبة.. ولن يقولوا سمعاً وطاعة فالرسالة وصلت!
فالتاريخ العربي أمانة في أعناقهم، وهم لن يخونوا هذا التاريخ.
والأغلبية الصامتة هم جمهورهم، ولن يخذلوا هذا الجمهور.
والثقافة العربية خطابهم، وهم لن يزوّروا هذه الثقافة.
Shakerfa@Comcast.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق