الأربعاء، أبريل 05، 2006

المرتد عبد الرحمن الأفغاني



إيمان القحطاني*

ظل المسلمون ينددون بالحملات التبشيرية التنصيرية في المناطق الأفريقية الفقيرة رغم أن المراكز الإسلامية الدعوية منتشرة في ذات الأماكن والتي أغلق البعض منها بتهمة استغلال التبرعات الخيرية في تمويل الإرهاب بالطبع تلك ليست القضية التي سأطرحها في هذا المقال إنما هي مدخل لذلك التناقض الذي يعيشه المسلمون داخل أنفسهم في صراع ديني- طائفي دائم لنشر الدين الإسلامي السني في كل بقاع الأرض حالهم حال أي طائفة أخرى إلا أنهم المتفردون في فرض ذلك الدين على الآخرين.

لم يخلُ تقرير حقوقي إلا وانتقد وضع الحريات الدينية في بعض مناطق العالم الإسلامي كالسعودية وارتيريا وإيران وباكستان. فالتضييق مستمر على الطوائف المختلفة كالشيعة في السعودية وأعضاء المجموعات الإنجيلية الإحيائية المستقلة، والكنيسة الأرثوذكسية في ارتيريا والتي لا تعد من المجموعات الدينية المعترف بها في البلاد والمسلمون السُنّة، والبهائيون واليهود، والمسيحيون والذين يشكلون أقلية في إيران. أما في باكستان فيواجه الشيعة والهندوس والمسيحيون أنوع القهر الديني مع إرغامهم على اعتناق الإسلام بالقوة.

وما القضية الأخيرة التي أثيرت حول اعتناق عبد الرحمن الأفغاني المسيحية إلا شاهد على الوضع المتردي الذي وصل إليه المسلمون في اغتصاب حق الآخرين في التعبير عن حقهم في اعتناق الأفكار والأديان التي يرونها اقرب إلى أرواحهم من أي ديانة أخرى، قضية عبد الرحمن ما هي إلا جزء بسيط مما تعانيه طوائف أخرى في مناطق مختلفة، ويأتي ذلك جراء القمع السياسي وغياب الحريات الدينية وعدم الاعتراف بالفردية أي بالأفراد وحقهم في الاختيار.

قصة عبد الرحمن لمن لا يعرفها هي اعتناقه المسيحية وتراجعه عن الديانة الإسلامية وهو حق شرعي إن كنا سنتحدث انطلاقا من مبدأ الدين الإسلامي الذي يضمن لأي فرد حق اعتناق الديانة التي يريد حيث جاء في القران "لكم دينكم ولي دين" لكن عبد الرحمن لم يسلم من تدخل عائلته في قراره حيث رفعوا ضده قضية ادخل على إثرها السجن ولولا تفاعل العالم الغربي الحر مع قضيته لكان الآن يواجه تهمة الردة التي يواجه متهموها عقوبة القتل؟!

إن الضغوط الدولية على أفغانستان التي مازالت تتلقى المساعدات المالية من الولايات المتحدة ساهمت في عتق رقبة المسكين الذي لم يرتكب جريمة إنسانية.خرج عبد الرحمن من السجن الثلاثاء الماضي بعد أن تملصت الحكومة الأفغانية من التهم وادعت أن عبد الرحمن يعاني من اضطراب عقلي، ضحكت كثيرا لهذا المبرر الذي تستخدمه الحكومات الدينية الشمولية حين تتملص من قضية ما كما حدث مع احد الأشخاص الذي تم الاعتداء عليه من قبل الشرطة الدينية في السعودية ولكنه لم يستطع الحصول على حقه حيث لا وجود لمؤسسات المجتمع المدني التي تقف حائلا بين الدولة و مواطنيها في حالات التظلم اختصارا للقصة فقد قام الرجل بمحاولة الانتحار في محاولة يائسة منه للفت الأنظار إليه وذلك في مكان عام في مدينة الرياض وبعد نشر إحدى الصحف لقضيته ثارت الهيئة الدينية ضده وضد تلك الصحيفة ما أدى إلى تدخل جهة حكومية التي حققت مع الرجل ومع رئيس تحرير الصحيفة وخرجت ببيان نشرته جميع الصحف تزعم فيه على حد قولها أن الرجل مختل عقليا!

وعودا على قضية عبد الرحمن فهل يعقل أن يتفوه مضطرب عقلي بحديث متزن كما جاء في حديثه مع صحيفة إيطالية حيث قال "لم أفعل ما يمكن أن أندم عليه.. أنا احترم القانون الأفغاني واحترم الإسلام. ولكني اخترت أن أكون مسيحيا لنفسي ولروحي.. إنها ليست جريمة".وقال عندما سئل ما إذا كان يمكن أن يسافر إلى الخارج "ربما ولكن إذا فررت فان ذلك يعني أن بلادي لم تتغير. سيعني ذلك أنهم فازوا.. أعداؤنا. فبدون حقوق الإنسان وبدون احترام لكل الديانات تكون طالبان فازت".
ورغم أن الدستور الأفغاني، الذي تمت المصادقة عليه في وقت لاحق يساعد، على ضمان الحرية الدينية والحقوق المتساوية للنساء والأقليات التي كانت مقيدة بصرامة أيام نظام الطالبان. فالمادة السابعة من الدستور تلزم الدولة بان تتقيد بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المعاهدات والاتفاقيات الأخرى التي تُشارك فيها البلاد؛ وتشمل تلك الوثائق الحماية القوية للحرية الدينية.إلا أن دولا كثيرة لا تتقيد بمثل تلك الاتفاقيات والمواثيق الدولية حيث تسيطر المؤسسات والجماعات الدينية المتطرفة على الحالة الاجتماعية وأحيانا السياسية والتعليمية للأفراد وان خرج احد عن تلك الحالة من الهوس الديني القهري اتهم بالردة وحكم عليه بالإعدام.

ما حقيقة الردة في الإسلام؟ هل لها وجود في تاريخ النبي محمد أو في القران المقدس للمسلمين؟ الواقع الذي يعترف به القران نفسه لا!! إذا ما حاجة القران لإقرار آيات كثيرة تؤكد على حرية الاعتقاد؟ أم أنها نتاج تفسيرات واجتهادات شخصية لعلماء دين قاموا بتشويه دين أصبح ينظر إليه العالم على انه دين القتل وسفك الدماء والإرهاب !
يقول الكاتب محمد إدلبي في كتابه "قتل المرتد.. الجريمة التي حرمها الإسلام"،" أن القران الكريم صرح بشكل عام "لا إكراه في الدين" والإكراه ليس ضروريا وذلك لأنه "قد تبين الرشد من الغي" وليس ثمة احتمال للخلط بين الاثنين. إن هذا الإعلان يبدو في ظاهره غريبا وغير عادي. فمن ناحية نجد انه كانت هنالك سلطة اعتباطية عاكفة بحماس محموم على سحق وإبادة مجموعة من الناس بكل الوسائل الممكنة بدعوى أنهم مرتدون. ولكن عندما حصلت هذه المجموعة من "المرتدين" (يقصد المسلمين في نظر قريش قبل فتح مكة) على القوة والسلطان نجد أن القران الكريم يعلم هؤلاء المؤمنين حكم الله الحق انه "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها". مؤكدا أن هذا الإعلان القرآني جاء في سورة البقرة والتي أنزلت في السنتين أو الثلاث سنوات الأولى بعد وصول النبي محمد إلى المدينة، وهي المكان الذي لم يكن المسلمون فيه فقط أحرارا من الاضطهاد ولكن كانوا قد حصلوا أيضا على القوة. ويتساءل إدلبي "كيف يمكن أن يكون هناك إعلان للسلام أكثر إنسانية وكرما وهو يصدر عن نبي كان فقط لسنة أو سنتين خلتا يعاني من الاضطهاد الظالم بسبب انه قد بدل دينه".؟

يسوق الكاتب أدلة قرآنية تثبت إقرار الدين الإسلامي لحرية المعتقد "وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" سورة الكهف. أما في سورة الزمر فيأمر الله تعالى الرسول محمد أن يخبر الكافرين "قل اعبد الله مخلصا له ديني، فاعبدوا انتم ما شئتم من دونه" أما في سورة يونس فيخاطب الله الرسول من خلال طرح سؤال مبين" ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".

لم يقف الكاتب إدلبي في كتابه عند استحضار الأدلة القطعية التي تؤكد على حرية الاعتقاد بل تطرق لعلماء مسلمين كأبي الأعلى المودودي والدكتور سعيد رمضان البوطي وأرائهم المتشددة في حكم الردة ومسبباتها المختلفة من وجهة نظرهم.
إذا، لا وجود لحكم القتل ضد مرتد عن الدين الإسلامي إنما هو اختراع جديد أتحفنا به أصحاب النظرية الواحدة الذين يكفرون كل من اختلف معهم في الرأي،لا عجب إذا أن نشهد عمليات قتل وتدمير كتلك التي طالت برجي التجارة وقطارات لندن ومدريد !

لست هنا في صدد الدفاع عن الأديان إنما لتجلية حقيقة الخديعة الكبرى التي يعيشها المسلمون. فكم من ضحية وكم من روح سفكت دمائها باسم الدين وكم من نفس بشرية تم التضييق عليها بسبب أفكارها وتوجهاتها!؟ هنالك ما يشبه الحصار المحكم ضد الفكر المستنير وضد الآراء المتعددة التي لن ينتج عنها سوى إثراء الفكر الإنساني والتقدم والحضارة التي يبعد عنها المسلمون اليوم بمليون سنة ضوئية.
faith2020@hotmail.com

كاتبة سعودية

ليست هناك تعليقات: