الأربعاء، أبريل 05، 2006

التطرف .... محنة العقل الأولى



طالب المولي

تبقى وحدها الشعارات تتحدث عن ثقافة تلك الأمة ، والشعارات وحدها تتحدث عن تدني المستوى الحضاري لأمة تفتخر بأمجاد الموتى ولا تفتخر بأمجاد وعلوم الذين أبقوها حية حتى الآن .
أمة ترتفع أصواتها وأعناقها عند المجازر والقتل وتطالب بإنزال الحق الشرعي بحق القتلة والمحتلين الذين يريدون سلب ديننا وثقافتنا وخنق حرياتنا . ولا أعلم متى كانت تلك الحرية ممنوحة لنا حتى تمنع فمنذ العصور الأولى لدولة الإسلام والمسلمون يعيشون في حالة من الذعر والخوف في ظل أنظمة استبدادية قهرت فيها إنسانية الإنسان وحولته إلى دمية يحركها رجال الدين في بلاط الحكم لضمان بقائهم .
وتبقى تجارة الشعارات والملصقات واللافتات التي تملأ أسطح المنازل وعلى زجاج السيارات ، هي الوسيلة المريحة لإظهار الانتماء الديني دون عناء وسائل الإقناع الحضارية ، ويحاولون التخفي أو إخفاء هزائمهم الأصولية المتطرفة والتي بدأت تتكشف مع الحروب الطائفية والأهلية و أمام منجزات العصر التكنولوجية الحديثة . وتحاول جاهدة أن تجد لها مخرجا من حالة التقهقر الثقافي والسياسي إلى السعي وراء الطائفية والقبلية والعنصرية بعد أن فشلت الدولة في إيجاد المناخ الصحي لمواطنيها .
إن حالة التطرف والتعصب الطائفي التي تعيشها أغلب المجتمعات الإسلامية والعربية هي حالة من ذوبان العقل وإلغاء دوره والتمسك برأي الطائفة التي ينتمي إليها المتعصب ولا يجد ذاته إلا بوجوده مع تلك الجماعة ، وإن تلك الجماعات لا تستطيع أن تستمر لولا قيامها بإلغاء العقل وهدم الشخصية لأفرادها الذين استمرؤوا على الخنوع والانقياد دون عناء السؤال عن السبب وراء هذا التناحر ومن أجل ماذا ؟؟؟؟ .
التطرف الديني من أسوء أنواع التعصب الذي نواجهه ويواجهه العالم بحيث يتحول الفكر الديني للمذاهب إلى أيدلوجية دينية سياسية غير قابلة للتغيير بل ويسعى المنتمين إليها لإلغاء الآخر للحفاظ على الكيان الوهمي لتلك المذاهب من الآخر المختلف ، ويجهلون أن العقل البشري لا يتعامل مع الحتميات والحقائق الثابتة في الفكر بل يتعامل مع متغيرات الحياة الثقافية في كل عصر وتتغير تلك الثقافة تبعا للزمان والمكان والبيئة .
ولعل الحرب الطائفية والدينية (الأهلية) في لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الماضي أبلغ جواب على مساوئ تلك الأحزاب الدينية المتطرفة التي استخدمت لغة التطرف سلاحا بديلا عن لغة العقل والمنطق والحكمة ، وبل تجاوز التحزب الديني والطائفي إلى اقتتال داخلي بين حزب الله وحركة أمل وهما من طائفة واحدة وحتى تدهورت حالة لبنان إلى يومنا هذا نتيجة أيدلوجية ولاية الفقيه لحزب الله أو لغة المصالح الطائفية أو التبعية لسوريا بالنسبة لحركة أمل .
ويتساءل الدكتور فؤاد زكريا في كتابه ( التفكير العلمي ) عن سبب انتشار التعصب ولماذا يخرج علينا بين الحين والآخر ونحن في القرن الواحد والعشرين ؟ فيقول :
" لأن التعصب يمثل حاجة لدى الإنسان إلى رأي يحتمي به ، ويعفي نفسه من التفكير في ظله ، والحماية هنا متبادلة : فالرأي الذي نتعصب له يحمينا ، لأنه يؤدي إلى نوع من الهدوء أو الاستقرار النفسي ويضع حدا لتلك المعركة القلقة حين نستخدم عقولنا بطريقة نقدية "
فخطاب التطرف الديني هو خطاب شعبوي جماهيري يتلاعب بغرائز البسطاء السذج ويثير عواطفها الانفعالية وهو خطابٌ خالٍ من العقلانية أو الموضوعية ، فنجد أن الشعارات التي يطرحها المتطرفون شعارات بسيطة وتافهة لا تستهوي العقلانيون والعقل بل هي سلعة رائجة للعقل الشعبوي الجماهيري .
وبهذا استطاع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أن يكسب شعبية الشارع العربي القومي والإسلامي بمجموعة من الشعارات ( توزيع الثروة والفقراء ضد الأغنياء ) على حد قول الدكتور تركي الحمد في كتابه ( السياسة بين الحلال والحرام )
وبتلك الشعارات يتناسى الشارع العربي والإسلامي – عدا المتضررين - المجازر الذي أرتكبها النظام البعثي بحق شعبه وشعب الكويت وإيران بمجرد رفع تلك الشعارات الجوفاء ، وحمله للقرآن في أثناء محاكمته كافية لتغيير صورته الشيطانية إلى صورة ملائكية لدى العالمين العربي والإسلامي .
وأي محاولة للتغيير يجب أن تكون نابعة من حاجة المجتمع إلى تحسين حالتها المتردية في ظل الأنظمة الاستبدادية التي استطاعت تشويه صورة المفكرين والتنويريين بأنهم مجموعة من المتأمركين الذين يريدون طمس الهوية العربية والإسلامية وتغيير ملامحها بملامح غربية .
وبهذا يعاني المفكر في مجتمعاتنا من حالة إلغاء وتصفية جسدية أو التفريق بينه وبين زوجه بدعوى الردة إذا ما حاول الوصول إلى العقل الشعبي وتمكينه من أدوات النقد لتحريره من التبعية وتحرير عقله من الخرافة والأسطورة التي ظلت عالقة بذهنه عن أوهام السلاح هو الخيار البديل لنشر رسالة الدين .
إذن فالحل هو الحرب كما يقول الكاتب صلاح الساير في مقاله والتي نشرته مجلة العربي ( دعوة لجلد الذات العربية .. نسقط أو تسقط ) :
" حرب تحرر العقل من عقاله. وتؤسس للمدرسة دورها المطلوب, وتؤسس للفن والرياضة والسياسة والاجتماع وكل مناحي الحياة أدوارا كانت مفقودة, ومبعثرة وشائهة, لا ملامح واضحة لديها. حرب تعيد الأمور إلى نصابها, والمياه إلى مجاريها, وتعيد للمنطوق منطقه الغائب المغيب ".
كاتب كويتي
Almole110@kwtanweer.com

ليست هناك تعليقات: