الثلاثاء، يوليو 25، 2006

القنفذ



حسن عبد الرزاق
لان في داره زوجة ذات فراش ناري الذ من فاكهة الجنة .. فان عاتي يقطع يوم عمله الممتد من السادسة صباحا حتى الخامسة عصرا غير مبال بالتعب المضني الذي يجلبه بيع الخضار في سوق مكشوفة السقف.
ورغم إن اولاد الزنا.. رفاق مهنته .. جعلوه منذ ثماني سنوات قنفذا لكون قامته القصيرة المنحنية إلى الأمام ، وشعر رأسه (النكرو) الكثيف ، وهزالة بدنه أهلته لهذا اللقب.. فانه تحمل ثقل تلك الصفة على مضض لكي لاتذهب به الخصومة ولو لليلة واحدة إلى مركز الشرطة الذي لاتحتوي افرشته على جسد زوجته حياة.
في ظهيرة أحد الأيام .. وهو يمارس الهرب من إزعاج السوق إلى خياله الخاص ، ثار الرصاص ولعلع صوته في كل أرجاء المدينة ، معلنا عن معركة مفاجئة مع المحتلين الأمريكان سوف تستمر لبضعة أيام ، فتناثر الكل راكضين صوب بيوتهم وكان من بين أوائلهم القنفذ عاتي.
كانت روحه تهتز في أنحاء بدنه بسبب الأزيز، وشبح الموت يتخاطف باستهتار أمام عينيه .. لكنه وهو في لحظة جنون المعركة تلك لم يكن خائفا إلا على سرير الليل.. ونار حياة .. التي لو أطفأتها طلقة ما فسوف لم يستحم بلذتها حتى لو نامت تحت لحافه ألف امرأة أخرى سواها .
حافظ على نفسه :خبأها في بعض الزوايا .. وخلف بعض الجدران الآمنة ..وفي مداخل بعض البيوت المظلله ..وعندما وصل باب داره اخيرا زعق قبل استرداد انفاسه بقوة :((حياة))وما فعل ذلك إلا ليتاكد هل إن شجرة فاكهته اصابها العطب أم لا؟
لم ترد حياة على ندائه الملهوف ذلك .. فهرع إلى الأمل فورا .. وقال :- إن الازيز اغلق سمعها بالتاكيد .ونادى ثانية ..وثالثة .. وحيث الظروف لم تكن تسمح له بالوقوف من اجل نداء آخر فقد تذكر إن في جيبه مفتاحا للباب وانه صاحب هذه الدار ولاداعي لانتظار احد حتى يفتحها.
في داخل داره الشرقية .. وعدى صوت الرصاص العنيف .. لم يجد سوى صمت مخيف يطبق على كل جزء .. ولان حياة لم يكن في رحمها بيوض تساعدها على الإنجاب فلنا إن نتخلص من الانشغال بقلقه على أطفاله ونركز بانشغاله على زوجته فقط .
لقد وصل عاتي القنفذ في تلك اللحظات إلى حافة الموت من فرط القلق الذي انتابه عليها .. ولولا صوت الرجاء الواهي الذي طل في ظلام رأسه بتلك اللحظات وهمس له :(( ربما جرحت فقط ولاتستطيع الكلام)) لما استطاعت ساقاه ولاالادعية السريعة المتضرعة لله ثم لكل الانبياء والاولياء من حمله إلى غرفة نومها التي لاتبعد سوى ثلاثة امتار عن العتبة الداخلية للباب.
انها المعارك العشوائية .. والموت فيها جائز ..ومجاني .. وغير مثير ..ولا احد يحاسب عليه لان الرصاصة ليس لها اسم أو عنوان .. الرصاصة مجهولة .. والقاتل مجهول ايضا .. وحين يحرم عاتي من فاكهة حياته إلى الابد سيكون القضاء والقدر هما المتهمان فقط.
ياعاتي الأشعث .. يامن امتلكت جسد أنثى تتحسر عليه كل فحولة في المدينة .. لاحل لمشكلتك الآن سوى الطلقة .. فخذ الطلقة ومت إلى الأبد .. وليخلو هذا البيت من المنغصات .
طلقة واحدة فقط استلمها القنفذ ثم مات ..والقنافذ كائنات ضعيفة تقتلها الرصاصة بسرعة.
ولم يكن من رمى تلك الطلقة هو عاتي نفسه بعدما وجد إن زوجته ميتة ولابد من الانتحار .. أو رماها أحد المتحاربين بشراسة عمياء ..لا أبدا.. وانما الذي أطلقها هو ( جعفر السائق) جاره الملاصق لبيته .. الجار الذي قفز توا من أعماق غرفة نوم عاتي هاربا بملابسه الداخلية إلى سياج داره .. تاركا حياة المحترقة على الفراش تستر بالكاد عريها ومنشغلة بتجهيز عذر ما لزوجها .. الذي (اقسم بالله العظيم نيابة عنه ) سوف يقتنع بذلك العذر مادام قد وجدها حية ولن يفكر بأمر ملابس جعفر التي بقيت هناك إطلاقا.
دروب

ليست هناك تعليقات: