الثلاثاء، يوليو 18، 2006

من مظاهرات صدام إلى لبنان




عبد الرحمن الراشد

اتصلت تقول انها لا تزال موجودة في بيروت، سألتها الا تعتقدين ان الأسلم ان تلحقي بقوافل المغادرين، فالمعركة قد تكون في بدايتها ولا أحد بمنأى عن الخطر ولبنان كما وصفه رئيس وزرائه بلد منكوب. ردت قائلة لا. فهي تشعر بالخطر لكنها أيضا تشعر بمشاعر اهل البلد المحاصر وواجبها ان تكون بينهم وأن هذا هو الوقت الذي نقف فيه موقفا يعبر عن رأينا.
نصحتها بان تكف عن سماع الذين يحرضون على المواقف الشجاعة. فالمحرضون على الحرب هم في حقيقة الأمر يتحدثون من بيوتهم البعيدة في القاهرة ولندن وطهران وعمان. هؤلاء يتحدثون بشجاعة على بعد آلاف الأميال غير مبالين بالدمار الذي يعاني منه كل اللبنانيين.
الحقيقة ان الكثير من العرب في حماس دائم عندما تكون المعارك بعيدة عن بيوتهم وأطفالهم يتابعونها بالريموت كونترول. والحقيقة الغائبة عادة هي مشاعر الضحايا الذين لا تظهر سوى اصوات تعبر عنهم.
ما يقال اليوم من مديح وثناء لحزب الله قيل من قبله لصدام حسين الذي وجد نفسه في زاوية محاصرا بعد كل بيانات الشجاعة والتحدي والصمود والمظاهرات التي جابت القاهرة وعمان والدار البيضاء والجزائر وغيرها. اخيرا راح صدام ونسيه المتظاهرون الذين خرجوا للهتاف لضحية جديدة.
والأمر خالطه النفاق الى درجة كانت الحكومات تسير مظاهرات شعبية يشارك فيها وزراؤها وزوجاتهم في استعراض سياسي واضح. الحياة لم تتغير كثيرا في الأزمات العربية بل تتكرر في صور مستنسخة عن بعضها من مظاهرات صدام الى مظاهرات لبنان وبيانات التأييد الكلامية وصراخ المحرضين من وراء البحر.
وسبق ان برره احد الكتاب بان ما يحدث هو جزء من التعبئة العامة وعلينا ان ننضم الى جوقة المحرضين او ان نسكت حتى لا نثبط همم المقاتلين. هل يعقل ان يفرض على الناس حربا لا كلمة لهم فيها، ولا للحكومة قرار فيها، ولا للآخرين فيها أيضا رأي وفي نفس الوقت مطلوب منهم ان يقولوا نعم او يسكتوا. حتى في اسرائيل، البلد الذي قال انه في حال تعبئة عامة للحرب، يسمح للمظاهرات ضد الحكومة كما قامت حركة السلام الآن التي تظاهرت ونددت بالعدوان الاسرائيلي وطالبت حكومة اولمرت بالكف عن الحرب واللجوء للتفاوض.
وما يحزننا جميعا ليست المواقف السياسية بل آلام الناس ومآسيهم، الذين يهيمون على وجوههم في بيروت هاربين لاجئين، والخائفون القلقون في كل شبر من هذا البلد المنكوب. اما الذين يصرخون داعين الى الحرب من لندن والدوحة والقاهرة وغيرها من عواصم الشجاعة الكلامية فان تاريخ صراخهم وتحريضهم نرى نتائجه في العراق المدمر، ولبنان المدمر، وعسى الا نرى غدا سورية مدمرة.

* نقلا عن صحيفة " الشرق الأوسط" اللندنية

ليست هناك تعليقات: