الثلاثاء، يوليو 11، 2006

قدم ميّ شدياق تطأ أرض لبنان



المستقبل -
يوسف بزي

عادت، ووطئت "قدم" ميّ شدياق أرض لبنان.أمس، في الخامسة بعد الظهر، وصلت شدياق إلى مطار بيروت، لتسجل انتصار الضحية للمرة الثانية: نجت من الموت، ورفضت المنفى والغياب.مشت من سلم الطائرة إلى صالون الشرف، ونحن كنا "نتفرج" على هذه المشية المتكئة على كبرياء انثوي.
ونشهد على جسد يتغلب على جروحه. ونرى امرأة بثوب زهري، على أهبة أن تحتضن الجميع.كانت جاهزة ومهيأة نفسها، أكثر منا، للعودة "المظفرة"، ولأن تكون متأهبة للكاميرات، للصور التذكارية، للعناقات ولبريق العيون والأضواء. فهي كانت تدرك معنى هذه الاحتفالية إذ يشاهدها، بالتأكيد، القتلة..
وقد عادت، لتستأنف ما يغيظهم وينكبهم، أي لتستأنف الحياة، ولتكون هي ميّ شدياق في عمر إضافي وبقوة مضاعفة. حشد من سياسيين وإعلاميين وأصدقاء.
حشد من رفاق وزملاء، أتوا لملاقاتها، كما لو انهم هنا ليتذكروا تلك الحقبة البعيدة، التي تبدو قديمة وعتيقة، حقبة لم يمرّ عليها عام بعد، ومع ذلك تبدو قصية وعلى وشك النسيان.فكانوا هنا مع ميّ ليتذكروا ولتذكرهم هي، بعتب واضح، بالاستحقاقات، بالتضحيات، بالوضوح، بوجهة المعركة، وبما كانوا عليه وما زالت هي عليه.
وسط الحشد الرمزي، سياسة ووجاهة وإعلاماً، كانت ميّ شدياق تنأى بنفسها عن لعب دور "الرمز"، فكانت السيدة المتعبة بغصتها ودمعتها وضحكها الطفيف وتلويحة يدها ولومها المضمر لنا ونحن الغارقين في المتاهات والحزازات والتسويات.
أمس، في تلك القاعة، مع شلة شبان ساحة الحرية، ورموز قرنة شهوان، والصحافيين العنيدين بحريتهم، والسياسيين الشجعان، استعادت لغة 14 آذار بعضاً من رونقها، واستعادت صرخة الحرية حنجرتها، واستعادت ميّ شدياق اسئلتها المحرجة.
أتت من باريس، لتفرض علينا بإصرار أطياف سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، وأيضاً لتنهبنا إلى أشباح القتلة.
ونحن كنا محتشدين، هكذا، نواري الخسارات والخيبات، والإحباطات، ونعرف ان بيننا من هم "أصدقاء" جدد أو قدماء للقتلة.. وها نحن "نقبلهم"، ولو على مضض.
في الصالون الذي ضاق بنا، استقبلنا ميّ شدياق كبطلة وكرمز وكضحية، فيما هي جاءتنا كمسافرة أصابها الضجر والملل من الغربة، وأصابها التململ من أداء الأدوار، فعادت امرأة أنيقة مشتاقة لعملها، لبرنامجها، لحياة من تعب وأخطار وأحزان وأفراح قليلة.
كانت وحدها، من بيننا، لا تزال تحتفظ بالألم. وإذ ردّدت كلمات عن "الايمان" و"الرجاء" معلنة "نهاركم سعيد"، كانت بهذا المعنى لا تزال ايضاً وحدها في المعركة. لقد تعبنا قبلها.لم أرَ من الحشد إلا طفلتيّ جبران تويني وأرملته.لم أرَ من هذا الجمع سوى جيزيل خوري بحرقتها وارتجاف مقلتيها.
ميّ شدياق "الحمد لله على السلامة".

ليست هناك تعليقات: