الأربعاء، يوليو 12، 2006

كرامتي في إنسانيتي و ليس في عباءتي


بقلم: احمد جمعة

كرامتي في عباءتي .. كرامتي في التزامي.. كرامتي في حجابي!!!
كلمات غير مسئولة و خارجة عن الذوق العام و تشجع على تقسيم المجتمع و شقه و تمزيقه بأكثر مما هو ممزق. و للأسف تقف وراء هذه الممارسات و الفعاليات جهات حكومية رسمية تدعم مثل هذا التوجه.

كنت قبل فترة اعز و اقدر العمل الذي تقوم به وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي لكونها امرأة تتبوأ منصب وزير و تمثل توجها حضاريا يدعم المرأة في المناصب العليا. و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن البحرين دولة متحضرة و منفتحة و لا تؤمن بالتقسيم بين الرجل و المرأة و لا بين المرأة المتحجبة و المرأة غير المتحجبة، و بالتالي فنحن نعيش في ظل مساواة و تسامح و انفتاح حضاري جاءت على أساسه الوزيرة فاطمة البلوشي إلى هذا المنصب.

لكن، و أقولها بحرقة و مرارة مثلما شعر مثلي الكثيرون، فوجئت بإعلانات كثيرة عملاقة الحجم تملأ شوارع البحرين، تعلن في عناوين ضخمة مستفزة للمشاعر و الأحاسيس و للكرامة أيضا أن المرأة ليست لها كرامة إذا لم ترتد العباءة، و إن المرأة بلا كرامة بدون العباءة. و هذه الإعلانات كانت لفعالية ترأستها وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي ممثلة للدولة و الحكومة.

و السؤال هنا: هل من سياسات الدولة في البحرين الانحياز للمراة ذات العباءة ضد المرأة العادية والطبيعية و التي تشغل اليوم مناصب منها الوزارة تماما مثل الوزيرة البلوشي؟ و هل المسؤولات من مرتبة وزيرة و ما دون بدون كرامة لأنهن بدون عباءة؟ و هل أكثر من نصف نساء المجتمع البحريني بلا كرامة لأنهن غير مرتديات للعباءة؟ هل الطبيبات و المهندسات و المحاميات و كل النسوة اللواتي بنين البحرين هن بدون كرامة؟

هذه الأسئلة موجهة بطبيعة الحال إلى وزيرة التنمية الاجتماعية التي وافقت، أولا على عرض تلك اللوحات الإعلانية عن مسرحية "كرامتي في عباءتي" في جميع شوارع البحرين و بصورة مستفزة للمشاعر، و ثانيا لاحتواء الإعلانات على ما يفيد بأن الفعالية المذكورة سوف تقام تحت رعاية وزيرة التنمية الاجتماعية. و معنى هذا هو أن قرار الوزيرة برعاية الفعالية هو قرار مع سبق الإصرار والترصد منحاز إلى جانب من المجتمع، و هو الجانب العقائدي المتمثل في التيار الديني الذي يقسم المجتمع إلى قسمين: مؤمنين و كفار.

إن هذا السلوك وقع فيه للأسف من قبل وزير الأعلام، و ها هي وزيرة التنمية الاجتماعية تلحق به، و تعلن بصوت حاد من خلال رعايتها و حضورها لتلك الفعالية، أن المرأة في البحرين لا كرامة لها، حتى لو كانت وزيرة أو طبيبة أو مهندسة إلا إذا ارتدت العباءة. فهل نعتبر هذا الموقف هو موقف الدولة الرسمي؟ أم انه هفوة أو زلة من الوزيرة؟ أم انه التزام منها بتيار يتحكم اليوم في السياسات والتوجهات؟
ليس هناك أي مبرر على الإطلاق للوزيرة على هذه الزلة المتعمدة، و التي لابد من مراجعة ومحاسبة صريحة لها، بل اعتذار للمرأة البحرينية التي يبدو أن التيار الذي يدفع باتجاه تقسيم المجتمع يتربصها و صار يخترق مكاسبها بحكم تمركزه في مؤسسات الدولة.

على الجمعيات النسائية، و على المرأة بالدرجة الأولى، ألا تفوت للوزيرة البلوشي هذه الزلة. و عليها أن تطالبها باعتذار رسمي عن العبارة التي جرحت ليس فقط مشاعر المرأة و إنما سياسة و انفتاح وتحضر مملكة البحرين، و هي السياسة الحضارية التي لولاها لما وصلت البلوشي إلى منصبها لأن التيارات التي تدافع الوزيرة عنها تروج للعكس و تتحسس من وجود امرأة في مناصب الدولة الوزارية الحساسة.

إن وجود وزيرة في الحكومة هو نتيجة لانفتاح المجتمع و تسامحه، فهل تدرك الوزيرة البلوشي زلتها و تتداركها قبل أن تصبح العباءة هي مركز و محور الكرامة؟

أحمد جمعة
*كاتب و إعلامي بحريني

ليست هناك تعليقات: