الخميس، يوليو 13، 2006

لماذا تأخر القمر هذه الليلة؟


كمال العيادي
**
هــناك.
هـــناك بعيدا،
عند أســفــل جــبــل الكــلس المــحــروق.
كــــان الذّئـــب الجـــريـــح،
يـــجـــاهــــــد لـــرفــع رأســـه مـــــرّة أخـــرى.
**
لـــمــاذا تـــأخـــّر القـــمــر هــذه الــلـّيـلة ؟
ربــّمــا حــجــر تــدحــرج بــفــعــل الــرّيـح.
ربــّــما كــرتــان مــن نــدف الــثــّلــج الــقــديــم.
**
هـــنــاك, بــعــيــدا.
حــيــث لا زعـتـر يـعـانـق شـبـاك الـعـرعـر.
ولا ريـح طـريـدة.
كــان الـذئــب الـرّمـادي الـجـريــح
يـسـوّى مـن صـوف الأوهـام وسـادة
تـعدّل وضع رأسـه,
صـوب كـتـف الـجـبـل الـيـسـارلــيـرفـع للـقـمر،
بـعـواء الــــــوداع الأخـيـر.
تماما, كما وعد أمه وهي تــمـوت
في ضوء ذاك النّــــــــــهار البعيد.
**
لم تعبث به الرّيح, ككلّ مساء
لم تستهزئ به سناجب الجوز البرّيّ كعادتها
لم تــتخذ اليرقات مفاصل فروته ممرّا للحاء الأشجار.
لماذا تأخّر القمر هذه الليلة ؟
**
ربّما حجر، كي أستريح.
ربّما قبضة من الثلج تعدّل وضع رأسي الجريح.
لو أخت أو صديق أو من العشيرة رفيق.
يلعق جراحي كلّ المساء,
ولا يفترسني آخر فتيل اللّيل.
**
ما كان ينبغي مصارعة الوحش المحنّك.
أخطأت مثل أبي .
ما كان ينبغي أن أهمل مواعيد القمر هذا الخريف.
لماذا تأخر هذه الليلة ؟
**
كانت لنا أم حنون.
تلعق أضلعها لكي لا نموت.
تهمّ بطريدة, ككلّ الذّئاب الأمّهات.
ولكنّها تــئــن مــن الــوجــع والـقـنوط,
حين تــسـتشــعــر انبهارنا بحدود الغاب.
كانت تقول لأشقانا : خفت ألاّ تعود.
خفت يا ولدي الحبيب.
**
لماذا تأخّر القمر هذه اللّيلة ؟
كان الغاب أخضر
كلّ أسرار الفصول
وكانت عظامنا لوز وتين وقشرة عود يافع.
ربّما حجر أو ندفة من الثلج , كي أستريح.
**
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تسوق غمام الشّمال صوب هضاب الجنوب
وتلهو بقلاع النّمل إلى حين
**
أشمّها الرّيح
قسما هيّ الرّيح
تبلّل الجداول برذاذ مصبّ واديها, عند أسفل الجبل البعيد
وتلملم ريح الأزهار.
وحوامض نداء الخصوبة من بين أفخاذ الأرانب
سعوقا لأنوف الثعالب والذّكور.
**
هيّ الرّيح
قسما هيّ الرّيح.
يا أولاد لا تنسوا, كانت أمنا تقول.
لا تــنسوا: الأرانب
قِــــرَبٌ من الدّم الحار
الزّعتر ريح كلّ الغاب
والفأر دليلنا لمضارب الجرابيع ومنابت التّين
الأسد أسد, كانت تقول
واللبؤة أسود
وأسود الضبع العنيد,
كما الكواسر والزاحفات
يكوّر الموت حتّى الغار
**
اللّيل بيـتـنا وعدوّنا يا أولادي النهار.
كانت تقول وهي تفرش فروتها لننام :
املؤا قــلــوبكم برائحة الدّم الحار
الذئب لا يخون العشيرة ولا ينسى مواعيد القمر.
**
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
ربّما حجر أو شيء من نتف الثلج القديم.
خرج أبي إلى الصيد ولم يرجع
لم أسأل
كون الذئاب لا تسأل
بئس الذئاب حين تسأل :علام لا يعود الآباء؟
كانت تقول, بئس الذئاب بلا إباء.
لم أره يوما عابسا
ولم يخلف يوما طريدة
ولكنّ الأسد أسد, كانت تقول.
واللبؤة أسود
وأسود مزّقت كلّ مفاصله
ولم تأكل كبده, كما يفعل الأسود.
**
ما طعم دم أبي يا ترى؟
أما دماء أمي وإخوتي فحوامض التين والزّعتر.
لو أخت أو شقيق, يلعق جراحي.
لماذا تأخر القمر هذه اللّيلة ؟
**
كانت أحلامنا الأرض والسّماء
والجبل يفرد جناحيه شطر الغاب.
تعبت. لا شىء أميّز رائحته. غير هذا البخور.
كأني بأصوات العشيرة خلف الجبل
كأني بأصوات الطبول.
وخطو يخرج من باطن الجبل.
علام يرتعش جسدي يا ترى؟
وعلام مثل دبيب النمل يتصاعد من كلّ مفاصلي؟
لم يبق في الوقت متّسع هذه اللّيلة
أهملت حساب مواعيد القمر.
سأغمض عيني, علّه يأتي
تعبت.
لم يبق في الوقت متّسع.
سأنــــــــام
**
قصيدة علق بها العيادي على مقال نشرته الأديبة أنوار سرحان في دروب،
وها نحن ننشرها لتسليط الضوء عليها،
ولأهمية ما تتضمنه من إيحاءات ساخنة وموجعة،
حول ما يحدث في لبنان وفلسطين والعراق.

ليست هناك تعليقات: