لطيفة الشعلان
بينما الفئة التي تحتكر الحديث باسم الدين والمجتمع والمرأة والفضيلة قد سخرت منتدياتها ومنابرها للاستنكار والتصعيد ضد قرار وزارة العمل بتوظيف السعوديات في محلات بيع اللانجري، وبينما الكاتبات اللواتي ينهلن من فكر جهيمان وقد أغناهن الله من واسع فضله بعملهن في سلك التعليم يصرخن بأعلى أصواتهن بأن المرأة السعودية تنام قريرة العين لا تفكر في مصروفها لأن الإسلام قد ألزم الرجل بالصرف عليها، وبأن بنات الحمايل لا ينبغي أن يشتغلن بائعات في المحلات لأن البيع باب شر يراد منه اخراج المرأة من بيتها ومخالطتها للرجال في خطوة لتغريب المجتمع وتحويله إلى (شقة حرية) كبيرة، أقول في هذه الأثناء دارت معركة حاميةلم يلتفت لها أحد في سوق (حجاب) الشعبي بحي النسيم شرق الرياض استخدمت فيها النساء الحجارة والعصي والمواسير ضد مراقبي البلدية للدفاع عن مباسطهن التي يبعن من خلالها اللانجري الرخيص والقمصان القطنية ولعب الأطفال، وانتهت المواجهة حسب صحيفة (الوطن) بتهشيم النساء لزجاج سبع سيارات، وبإصابة عدد من مراقبي البلدية الذين كان اعتراضهم على مخالفة المباسط للشروط النظامية.
طبعا من زيارة واحدة للسوق وبحكم طبيعته وموقعه ستعرف أن هؤلاء النسوة بدويات أي بنات حمايل من الدرجة الأولى ! والمؤكد أنهن لا يقرأن زوايا الصحف ولايعرفن أحدا اسمه غازي القصيبي ولا آل زلفة، والمؤكد الآخر أنهن يعتقدن أن الحرية والليبرالية والموساد والماسونية خلطات جديدة لتطويل الشعر وتنحيف الأرداف يعرضها عطار الكويت أو عطار البحرين المقابل لبسطاتهن. أما المنطق فيقول بأن هؤلاء النسوة اللواتي يفترشن الرصيف من الرابعة عصرا وحتى العاشرة مساء سواء كان الجو حارا أو باردا أو مغبرا يفعلن ذلك ليكسبن قوتهن لا ليختلطن بالرجال أو ليمارسن التغريب أو التحرر. فمنذ القدم والنساء يزاولن البيع في مباسط الأسواق الشعبية ولم يمانع أحد لأسباب دينية، فالعين المتشددة مصابة بفوبيا الجديد فلا تقف عند الشيء الذي ألفته. والمرأة النجدية ولم يُعرف هوس الفصل الحاد بين النساء والرجال قبل خمسين عاما خرجت إلى الأسواق للبيع، وللبرية للحصاد والاحتطاب والسقاية، ولم يكن القوم يعرفون ما التحرر أو ما الليبرالية، لكن قد حكمتهم المحددات الاقتصادية. وهي المحددات ذاتها التي جعلت اليوم كثيرا من الأمهات المتحدرات من منطقة الوشم (قلب نجد) لا يعبأن بخطاب المحرم والقوامة وهن يلجأن للانتقال والسكن منفردات مع بناتهن اللواتي يعملن معلمات في قرى وهجر نائية حتى وصل بعضهن إلى أقصى قرى الجنوب. وحين يقال بأن السعوديين متنوعين وليسوا كتلة اجتماعية واحدة، فإن النجديين ذواتهم ليسوا كلا متجانسا حتى يختطف الخطاب (أهل منطقة واحدة) أو فئة يشيعون تزمتهم على أنه رأي الأغلبية في ظل انعدام أي استطلاعات موضوعية.
إن المبادئ النظرية عن المرأة المكفولة لها النفقة هي لغة رجال مكتفون ماديا مع حريمهم، أو لغة النساء (الشبعانات فلوس)، أي تبقى كلاما عليه أن يهبط للواقع ويدخل بيوتا دخلها الشهري لايتجاوز الألفين وفيها خمس بنات عاطلات يحملن درجة البكالوريوس، وأخرى المرأة فيها هي العائل الوحيد. إنه مجتمع التناقضات الذي يتحدث متشدديه عن حياء المرأة وألوان التنكيل بها في الآخرة وشكل عباءتها وماذا يجب أن يكون عليه صوتها نغمة ودرجة إذا حادثت الأجانب، ثم تثور الثائرة إذا قيل: لتبيع المرأة للمرأة قطع الثياب الصغيرة المخرّمة بدلا من الفتى اللبناني أو السوري. تناقض مشابه لمنعها من قيادة سيارتها وإلزامها باستقدام فلبيني أو هندي. لا أحسبه سوى من المضحكات المبكيات أننا نعيش معركة توظيف المرأة في عمل فطري يناسب فطرتها ونحن قوم فطرة .. معركة توظيفها في محلات اللانجري التي لفرط خصوصيتها هي حكر على النساء في بقاع الأرض باستثناء البقعة ذات الخصوصية ! أما المناداة بعمل (يناقض طبيعة دورتها الشهرية) كما في مناجم الفحم وبناء الجسور فهي من اللطائف التي يشيعها الخطاب الصحوي عن خصومه.
بعد إلتقاء المصالح أو نجاح حلف المتشددين مع التجار ضد اصلاحات غازي حق لأعضاء المنتدى الإماراتي الإرهابي المسلط على أكثر مجتمعات الأرض محافظة، لا على انفتاح دبي أو (فسادها)، حق لهم أن يبتهجوا ويحتفلوا خاصة بعد عملهم الجبار في التحشيد. مع ذلك لابد من القول إن الفساد الذي يُخوف الناس به لن يجيء من خطط غازي في توظيف السعوديات بل إن أتى فمن البطالة والحاجة المادية. لقد عرفت قصصا لفتيات تورطن أخلاقيا وهن بنات حمايل في سبيل الحصول على مال يمكنهن من شراء حذاء صيني أو بلوزة بأربعين ريالا، وأعرف من وقفن بحكم أعمالهن أو اختصاصاتهن على قصص كان الثمن فيها زجاجة عطر أو جهاز جوال، غير أننا قد نحتاج إلى عشر سنوات قادمة حتى نتحدث بشفافية في هذه الحكاية الكبيرة كما احتجنا إلى أزمان حتى تفشى العنف الأسري وقبله الإدمان على المخدرات وأصبح الحديث ممكنا. إن كنا مقبلين على كارثة فمؤكد أن سببها ليس مؤامرات غازي بل الارتفاع المهول في أعداد المتعلمات اللواتي ينتهي بهن الحال في بيوتهن يمضغن الفراغ في بلد تصل فيه نسبة العمالة من غير المواطنين إلى رقم ضخم. لنكن أكثر صراحة ونقول بأن مشكلتنا هي هذه المرأة، التي لا نعرف أين ندسها أو نذهب بها أو نحجر عليها. حفصة الجهني التي كانت تستعد للعمل في بيع اللانجري صرحت لـ (الشرق الأوسط) يوم الاثنين الفائت بعد (قرار تأجيل القرار) قائلة بلغة مشوبة بالحزن: " لما جت الحزينة تفرح ملقتشي لها مطرح "، وفي تصوري أن المطرح لن يوجد إن كنا نتقدم خطوة ونتراجع ثلاثا، وكأن الماضي لم يعلمنا أن مطالب التشدد ليس لها من نهاية أو سقف، وأن الاستجابة لها بعد حادثة الحرم المكي كانت من بين الأسباب التي جعلتنا بعد ذلك بسنوات نحصد المر و العلقم في تفجر الإرهاب.
إن الإرداة السياسية لازمة لفرض بعض الإصلاحات حتى مع توقع ممانعة بعض التيارات، فهل بإمكان أحد أن يتخيل الطامة الشاسعة لوكانت الإرادة لم تقف يوما بحزم في وجه الممانعين لتعليم الفتاة، وقس على ذلك عشرات الأمثلة التحديثية التي وضعتنا على بوابة العصر وقد رغمت أنوف، فلم نعدم في الزمان الغابر أباء هؤلاء ممن استنكروا البرقية و(السيكل) وقاوموا إدخال السيارة والراديو.
بينما الفئة التي تحتكر الحديث باسم الدين والمجتمع والمرأة والفضيلة قد سخرت منتدياتها ومنابرها للاستنكار والتصعيد ضد قرار وزارة العمل بتوظيف السعوديات في محلات بيع اللانجري، وبينما الكاتبات اللواتي ينهلن من فكر جهيمان وقد أغناهن الله من واسع فضله بعملهن في سلك التعليم يصرخن بأعلى أصواتهن بأن المرأة السعودية تنام قريرة العين لا تفكر في مصروفها لأن الإسلام قد ألزم الرجل بالصرف عليها، وبأن بنات الحمايل لا ينبغي أن يشتغلن بائعات في المحلات لأن البيع باب شر يراد منه اخراج المرأة من بيتها ومخالطتها للرجال في خطوة لتغريب المجتمع وتحويله إلى (شقة حرية) كبيرة، أقول في هذه الأثناء دارت معركة حاميةلم يلتفت لها أحد في سوق (حجاب) الشعبي بحي النسيم شرق الرياض استخدمت فيها النساء الحجارة والعصي والمواسير ضد مراقبي البلدية للدفاع عن مباسطهن التي يبعن من خلالها اللانجري الرخيص والقمصان القطنية ولعب الأطفال، وانتهت المواجهة حسب صحيفة (الوطن) بتهشيم النساء لزجاج سبع سيارات، وبإصابة عدد من مراقبي البلدية الذين كان اعتراضهم على مخالفة المباسط للشروط النظامية.
طبعا من زيارة واحدة للسوق وبحكم طبيعته وموقعه ستعرف أن هؤلاء النسوة بدويات أي بنات حمايل من الدرجة الأولى ! والمؤكد أنهن لا يقرأن زوايا الصحف ولايعرفن أحدا اسمه غازي القصيبي ولا آل زلفة، والمؤكد الآخر أنهن يعتقدن أن الحرية والليبرالية والموساد والماسونية خلطات جديدة لتطويل الشعر وتنحيف الأرداف يعرضها عطار الكويت أو عطار البحرين المقابل لبسطاتهن. أما المنطق فيقول بأن هؤلاء النسوة اللواتي يفترشن الرصيف من الرابعة عصرا وحتى العاشرة مساء سواء كان الجو حارا أو باردا أو مغبرا يفعلن ذلك ليكسبن قوتهن لا ليختلطن بالرجال أو ليمارسن التغريب أو التحرر. فمنذ القدم والنساء يزاولن البيع في مباسط الأسواق الشعبية ولم يمانع أحد لأسباب دينية، فالعين المتشددة مصابة بفوبيا الجديد فلا تقف عند الشيء الذي ألفته. والمرأة النجدية ولم يُعرف هوس الفصل الحاد بين النساء والرجال قبل خمسين عاما خرجت إلى الأسواق للبيع، وللبرية للحصاد والاحتطاب والسقاية، ولم يكن القوم يعرفون ما التحرر أو ما الليبرالية، لكن قد حكمتهم المحددات الاقتصادية. وهي المحددات ذاتها التي جعلت اليوم كثيرا من الأمهات المتحدرات من منطقة الوشم (قلب نجد) لا يعبأن بخطاب المحرم والقوامة وهن يلجأن للانتقال والسكن منفردات مع بناتهن اللواتي يعملن معلمات في قرى وهجر نائية حتى وصل بعضهن إلى أقصى قرى الجنوب. وحين يقال بأن السعوديين متنوعين وليسوا كتلة اجتماعية واحدة، فإن النجديين ذواتهم ليسوا كلا متجانسا حتى يختطف الخطاب (أهل منطقة واحدة) أو فئة يشيعون تزمتهم على أنه رأي الأغلبية في ظل انعدام أي استطلاعات موضوعية.
إن المبادئ النظرية عن المرأة المكفولة لها النفقة هي لغة رجال مكتفون ماديا مع حريمهم، أو لغة النساء (الشبعانات فلوس)، أي تبقى كلاما عليه أن يهبط للواقع ويدخل بيوتا دخلها الشهري لايتجاوز الألفين وفيها خمس بنات عاطلات يحملن درجة البكالوريوس، وأخرى المرأة فيها هي العائل الوحيد. إنه مجتمع التناقضات الذي يتحدث متشدديه عن حياء المرأة وألوان التنكيل بها في الآخرة وشكل عباءتها وماذا يجب أن يكون عليه صوتها نغمة ودرجة إذا حادثت الأجانب، ثم تثور الثائرة إذا قيل: لتبيع المرأة للمرأة قطع الثياب الصغيرة المخرّمة بدلا من الفتى اللبناني أو السوري. تناقض مشابه لمنعها من قيادة سيارتها وإلزامها باستقدام فلبيني أو هندي. لا أحسبه سوى من المضحكات المبكيات أننا نعيش معركة توظيف المرأة في عمل فطري يناسب فطرتها ونحن قوم فطرة .. معركة توظيفها في محلات اللانجري التي لفرط خصوصيتها هي حكر على النساء في بقاع الأرض باستثناء البقعة ذات الخصوصية ! أما المناداة بعمل (يناقض طبيعة دورتها الشهرية) كما في مناجم الفحم وبناء الجسور فهي من اللطائف التي يشيعها الخطاب الصحوي عن خصومه.
بعد إلتقاء المصالح أو نجاح حلف المتشددين مع التجار ضد اصلاحات غازي حق لأعضاء المنتدى الإماراتي الإرهابي المسلط على أكثر مجتمعات الأرض محافظة، لا على انفتاح دبي أو (فسادها)، حق لهم أن يبتهجوا ويحتفلوا خاصة بعد عملهم الجبار في التحشيد. مع ذلك لابد من القول إن الفساد الذي يُخوف الناس به لن يجيء من خطط غازي في توظيف السعوديات بل إن أتى فمن البطالة والحاجة المادية. لقد عرفت قصصا لفتيات تورطن أخلاقيا وهن بنات حمايل في سبيل الحصول على مال يمكنهن من شراء حذاء صيني أو بلوزة بأربعين ريالا، وأعرف من وقفن بحكم أعمالهن أو اختصاصاتهن على قصص كان الثمن فيها زجاجة عطر أو جهاز جوال، غير أننا قد نحتاج إلى عشر سنوات قادمة حتى نتحدث بشفافية في هذه الحكاية الكبيرة كما احتجنا إلى أزمان حتى تفشى العنف الأسري وقبله الإدمان على المخدرات وأصبح الحديث ممكنا. إن كنا مقبلين على كارثة فمؤكد أن سببها ليس مؤامرات غازي بل الارتفاع المهول في أعداد المتعلمات اللواتي ينتهي بهن الحال في بيوتهن يمضغن الفراغ في بلد تصل فيه نسبة العمالة من غير المواطنين إلى رقم ضخم. لنكن أكثر صراحة ونقول بأن مشكلتنا هي هذه المرأة، التي لا نعرف أين ندسها أو نذهب بها أو نحجر عليها. حفصة الجهني التي كانت تستعد للعمل في بيع اللانجري صرحت لـ (الشرق الأوسط) يوم الاثنين الفائت بعد (قرار تأجيل القرار) قائلة بلغة مشوبة بالحزن: " لما جت الحزينة تفرح ملقتشي لها مطرح "، وفي تصوري أن المطرح لن يوجد إن كنا نتقدم خطوة ونتراجع ثلاثا، وكأن الماضي لم يعلمنا أن مطالب التشدد ليس لها من نهاية أو سقف، وأن الاستجابة لها بعد حادثة الحرم المكي كانت من بين الأسباب التي جعلتنا بعد ذلك بسنوات نحصد المر و العلقم في تفجر الإرهاب.
إن الإرداة السياسية لازمة لفرض بعض الإصلاحات حتى مع توقع ممانعة بعض التيارات، فهل بإمكان أحد أن يتخيل الطامة الشاسعة لوكانت الإرادة لم تقف يوما بحزم في وجه الممانعين لتعليم الفتاة، وقس على ذلك عشرات الأمثلة التحديثية التي وضعتنا على بوابة العصر وقد رغمت أنوف، فلم نعدم في الزمان الغابر أباء هؤلاء ممن استنكروا البرقية و(السيكل) وقاوموا إدخال السيارة والراديو.
هناك تعليق واحد:
أعرف وزير العمل الدكتور غازي القصيبي معرفة جيدة، عندما كان عميدنا في السلك الدبلوماسي في البحرين الجميل . أحترمه لأخلاقه ، لعلمه ، لأدبياته، لكرمه
وخاصة في معاملته لحرمه الوقورة.
كان بيته في المنامة ، يضم مكتبة أكبر من مكتبة بعض الجامعات . فالأنسان المثقف القاريء لا يمكن الأ أن يكون صاحب فكر ورؤية وتطلع للمستقبل.
عمل مع سيدات كثيرات ، ورأى بأم عينيه ما قدمته المرأة العربية والغربية في كل مجال العلم والثقافة والسياسة على مر العصور.
فكيف يا ترى نظرته للمرأة من تراب وطنه ، وهو يعلم بـأنه من الظلم أن نسكت نصف المجتمع . والدكتور القصيبي مدين كل الولاء لما فعلته السيدة والدته / وكيف انها صنعت منه عملاقا كبيرا . وبعلم أيضا ما صنعته السيدة أم سهيل ، زوجته الفاضلة، في تربية أولاده،
فما دام يأتي من هذه الخلفية ، وبهذا العقل ، وبهذه الرؤية وبهذه التجربة ، فأنا واثق بأنه سينصق المرأة السعودية العاملة.
فاطمئنن يا ايتها النساء العاملات ، فأن قضيتكن مع ابي سهيل
د. عبدالله عقروق
إرسال تعليق