السبت، مايو 13، 2006

نكتة عراقية


بقلم حسن عبدالرزاق
نقلاً عن دروب
1- كلما مرت من أمامي وهبتني نظرة خاطفة .
2- عقب النظرة المح على شفتيها شبح ابتسامة تشبه العطر الناعم.
3- انا معلم وسيم وزوجها ضابط شرطة له وجه يشبه الحرب العالمية الثانية.
4- (وهذا اهم سبب يدعوني للتيقن من عشقها لي ) انها من العاصمة .. وبنات بغداد - كما قيل لي – يعشقن سمرة الرجال الجنوبيين حد الجنون.اذن ، عصر هذا اليوم سوف اتابعها حين تخرج للتبضع.. وسأرمى قرب اذنها فراشة اعجاب ذات الوان كطلاءات وجهها .. سافعل هذا في زحام السوق وانا امر بمحاذاتها .. ولن التفت صوبها خشية من عيون المقهى المليئة بالرجال المراهقين . فلربما يكون واحد من الشرطة العاملين تحت امرة زوجها موجودا هناك بملابس مدنية وتحصل الكارثة.الزحام هو الوحيد الذي يساعدني علىتنقيط قطرة الندى الاولى عليها .. لان مدينتنا صغيرة والعيون تلتقط كل شيء وذلك لا استطيع مفاتحتها في الشوارع الهادئة.
× × ×
واضع هذه الخطة هو يوسف سليم المعلم في مدرسة ابتدائية ..الاعزب لحد السنة الرابعة والثلاثين .. والهارب كل ليلة من برودة الفراش إلى نادي الخمور الاوحد في المدينة .والشهادة لله إن يوسفا من اادب الرجال واكثرهم خجلا إلى الحد الذي يرتد بصره حالاعن وجوه النساء بدون إن يتمعن به ولو لثوان.كما نوّقع معه على انه وسيم رغم إثر الجرح القديم في خده والذي سبب له عقدة مستمرة انطبق عيها المثل المصري الشائع (الحلو ميكملش).
× × ×
انتظر يوسف خلف الشباك خروج جارتهم الجديدة ..وحينغادرت دارها المقابل لدارهم انسل بخفة وطفق يتابعها على بعد رصيف ونصف ثم قرر إن يضيق المسافة بينهما عندما وجدها تقترب من السوق.
× × ×
طوال تلك الارصفة التي قطعها لم تنقطع التفاتاته إلى الخلف.. فقد ظل يسمع خطوات زوجها وهي تقرع الأرض بحذائه العسكري القاسي وكلما اطمان من وهمه عاد وتوهم ثانية والتفت مستطلعا .. فوجه ذلك الرجل ممكن إن ينبثق في اية لحظة حتى وان كان هذا اليوم ذاهبا بمامورية إلى احدى المدن المجاورة.
× × ×
اسمع يا يوسف:
1- هي الان دخلت في السوق.
2- ستكون انت إلى جانبها بعد ثلاث دقائق فقط.
3- قل لشفتيك إن يتشجعا مرة واحدة ولايمارسان الارتعاش عند الاقتراب من النساء.
4- موسق صوتك حين ترمي الكلمة عيها.ركز على الوصية الثالثة بالذات .. ووجد إن حبة الفاليوم التي تناولها سوف تتولى امر السيطرة على الارتعاش .. وسرّع خطواته لعل الزحام الذي سيحتويه يخلصه من هذا الكلب ابن الكلب زوجها.داخل السوق كان الزحام يولد ضوضاء كالطنين وهذه مؤازرة رائعة من الحظ له فهو سيرمي كلمة الاعجاب قريبا جدا من اذنها .. ويمرر جهة خده من طرف عينها لتلحظه .. أما رد الفعل فسوف يقراه في وجهها عندما تعود وتجده واقفا بباب الدار وقد اتخذ (بوزشن) مبتكر لا يشبه الذي اتخذه البارحة. تسارعت خطواته اكثر وزاغ عن الاجساد التي تعيقه واطمان إلى إن زوجها المتجهم غاب عن خياله ثم صار على بعد خطوتين منها ورتب الوان فراشة اعجابه والقاها وهو يمر بمحاذاتها:- كل النساء في هذا السوق ورق يابس وانت الوردة الوحيدة .
× × ×
فعلا كانت جملة شعرية لايجيدها الا المولهون .. وفعلا احس بانتشاء عندما القاها .. وكاد ان يطير إلى الفضاء منتعشا .. مزهوا في اعقابها .. لولا الصوت الاجش من فرط التدخين الذي زعق به من الخلف والكف التي سحبته من ياقة قميصة المعطر:- انت أيها الحيوان.. قف ولاتهرب. يا للمصيبة .. الصوت جاء عاليا بحيث اسكت كل ضوضاء السوق وحوّل عيون المقهى صوبه .. والغضب الذي فيه لايشبهه الاغضب الشرطة.توقف يوسف وهو على حافة الانهيار .. وارتعشت ليست شفتاه وحدها بل كل جسده .. وخلع في تلك اللحظات كل كبريائه وكرامته ووضع على لسانه عبارة اعتذار ذليلة ليقدمها إلى صاحب الصوت الاجش .. لكنه حين استدار لم يتمكن لسانه من فعل أي شيء .. ووجد نفسه بلمح البرق مترنحا ودوار شديد يرجرج راسه.فقد تلقى صفعة قاسية جدا .. اطارت انتعاش روحه .. وكبرياءه الذي يتباهي به دائما وجعلته يندفع مسرعا إلى خارج السوق وهو لايفكر الا بطلب النقل إلى مدينة اخرى.
× × ×
ما الذي جرى حتى حصل هذا ؟:
1- كانت الفتاة التي القى عبارة الغزل عليها هي جارتهم نفسها.
2- لم يكن صاحب الصوت الاجش زوجها لانه كان فعلا خارج المدينة.
3- كان الصوت الاجش للفتاة نفسها والصفعة قد جاءته منها.
4- (وهذا هو السبب الذي قاد يوسف إلى الوصول إلى هذا المشهد المحرج ) إنه اكتشف للمرة الاولى إن الغادة البغدادية التي ارتضت بزوج مرعب الوجه كانت حولاء وان كل نظراتها السابقة لم تكن موجهة له ابدا.
× × ×
إن هذه النكتة لو حصلت في أي مكان آخر لانتهت عند هذا الحد .. لكن النكات العراقية لابد إن تجعل الدموع تسيل من فرط الضحك وهذه خاصية تتفرد بها. ففي ضحى اليوم التالي .. وبينما كان يوسف يفكر بالمدينة التي يكتب اسمها في ورقة طلب النقل .. كان الضابط يتخذ قرار اعلان الحرب العالمية الثالثة على هذا المعلم فقط انتقاما لشرف زوجته (الارتست ) سابقا . فبعد مكالمة تلفونية لاغير وجد يوسف داره محاطة بحلقة حديدية من الشرطة .. ثم وجد نفسه يمضي وهو مسور بها نحو المركز .. وتهمة الانتماء للشيوعية تدون في أوراق التحقيق قبل الوصول إلى هناك .. أما دليلهم الذي سوف يساعدهم في إرغامه على الاعتراف قسرا فهو إن يوسفا كان حليق اللحية والشارب ليس الا
.

ليست هناك تعليقات: