الخميس، مايو 04، 2006

غاندي، لا غيفارا



أدونيس
-1-
أُعجب كثيراً بشخص غيفارا، بحضور الجمالي، بحبه للحياة والمرأة. غير انني لا أعجب بالطريقة التي اتبعها في العمل التحرري.
تحررياً، أفضّل غاندي: رؤية، ومنهجاً، وممارسة.
أرفض العنف بأشكاله جميعاً. مهما كانت أهدافه. مهما كانت مسوّغاته. سواء كان فردياً أو جماعياً.
ثم إنني أفضل، في كل عمل تحرري، أن يشارك الشعب كله في النضال، لا أن يقتصر هذا النضال على مجموعة من الأفراد، أياً كانوا.
غيفارا: عصبة، طبقة، فئة، طليعة... الخ، تمارس العنف.
غاندي: الشعب كله، في تنوع فئاته ووحدتها، مسلحاً بالسلام، والانفتاح على الآخر.
ومع أننا، ثقافة وممارسة، أقرب الى غيفارا منا الى غاندي، فإنني ممن يقولون: لسنا في حاجة الى غيفارا. نحن في حاجة الى غاندي.
لقد أثبتت التجربة أن مثال غيفارا كان طريقاً ملكية لتهديم طاقاتنا، لتخريب حياتنا، لتبديد ثرواتنا، لفشلنا، ولتشويه وجودنا وحضورنا في العالم.
إن للحرية هي كذلك سلاحها.
لكن، منذ أن يلبس هذا السلاح رداء العنف، ينقلب الى عدو للحرية نفسها: يصبح نوعاً من العدوان على الذات والآخر، معاً.
لا سلاح للحرية إلا الحرية – إلا السلام.
أكرر: نعم، نحن في حاجة الى غاندي، لا إلى غيفارا.
- 2 –
ما من أحد يطلب منا، نحن العرب، أن نكون حكاماً عادلين. أن نكون سياسيين عظماء. أن نكون علماء كباراً في الذرّة أو في غيرها. أن نكون فلاسفة أو شعراء أو فنانين.
ما من أحد.
لكن الجميع يطلبون منا أن نكون حكاماً غاشمين. أن نكون فاسدين مُفسدين. أن نمجّد العنف. أن نخطط لينفي بعضنا بعضاً، وليقتل بعضنا بعضاً. أن نفتقر، ونهاجر، ونتمزّق.
وهو طلب لا نكتفي، فيما نلبّيه، بأن ننفذه برغبة كاملة، وإنما ننفذه كذلك بمتعة كاملة.
قل لي،
من أنت، أيها العربي، الذي يسكنني؟
- 3 –
لو شئنا أن نحاكم أنفسنا وأعمالنا وأفكارنا، نحن العرب، منذ أواسط القرن العشرين المنصرم حتى اليوم، لقلنا إن كنّا صادقين:
لم نكن أسياداً على حياتنا، طول هذه الفترة. ولم يكن وجودنا إلا كمثل كُرةٍ يُدحرجها الآخرون.
- 4 –
أحياناً، يُخيل إلي أننا لم نعد في حاجة الى أن نحفر القــــبور لمـــــوتنا. ذلك أن رؤوسنا وأجسامنا تحل محلها. فما أكثر القبور في أفكارنا وأعمالنا.
يكاد كل منا أن يكون قبراً يسعى.
ولننظر الى أحوال العراق. تمثيلاً لا حصراً: إنها تؤكد لنا أن تاريخنا السياسي – الديني لا يزال المكان الأكثر تحريضاً على اقتتالنا وتفتتنا، والأكثر مدعاة لضياعنا.
إنه تاريخ يحجب عنا الحاضر وحقائقه ومقتضياته، وليس حجب الحاضر إلا طريقة لحجب المُستقبل.
- 5 –
وأين الأمل، إذاً، في مبادرة ترسم للفكر والعمل طرقاً جديدة؟ أهو في المعارضة القائمة، كما يقول بعضهم؟
من الحق، أولاً، أن نقول، على افتراض أن ثمة أملاً في المعارضة، إنها ليست واحدة. فهي هنا، في هذا البلد العربي، غيرها هناك في البلد الآخر. ولكل منها ظروفها وأوضاعها ومشكلاتها الخاصــــة. لذلك لا يصح التعميم في الكلام عليها.
غير ان المعارضة تنطوي، مبدئياً، على فكرة العمل للانتقال بالمجتمع من حالته التي يتعثر فيها، الى حالة أقل تعثراً، إن لم نقل الى حالة متقدمة في اتجاه الديموقراطية، وحقوق الانسان، والحريات، إضافة الى التقدم، في مختلف أشكاله الحضارية. وفي هذا تلتقي المعارضات في المجتمع العربي، باستثناء بعض التيارات غير المدنية – الدينية والعنصرية. مع ذلك، يمكن القول إن لهذه المعارضات، أستناداً الى الممارسة، مرجعية واحدة، خصوصاً في البلدان التي يتكوّن سكانها من مزيج بشري متنوع إسلامي – مسيحي، كما هو الشأن في لبنان، تمثيلاً لا حصراً. وهي مرجعية لم يكن النضال السياسي فيها، منذ منتصف القرن العشرين المنصرم، إلا نوعاً من العمل على «استثمار» واقع البلدان العربية، و «توظيفه». وكان عمل هذه المعارضات تبعاً لذلك، يتمحور على ما هو سياسي مباشر: تغيير تفويت الاجتماعي – الثقافي، الذي لا يكون التغيير السياسي ذا شأن يذكر، من دون تحقيقه. بين هذه المسائل نذكر المسألة الدينية (الفصل بين التدين والتسيّس، بحيث يكون التديّن شخصياً، ذاتياً، لا مؤسسة اجتماعية – فكرية، اللاتدين بوصفه حقاً طبيعياً كمثل التدين، مدنية الزواج والإرث... الخ). ونذكر المسألة الثقافية التي لا تأخذ السياسة معناها الإنساني الحق إلا بها، إضافة الى المسائل المتعلقة بوضع المرأة، حقوقاً، ومكانة، ومكاناً. فمن دون حل كامل لهذه المسائل في أفق إنساني – مدني، يتعذر التقدم، متمثلاً على الأخص في الخروج من القبلية والمذهبية الى الديموقراطية، والى إرساء حقوق الإنسان وحرياته كاملة.
وإذ «تتجنب» المعارضة، كمثل الموالاة، نقد «الأصول» التي تحدد «الحقوق»، وهي أصول غير مدنية، فإنها تقبل، ضمناً، بالسلطة الأولية المطلقة لهذه «الأصول»، أي بتبعية الناس لها، وخضوعهم لمعاييرها. وهي سلطة معطاة سلفاً، باسم ما ليس اجتماعياً ولا مدنياً، وليست نتيجة لخيار إنساني ديموقراطي وحر. إنها سلطة ارتباط لا انعتاق. وسلطة تبعية لا استقلال. والفرق إذاً بين «سياسة» المعارضة، و «سياسة» الموالاة، هو عملياً فرق في الأشخاص والقيادات. ومن هنا تعمل المعارضة هي كذلك على تثبيت ما يجب أن يتغيّر، وتعطي شرعية لما يحول دون الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرياته.
لعلنا نجد هنا سبباً أساساً من الأسباب التي تُعيق التقدم العربي: فانحصار الصراع في «العمل» السياسي المباشر، في معزل عن «العلم» ليس إلا انحساراً: فالإنسان لا يتقدم بالسياسة وحدها، أو بإحلال نظام سياسي محل نظام آخر. لا يقدر أن يتقدم إلا إذا مارس اللغة الثقافية التي تتماهى مع تطلعاته ورغباته، بحيث يفصح عنها، ويُحققها، ويعيشها.
ألا يبدو في هذا الإطار، أن التاريخ الذي تكتبه السياسة العربية، موالاة ومعارضة، إنما هو تاريخ تكتبه المصادفات؟
ألا يبدو، تبعاً لذلك، أنه تاريخ لا معنى له، خارج المعنى الذي تحدده هذه المصادفات؟
*نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

لا يمكن أن تقول لمن قال، أذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فدر له الأيسر" "والذي قال "العين بالعين والسن بالسين"
بأن أحدهما على خطأ أو على صواب . فعامل الزمن والوقت والبيئة والمجتمع ، هما من يقرر ما يجب اتباعوه .
ما احوجنا الأن الى غاندي اليوم ، وما أحوجنا الى غيفارا قبل نصف قرن.
مشكلة عالمنا العربي بأنه يفتقر الى أدباء ثورة . أن ادب الثروة هو الذي يحرك الشعوب ، ويسير بهم الى الأنتفاضة التي تولد الحرية .
نحن العرب كلنا نريد بأن نكون اسيادا ، وقياداتنا المستهلكة التي أكل عليها الزمان ، و....؟
أصبحت هي التي تشجع الفساد والجرائم ، ما دام الفاسدون والمجرمون يعملون لجانب الحكومة لا ضدها . كأنهم أفهموا الشعب أسرق وانهب وارتشي وأعمل السبعة وذمتها ، ولكن كن معي ، ولا توجه سلاحك ضدي ، وأنا أدافع عنك وأنصرك .وأكبر مثل على ذلك سياسة أبو خراب عرفات . أنا اتحدى أي شخص يمكن القول بأنه كان فاسدا ، ربما خائنا ، ولكن ليس فاسدا ولم ينهب ثروات السلطة . ولكن سياسته أنه كان يشجع أعوانه على السرقة والنهب والفساد ، ما داموا يؤيدوه في كل صغيرة وكبيرة.
تصوروا السلطة التي كانت تنعم بها حماته ، والثروة التي جنتها بعد أن باعت له ابنتها لتاخذ مكان امها العشيقة له ، وتصبح زوجة تنعم بألوف الملاين. .
حكامنا أحجار شطرنج بأيدي تشيني ورامسفيلد والكوندليزا المغمورة. فأنهم يستعملون كل حيل اللعبة ، الأ سياسة ،"كش ملك "ربما يجيؤن بأساطيرهم وجيوشهم ليقلعوهم ، ويأتون بأسؤ منهم. أحب بأن اطمئن بأن ساجدة الرشاوي ، المرأة المتهمة بقضية تفجيرات الأردن لن تعدم . كما أنني ربحت رهانا بألف دولاربأن الموساوي لن يعدم ايضا . تماما كما لم يعدم من حاول قتل البابا السابق ، ومن قتل روبرت كندي . كذلك لم يعدم صدام كما أن نجليه عدي وقصي لم يقتلا كما شبهت لنا هوليوود مسرحية قتلهما . انهم يعيشان بشخصيات مختلفة في مكان ما ، يصرفون البلاين التي نهبوها من السشعب العراقي. وصدام بعد فترة ستساومه أمريكا ليقف المقاومة ، وينفوه الى أحدى الجزر الأمريكية .
لماذا لم بعدموا أو يقتلوا هؤلاء؟ الجواب واضح وصريح . أمريكا والموساد اشتروهم لينفذوا عملياتهم ووعدوهم بألا يعدموا. أتذكرون ما فعل الشعب بشاوسيسكو وزوجته برومانيا. حاكمهم الشعب ، وبعد ساعتين علقا فى أحدى الساحات برومانيا.
كلنا نتذكر سرحان سرحان الذي قتل انزه شخصية سياسية أمريكية ، روبرت كندي. لقد أعطوا أمه مبلغ مليون دولارا ، وطمأنوها بأنهم سيسجنوا ابنها ، وسيطلق سراحة بعد 18 عاما ليصبح مليونيرا بعدها. ولكن تخشى السلطات بأنه اذا تم أطلاق سراحه ، ربما سيوشي على الفاعلين الحقيقين . لذا أبقوه بالسجن ، بعيدا عن الأحتكاك بأحد . وأختاروه لكونه فلسطينيا ، وهو بعيد عن السياسة بعد الثرى عن الثريا.
بالله عليكم وضعنا لن يتحسن بمجيء بشخص مثل غاندي ، أو بأخر مثل غيفارا.
كان عندنا جمال عبد الناصر فقتلناه. كان عندنا الملك فيصل بن عبد العزيز فقتله كيسنجر . وكان عندنا الملك حسين فقاتله رحمة الله عليه المرض
اللهم أصلح الباقين . نحن بحاجة الى جمال وفيصل وحسين