الثلاثاء، مايو 30، 2006

أنتَ ندٌ لي


د. إلهام مانع


لو قلت لك إنكَ، وأنت الذكر الأوحد في مجتمعاتنا المحافظة، لا تخيفني كثيراً أو قليلاً، فهل ستنزعج؟
لو قلت لك إنكَ، وأنت الرجل، لا تثير في أي إعجاب أو تقدير إلا بمقدار ما تستحقه من إعجاب وتقدير، فهل ستغضب؟
ولو قلت لك، إني لا أرى فيك، كنتَ ما كنت، إلا نداً لي، ورديفاً لي، مساوياً لي، أنا، فأنا المقياس هنا والنموذج لا أنت، فهل ستثور في وجهي؟

حديثي لا زال معك أنت عزيزي القاريء،
نعم،
أنت المبتسم،
الرجل في مجتمعاتنا العربية عامة،
المسلم تحديداً،
وإبن شبه الجزيرة العربية خصيصاً.
إبن شبه الجزيرة العربية لا غيره.

أحدثك من جديد، لأن حديثي معك طويل طويل، تاريخه قديم كالأزل، وهو لا ينقطع.
فالوجع، مادام لازال داميا،ً لا ينقطع.
وأنت وجعي.
ألمي.
جرحي الذي يأبى أن يندمل.
أنتَ.
لا أحد غيرك.

أصارحك اليوم بوجهك كما أراه.
بشع هو يا عزيزي.
كدملٍ منتفخ.
فأنا مرآتك اليوم.
أنطق بما تقوله له،
وأحكي بما تفعل بي.

وأسألك لذلك أن تنظر إلي ملياً،
أن تتمعن في بقوة،
ثم قل لي ماذا ترى؟

هل تراني كياناً مساوياً لك؟
إنساناً تحترمه؟
نداً لك؟
فعلاً؟
إمرأةٌ تفخر بها؟

أسألك وأنا أذُكرك،
أذكرك بأختك التي تقدم لك كوب الماء كي لا تتحرك من مكانك.
أذكرك، بصوت أبيك وهو يصرخ في وجه أمك لأن الملح زاد قليلاً في وجبته المفضله،
بمشهده وهو ينشها عنه كذبابة عندما يغضب،
وبصورتها وهي تتراجع عنه مذعورة، مكسورة، مدحورة.
خائفة، يا للمسكينة.
أذكرك، بالنقاب تسدله على رأس أخواتك وإناثك، كفن أسود تريد أن تمحي به وجودهن.
غطي جسدك، شعرك، ثم وجهك.
ثم وجهك.
ثم وجهك.
كي تكوني بلا ملامح.
إمرأة بلا ملامح.
كي لا تكوني.
إمرأة بلا وجود.
كي لا تتنفسي.
إمرأة لا تتنفس الهواء نقياً.
كي تتحولي إلى شبح لا يترك أثراً.
إمرأة بلا أثر.

أذٌكرك بجسدها.
أختك، إمرأتك، والغريبة.
أجسادهن.
عورة؟
بضاعة متعة؟
أم كيان تحترمه؟

أُذكرك بالأسطوانة التي تسمعها كل يوم مكررة، كل يوم في صورة دينية، مجتمعية، أو قانونية.
"هي ناقصة عقل ودين".
"بل خلقت من ضلع أعوج".
"العواطف تغلب عليهن".
"وشهادتهن لا تصلح"."بل هن أصل البلاء والويل".
"أين الوصي عليها؟"
"ضربهن جائز".
"تزوج عليها تكسر عينها".

أذكرك بكل ذلك وأسألك من جديد،
هل ترأني نداً لك؟
كياناً مساوياً لك؟
فعلاً؟

وأعرف جواب بعضك.
لا كلك.
فليس الكل كالبعض.
وهو مخجلٌ، خاصة وأننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، لسنا في العصور الحجرية.
هل اندهشت؟
لكني على ذلك أكفيك رد السؤال وأقول لك،
لا تقلق.
فأنا أراك ندٌ لي.
نعم، فعلاً.
أنت ندٌ لي.
وفي كل الأحوال أعتبرك مساوياً لي.
نعم، مساوياً لي أنا.

صحيح أن عينيك لا زالتا تصرخان في بالقول إنك حقاً تعتبرني عورة، لكن هذا أمر متوقع، ولذا فإن جوابي يظل بسيطاً "هذا شأنك".
نعم.
شأنك الخاص.
والواقع، أن هذه مشكلتك أنت.
تعاني منها كمرض نفسي لا شفاء له.
فالعورة في عقلك أنت لا غير.
العورة ليست في جسدي.
ليست في كياني.
جسدي أفخر به.
وكياني كامل.
ولذا لن أُدخل نفسي إختياراً في شرنقة سوداء إرضاءاً لوساوسك الجنسية.
أن تكون مهووساً بالجنس تحديداً، لا يعني أن أصاب أنا أيضاً بالهوس الجنسي خصيصاً.
بل سأمزقها.
بيدي هاتين.
وأقطعها إرباً.
بأظافري هذه.
ثم أرميها في وجهك.
وإبتسامتي تسبقها.

العورة في عقلك وتفكيرك،
فحبذا لو غيرت تفكيرك إذن.
حان وقت إزالة عورتك من عقلك.
بمشرط حاد.
الآن لو تكرمت.

وصحيح أن لسانك يزعق في بلا صوت قائلاً إنك لا تراني إلا كياناً يحتاج إلى حمايتك، بيد أني مضطرة أن أخيب أملك وأنا أؤكد لك "لست في حاجة إلى حمايتك".
"فعلاً".
"لست في حاجة إلى وصايتك".
"في الحقيقة، لست في حاجة إليك إلا بمقدار ما تحتاجني".

ولأني أرى الأمر كذلك أقول لك بهدوء غير منفعل، بلا عواطف منزلقة، أو أحاسيس مخنوقة، إني لا أعترف بقوامتك علي.
لست قوام علي.
ليقل المجتمع ما يشاء، أنا من تقرر هنا، ولن أهبك طواعية تلك السلطة.

فأنا يا عزيزي امرأة حرة.
حرة.
لا تخيفُها كثيراً أو قليلاً،
لا تثيرُ فيها أي إعجاب أو تقدير إلا بمقدار ما تستحق،
ولا ترى فيك، كنتَ ما كنت، إلا نداً لها، رديفاً لها، ومساوياً لها.

فهل ستغضب؟
elham.thomas@hispeed.ch

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

I'm impressed with your site, very nice graphics!
»