الجمعة، فبراير 24، 2006

مقدام


قصة قصيرة بقلم حسن عبدالرزاق
نقلاً عن دروب
هذه المرة فقط .. وبعد سنة ونصف من الأمل.. حط طائر الحظ على شبابه.فقد جلست إلى جانبه فتاة جامعية .. وهذا حلم تمناه منذ أول سفرة إلى أهله عندما تعين في مدينة البصرة التي تبعد عن مدينة الناصرية بمسافة مئتي كيلو متر .طفى على موجة هائلة من الزهو .. إن جليسته السمراء كتلة من العطر والأصباغ والشعر المبعثر الجميل ..ووراءه في المقاعد حشد من الجنود والركاب .. لاشيء يشعل غيرتهم وحسدهم اكثر من جلوس فتاة مسافرة إلى جانب رجل غريب عنها.. وهو طالما تمنى إن يصبح محسودا في يوم ما على فتاة يصطحبها أمام أنظار الآخرين.طبعا لم يتعب رأسه بالتفكير عن مفتاح للحديث معها. فروايات العشق علمته مفاتيح عدة للتحدث مع الفتيات اللواتي قد يجمعه بهن الحظ أو الصدفة ..وهو ألان يمتلك استهلالا عاطفيا.. سوف يذيب وقارها الذي بدت عليه عندما يتكلم به ..ويفتح بابا للعلاقة مع أول فتاة في حياته..وبسبب ذلك انتظر مغادرة السيارة ووصولها إلى الطريق الخارجي حتى يهطل أمطار غزله عليها .. وطبعا هذا لن يحصل الا بعد إن يجس النبض من خلال تقريب فخذه من فخذها المجاور له.كان الصباح الشتائي بارد الهواء .. تغلف سماؤه غيوم كثيفة .. وكانت النوافذ رغم إحكام غلقها تسرب إلى الداخل بردا يلسع الوجوه حد التيبس.تحركت السيارة ….وبعد عشر دقائق صارت على الطريق الخارجي فشعر مقدام بان الحديث معها بصوت هامس اصبح ممكنا .. خصوصا وان المحرك القديم كان يرسل زعيقه بشدة تصم الآذان ..كما إن بعض الركاب هرعوا إلى النوم كأنهم فارقوه منذ سنين طوال.عدّل جلسته بحركة لم تثر ريبة الفتاة .. ولمحها بطرف عينه المجاورة لها .. فوجدها ترنو إلى الأمام بنظرة ذات لطافة مغرية خلت من الصرامة التي كانت عليها حين ركبت. .في حين ندت عن أصابعها حركات خفيفة متناغمة مع إيقاع الأغنية التي كان يبثها مسجل السيارة.شجعته وضعها هذا ..والأكثر من ذلك شجعه فخذها الشمال الذي اقترب من فخذه هو لدى انعطاف السيارة قليلا.(لقد وقعت في غرامي ..أوقعها هدوئي وشبابي وبدلتي الرمادية التي تعكس درجة وظيفتي ..فهي بدلة لا يرتدي مثلها إلا الموظفون من أصحاب الشهادات. . إن حركة أصابعها وفخذها ونظراتها المتحايلة تنتظر مني المبادرة).تدفق في داخله أمل كبير باخضرار صحراء شبابه ودخوله عالم العاشقين الذي رآه في الكتب والسينما فقط .. فبدا يبحث عن لسانه .. وبعد بضع دقائق عثر علية وثبته في قعر فمه .. ثم رتب عليه أول جملة من الجمل التي يستهل بها الحديث مع الفتاة وعصر كفيه ببعضهما ليضبط النبرة الخفيفة الهامسة لصوته عندما ينطق.لكن الحديث لم يبدا أبدا .. والجملة التي رتبها تبعثرت إلى نثار من حروف صغيرة هيهات جمعها.. إذ في اللحظة التي أراد بها إن ينطق الكلمة الأولى ..أحس بانقلاب الفصول وحّل الصيف الساخن محل الشتاء البارد وبدلا من إن يمطر لسان مقدام الكلام ..مطر وجهه عرقا ساخنا غزيرا جعله يقطع المسافة كلها منشغلا بتجفيفه فقط.

ليست هناك تعليقات: