الجمعة، يونيو 30، 2006

كي لا تفسد الخلافات السياسية للود قضية!

د. لؤي صافي*

تعرضت الدول العربية على مدار نصف القرن الماضي إلى سلسلة من الإخفاقات السياسية والعسكرية في مواجه تحديات الداخل والخارج. فقد عجزت الأنظمة العربية عن تحقيق الوحدة التي تغنت بها طويلا، وجعلتها شعارا وطنيا لها، بدءا بالوحدة الثنائية بين مصر وسوريا، ومرورا بمشروع الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، ومشروع الوحدة الثلاثية بين سوريا ومصر وليبيا، ومشروع الوحدة بين مصر وليبيا والسودان، وانتهاء بالوحدة الثنائية بين سوريا والعراق التي لم يكتب لها النجاح رغم تشابه الرؤية السياسية. وتكاد الوحدة اليمنية تشكل حالة الإستثناء الوحيدة التي تبعث الأمل في إمكانية الوحدة.

كذلك أخفت الأنظمة العربية في تحقيق النصر في سلسلة الحروب التي خاضتها مع أعدائها المتربصين بها، بدأ من حرب حزيران، ومرورا بحرب تشرين التي شهدت نصرا جزئيا، وانتهاء بحرب العراق. ويكاد تحرير الجنوب اللبناني بجهود رجالات المقاومة يشكل الاستثناء الوحيد الذي يظهر إمكانية النصر عندما تجتمع القلوب، ويصبح المواطن شريكا في بناء الوطن والدفاع عن حياضه.

وبالمثل أخفت الدول العربية في تطوير أنظمة تعاون سياسي واقتصادي. فجامعة الدول العربية أقرب إلى المؤتمرات الدورية التي يتبادل الحضور فيها الآراء منها إلى مؤسسة عربية تسعى إلى تطوير سياسات أمنية واقتصادية مشتركة، والسوق العربية المشتركة لازالت حلما بعيد المنال.

سلسلة الإخفاقات التي شكلت والوعي العربي خلال العقود الخمسة الماضية أضعفت شعور المواطن العربي بالمسؤولية الوطنية، وأضاعت ثقته بنفسه وبقدرته على بناء الداخل ومواجهة تحديات الخارج، وحولته إلى مراقب للأحداث، وناقد لاذع لا يملك إلا الشكوى وإلقاء التهم جزافا، وتحميل مسؤولية عجزه وفشله على الإنظمة العربية تارة، والغربية تارة أخرى، دون استشعار أي مسؤولية شخصية.

يكمن، في تقديري، موطن الفشل في الحياة السياسية العربية في القطعية والوثوقية في التعامل مع مسائل الخلاف وقضايا التنوع والاختلاف، وغياب المهارة في الحوار، والميل إلى استخدام القوة والعنف في حل المشكلات. فالقطعية والوثوق يحولان دون الرغبة في فهم الرأي الآخر واحترام الموقف المغاير، وغياب المهارة في الحوار تحول دون تفاهم القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، وتمنع تناصفها عبر حلول تعكس رؤاها المتخلفة وحاجاتها المتنوعة.

القطعية في الحكم على الأحداث، والوثوق من الصواب المطلق للموقف الذي يتخذه الفرد والجماعة يجعلان التفاهم بين الجماعات الاجتماعية والسياسية والدينية المختلفة مستحيلا، ويحولان خلاف الرأي والرؤية إلى اختلاف في القلوب وفي الولاءات، ويحيلان المغاير في الفهم والرأي إلى خائن عميل في الدوائر العلمانية أو إلى كافر زنديق في الدوائر الدينية، والمشكلة هي هي، مشكلة الفهم الوثوقي.

الوثوقية في القناعات والقطعية في الحكم يجعلان الحوار صعبا، والتعاون مستحيلا، ويحيلان الخلافات الفكرية إلى انقسامات اجتماعية وصراعات سياسية، وبالتالي يجعلان الوحدة الوطنية حلما بعيد المنان، ناهيك عن الوحدة بين دول مستقلة. فلا عجب إذن أن عجزت الأنظمة العربية خلال العقود الماضية عن تحقيق الوحدة بين الدول المستقلة بعد أن فشلت في تحقيق الوحدة الوطنية داخل بلدانها وبناء السلم الاجتماعي بين مواطنيها. ولا غرابة في أن يخفق العرب في التصدي إلى العدوان الخارجي، بعد أن أصبح بأسهم بينهم شديد، فاستخف بهم أعداءهم المتربصين.

وتزداد حدة الصراع والانقسام بين الإخوة يوما بعد يوم، وتزداد معها المنظومة العربية تشرذما وضعفا، كما تزداد شراسة الطامعين وتسلطهم. ولا مخرج من المأزق الحالي إلا في الوحدة الوطنية والوفاق بين القوى السياسية الفاعلة، والتزام الجميع بقواعد للعمل السياسي تقوم على احترام الخلاف، وإبقاءه خلافا على مستوى الرأي والفكرة، لا على مستوى القلوب، والاحتكام إلى القوانين التي تحفظ الحقوق، وتمنع الظلم والعدوان، بدلا من الاحتكام إلى القوة والعنف، وإلى إرادة الشعوب وخياراتها المصيرية، بدلا من إملاءات الطامع المستخف.
استخدام القوة والعنف للحفاظ على تماسك المجتمع المدني قد يمنع الانقسام الداخلي إلى حين، لكنه يحيل المجتمع إلى بركان هامد قابل للإشتعال وإحراق الأخضر واليابس لدى تعرضه لأية هزة، كما يحدث اليوم في العراق. والتعاون والتعاضد بين القوى السياسية يحيلان المجتمع الصغير إلى قوة اجتماعية وسياسية وعسكرية هائلة، ويمكنانه من تحقيق الحرية والسيادة له والكرامة لأبنائه، كما حدث للمقاومة الباسلة في لبنان، التي استمدت قوتها من التفاف الشعب اللبناني بمختلف فئاته حولها، وتكاتف شعوب المنطقة العربية والإسلامية معها، ودعم كفاحها لتحقيق استقلالها وسيادتها على كامل ترابها.

الوحدة الوطنية لا يمكن أن تنبنى على التطابق في الرؤى أو الآراء، بل على احترام الخلافات، وإبقائها على مستوى الخطاب الفكري والسياسي، ورفض تحويلها إلى خلافات شخصية واتهامات وطنية أو أخلاقية. كذلك فإنها تنبنى على الوفاق الوطني والاحترام المتبادل بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والفكرية والاجتماعية، والاعتراف بحقهم في بناء الوطن. والوحدة العربية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحقيق وحدة وطنية بين أبناء المجتمعات السياسية العربية المختلفة. وسيادة الدول العربية واستقلالها لن يكتمل إلا عبر تحقيق درجة عالية من التعاون السياسي والاجتماعي والأمني.

حلقات الوفاق والوحدة والسيادة حلقات متداخلة يأخذ بعضها برقاب بعضها الأخر، تجتمع معا لتحول الإنسان الفرد من دائرة الرعية إلى دائرة المواطنة، وتحول المجتمع العربي من مجتمع ينقسم بين سادة وعبيد، إلى مجمع أحرار يثريه تعدد آراء ابناءه ومواقفهم وقراراتهم، ولايفسد خلافهم للود قضية.

ISNA*مدير مركز
للتنمية القيادية
انديانا – الولايات المتحدة
louay@isna.net

وديع سعادة في حوار مع شوقي مسلماني: ما حُذِف يتضمّن كلمة الله



يحظى الشاعر وديع سعادة باهتمام النقّاد والقرّاء على نحو متزايد سنة بعد سنة منذ مجموعته الأولى "ليس للمساء أخوة" التي صدرت في عام 1978 وحتى مجموعته الأخيرة "رتْق الهواء" التي صدرتْ في أوائل العام الجاري، ومنشأ هذا الإهتمام ليس أسلوب سعادة المتميّز في الحفر، وهو الأسلوب الذي يتبنّاه باندفاع شعراء شباب كُثُر في العالم العربي وتحديداً في مصر ... ومنشأ هذا الإهتمام ليس أيضاً بلاغة الصورة في شعره وحسب، بل أيضاً للأعماق السحيقة التي يتّصف بها شعره إنسانيّاً بالدرجة الأولى. ولذلك يشدّد سعادة على تفضيله أن يكون "يساريّاً حتى العظم" لفضح "ما يقترفه اليمين ضدّ الأمم والشعوب والجماعات والأفراد والإنسانيّة عموماً"، فاليساريّة هي "المعارضة لا الموالاة بالمعنى الواسع والعميق للكلمة. إنّها الإدّعاء العام على ما يجري وليست الدفاع. إنّها عين الناقد وليست عين المدّاح".
وأكثر من ذلك فيرى الشاعر وديع سعادة أنّ الشعر "هو سياسة أيضاً" فلا فصل مطلقاً وإذا الشعر هو السياسة بامتياز فبشرط سموّ السياسة بما هي "تمرّد ورفض ونقد واستشراف".
ووديع سعادة المتابع النهِم لعالم الشعر الحرّ والقصيدة النثريّة هو صاحب وجهة نظر في ما يُثار مِنْ جدل مستمرّ عربيّاً حول الشعر الحديث، ويؤكّد أنّ هذا الشعر قد تخطّى ذاته عربيّاً أيضاً "في مفاهيم جديدة ورؤى جديدة وأشكال جديدة" وعليه فلا مسوّغ لمؤتمر يتناول قصيدة النثر بعد خمسين سنة من عمرها وكأنّها لا تزال في سنتها الأولى. ويقول سعادة بهذا الخصوص أنّ "المؤتمر الذي عُقِد في بيروت أعتبرُه مؤتمراً سلفيّاً مضى عليه الزمن. نحن في زمن آخر وفي شعر آخر".
ويستنكر وديع سعادة عموماً كلّ أشكال السلفيّة التي تطغى لتعبث بانغلاقها حتى بالشعر، وهو ما يُفسّر حذف كلمة "الله" في العديد من قصائده التي وردتْ في كتاب صدر عن "الهيئة العامّة للكتاب في مصر" ضمن سلسلة "كتابات جديدة"، وهذا الحذف بتأكيد سعادة "جعل تلك القصائد مشوّهة فعلاً، الأمر الذي يسيء بالتأكيد إليّ وإلى شعري".
وليس ما سلف هو كلّ ما يُقلِق الشاعر وديع سعادة، فإلى هذا الحوار معه:
* "رتْق الهواء" هو مجموعتك الشعريّة التاسعة بعد "ليس للمساء أخوة"، "مقعد راكب غادر الباص"، "محاولة وصل ضفّتين بصوت" وغيرها من المجموعات، وفي جميعها أنتَ أبداً تنشد خلاصاً لا يأتي. هل تعتقد فعلاًَ أنّك بالشعر ممكن أن تنجو؟.
** قد يكون الشعر ورطة، وبالتأكيد هو ليس خلاصاً. أقصد ورطة التوهُّم بأنّه قد يحمل خلاصاً ما، خلاصاً ذاتيّاً للحظة فقط هي لحظة الكتابة.
لم أذهب في وهمي يوماً إلى حدّ الإعتقاد بأنّ الشعر قد يكون خلاصاً للعالم إنّما كتبتُ دائماً من منطلق وهم خلاص ذاتي لحظوي أجمل ما فيه، ربّما، تبديد لحظات من الوقت. هكذا، بالكتابة، نحاول تحويل لحظات الزمن الثقيلة إلى لحظات أخفّ، لكي يعود بعد ذلك كلّ شيء كما كان ولكنْ مع شعور وهمي آخر هو شعور النصر على برهة من الزمن وبأنّنا صنعنا هذه البرهة كما نحن نريدها لا كما تريد هي أن تكون.
* في مجموعتك "نصّ الغياب" قلتَ وداعاً للكتابة ورغم ذلك ما لبثتَ بعد سنتين أن أصدرتَ مجموعة "غبار" ثم "رتْق الهواء". أحقّاً كنتَ تفكّر بهجر الكتابة؟ أم كنتَ تقارب الهزيمة في حدّها الأقصى من زاوية الإستسلام في حدّها الأقصى أيضاً؟.
** الوقت، الوقت. ماذا أفعل بالوقت؟ هذا السؤال هو الذي، على الأرجح، أعادني إلى الكتابة. وهذه العودة كانت ربّما كما قلتَ أنتَ مقاربة الهزيمة في حدّها الأقصى من زاوية الإستسلام في حدّها الأقصى أيضاً.
قلتُ سأهجر الكتابة وهجرتُها فعلاً زمناً ليس قصيراً. لكنّه كان زمناً ثقيلاً فقلتُ أبدّد منه لحظات بالكتابة فكتبتُ "رتْق الهواء" وبدأته بالقول: "إنّني أبدِّدُ الوقت".
إذا كانت الهزيمة بلغتْ حدّها الأقصى فلماذا لا أستسلم لها إلى الحدّ الأقصى؟ وهذا الحدّ الأقصى من الإستسلام كان بالنسبة إليّ العودة إلى الكتابة.
* ما هو تقويمك للنقد في العالم العربي اليوم وبالتحديد نقد الشعر، وهل فعلاً سنة ضوئيّة تفصل ما بين المُنتَج الشعري والمُنتَج النقدي؟.
** أرى أنّ نقْدَ الشعر تخلّف عن مواكبة الشِعر ليس اليوم فحسب بل منذ ستينات القرن الماضي. الوليد المختلف لم يحظَ بفهم مختلف ورؤية مختلفة. ظلّ النقد أسير زواياه وأقفاصه، فيما انطلق الشعر إلى أجواء وأمكنة جديدة.
للشِعر الجديد مفاهيم جديدة ورؤى جديدة .. إلاّ أن النقد تعامل معه من منطلقين: إمّا بذهنيّة قديمة تتلخّص بالرفض الأعمى لهذا الشعر وهو ما أسمّيه النقد الإقصائي، وإمّا باستسهال وعجلة اتّسَمَ بهما النقد الصحافي الذي يكتبه النقّاد في الصحف، وكأنّما فقط لتأدية وظيفتهم في الصحيفة التي يعملون فيها، وهو ما يمكن تسميته بالنقد الوظيفي.
كذلك أفسدتْ هذا النقد الإعتبارات الشخصيّة والمصلحيّة والعلاقات العامّة بين الناقد والمنقود ما جعل أحياناً من زؤان الشعر قمحاً ومن قمح الشعر زؤاناً.
مسألة أخرى وهي أنّ النقد العربي عموماً لديه ما هو أشبه بـ "عقدة نقص" تجاه الأسماء الشعريّة "المشهورة" ما يجعله يكيل المديح دائماً لصاحب الشهرة مهما كانت نوعيّة كتابته من دون عناء تمحيص أو نقد جدّي عميق.
* في أحدى الجلسات أبديتَ تذمّراً من دور النشر والتوزيع العربيّة، هل لهذا التذمّر علاقة مباشرة بمجموعتك الأخيرة "رتْق الهواء"؟.
** دور النشر والتوزيع العربيّة هي دور تجاريّة همّها التجارة أوّلاً والتجارة أخيراً وليس بينهما حقوق الكاتب أو المعنويّات الأخرى. بالنسبة إلى "رتْق الهواء" أو مجموعاتي الأخرى أو أيّة مجموعة شعريّة لغيري لا يخرج الأمر عن هذا المفهوم، كما أنّ هذا المفهوم لا يقتصر على دار بعينها بل يشمل كلّ الدور العربيّة.
* الهيئة العامّة للكتاب في مصر أعادتْ منذ سنة تقريباً نشر العديد من قصائدك في كتاب (310 صفحات) ضمن سلسلة "كتابات جديدة"، وجرى تشويه بعض القصائد مِنْ خلال اقتطاع أسطر ومفردات، فهل تمّ ذلك بالإتّفاق معك؟ هل هو مقصّ الرقيب؟ هل هي الرقابة الذاتيّة التي تفرضها على نفسها الهيئة العامّة للكتاب في مصر؟.
** خلال زيارتي القاهرة عام 2001 جرى اتّفاق خطّي بيني وبين المسؤولة عن سلسلة "كتابات جديدة" الشاعرة سهير المصادفة وفي منزل الشاعر أحمد طه وبحضوره وشهادته. وتضمّن هذا الإتّفاق موافقتي على إعادة نشر ما تشاء الهيئة العامّة للكتاب من قصائدي ولكن بشرط أساسي هو "عدم حذف أو تغيير أي جملة أو أي كلمة" في هذه القصائد. لكنْ ما جرى أنّ جُمَلاً وكلمات حُذِفتْ من سياق أكثر مِنْ قصيدة ما جعل تلك القصائد مشوّهة فعلاً، الأمر الذي يسيء بالتأكيد إليّ وإلى شِعري.
لا أعرف سبب الحذف والإلغاء، ربّما هي الأصوليّة الدينيّة في مصر التي دعت الهيئة العامّة للكتاب إلى اقتراف ذلك، لا سيّما أن معظم ما حُذِف يتضمّن كلمة "الله". ولذلك فإنّ شكري للهيئة العامّة للكتاب على اهتمامها بإعادة نشر شعري لا يمنعني مِنْ أنْ ألومها على عدم التقيّد بالإتفاق الذي جرى بيننا، إذْ كان عليها عدم نشر تلك القصائد إذا كانت لديها اعتبارات خاصّة، فذلك كان أفضل مِنْ نشرها مشوّهة.
* ماذا يعني لكَ أنْ يُعقد مؤتمر بمناسبة مرور نصف قرن على ولادة قصيدة النثر وذلك أخيراً في بيروت؟ هل اطّلعتَ على المداخلات التي أُلقيتْ في هذا المؤتمر أو بعضها على الأقلّ؟.
** قرأتُ كلّ مداخلات المؤتمر وما كُتِب عنها وعنه من تعليقات وخرجتُ باقتناع تقريباً أنّ العرب ما زالوا وكأنّ قصيدة النثر في السنة الأولى مِنْ ولادتها عندنا.
لا أعرف ما استدعى عقد هذا المؤتمر!. هل هو التأكيد على شرعيّة قصيدة النثر وشعريّتها وقد مضى عليها مكرّسةً شرعيّاً وشعريّاً نصف قرن؟ لو عُقِد هذا المؤتمر قبل 50 عاماً لقلنا نحتاج إليه، أمّا اليوم فما هي الحاجة؟ ثمّ هل لا يزال الشِعر العربي اليوم في مرحلة "قصيدة النثر" بمفاهيمها السابقة كما أوردتها سوزان برنار ونقلَها عنها بعض الشعراء العرب؟ بالتأكيد لا. نحن اليوم في ما بعد قصيدة النثر، في مفاهيم جديدة ورؤى جديدة وأشكال جديدة للشِعر تكسر غالباً الأشكال المتعارف عليها. المؤتمر الذي عُقِد في بيروت أعتبرُه مؤتمراً سلفيّاً مضى عليه الزمن. نحن في زمن آخر وفي شِعر آخر.
* أتعتقد أنّه من الخطأ الزجّ باسم الشاعر المتنبّي في حمأة الجدل الذي لا نهاية له على ما يبدو بين أنواع الشعر وخصوصاً بين قصيدتي العامودي والتفعيلة من جهة وقصيدة النثر من جهة أخرى أو بين الكلاسيكيّة من جهة والحداثة من جهة أخرى؟.
** أعتقد أنّ الزجّ بالمتنبّي في هذا الجدل هو أكثر "خطأ" مِنْ عقد مؤتمر لقصيدة النثر، وينمّ عنْ ذهنيّة أكثر سلفيّة. نحترم الماضي بالتأكيد، ولكنّنا لا نحترم إيقاف الزمن، فأنا أرى أنّ الشعر مثل أي شيء آخر هو للحاضر وللمستقبل وليس للتجميد في الماضي مثلما كان الشِعر الماضي ليس تجميداً لماضيه أيضاً.
* البعض يهوى التصنيف شِعراً، فيقول: جيل الستينات وجيل السبعينات وجيل التسعينات ... إلخ. هل تؤمن بهذا التصنيف؟ ما الحكمة وراء هذا التصنيف؟ أم الأمر مجرّد استسهال؟.
** حتى لو افترضنا استخدام هذه التصنيفات لتحديد فترات زمنيّة للإنتاج الشعري، فإنّ هذا الإفتراض لا يصحّ لأنّ شعراء الستينات أو السبعينات مثلاً لم يتوقّف إنتاجهم في تلك العقود، ولذلك لا يجوز حصرهم في عقْد معيّن. كذلك هناك مِنْ "جيل التسعينات" مَنْ يكتب بذهنيّة "جيل الستينات"، ومِنْ "جيل الستينات" مَنْ يكتب بذهنيّة "جيل التسعينات" وهلمّ جرّاً ... إذن إنّها تصنيفات غير دقيقة، ولا تحمل صحّة تعابيرها.
* ما هو تعريفك لمفردتي المعاصرة والحداثة؟ وهل المعاصرة والحداثة هما في الزمن أم في الإبداع؟.
** قد أكون معاصراً، أي أعيش في هذا العصر، وذهنيّتي تنتمي إلى عصر آفل، فأنا لستُ حداثيّاً إذن ولو أنّني في عصر حديث. المعاصرة هي في الزمن، لكنّ الحداثة ليست زمنيّة بالتأكيد. كلّنا اليوم معاصرون، لكنّ الحداثيين قلائل بيننا.
* هل يمكن فصل الأدب والفنّ عموماً عن السياسة؟ وإذا لا، هل للإلتقاء بينهما حدود؟ وإذا نعم، هل للإنفصال بينهما حدود؟.
** الشعر سياسة أيضاً، بمعنى الرؤية إلى أمور الحياة والموقف منها ومفهوم الوجود على ما هو عليه وما يجب أن يكونه وبمعنى التمرّد والرفض ونقْد الحاضر واستشراف المستقبل ... هذه هي السياسة بمعناها السامي. والشِعر هو أعلى مستويات سمّوها. لذلك لا فصلَ بين السياسة والشِعر إذا كان الشعر بهذا السموّ السياسي، لكنْ إذا تدنّى الشِعر إلى مستوى السياسة المتدنية، لا يكون هو شِعراً سامياً، ولا السياسة كذلك.
* إذا جرى تصنيفكَ كيميني أو كيساري أيّ التصنيف تختار؟ بسؤال أدقّ: هل أنتَ يميني أم يساري؟.
** لا أعتقد أنّ هناك مثقّفاً حقيقيّاً ينتمي إلى اليمين، لا سيّما في هذا العصر. هناك كتّاب يمينيّون طبعاً، ولكن ثمّة فرق كبير بين الكاتب والمثقّف. الثقافة، في رأيي، هي يساريّة دائماً. إنّها المعارضة لا الموالاة بالمعنى الواسع العميق للكلمة. إنّها الإدّعاء العام على ما يجري وليست الدفاع. إنّها عين الناقد وليست عين المدّاح. إنّها، اليوم في الأخص، فضْح ما يقترفه اليمين ضدّ الأمم والشعوب والجماعات والأفراد والإنسانيّة عموماً، ورفض هذه الإقترافات والتمرّد عليها.
على الثقافة اليوم وفي كلّ عصر، ربّما، أن تقول "لا" وليس "نعم"، أن تكون يساريّة لا يمينيّة. ولذلك أفضّل أنْ أكون يساريّاً حتى العظم.
Shawki1@optusnet.com.au
موقع الشاعر وديع سعادة:
بريده الألكتروني

الثلاثاء، يونيو 27، 2006

إرهابيون في السعودية.. مجاهدون في العراق


حسن عبدالرزاق
انها ارادة الخطاب الاعلامي العربي في صنع صور المجرمين حسب المواصفات . فممكن جدا إن يحملوا صفتهم الاساسية ( قتلة ) وممكن إن يتحولوا إلى نقيضها ويصبحوا ابطالا يدافعون عن امة الله العليا ضد الكفار اصحاب الكلمة السفلى.
فنان ماهر اعلام امة عدنان وقحطان .. له دوافعه (الفنية) الخاصة في خلق سمعة الرجال وله اساليبه الرهيبة في جعل الملايين المحبوسة ما بين مياه المحيط والخليج تتقبل هذه السمعة وتستحسنها أو تنفر منها وتغرقها بالشتائم.
فالقاتل نفسه : بلحيته الصحراوية وثوبه القصير وسيارته المصنوعة في بلاد الشيطان والمفخخة بالبارود الذي اخترعه ذات يوم احد الشياطين .. هذا الارهابي يصبح مجاهدا ، أو في اسوا وصف له انتحاريا يستحق ذكر افعاله بصوت عال ، عندما يتعلق الامر بالعراق.. ويصبح ارهابيا ، تكفيرا، سلفيا، حين يتعلق الامر بالمملكة العربية السعودية.
في العراق يوصف بالمجاهد أو الانتحاري لانه يقتل عمال البناء وسائقي السيارات ورجال الشرطة وباعة الخضروات واطفال المدارس .. وفي السعودية يوصف بالارهابي لانه يهاجم القواعد الامريكية .. وما القواعد الامريكية الا الكعبة الثانية .. وويل لكل كافر يريد إن يعيد زمان ابرهة الحبشي ..ويل له.
الله في العراق له صفات .. والله في السعودية له صفات مغايرة تماما .. والقاتل الهمجي يأرجحه الاعلام العربي بين صفتين متناقضتين تفرضها ارادة الخلفاء المسجلين بالجامعة العربية بعناوين اخرى مثل ملك: ، رئيس ، امير…..الخ.
لماذا العراقي كافر وقاتله مجاهد مأواه الجنة .. والامريكي في السعودية مؤمن وقاتله ارهابي مصيره النار؟
الجواب لان الرب السابق للعراق قدم جسدنا كبش فداء للامة العربية في قادسيته الشهيرة ونحره تحت اقدام اشقائه وجعل دماءه تسيل على الأرض وباستطاعتهم إن يدوسوا عليها متى ماشاؤا فصار رخيصا لا قيمة له ولا اهمية لوجوده ابدا.
هذه هي الحقيقة ولا اخت اخرى لها وبسببها تحولنا إلى كائنات تافهة لاتستحق الحياة في نظر صناع الخطاب الاعلامي في الاقطار العربية التي تشهر بنا جهارا نهارا .. وفي الخفاء تخلع حتى ورقة التوت عن اجسادها وتستلقي على سرير الفحل الامريكي مع ابتسامة عريضة جدا جدا.
دروب

الأحد، يونيو 25، 2006

أسامة" بن لادن،..أما آن لك أن تخجل؟!



بقلم د. إبراهيم عباس نـَتـّـو
عميد سابق في جامعة البترول


كان في فجر الجمعة، 23 من يونية 2006م/ 27من جمادى الأولى 1427هـ، في مدينة الرياض السعودية آخر عمليات المواجهة مع الجماعات الإرهابية التي يقودها مباشرة أو عن بعد سيء السمعة صاحب تورا بورا، مهندس الخراب بن لادن.. الذي أنشأ و لا يزال يقود و يشرف على المنظمة الإرهابية العالمية "القاعدة". نرجو أن تكون تلك العملية هي مؤشر النهاية.

مات سبعة في تلك العملية الأمنية، ستة كانوا من الإرهابيين السبعة الذين تمت مداهمتهم وقتها، و واحد من جنود الأمن البواسل. و كانت تلك العملية مع تباشير ذلك اليوم المقدس من العطلة الأسبوعية في حي النخيل في مدينة الرياض؛ و أعلن وقتها عن اعتقال اثنين آخرين.. ثم أعلن في اليوم التالي عن 40 آخرين كان قد تم اعتقالهم خلال الأسابيع القليلة الماضية في مختلف أنحاء البلاد، بما شمل الرياض، والمناطق الشمالية و مكة المكرمة و المنطقة الشرقية. لقد كانت العملية السابقة لهذه قد تمت في نهاية فبراير/ شباط (شهر المحرم) من نفس هذه السنة.. و في سلسلة متواصلة من الأعمال الإرهابية خلال السنوات الأربع الماضية شملت عدة مدن في أنحاء البلاد بما لم يستثن منها حتى مكة المكرمة و المدينة المنورة.

لا نقبل استمرار هذا العنف وهذه الأعمال الإرهابية التي يقوم بها سيئ الذكر صاحب تورا بورا و زبانيته في أنحاء شبه الجزيرة العربية و ما وراءها، مثل العراق، و في أصقاع عدة في أوربا، كما في محطات القطار/ مترو أنفاق مدريد عاصمة إسپانيا..الدولة الصديقة المؤوية لمئات الآلاف من العرب والمسلمين...و كان ذلك في 13 من مارس 2005م؛ ثم في مدينة لندن.. في 7-7-2005م؛ و غني عن التذكير الانفجارات و التدميرات التي حدثت في عمان، الأردن..و في شرم الشيخ، مصر.
لقد تواصلت عمليات القاعدة – لا تمّ لها قعود و لا بقاء!-- فطالت مواقع سالمة مسالمة و مهمة للقضايا العربية بعامة و الفلسطينية بخاصة (كما في مدريد.. التي كانت أثناء حدوث التفجيرات الإرهابية في وقت كان الشعب الاسپاني في طي تخلصه من رئيس الوزراء المتحالف مع امريكا في احتلال العراق..) فکان من سوء الطالع أن جاء تنفيذ الانفجارات و إزهاق الأرواح البريئة في ذات الوقت الذي كان الشعب الأسپاني يستعد لاختيار و تنصيب رئيس جديد ذي سياسة مختلفة مخالفة لسلفه.. فجاء الإرهاب القاعدي جزاء سيئاً و لطمة للشعب الأسپاني ..و تهنئة غير مهذبة للرئيس الجديد ..ذي الفكر المغاير.

أما في العراق، فقلوبنا مع العراق و أهل العراق..كما هي قلوبنا مع في كل مكان: في مصر العروبة .. في شرمها و في أسوانها و بقية مواطنها المتألمة؛ و في عمان الأردن؛ و بقية المواطن .. كما هي قلوبنا تماماً مع أهلنا و ذوينا في الرياض، و عرعر، و جيزان، و الخبر، والقصيم، و بقية أنحاء البلاد.. بما يشمل بالطبع موقعي الحرمين في الحجاز.

لقد فاض فيضان الدم والحزن و الغضب.. في أنحاء العراق، في وسطه و حول عاصمته، و خاصة في بعقوبة و مدينة الصدر والدورة و غيرها؛ وفي غربه..في الفلوجة و ما حولها في أنحاء الأنبار؛ و في جنوبه حيث عمي البصر في البصرة..و لم تسلم المناطق الشرقية المتاخمة لإيران ..بل و لم تنج المناطق الشمالية ..في أكثر من موقع في كردستان العراق. و صارت المحرقة البشرية منظراً شبه يومي، عياناً بياناً، حيث يتم نقل الجثامين البشرية المتشظية أمام كاميرات العالم...من الميادين العامة و المطاعم ... بل و حتى دور العبادة على مختلف المذاهب و الطوائف و الأديان.

لقد طفح الكيل! و لقد عاث البنلادنيون فساداً في عدد من الأصقاع..و بمسميات عدة متنوعة و متجددة تحت راية "أبي" كذا و أبي هذا و أبي ذاك..و ما هم إلا آباء الدمار و الشنار.. المعتمد على سحل رقاب الناس الآمنين الأخيار. لقد ضربوا بمعاول تخريبهم و قنابل تدميرهم ما عنَّ لهم أن يضربوا..و لم ينج من بأسهم الشرير حتى المواقع المقدسة و مواضع العبادة المتعددة..مثل مرقدي الإمامين في سامراء..و كذلك قبلهما و بعدهما من مختلف المساجد و المآتم.

لقد اعتمد أولئك الإرهابيون على تجنيد المئات و الآلاف من الشباب و المغرر بهم من الصائعين الضائعين العاطلين الباطلين..و استغلوا نقاط ضعف هؤلاء و قلة تعليمهم و تدني تمهنهم.. فتجنيدهم في السلك الإرهابي لا يحتاج في الغالب إلى شهادة عليا و لا دبلوم خاص و لا دراسة مسهبة.. بل و لا حتى التفكير.. فيما عدا ربما توجيهات "الأمير". فقام الإرهابيون باستغلال أولئك الشباب أسوأ استغلال.. بدلاً من أن ينخرط (هؤلاء و أولئك..) في عمليات البناء و التعليم و التثقيف والإنشاء في الأعمال و المهن المنتجة التي تساهم في رفع شأن هذه الأمة المتألمة.

تجدد العنف و الإرهاب. بينما بدأت العلاقات السعودية الأمريكية تستعيد بعض عافيتها إلى شيء من التحسن.. بعد فترة طويلة من البرود و الجمود طالت الخمس سنوات الماضية..و بعد المحاولات الحثيثة و المتواترة لترميم و إعادة بناء ما تصدع بينهما منذ 11 من سبتمبر/ أيلول 2001م المأسوف،..فإننا نجد الآن أنه في الوقت ..و في نفس اليوم.. الذي وقعت فيه المواجهة الدامية بين قوى الأمن السعودية و سبعة من جماعة الإرهاب عندنا..إذا بنا نسمع في نفس الوقت عن مواجهة –في أمريكا-- مع سبعة من مواطنيها..متهمين بعلاقتهم بالقاعدة؛ و تم خلال الموجهة هناك عن "بيعة" (هكذا!) أولئك لشيخ الإرهاب و "مبايعتهم" إياه أميراً للمؤمنين (يا مهازل الزمان!) باعتباره زعيم "القاعدة"، (قاعدة البوار و الدمار.!). و كان في تلك المواجهة (الأمريكية) الحدث الأول ..فيما نعلم .. عن قيام "خليّة" علنية في (داخل) أمريكا، ..و ذلك بتجنيد سبعة (على ألأقل..) من التنظيم المأثوم من شباب ذلك البلد المأزوم.

اخجل يا هذا! لقد سوّدت وجوهنا، و ساهمت بفاعلية في تعطيل مصالحنا، و في التحديد من انسيابية تحركنا في الداخل و الخارج.. فأصبح سفرنا و حتى حصولنا على تأشيرات دخولنا إلى عدد (متزايد) من الدولة الصديقة ..محذوراً و محجوراً ..و محرجاً. فأصبح عدد من الدول الصديقة ..بل و الشقيقة و حتى أكبر الدول الإسلامية –اندونيسيا--..تطلب منا الحصول على تأشيرات للدخول إلى أراضيها.. بعد أن كانت جوازات سفرنا مرحباً بها ..و تأشيرات الدخول غير مطلوبة منا..) و في أقل اعتبار أصبحنا –قبحك الله-- موضع الشك و الريية.. بل و التوجس ..من قبلنا و من قبل مستضيفينا.. فكادت أن توصد الأبواب في وجوهنا.
بل و صار الحصول على تأشيرة إلى بعض البلدان (مثل أمريكا) يحتاج إلى فترة انتظار و تمحيص و اختبار..و إجراءات ومقابلات و تحريات،..فتعطلت و تأخرت طلبات الآلاف و الآلاف من الطلاب و الطالبات المتقدمين للدراسة؛ و طال هذا العنت و ذاك حتى المتنفذين و كبار الشخصيات المشهورين، بل و حتى وزراء الدولة و كبار المسئولين إن هم أتوها زائرين..!

فعلى من تمت تسميته باسم "أسامة" (حاشا! فواقع اسمه و صفاته يكون أقرب إلى الصواب إذا ما حل حرف "القاف" محل الألف..و حرف الميم محل السين.. ليكون بذلك أقرب إلى "المخلفات"..تكرمون!!) ..على هذا المخرب العالمي أن يرعوِ ..و أن يقوم هو و نوابه و أتباعه بالتوقف عن أعمالهم التي قادت إلى الدمار و سفك دماء الناس و طالت المناطق و التجمعات البشرية المدنية الآمنة البريئة.

و إليكم جميعاً أزكى التحايا.. و عليكم جميعاً أعطر و (اسلم) السلام.

dr.natto@gmail.com

العنصرية والتسلّط...


بقلم الدكتور ساسين النبوت
قد يخال القارئ في الوهلة الأولى أنّني سأهاجم الغرب أو البيض وظلمهم لكلّ الجنسيات البشرية...
فقد انطبعت فكرة العنصرية في أفكارنا ممّا قرأناه وشاهدناه أو سمعناه... وقد تحسّرت قلوبنا لما حصل مع الأفارقة الذين انهانوا وضربوا في كثيرٍ من الأحيان حتى الموت... لكنّنا لا نعرف عاهاتنا، تماماً كما قيل: يرى الوبرة في عين غيره ولا يرَ الخشبة التي في عينه...
فنحن الشعب الذي لا يعلوه أحدٌ، ما زالت تسمية الأسوَد لدينا عبد، وكلّ الخدم والحشم سيريلنكيات... كأنّ اللّه خلقنا ولم يخلق السود، أو كأنّ أهالي سيريلنكا والفيليبين وأثيوبيا شعبٌ حقير يجب إذلاله وتسخيره...
عبادتنا للمظاهر تقتضي بأن نذهب إلى كلّ مكان واضعين خادمة على خصورنا الممشوقة، تحمل الأكياس والأغراض، بينما يفتح الأسياد أبواب السيارة بكبسة زرٍ من بعيد... أو تتأبّط أطفالهم وتعطيهم ما يحرمونهم من الحنان... أو تجرّ إلى المنزل قارورة الغاز وقوارير المياه التي يتعدّى وزنها نصف وزنها الجسدي... بينما حضرة الرجل يتسلى بسبحة في يديه، والسيدة تقلّم أظافرها... وأولادهم يدفعونها يمنةً وشمالاً، دون أن يحقّ لها حتى التذمّر... والأتفه من ذلك، وهو أمرٌ مقزّزٌ فعلاً... عندما يزورون المطاعم، ويجلسون على الطاولات ليلتهموا كلّ ما تطاله أيدينا، بينما المسكينة تنتظر من بعيد... حاملة حقيبة السيدة الفخمة، وتحضر لسيدها أو سيدتها الهاتف النقّال الذي لا يتوقف دقيقة عن الرنين، وعندما توصله تتلقى كلّ أنواع الشتائم والإهانات لأنّها تأخرت قليلاً... وعندما ينتهون من الطعام يقدموا لها البعض مما فضل عنهم، فيحسّون بأنّهم أطعموا جائعاً، وأن لهم ملكوت السماوات...
وتلك السيدة الغبية، التي تريد أن تفاخر على نظيراتها الأغبى ببيتٍ يحتوي على ألف غرفة، لا تتوقّف عن ملاحقة الخادمة المسكينة، لأنّها تركت بعض الغبار على طاولةٍ لا يدخلها أحدٌ حتى أهل البيت... فتنال بعضاً من الضربات والوعيد، لأنّ هذه الغرفة كانت يجب أن تلمع، إذ أنّ المسيح الذي لا ولم يخطئ سيدخل هذه الغرفة على حين غفلة...
وذاك السيد الفارغ، المكشّر عن أنيابه في وجهها، لا يترك مناسبة دون أن يصرخ عليها أو يضربها، طبعاً فهي مخلوقة وضيعة وحضرته من سلالة الملائكة... وعند غياب السيدة، ينسى أصله وفصله ليتحرّش بها ويغتصبها، والويل الويل إن فتحت فاها لتقول آخ...
لو انتهت المصائب هنا كان لكلّ حادثٍ حديث... فما نهشه البيت من جسمها، يكمل عليه شباب الحيّ الأبطال، الذين يتباهون بأنهم غسلوها جيداً قبل أن يفعلوا فعلتهم... فهي طبعاً أقذر منهم بأشواط!...
وما إن تتكاثر الأخطاء التي ليس لها أيّ معنىً، والتي إن كان للسيد أو السيدة العظيمين قليل من الدماغ لعرفوا قيمة ما يعانيه هذا الشخص معهم، ولحملوا أو عملوا عنه القليل... لكن طبعاً هذا كلامٌ غير مقبول، فهي تأخذ منهم في كلّ آخر شهر ما يعادل مائة دولار... فهل يقبل هؤلاء أن يعملوا واحد بالمئة ممّا يجبرون المساكين على فعله بنفس السعر؟؟؟...
تتكاثر الأخطاء الغبية نعم، فيأتي الأمر العظيم بإعادتها إلى مكتبها، لأنّها باتت تضرّ أكثر ممّا تنفع... فينهال عليها الآخرون بالضرب والسباب لأنّها سوّدت صفحاتهم مع زبونٍ مهم... ولأنّها عاهرة فقيرة... نعم، كلّ هذا لأنّها فقيرة...
هل سأل أحدهم عن الأطفال المنتظرين في جهة أخرى من الأرض لهذه المسكينة؟ هل عرف أحدهم أنّها أمّ أو زوجة أو إبنة... أنّها لأجل الفاقة رضيت الذل والمهانة... لأجل العوز، ولكي لا تحرم أولادها من لقمة أتلفت نفسها...
هل نظر إليها أحدٌ يوماً كإنسان... هل شاهد أحدكم يوماً الدموع في عينيها؟
هل لهذه الدرجة صارت حياة الإنسان رخيصة، مائة دولار فتدوس إنساناً آخر برجليك...
هل ستذكر أنّ الدهر دولاب؟ أنّك قد تكون في الحضيض يوماً ما؟
لا تقولوا لي بيتنا كبير! صغّروه أو تحمّلوا مسؤوليته بأنفسكم...
لا تقولوا لي أعمالنا كثيرة، قلّلوها! حتى الآن لم يقنعني أحدٌ يمغزى تكديس الأموال...
نحن حقّاً شعبٌ مقزز... عنصري مقرف...نتهم الغرب بالقلوب المتحجرة بينما نحن مقالع لها...
لا يضيق في عيننا إلا تلك الحفنة التي ندفعها لهؤلاء المسكين، بينما نهدر أموالنا على كلّ تفاهةٍ في الحياة...
ألا يمكن مثلاً أن نقوم بإماتة، ونجمع ما نفكّر بإعطائها، ونرسلها لها شهرياً إلى بلدها، بينما تكون قرب أهلها وأولادها... فنحجز بذلك لنا بيتاً في السماء، بدل الجحيم الحتمي، لأنّه لمن لا يعرف: إنّ اللّه يسمع أنينهنّ...


الجمعة، يونيو 23، 2006

نوال السعداوي: المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط


دبي - العربية.نت
ما أن تنطوي صفحة جدل ساخن جدا بسبب تصريحات أو كتابات لها، حتى تعود الكاتبة المصرية نوال السعداوي لتفجيره ثانية، خصوصا وأنها تخوض في مسائل شائكة من وجهة نظر نسبة مقدرة جدا من قرائها ومتابعيها.
وعلى الرغم من النقد الذي تواجهه دائما، واتهامها المرة تلو الأخرى بمختلف التهم بما في ذلك الكفر والإساءة للدين الإسلامي، إلا أنها لا تكف أبدا عن طرح رؤى جديدة، يختلف معها الكثيرون.
وفي حوار أجراه الزميل أيمن عبد الملاك ونشرته صحيفة "الكفاح العربي" اللبنانية الجمعة 23-6-2006 قالت السعداوي إن المرأة العربية تعيش من أجل الجنس فقط لأن التربية هي التي اوجدت ذلك و"البنت في العالم العربي تربى على انها مخلوق لا جنسي وتربى طوال سنوات ما قبل الزواج على ان لا رغبة لديها في الجنس".
وتضيف السعداوي: وإذا هي فكرت في ذلك تكون فاسدة وتحافظ على عذريتها رغم ان 30% من البنات لا ينزفن ليلة الزواج رغم انهن لم يلتقين برجل جنسيا قبل ذلك وهو ما يدفع بعض الازواج الى طلاق زوجاتهم او قيام الآباء بقتل بناتهم نتيجة لذلك رغم ان البنات مظلومات وشريفات, وفجأة ليلة الزفاف تتحول البنت الى مخلوق جنسي لا هدف له سوى ممارسة الجنس, وينتج من ذلك شخصيات مشوهة.
واعتبرت أن الحجاب نوع من الكذب والنفاق و"لا يوجد اشارات في القرآن حول الحجاب وحتى اذا كان يوجد فإن سيدنا محمد قال انتم اعلم بشؤون دنياكم".
وأوضحت بأنها تعتقد أن الحجاب حجاب العقل وان الحجاب والنقاب الحالي يؤديان الى مصائب عديدة لدرجة ان "البعض يرتكب جرائم تحت ستار النقاب والحجاب. وانا قرأت ان رجلاً كان على علاقة غير شرعية بسيدة متزوجة وكان يذهب اليها منقبا ويقوم الزوج المخدوع من زوجته بفتح الباب له والترحيب به دون ان يعرف انه عشيق زوجته ويدخل الرجل المنقب الى حجرة الزوجة ويمارس معها الرذيلة ولا يستطيع زوجها الدخول الى الغرفة لان المنقبة لا تستطيع ان تكشف وجهها حتى امام زوج صديقتها. والحجاب لا يدل على الاخلاق".
وحول اتهامها بأنها تطالب بتعدد الازواج والاباحية، قالت "هذا كلام ظالم وغير حقيقي". وأضافت "أنا اعتبر الزواج مسؤولية, وانا متزوجة منذ فترة طويلة جدا والزواج مستقر, ولدي بنت وولد وأعرف مسؤوليتي تماما لان الزواج مسؤولية واحترام واخلاق وانا اقول ان الحرية مسؤولية لانها استقامة للخلق فأنا اطالب بجوهر الاخلاق وجوهر الاسلام وجوهر المسيحية وجوهر السياسة وجوهر الطب".
وأشارت السعداوي إلى أن زواج المسيار يحل مشكلة وأن الدين هو دراسة الواقع وكل ما يخدم مصالح الناس يتجاوب مع الواقع شيء جيد لأن أي شيء بعيد عن الواقع لن يجد صدى.

بلاغ صحفي من سوريا


جاءنا ما يلي:
تلقت (ل.د.ح)باستنكار وإدانة شديدين نبا حجب الجريدة الإلكترونية المستقلة(المشهد السوري) والتي تصدر عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير , والتي يديرها السيد مازن درويش.
وتأتى هذه الخطوة في مناخ استمرار الحكومة السورية بمصادرة الحريات العامة,وفي انتهاكاتها للحريات الأساسية و لحرية التعبير ولحرية الصحافة و الصحفيين وطبقا لقانون الطوارئ النافذ والأحكام العرفية في سوريا.
إن هذا الحجب ل"المشهد السوري" الجريدة الإلكترونية الثقافية والاجتماعية يأتي في ظل غياب قانون عصري يحكم عمل الإنترنت وينظم عمل الصحافة ا! لإلكترونية في سورية .مما سمح بتدخل الجهات التنفيذية السورية, وعبر نهج اتبعته الحكومة السورية بالتحكم بشبكة الإنترنت في سورية ,وبإحكام الحصار على وسائل وأدوات التعبير, من خلال عمليات المراقبة والمصادرة والفلترة لبعض المواقع الإلكترونية. علاوة على ذلك فان عملية الحجب هذه تضاف إلى عمليات الحجب العديدة التي أصابت الكثير من المواقع الإلكترونية الإخبارية والإنسانية والثقافية , وخصوصاً تلك التي تكون سورية في دائرة اهتمامها .
إننا في ل.د.ح نرى في هذه الخطوة استمرارا للنظرة المعادية لقيم حقوق الإنسان وعدم الاعتراف بالأهلية الكاملة للأفراد السوريين,وبقدرتهم على المشاركة والإيمان بحق الأفراد في الاتصال, و بحق الأفراد في الانتفاع بالإعلام والمشاركة فيه وتدفق المعلومات في داخل الوطن ,والتدفق فيما بين المجتمعات.ولازالت الحكومة السورية ترفض التخلي عن سياسة التوجيه والإرشاد والتلقين والتعتيم وأسلوب الدعاية السياسي,وابقاء المواطنين في حالة المتلقي السلبي مما ساهم في ازدياد عمليات الاغتراب والقهر.....
ورغم التغيير المذهل في تكنولوجية الاتصال وظهور الطرق المختلفة للمعلومات والاتصال ,ورغم كو! نية تداول المعلومات,فلا زالت القيود مستمرة على وسائط الإعلام, وهو ما ي ؤشر إلى انتهاكات خطيرة على حقوق الإنسان وحرياته ,وهذا ما أدى إلى اعتبار سورية مقيدة لحرية الإنترنت ولحرية التعبير من وجهة نظر العديد من المنظمات الدولية المدافعة عن حرية الصحافة وحرية التعبير,بل تم تصنيف الحكومة السورية عالميا ضمن الأنظمة العشرة الأكثر عداءً للإنترنت وتقييداً لاستخدامها.
إننا في لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية, نطالب الحكومة السورية بإلغاء حجب " المشهد السوري "ومختلف المواقع الثقافية والفكرية الأخرى,ووقف مختلف هذه الإجراءات التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها الحكومة السورية, واحترام الدستور السوري الذي يضمن حرية البحث العلمي والإبداع الفني والأدبي والثقافي وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك ، ونطالب الحكومة السورية الوفاء بالتزاماتها الدولية بموجب تصديقها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي أكد في العديد من مواده على ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد وكفالتها ,واستصدار قوانين عصرية تنظم عمل الصحافة والصحفيين والمطبوعات .
كما نناشد جميع المنظمات الحقوقية ال! معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة, وجميع المنظمات المعنية بالدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين وجميع الهيئات المدنية,على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية ,بالتدخل لدى الحكومة السورية والضغط عليها من اجل وقف مجمل هذه الممارسات القمعية في التعاطي مع النشطاء الذين يعملون في المجال المدني والحقوقي والسياسي .
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية
مجلس الأمناءهيئة الرئاسة

الاثنين، يونيو 19، 2006

معارك الشوق والحنين...



قال كثيرون: حتى اليوم ما من أحدٍ عاش ولم تمر عليه عجلاتهما، ولم تمزّق قلبه سهامهما...
نقفل أبوابنا فيدخلان من الشبابيك... ننام فيلقي اتحادهما ظلاله على فراشنا... نغمض جفننا فينقضّان علينا مع كلّ صورةٍ أو مشهد أو صوتٍ يمرّ في بالنا... لا بل ويتسللان خلسةً مع كلّ لونٍ ورائحة...
من نحن لنقف في وجه قوّاتهما؟!... ففي أيدينا حجارة وحراب، وفي يديهما كلّ سلاحٍ فتّاك...
هما ليسا أعداءً ككلّ الآخرين، إذ أنّ فيهما الكثير من الخبث!... فمن ذا الذي يجرحك بطرف سيفه، ويبتهج حين يراك طريحاً، متمنيّاً لو يأتي الموت ويريحك من كلّ شيء...
اعتقد البعض منّا أنّ تقسية قلوبهم درعٌ واقٍ في وجهيهما، فانكسروا بكلّ سهولة عند أوّل مواجهة...
اعتقد آخرون أنّهم إن آمنوا بهما ومجّدوهما ينأون بأنفسهم، فاحترقوا فجأةً على مذبحهما... لماذا؟!
لأن الشوق والحنين مثل الشمس، إن كنت في جوفها، أو على سطحها، أو في أجوائها ستلتهب لا محالة...
قال الباقون: الشوق والحنين ينبعان منّا، هلمّ لنبن السدود ونوقف تدفقهما... فانهارت جدرانهم الهشّة بسبب جروح الماضي... وتهّددت حياتهم وحياة الآخرين بفيضاناتها...

لا شكّ أنّ الشوق والحنين منّا وفينا... فهما الروح في زهرة حياتنا، التي تتبدّل ملامحها، ويتغير رحيقها مع كلّ فصل... يولدان ويبقيان معنا... جذورهما في قلوبنا... وغذاءهما من كلّ ما نسحبه من الأرض ممزوجاً ببعض ما يسقط من السماء...
لكن نحن أوجدنا الأشواك لأنّنا نخاف المستقبل، مع أنّ السماء وغيوم آمالها لا تزال موجودة، والأرض لم تتوقّف يوماً عن العطاء...
كيف يعقل إذن أن يكون الشوق والحنين هما السيئين؟!...
ألسنا نحن من يرمي على الآخرين سبب ضعفنا؟
فما دخلهما إن كنّا أرضيين وهما سماويين؟!
ما ذنبهما إن كان حبّنا نفهمه امتلاكاً للأشياء والآخرين، وإن أضعنا قناعتنا في دهاليز أمراضنا النفسية؟!...

الدكتور ساسين النبّوت

الأحد، يونيو 18، 2006

صلاتي لربي!



د. إلهام مانع


كنت ضيفة على برنامج مساواة الذي تقدمه الإعلامية السعودية نادين البدير على قناة الحرة.
هدف الحلقة كان مناقشة الأراء التي عبرت عنها في "يوميات أمراة عربية" على موقع شفاف الشرق الأوسط.
شارك في الحلقة أيضاً إستاذ في العلوم الشرعية يعمل بالجامعةالأمريكية في القاهرة ومنتدب في جامعة الإمارات، ويأخذ موقفاً معارضاً لتلك الأراء.

خلال النقاش، طرحت الإعلامية نادين البدير السؤال عن صلاة المرأة وإرتداء الخمار.
أجبتها قائلة إني لا أصلي مرتدية الخمار.
ببساطة، أنا أصلي وأنا حاسرة الرأس.

ردة فعل الضيف المشارك جاءت على الفور سريعة. فقد قال "إذن صلاتك باطلة".

جاء رده قاطعاً.
كحد السيف.
جاء رده متعجلاً.
كالأجل.
في الواقع جاء رده مهرولاً.

وأنا أستغربت.
لم أستغرب من رده. فقد أعتدت على ذلك الرفض.
بل أستغربت من تعجله.
لم ينتظر.
لم يتأمل.
كما لم يتفكر.
لم يسألني "لم تفعلين ذلك؟"
بل سارع بالرد وهو يقطع بصحة رأيه، ودلل بحديث يُنسب إلى الرسول الكريم يقول "لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار".

عندما رددت بأن هذا الحديث آحادي. أجاب بأن 99% من الأحاديث آحادية.

سبحان الله!
99% من الأحاديث، التي نُصر على أن ننسبها إلى الرسول الكريم، آحاديه. وعلماء الحديث يدرون أنها "تفيد الظن الراجح بنسبتها إلى الرسول".
الظن يا جماعة الخير،
الظن!
بكلمات اخرى،
ربما قالها الرسول الكريم!
وربما لم يقلها!
ولأنها ظنية لا قطعية، فإن بعض المذاهب كالشيعة والمعتزلة أنكروا حجيتها ورفضوا العمل بها.

أما "الجمهور" من أهل السنة فقد أفادوا بالتالي: أفتوا بعدم الأخذ بها في "الأمورالإعتقادية التي تتصل بالدين أو تتعلق بالشريعة"، لكن قرروا أن نأخذ بها في "الأمور العملية"!

أي منطق هذا؟

نرفض أن نأخذ بهذه الأحاديث في أمور الاعتقاد والشريعة، لكن عندما يتعلق الأمر بالمسائل العملية، التي تتصل بحياتنا اليومية، وعندما يتعلق الأمر بالمرأة بالتحديد، نأخذ بها؟

لماذا؟
هذا المنطق ليس منطقاً.
لا يتماشى مع العقل.
لكن الأهم، أن هذا المنطق هو الذي يبرز لنا المأزق الذي نعانيه في الفكر الديني الذي توارثناه.

دعوني أحدد ملامح هذا المأزق من خلال أسئلة ثلاث:

لماذا نتعامل مع الأحاديث المنسوبة إلى النبي الكريم على أنها حق لانقاش حوله؟
الرسول الكريم نفسه نهى عن كتابة أقواله، ورغم ذلك نصر نحن على الأخذ بما نهى هو عن فعله.

كيف نثق في تراث تم تناقله على مدى أكثر من مائتي عام بعد موت الرسول الكريم، ردده بشر، وجمعه بشر؟ ونحن ندري، ندري، أن الكثير الكثير في هذا التراث تم "تلفيقه" خدمة لأغراض وأهواء بشرية لا علاقة لها برسالة الإسلام الحنيف.

والأهم، لماذا نصر على القبول بحجية الأحاديث في حياتنا العامة، خاصة وأنها تتعلق بفترة زمنية بعيدة كل البعد عن زمننا المعاصر؟
أين عقولنا في كل هذا؟

هل يجب أن أذكر أن هناك أحاديث يعتبرها علماء الدين "صحيحة" تتناقض مع العقل والعلم؟
كالحديث الذي يرد على السؤال أين تذهب الشمس بالقول "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي حيث جئت فتطلع من مغربها".

الشمس أخوتي "لاتطلع من مغربها"، وهي "لا تتحرك نحو المغرب"، بل "الأرض هي التي تدور من الغرب إلى الشرق حول الشمس"، وعندما تغيب تشرق في مناطق أخرى من العالم.

هنا يكمن لب المأزق الذي نعايشه في إسلوب تعاملنا مع الفكر الديني.
هناك قناعة يؤسس لها الكثير من علماء الدين، ويأخذ بها الكثيرون منا، بأن حياتنا ليست رهناً بإرادتنا وعقولنا.
بل "يجب تشكيلها و تكييفها وفقاً لما تناقلته كتب التراث والدين".
وأن الخروج عما ورد فيها، هو "خروج على الدين ذاته".
"خروج على الإيمان".

مسألة صلاة المرأة وهي حاسرة الرأس هي مثال بسيط على هذا المأزق.

دعوني اسألكم: لماذا يجب أن أرتدي الخمار وأنا أصلي؟
لماذا؟
تفكروا قليلاً.
هل تغطية الشعر ضرورية لخشوعي في صلاتي؟
هل هي ضرورية لتوجهي وتضرعي إلى الله عز وجل بكل جوارحي؟
هل أجرح الله عز وجل بمنظر شعري؟

ليس فعلاً.
فأنا أتوجه إلى الله عز وجل بكل ذرة في كياني وأنا أصلي إليه، وشعري حاسر.

لكن الإصرار من قبل بعض شيوخنا على أن تغطي المرأة شعرها وهي تصلي يتماشى مع رؤيتهم لهذه المرأة، ورؤيتهم لله عز وجل.
المرأة التي يجب أن تغطي نفسها أمام الرجل.
والله الذي يأخذ صفة الذكر، ولذا يجب أن تغطي نفسها وهي تصلي أمامه، تنزه سبحانه تعالى عما يصفون.

وأنا مصرة أني أقف أمام الله عز وجل كإنسان.
لست أنثى في صلاتي.
بل إنسان.
لا تجرحها خصلات شعرها السوداء.
ليس في هذه الخصلات ما يعيب أو يجرح.
كما لا تنتقص بروز هذه الخصلات من صلاتها.

وأصر أيضاً،
أني عندما اصلي،
أصلي لربي،
للخالق عز وجل،
الله تعالى،
فأنا أخوتي،
لا أصلي لرجل.

elham.thomas@hispeed.ch

السبت، يونيو 17، 2006

هذا التباكي على م. ت. ف



صالح أبو عيدة
عضو مؤسس للتيار القومي العربي في فلسطين – "العربي"

لقد شكلت م .ت.ف منذ إنشائها إطاراً جامعاً للشعب الفلسطيني في الوطن وفي الشتات ، وقد اعتبرها شعبنا رأس الحربة في المواجهة مع المشروع الصهيوني , وذلك استناداً إلى المادة (14) من الميثاق القومي للمنظمة والتي يقابلها المادة (15) من الميثاق الوطني المعدل للميثاق القومي:-

(إن تحرير فلسطين من ناحية عربية هو واجب قومي تقع مسؤوليته كاملة على الأمة العربية بأسرها حكومات وشعوبا وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني.......)

وسمي الميثاق الأول الذي ينظم شؤونها بالميثاق القومي , وهو الصادر بتاريخ 28/5/1964 والذي حل محله الميثاق الوطني بتاريخ 17/7/1968, وكان هذا الميثاق ينشد تحرير فلسطين التاريخية بكامل حدودها الجغرافية , وكان ذلك قبل عدوان يونيو - حزيران سنة 1967, حيث جاء في المادة الثانية من الميثاق القومي والثانية من الميثاق الوطني (فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة إقليمية لا تتجزأ) كما رسم الميثاق الوطني وسيلة التحرير بأنها الكفاح المسلح وفقا للمادة التاسعة من الميثاق الوطني (الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجيتة وليس تكتيكا) .
هذا ما تشكلت من أجله المنظمة. ولتسهيل الظروف المواتية للالتفاف على هذه الأهداف والوسائل ومبررات الوجود , جاء الظرف الموضوعي المواتي والمتمثل بانحسار حركة التحرر العربي وتراجعها , هذا الظرف الموضوعي كان مقترنا بالظرف الذاتي للقيادة المتنفذة , التي أعياها النضال وطول الانتظار , وأحاطها النظام العربي بظروف الأبهة والعظمة من خلال التعامل معها كرئاسة ,وليس ثورة ونضالاً , مما دفع هذه القيادة إلى التصريح أكثر من مرة بأنها تقبل دولة ولو في أريحا .

إن الوهن والخلل بدأ يصيب القيادة المتنفذة أثر الردة التي قامت بها بعض الأنظمة العربية , خاصة المنبثقة من حركة التحرر العربية , والتي بدأت ضغوطها على هذه القيادة لتسير في ركبها في التعاطي مع المشاريع الامبريالية لتسوية القضية الفلسطينية , ولم يطل الوقت حتى وقعت في شباكها , وأصبحت تتماهى في سياساتها معها , وقد كان حضور مؤتمر مدريد هو نهاية مسلسل التنازلات ,حيث بدأت التنازلات قبل ذلك بأكثر من عشرين سنة , وكان توقيع اتفاق أوسلو تتويجا لهذه التنازلات , هذا الاتفاق الذي ألغى حقيقة مبرر وجود المنظمة.

ومما زاد الطين بله قيام المنظمة بتشكيل السلطة الفلسطينية, الذي جعل التمايز ما بين السلطة والمنظمة لا وجود له على الإطلاق , رغم انه من الناحية النظرية , كان للمنظمة حق الإشراف والتوجيه الكامل على السلطة , لكن الواقع كان يعكس استقواء السلطة على حساب إضعاف المنظمة.

اشتد الصراع حول المنظمة ودورها بعد انتخابات المجلس التشريعي في 25 يناير- كانون الثاني 2006 , حيث أظهرت نتيجة الانتخابات بان جماهير شعبنا ترفض الاعتراف بالهزيمة والاستسلام , وذلك بإنجاح النهج المقاوم على المستوى السياسي , والمطالبة بالتغيير والإصلاح , ومحاربة الفساد والإفساد على المستوى الداخلي.

هذا الوضع قد دفع من جديد بمسألة المنظمة إلى واجهة الأحداث , فما هي دواعي وأسباب ذلك. لعل أهم هذه الأسباب تتمثل بما يلي:-

التناقض الفاضح

1- التناقض الفاضح بين سياسات م.ت.ف وميثاقها القومي والوطني على سبيل المثال فإن منظمة أنشئت من أجل تحرير فلسطين ليس من حقها التنازل عن أ ي شبر من أراضي فلسطين لا سيما وان المادة (21 ) من الميثاق الوطني وزيادة في التأكيد على المواد سابقة الذكر نصت على ما يلي:

(الشعب العربي الفلسطيني معبراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين كاملاً ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها.)

وتوقيع قيادة المنظمة لاتفاق أوسلو كان تناقضاً فاضحاً مع مواد الميثاق ,لأسباب كثيرة أهمها تقديم اعتراف مجاني بالكيان الصهيوني خلافاً لكل مواد الميثاق.

ان التبرير غير المقنع لهذا التفريط كان بحجة اختلال ميزان القوى لمصلحة الأعداء علما أن هذا الاختلال كان قائما منذ تشكيل م.ت.ف وعند بدء الثورة الفلسطينية المسلحة , فسخروا لذلك كل ماكنة التضليل الإعلامي لمحاولة إقناع الجماهير العربية والفلسطينية بإمكانية قيام دولة فلسطين على المحتل من أراضي فلسطين في عدوان حزيران 1967 من خلال المفاوضات مع العدو.

فلماذا وقعت قيادة المنظمة هذه الاتفاقية ولم تكن هذه الأرض محتلة أيام إنشاء المنظمة ولا أيام بدء الكفاح المسلح .

إن مجرد توقيع هذه الاتفاقية قد أفقد هذه القيادة شرعيتها ذلك أنها لا تملك تفويضاً بتوقيع هذه الاتفاقية ولا تملك التنازل عن أي شبر من فلسطين وقد تم ذلك حتى بدون مراعاة الشكل القانوني لإقرارها، هذا الشكل الذي تم لاحقا في الاجتماع الاحتفالي بغزة سنة 1998 من أجل تعديل بعض مواد الميثاق وهذا ما سنأتي عليه لاحقاً .

مسار المفاوضات المسدود

2- مسار المفاوضات خلال اثنتي عشر سنة أكد للشعب الفلسطيني استحالة قيام دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة من خلال المفاوضات , رغم كل الصخب الإعلامي والتعمية والتضليل الذي رافق اتفاق أوسلو وقيام السلطة وكانت انتخابات التشريعي بمثابة رد الفعل الطبيعي للشارع الفلسطيني حيث عبر للقيادة المتنفذة بشكل عملي على أنه استعاد وعيه ويرفض السير وراء سياستها المفرطة بما تبقى من أراضي فلسطين ويرفض مبادرة جنيف وكل ما يمس حق العودة بعد أن تكشف له بالتجربة بأن المفاوض الصهيوني ليس لديه ما يقدمه للشعب الفلسطيني وإن أقصى ما لديه لتقديمه هو ما قدمه رئيس وزرائه إيهود باراك في مؤتمر كامب ديفيد عام ألفين والذي تمثل بتقاسم الضفة مع الاحتلال والإبقاء على الكتل الاستيطانية وإبقاء احتلال القدس.

ولما لم يوافق رئيس المنظمة ياسر عرفات آنذاك على هذه الاملاءات كانت النتيجة حصاره في مقره في المقاطعة برام الله حتى وفاته الغامضة التي لم يجر بها أي تحقيق جدي.

إن أي مفاوض مع العدو سيلقى نفس المصير إذا لم يذعن للاملاءات الإسرائيلية الأمريكية وقد تأكد ذلك من خلال التعهد الذي أعطاه الرئيس الأمريكي جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في الرسالة التي بعثها الأول للثاني في 14 أبريل – نيسان 2004 والتي وصفها الفلسطينيون ب "وعد بلفور الثاني" وبموجبها وافقت الإدارة الأمريكية على جميع المطالب الصهيونية في الضفة الغربية التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1967.

وبفشل مفاوضات كامب ديفيد وعدم قبول قيادة منظمة التحرير بهذه الشروط بدأ الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ مخططه المقرر سلفا بالاتفاق مع الامبريالية الأمريكية والتي كانت بذوره قد وضعت في اتفاق أوسلو حيث لم يتم في هذا الاتفاق الاعتراف بمبدأ الانسحاب من الأراضي المحتلة في عدوان حزيران 67 , وأحيل أمرها إلى نتيجة المفاوضات بين الطرفين بعد أن قامت هذه الاتفاقية بتقسيم الأرض المحتلة هذه إلى ثلاث مناطق هي ( أ) و (ب) و (ج) ولم يتم الانسحاب النهائي من أي من هذه المناطق الثلاث فالمنطقة الأولى التي تمثل مراكز الاكتظاظ السكاني في المدن والقرى أبقي على شارع فيها أو منطقة تابعة للمنطقة ج التي للجانب الإسرائيلي حق السيطرة عليها وان معظم أراضي الضفة والقطاع كانت من التصنيف ج .

ولما عجزت قيادة المنظمة عن تلبية الرغبات الإسرائيلية لالتهام الأرض والمياه بادر العدو الصهيوني إلى ما يعرف بفك الارتباط من جانب واحد والذي بدأ بخطة شارون قبل ثلاث سنوات من الآن والمتمثلة بالانسحاب من داخل قطاع غزة مع الإبقاء على سيطرتها الكاملة على جميع منافذه البرية والبحرية والجوية ليتحول بذلك إلى سجن كبير، وبناء جدار الضم والتوسع في الضفة الغربية من أجل السيطرة على ما مجموعه 58% من مساحتها، مع الإطباق على القدس .

هذه نتيجة المفاوضات التي كان يتطلع لها العدو الصهيوني والتي كانت غير خافية على المفاوض الفلسطيني .

الخلل في بنية المنظمة

3- الاختلال القائم في بنية م.ت.ف فالمنظمة هي إطار جامع لكل قوى الثورة الفلسطينية بينما نجد أن القوى الإسلامية المقاومة حماس والجهاد غير ممثله في جميع مؤسسات المنظمة وهذا مخالف للميثاق حيث جاءت المادة ( 26) من الميثاق الوطني:-

(م.ت.ف . الممثلة لقوى الثورة الفلسطينية مسؤولة عن حركة الشعب العربي الفلسطيني في نضاله من اجل استرداد وطنه وتحريره والعودة اليه وممارسة حق تقرير مصيره فيه في جميع الميادين العسكرية والسياسية والمالية وسائر ما تتطلبه قضية فلسطين على الصعيدين العربي والدولي.)

وقد تكرس هذا المبدأ منذ إقرار الميثاق الوطني وكانت جميع الفصائل المقاومة التي تظهر أو تنشق على نفسها تجد لها مكانا في مؤسسات م.ت.ف حتى لو كانت نسبة تمثيلها ونشاطها ضعيفة جدا . وبقي هذا الأمر قائما حتى خروج المنظمة على ميثاقها وأهدافها واختيارها طريق التفاوض فأصبحت منظمات المقاومة ممنوع عليها دخول المنظمة لأنها في تناقض مع القيادة المستسلمة وعليه فممنوع عليها دخولها رغم أنها بموجب الميثاق هي من قوى الثورة الفلسطينية.

وتزامن ذلك مع اشتداد المطالبة الجماهيرية بإشراك جميع القوى والفصائل في القرار السياسي والقيادة وفق برنامج وطني يتم الاتفاق عليه. وتعالت هذه الأصوات في أعقاب انطلاق الانتفاضة الثانية ( انتفاضة الأقصى) لكن قيادة السلطة والمنظمة كانت تصم آذانها عن هذه النداءات.

وجاءت اللحظة المناسبة من خلال الضغوط الصهيونية الامريكيه على السلطة بوقف أعمال المقاومة ضد العدو فدعت قيادة المنظمة إلى اجتماع للفصائل الفلسطينية عقدت في القاهرة برعاية مصرية تكللت بما عرف باتفاق القاهرة (إعلان القاهرة) في شهر آذار 2005، هذا الاتفاق الذي منحت منظمات المقاومة السلطة ما طلبته بوقف العمل المسلح ضد العدو وهو ما عرف ِبالتهدئة مع الجانب الصهيوني , ومن اجل ترغيب أطراف المقاومة بالموافقة على ذلك فقد وافقت قيادة م.ت.ف على إعادة بناء المنظمة وتفعيلها بإدخال جميع المنظمات غير الممثلة فيها إلى جميع مؤسساتها (حماس والجهاد الإسلامي) وأن يتم التفاوض من أجل الوصول إلى ميثاق عمل وطني ملزم وقيادة وطنية لمنظمة التحرير تقود نضال الشعب الفلسطيني , وان يبدأ العمل على تنفيذ ذلك خلال شهرين من تاريخ هذا الاتفاق وأن يبادر رئيس المنظمة ورئيس السلطة إلى الدعوة لعقد الاجتماعات بمشاركة جميع الفصائل والقوى لإخراج هذا الاتفاق إلى حيز الوجود .

ومضى أكثر من سنة على هذا الاتفاق دون أن يعقد ولو اجتماع واحد لتنفيذ هذه القرارات .

انسياق القيادة للأنظمة العربية

4- انسياق قيادة م.ت.ف مع الأنظمة العربية التي تتعاطى مع المشاريع الأمريكية في المنطقة , ومن ضمنها المشروع الامبريالي الأمريكي لتصفية القضية الفلسطينية, وفي هذا تناقض واضح مع المادة (27) من الميثاق الوطني الذي جاء فيه:-

( تتعاون م.ت.ف مع جميع الدول العربية كل حسب إمكانياته وتلتزم بالحياد فيما بينها في ضوء مستلزمات التحرير)، أي أن التعاون كان مشروطاً لمستلزمات التحرير لا للتفريط , وقد بدأ هذا واضحاً في أواخر السبعينات من القرن الماضي منذ حضور رئيس المنظمة خطاب الرئيس المصري في مجلس الشعب بعزمه الذهاب إلى إسرائيل دون أن يصدر عن رئيس المنظمة أي رد فعل على هذا الخطاب.

وتتابعت التنازلات بالقبول بمبادرة الأميرالسعودي فهد ومن ثم القبول بالشروط التي فرضتها أمريكا للتعامل مع قيادة المنظمة , والتي رضخت لها هذه القيادة تدريجياً وكل ذلك كان مخالفا للميثاق خاصة في المادة ( 20) من الميثاق الوطني يقابلها المادة (18) من الميثاق القومي التي جاء فيها:-

( يعتبر باطلا كل من تصريح بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما وان دعوى الروابط التاريخية أو الروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح .... )

وكذلك المادة ( 19) وطني يقابلها المادة( 17 ) قومي:-

( تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير.)

وقد كانت هذه المبادرات تنشد الاعتراف بالعدو الإسرائيلي وعندما تحقق لهم ذلك أصبحت مطالبهم بتنازلات اضافيه عن ما تبقى من ارض فلسطين .

وما أشبه اليوم بالبارحة فالأنظمة العربية تطالب الحكومة الفلسطينية بتبني المبادرة العربية التي أقرها مؤتم قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002 دون أن يكلفوا أنفسهم مجرد التساؤل عن مصير هذه المبادرة وعن الصدى الذي أحدثته لدى الطرف الصهيوني والأمريكي، وضمن ما هو معلوم فلم يصدر عن أي من الجانبين ما يشير من قريب أو بعيد بالقبول بهذه المبادرة أو بأي جزء منها وإنها لم تلق آذانا صاغية لدى الطرفين فعلام والحالة هذه مطالبة الحكومة التي تقودها "حماس" بتبنيها والقبول بها اللهم إلا إذا كان ذلك في مجال الترويض للتعاطي مع التنازلات كما حدث مع قيادة م.ت.ف؟!

ولعلنا لا نجافي الحقيقة بان النية كانت تتجه إلى مسلسل التنازلات منذ إحلال الميثاق الوطني بدلاً من الميثاق القومي حيث جاءت المادة ( 24) من الميثاق القومي واضحة في دلالتها:-

(لا تمارس هذه المنظمة أي سيادة إقليمية على الضفة الغربية ولا قطاع غزة ولا منطقة الحمه وسيكون نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية.)

وقد جاء الميثاق الوطني خالياً كلياً من هذه المادة . وكان ذلك في وقت مبكر حيث كانت حركة المقاومة الفلسطينية في أشدها وعنفوانها.

تفرد القيادة بالقرار

5- إصرار القيادة على تفردها بالقرار دون خضوعها للمساءلة.

فقد استغلت هذه القيادة المادة(26) من الميثاق بتمثيلها للشعب العربي الفلسطيني وطورتها بأنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني هذا القرار اعتمده مؤتمر القمة العربية في الرباط سنة 1974 لأغراض مخالفة تماما لما جاء في هذه المادة.

فقد تناست هذه القيادة وكذلك المؤتمر بأن هذا التمثيل مشروط بقيادة نضال الشعب العربي الفلسطيني من أجل استرداد وطنه وتحريره والعودة إليه وممارسة حق تقرير المصير كما جاء في المادة المذكورة.

وبدأت هذه القيادة حتى قبل صدور هذا القرار تعمل جاهدة على إذكاء النزعة الإقليمية لدى جماهير شعبنا مستفيدة من بعض الأوضاع الشاذة في بعض أقطار اللجوء التي تنتقص من الحقوق المدنية لجماهير اللاجئين في المخيمات من جهة وادعائها بقصور الأنظمة العربية عن القيام بعملية التحرير من جهة ثانية، وإنها أي الثورة الفلسطينية، وحدها هي التي تضطلع بهذه المهمة وفي ذلك انقلاب على ميثاقها الذي وصفها بطليعة المواجهة بين الأمة العربية والكيان الغاصب.

هذا التركيز على إذكاء النزعة القطرية قاد هذه القيادة إلى ابتداع ماعرف ب "القرار الفلسطيني المستقل."

وبالممارسة تبين أن هذا الاستقلال هو استقلال لهذه القيادة بالتفرد بتصفية القضية الفلسطينية وكان ذلك هو المقصود بقرار القمة العربية في الرباط والذي ظهرت ترجمته العملية لاحقا بتخلي هذه الأنظمة عن مسؤوليتها في تحرير فلسطين. وكان القرار المستقل مساعدة لهذه الأنظمة في تبرئة ذمتها أمام جماهيرها عن هذه المسؤولية.

إن هذا "القرار المستقل" ينافي كل تحليل علمي لطبيعة الصراع وأن هذا القرار المستقل قد صمت طويلا أمام المبادرات العربية والأمريكية التي كانت تضغط للحصول على قرارات بالتنازل عن الحق الفلسطيني إذ لم يصدر أي موقف من هذه القيادة منددا بهذه التدخلات بحجة القرار المستقل الذي ادعته مما يعني أن القرار المستقل كان يقصد به الاستقلال عن حركة التحرر العربية والارتماء في أحضان الأنظمة المرتبطة بالامبريالية الأمريكية وليس مطلوبا على إطلاقه .

تعطيل النظام الأساسي

حتى نستكمل دواعي وأسباب هذه الضجة حول "تفعيل المنظمة" فلا بد من البحث في مؤسسات م.ت.ف حيث جاء في المادة (32) من الميثاق الوطني:-

(يلحق بهذا الميثاق نظام يعرف بالنظام الأساسي للمنظمة نحدد فيه كيفية تشكيل المنظمة وهيئاتها ومؤسساتها واختصاصات كل منها وجميع ما تقتضيه الواجبات الملقاة عليها بموجب هذا الميثاق.)

وقد صدر هذا النظام في نفس السنة التي اقر بها الميثاق الوطني وجاء في المادة الثانية من هذا النظام الأساسي:-

( تباشر م.ت.ف مسؤولياتها وفق مبادئ الميثاق الوطني وأحكام هذا النظام الأساسي وما يصدر استنادا إليه من لوائح وأحكام وقرارات.)

إن المؤسسات الرئيسية التي أنشأها النظام الأساسي هي :-

1 - المجلس الوطني 2- اللجنة التنفيذية 3- الصندوق القومي الفلسطيني

بموجب النظام الأساسي فان المجلس الوطني هو صاحب السلطة العليا, وهو الذي يضع سياستها ومخططاتها وبرامجها , وذلك كما جاء في المادة (7) من النظام الأساسي , وينتخب أعضاء هذا المجلس عن طريق الاقتراع لاختيار ممثليهم, كما جاء في المادة الخامسة من هذا النظام , ولتعذر إجراء انتخابات للشعب الفلسطيني في الوطن وفي المهاجر آنذاك كان يتم انتقاء أعضاء المجلس الوطني من منظمات المجتمع المدني, الذين لديهم صفة تمثيلية في منظماتهم, ومن المناضلين في سبيل قضيتهم , وبقي ذلك سائدا حتى سنة 1968 , حيث تم توزيع مقاعد المجلس الوطني على التنظيمات الفلسطينية المقاتلة مع عدد من المستقلين من ذوي المراكز التمثيلية المجتمعية.

ومع تراجع النضال الوطني الفلسطيني وترهل المنظمة , أصبح الاختيار يتم على أسس غير موضوعية وأهمها الولاء الفردي والانخراط في الجهاز البيروقراطي للمنظمة كمقومات أساسية لاختيار أعضاء المجلس , مما افقد المجلس دوره الريادي المنوط به كسلطة عليا , ودوره الرقابي على سياسات وقرارات اللجنة التنفيذية، إذ تحول دوره إلى تابع للجنة التنفيذية وليس رقيبا عليها , ولا أدل على ذلك من أن المجلس نفسه قد أقر بهذا الأمر مبكراً في جلسته المنعقدة في دمشق سنة 1978, فاتخذ قراراً بضرورة الإصلاح في المنظمة بجميع مؤسساتها وجعلها أكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني , أي أنه شكك في صدقية تمثيله لشعبه.

لكن هذا القرار بقي حبراً على ورق ولم يتم التقدم بخطوة واحدة في هذا الطريق .

لجنة تنفيذية دون رقابة

وهنا يثور التساؤل: إن مجلسا وطنياً الأساس في اختيار أعضائه الاقتراع , فكيف يمكن وصف من وصلوا للمجلس التشريعي عن طريق الاقتراع الحر بأنهم غير ممثلين لشعبهم ,بينما من لا يملكون أي تمثيل هم "الممثل الشرعي والوحيد" وهم كثر في اللجنة التنفيذية للمنظمة؟!

ولا أدل على انعدام أعمال الرقابة من قبل المجلس الوطني لأعمال اللجنة التنفيذية أن اتفاق أوسلو لم يعرض على المجلس قبل توقيعه , ولا بعد توقيعه , إذ تم توقيع اتفاقية أوسلو في شهر أيلول سنة 1993, وعرض هذا الاتفاق على المجلس الوطني بتاريخ 14/2/ 1998, والأصح أن هذا الاجتماع لم يكن من أجل المصادقة على هذه الاتفاقية أو عدمه بل كان استجابة لمطالب إسرائيلية أمريكية لتعديل بنود الميثاق , وفي اجتماع احتفالي حضره الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون تم تعديل الميثاق بناء على الطلب الأمريكي الإسرائيلي , ولم يناقش أي موضوع آخر ضمن ما هو منشور.

وفي التطبيق العملي لم يسبق للمجلس الوطني أن عارض أو رفض أي قرار للجنة التنفيذية , بعد فقدان المجلس الوطني صفته القيادية، إذ أصبح جزءاً مكملاً للجنة التنفيذية. صحيح إن تشكيل المجلس الوطني بعد أن أصبحت المنظمات المقاتله هي المكون الرئيسي له كانت تظهر معارضة أحيانا وذلك عند معارضة هذا الفصيل أو ذاك لمواقف القيادة بسبب موقف هذه المنظمات من قرار ما للجنة التنفيذية ,وحفاظاً على الشكل الديمقراطي، فقد حرصت هذه القيادة على الإبقاء على هذه المعارضة كديكور ضروري للشكل الديمقراطي . لكن كان تشكيل المجلس يقتضي أن تبقى هذه المعارضة أقلية لا تمس قرار التفرد.

أما عن اللجنة التنفيذية المنتخبة من قبل المجلس الوطني , فبعد أن أصاب الخلل المجلس الوطني انتقلت عدواه إلى اللجنة التنفيذية , فبموجب المادة العاشرة من النظام الأساسي , ينظر المجلس في التقرير السنوي الذي تقدمه اللجنة التنفيذية عن انجازات المنظمة وأجهزتها والتقرير السنوي للصندوق القومي واعتماد الميزانية والاقتراحات التي تقدم إليه من اللجنة التنفيذية وتوصيات لجان المجلس.

وقد عطلت جميع هذه المواد إذ لم تتم اجتماعات المجلس الوطني بشكل دوري سنوي حسب النظام ليمارس صلاحياته. وحتى هذه الصلاحيات لم تكن تناقش في اجتماعات اللجنة التنفيذية قبل صدورها بل تعرض بعد صدور القرار. ولم تكن تجري اجتماعات سنوية للمجلس الوطني وإنما كانت تعرض عند انعقاد المجلس في دورته العادية , وهذه الدورات العادية لم تكن تعقد بشكل منتظم كما نص عليها النظام الأساسي.

تفريغ الصندوق القومي من مداخيله

أما عن الصندوق القومي الفلسطيني الذي أريد له أن يكون بمثابة وزارة المالية في الدولة , فوفق النظام الأساسي يجب إدخال جميع الأموال التي ترد الشعب الفلسطيني , والمنصوص عليها في النظام، إلى هذا الصندوق, ليتم الإنفاق على الشعب الفلسطيني من هذا الصندوق, وفق نظام الصندوق, ووفق الأصول المحاسبية الصحيحة.

لكن كل ذلك لم يتبع، إذ كانت مداخيل الصندوق, خاصة أموال التبرعات من الأقطار العربية, والضريبة المفروضة على الفلسطينيين في هذه الأقطار, تدفع إلى رئيس اللجنة التنفيذية دون المرور بالصندوق القومي , وفقط ما يدخل الصندوق هو ما يمنحه رئيس اللجنة التنفيذية لهذا الصندوق.

ولم يتقدم أي من أعضاء اللجنة التنفيذية ولا أي من أعضاء المجلس الوطني لمساءلة رئيس اللجنة التنفيذية عن هذا الخرق الفاضح.

ومن هنا كانت بداية التسيب المالي وظهور ظاهرة الفساد والإفساد، إذ أن الأموال التي أغدقت على الشعب الفلسطيني كانت أموالا طائلة, قدرت بمليارات الدولارات, هذه الأموال تم التصرف بها باستثمارات على مستوى العالم أجمع, وهذه الاستثمارات لم تكن خاضعة لأي رقابة , وليس معروفا بالكامل بيد من كانت ! ولا أين أصبحت ! مما جعلها أثرا بعد عين.

إن الفساد القائم في السلطة الفلسطينية ليس إلا انعكاسا للفساد القائم في م.ت.ف. وكل ذلك تطبيقا لمقولة أن الاقتصاد والسياسة وجهين لعملة واحدة.

تعديل الميثاق إذعان لإملاءات خارجية

أما التعديلات التي أجريت على الميثاق فقد كانت إذعاناً للإملاءات الأمريكية الصهيونية
, إذ دعا رئيس السلطة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني هذا المجلس إلى اجتماع في غزة بتاريخ 14/2/1998 , لتعديل الميثاق الوطني وقد صادق أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في غزة على إلغاء مواد الميثاق الوطني الفلسطيني التي نصت على القضاء على دولة إسرائيل وتعديل بعضها الآخر التزاماً باتفاق واي بلانتيشن. ونورد فيما يلي المواد التي ألغيت من الميثاق الوطني وأرقام المواد التي تم تعديلها:-

والمواد الملغاة هي : (6و7و8 و9و10و15و19و20و21و22و23و30) , أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي ( 1و2و3و4و5و11و12و13و14و16و17و18و25و26و27و29) .

المواد الملغاة :-

· المادة ( 6) اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين , حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين .
· المادة (7 ) الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين حقيقتان ثابتتان , وأن تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كل وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفا روحيا وماديا عميقا وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير واجب قومي .
· المادة ( 8) المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين , ولذلك فإن التناقضات بين القوى الوطنية الفلسطينية هي نوع من التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار من جهة , والشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية , وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية , سواء من كان منها في أرض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفراد جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح .
· المادة( 9) الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين وهو بذلك استراتيجيا وليس تكتيكا . ويؤكد الشعب الفلسطيني تصميمه المطلق وعزمه الثابت على متابعة الكفاح المسلح والسير قدما نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير وطنه والعودة إليه وعن حقه في الحياة الطبيعية فيه وممارسة حق تقرير مصيره فيه والسيادة عليه .
· المادة (10) العمل الفدائي يشكل نواة التحرير الشعبية الفلسطينية وهذا يقتضي تصعيده وشموله وحمايته وتعبئة كافة الطاقات الجماهيرية والعملية الفلسطينية وتنظيمها وإشراكها في الثورة الفلسطينية المسلحة وتحقيق التلاحم النضالي الوطني بين مختلف فئات الشعب الفلسطيني وبينها وبين الجماهير العربية ضمانا لاستمرار الثورة وتصاعدها وانتصار ها .
· المادة (15) تحرير فلسطين من ناحية عربية هو واجب قومي لرد الغزوة الصهيونية والامبريالية عن الوطن العربي الكبير ولتصفية الوجود الصهيوني في فلسطين تقع مسؤولياته كاملة على الأمة العربية شعوبا وحكومات وفي طليعتها الشعب العربي الفلسطيني . ومن أجل ذلك فان على الأمة العربية أن تعبئ جميع طاقاتها العسكرية والبشرية والمادية والروحية للمساهمة مساهمة فعاله مع الشعب الفلسطيني في تحرير فلسطين . وعليها بصورة خاصة في مرحلة الثورة الفلسطينية المسلحة القائمة الآن أن تبذل وتقدم للشعب الفلسطيني كل العون وكل التأييد المادي والبشري وتوفر له كل الوسائل والفرص الكفيلة بتمكينه من الاستمرار للقيام بدوره الطليعي في متابعة ثورته المسلحة حتى تحرير وطنه .
· المادة ( 19) تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام إسرائيل باطل من أساسه مهما طال الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وفي مقدمتها حق تقرير المصير .
· المادة (20) يعتبر باطلاً كل من وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما وأن دعوى الترابط التاريخية والروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهومها الصحيح . وأن اليهودية بوصفها دينا سماويا ليست قومية ذات وجود مستقل وكذلك فإن اليهود ليسوا شعبا واحدا له شخصيته المستقلة وإنما هم مواطنون في الدول التي ينتمون إليها .
· المادة (21) الشعب العربي الفلسطيني معبرا عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة , يرفض كل الحلول البديلة من تحرير فلسطين تحريرا كاملا ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها .
· المادة ( 22) الصهيونية حركة سياسية مرتبطة ارتباطا عضويا بالامبريالية العالمية , وهي حركة عنصرية تعصبية في تكوينها , توسعية استيطانية في أهدافها , فاشية نازية في وسائلها , وأن إسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية وقاعدة بشرية جغرافية للامبريالية العالمية ونقطة ارتكاز ووثب لها في قلب الوطن العربي لضرب أماني الأمة العربية في التحرر والوحدة والتقدم . إن إسرائيل مصدر دائم لتهديد السلام في الشرق الأوسط والعالم أجمع , و لما كان تحرير فلسطين يقضي على الوجود الصهيوني والامبريالي فيها ويؤدي إلى استتباب السلام في الشرق الأوسط لذلك فإن الشعب الفلسطيني يتطلع إلى نصرة جميع أحرار العالم وقوى الخير والتقدم والسلام فيه ويناشدهم جميعا على اختلاف ميولهم واتجاهاتهم تقديم كل عون وتأييد له في نضاله العادل المشروع لتحرير وطنه .
· المادة (23) دواعي الأمن والسلم ومقتضيات الحق والعدل تتطلب من الدول جميعها حفزا لعلاقات الصداقة بين الشعوب واستباق لولاء المواطنين لأوطانهم أن تعتبر الصهيونية حركة غير مشروعة وتحرم وجودها ونشاطها.
· المادة (30) المقاتلون وحملة السلاح في معركة التحرر هم نواة الجيش الشعبي الذي سيكون الدرع الواقية لمكتسبات الشعب العربي الفلسطيني .

أما المواد التي حذفت منها مقاطع، أ ي عدلت، فهي جميع المواد التي تشير إلى انتماء الشعب الفلسطيني إلى أمته العربية , وعن دور هذه الأمة في التحرير , وعن إيمان هذا الشعب بالوحدة العربية وأن أرضه جزء من الوطن العربي , وأن مصيره مرتبطاً بمصيرها , وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثلة لقوى الثورة الفلسطينية , وعليه فإذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية غير ممثلة لقوى الثورة الفلسطينية , وغير ممثلة لمن ينتخبهم الشعب الفلسطيني عن طريق صندوق الاقتراع فمن تمثل إذن ! .

مجلس وطني غير شرعي

إن اجتماع المجلس الوطني في غزة المشار إليه آنفاً ليس اجتماعاً قانونياً , وفاقداً لشرعيته , لأنه ألغى الميثاق الذي أوجد المنظمة من جهة , ومن جهة ثانية لم يتم في هذا الاجتماع التثبت من العضوية بشكل أصولي , ولم يتم التثبت من التصويت كذلك بشكل أصولي , سيما وأن النظام الأساسي يشترط تعديل أي بند من بنود الميثاق , بأكثرية الثلثين من أعضاء المجلس الوطني .

إن منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع للشعب الفلسطيني ومعبراً عن نضاله أصبح غير مرغوب بها من قبل الامبريالية والصهيونية بعد توقيع اتفاقية أوسلو , وقيام السلطة , باعتبار السلطة بديلا لها , وقد نصحت الامبريالية الأمريكية بعض القادة من المنظمة بإلغائها واستبدالها بحزب سياسي في داخل السلطة , لكن الظروف الموضوعية كانت غير ناضجة لهذا الاستبدال , فكان الخيار البديل الإبقاء عليها مشلولة دون حراك . وهذه ليست المنظمة التي ينشدها شعبنا .

إذا كان المتباكون على المنظمة ينشدونها منظمة فاعلة ومناضلة , تدافع عن حقوق شعبها وإطاراً للوطنية الفلسطينية، فالطريق مفتوح أمامهم , لا سيما وهم أصحاب القرار , فليبدأوا بإعادة بنائها من جديد لتصبح فاعلة ومؤثره .
أما إذا كانوا يريدونها قيداً على نضال هذا الشعب ومنطلقاً لتصفية قضيته , فلن يجدوا من يقف إلى جانبهم. وإن هذا التباكي على المنظمة إنما هو كلمة حق يراد بها باطل .

الخميس، يونيو 15، 2006

ثلاثيّات لمستقبل أفضل



صبحي غندور*

يعيش العرب في هذه الحقبة الزّمنيّة مزيجاً من المشاكل والتّحدّيات على المستويين الإقليمي والعربي. ولعلّ أخطر ما في الواقع العربي الرّاهن هو الشّعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل بمستقبل أفضل.
لكن التّعامل مع سلبيّات الواقع والعمل لإيجاد بدائل إيجابيّة يتطلّب الخروج أوّلاً من المأزق الّذي يعيشه الفكر العربي المعاصر في كيفيّة تحديد جملة مفاهيم ترتبط بالهويّة والانتماءات المتعدّدة للإنسان العربي، وبدور الدّين في المجتمع، وبالعلاقة الحتمية بين حرّية الوطن وحرّية المواطن، وبالفهم الصّحيح للعروبة وللمواطنيّة وللعلاقة مع "الآخر"، وأخيراً في التلازم المنشود بين الفكر والحركة.
فهناك قطاع كبير من العرب لا يجد أهمّية الآن للأمور الفكريّة أو للمؤسّسات المهتمّة بالفكر والثقافة، وهذه الفئة من العرب تجد أنّ الأولويّة الآن هي للأمور الحركيّة والعمليّة حيث لا يجوز إضاعة الوقت والجهد في قضايا الفكر والتنظير، بينما في المقابل نجد العديد من المفكّرين العرب يكتفون بطرح الفكر ولا يساهمون في بناء المؤسّسات الّتي تقدر على تحويل الأفكار إلى برامج عمل تنفيذيّة.
إذن، هي معضلة في الاتّجاهين، بل هي شبيهة من النّاحية التطبيقيّة بمن يدفع بأولاده للعمل بدون تحصيل دراسي مقابل من يعيش حياته كلها في الدراسة متنقّلاً بين كلّيات جامعيّة. فالفكر في المجتمع هو كالإعداد الدّراسي والجامعي الّذي يوجد الأساس العلمي والنظري السّليم للأعمال الحركيّة المطلوبة في المجتمع. الفكر هو الّذي يحدّد الأهداف المرجوّة من أي عمل، وهو الّذي يصنع وضوح الرؤية خلال مسيرة تنفيذ برامج العمل. لكن لا قيمة للفكر إذا لم يعالج عمليّاً مشاكل قائمة وإذا ما بقي أسير الكتب وعقول المفكّرين. فالقيمة الحقيقيّة لأي فكرة تتحصّل من مقدار تعاملها مع الواقع ومشاكله والقدرة على تغييره نحو الأفضل.

في هذا السّياق، فإنّ جملة من "الثّلاثيّات" تحتاجها المنطقة العربيّة الآن، وهي "ثلاثيّات" متكاملة يؤكّد كل منها أهميّة وجود الآخر أيضاً:
* ثلاثيّة الوطنيّة والعروبة والإيمان الدّيني: وهي ثلاثيّة ترتبط بمسألة الهُويّة في البلاد العربيّة وبضرورة الانطلاق من دوائر متعدّدة للانتماء لا تتناقض إحداها مع الأخرى، ولا يصحّ طرح ركن منها في مواجهة الآخر.

* ثلاثيّة الوحدة الوطنيّة والاتّحاد العربي والبناء الدّيمقراطي: وهي مسائل تتعلّق بالواقع والمستقبل معاً حيث لا يمكن بناء وحدة وطنيّة متينة بلا نظام ديمقراطي سليم يتساوى فيه المواطنون بالحقوق والواجبات. أيضاً، فإنّ تعزيز الولاء الوطني في البلاد العربيّة هو أمر مهمّ في هذه المرحلة لتجاوز العصبيّات الطائفيّة والعرقيّة ولبناء مجتمع وطني موحّد. وهذه الأمور هي المدخل السّليم لبناء تكامل عربي واتّحاد تدريجي بين البلاد العربيّة (كما النّموذج الأوروبي) يستند على أوضاع وطنيّة داخليّة سليمة، فيكون الاتّحاد العربي المنشود تتويجاً لوحدة وطنيّة شعبيّة ولبناء دستوري يحقّق المشاركة الشّعبيّة الفعّالة.

* ثلاثيّة النظريّة والاستراتيجية والتكتيك: وهي العناصر العلميّة الضّامنة لنجاح أي عمل بشري مشترك إن كان ذلك على صعيد الحكومات أو المؤسّسات المدنيّة. وفي هذه "الثلاثيّة" يجتمع الفكر مع الحركة، والتنظير مع التطبيق. فالغايات الكبيرة (النّظريات) بحاجة إلى خطط عمل (استراتيجيّة) تعتمد المراحل من أجل تنفيذها وتراعي الظّروف المحيطة والإمكانات المتاحة في كل مرحلة، ثمّ يكون العمل الحركي اليومي (التكتيك) مرتبط بهذه الخطط المرحليّة وبمرونة في أسلوب العمل التنفيذي.

* ثلاثيّة الفكر والقيادة والأسلوب: وهي ما تحتاجه مؤسّسات المجتمع المدني من توفّر القيادات السّليمة المعتمدة على أساليب عمل نزيهة وسليمة من أجل خدمة الأهداف الفكريّة. فكم من منظّمات وأحزاب عانت وتعاني من التناقض بين الفكر والأسلوب، أو من قيادات انحرفت عن الفكر وأخضعت الأساليب لمصالحها الشّخصيّة، أو من عنف في الأساليب بينما تتحدّث الشّعارات عن الدّيمقراطيّة وضمان حق الرأي الآخر!

* ثلاثيّة المنطلق والأسلوب والغاية: وهذه "ثلاثيّة" ضروريّة في عمل الأفراد أو الجماعات. فتحديد الغاية وحده لا يكفي من دون المعرفة الدّقيقة للواقع الّذي يتمّ الانطلاق منه، وبالتّالي للوسائل المطلوبة من أجل الوصول للغاية. فالأفراد والجماعات هم في هذه "الثلاثيّة" كالمسافر الّذي يعرف أنّه في النّقطة ( أ ) ويريد السّفر إلى النّقطة ( ب ) ويحدّد وسيلة السّفر المناسبة لإمكاناته. لكن في واقع الحياة العمليّة، يتوه كثيرون في طريق سفرهم نحو الغايات المنشودة، أو يرى بعضهم الواقع ختام سفره في الحياة، وليس منطلقاً نحو غايات جديدة وأوضاع أفضل. وحينما يحدّد الفرد (أو الجماعة) عناصر هذه "الثلاثيّة"، فمن المهمّ إدراك أنّ الغايات قد تكون متعدّدة، لكن من المهمّ ترتيب أولويّات لها، تماماً كمحطّات السّفر من مكان إلى آخر، كذلك الأساليب فهي متعدّدة ومرنة تبعاً للظروف والإمكانات، أمّا الواقع (المنطلق) فهو حالة قائمة لا خيار لنا فيها. الخيارات هي فقط في الغايات والوسائل، لكن عندما نحقّق الغاية نكون عندها في واقع جديد ننطلق منه لغاية أخرى.

*ثلاثيّة الأسئلة: ماذا، متى، كيف : وهي "الثلاثيّة" العمليّة الغائبة عموماً في التّعامل مع مشاكل المجتمع العربي. بينما "الثلاثيّة" السلبيّة الحاضرة دائماً هي أسئلة: ( من، أين، ولماذا) وهذه أسئلة فيها الكثير من التّحليل والتّوصيف للحاضر والماضي، ولا تنفع وحدها في تغيير الواقع.
إنّ الإجابة على أسئلة: "ماذا نريد"؟ و "كيف" يمكن تحقيق ما نريد؟ "ومتى"؟ ، هي ما نحتاجه عربيّاً الآن على مستوى " ثلاثيّة": الحكومات والمنظّمات والشّعوب.


*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
alhewar@alhewar.com

الأربعاء، يونيو 14، 2006

نزيف القهر.. آخر أعمال الشاعر صلاح الدين الغزال




صدر للشاعر الليبي صلاح الدين الغزال ديوان شعري جديد بعنوان ( نزيف القهر)، ضمنه أجمل القصائد المسلوخة من قلب ما نبض إلا بالحب، وما نادى إلا بالإنسانية والتسامح.
والغزال شاعر وكاتب ليبي مقيم بمدينة بنغازي
· ورث موهبة الشعر عن جـدِّه الشيخ الغزال جنّاب الزُّوَيِّ.
· نشرت له العديد من الصحف والمجلات العربية والعديد من الشبكات والمواقع والمجلات الإلكترونية.
· أجري على أحد دواوينه بحث تخرج من قبل بعض الطالبات لنيل شهادة الليسانس وذلك بالمعهد العالي للمعلمين/ قمينس.
· نال عدّة جوائز في المسابقات الأدبية كما تحصّل على الترتيب الثاني والسابع في الشعر المقفى في مسابقة نجم عكاظ خلال عامي 2004 و 2005م بملتقى الحوار العربي.
· له تحت الطبع:1. نزيف القهر ... شعر2. زفير البركان ... شعر3. احتدام الجذوتين ... شعر
ألف مبروك للشاعر الصديق.. وعقبى لمولود أدبي آخر يغني مكتبتنا العربية، التي بأمس الحاجة إلى كتب كنزيف القهر.

الثلاثاء، يونيو 13، 2006

خادم الحرمين يصدر أمرا بإنشاء ناد أدبي في الأحساء


حائل: تركي الصهيل
الدمام: ميرزا الخويلدي وعبيد السهيمي
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمس، أمراً ملكيا بإنشاء ناد أدبي في الأحساء وذلك في ختام زيارته للمنطقة الشرقية التي بدأت السبت الماضي.
وأبلغ اياد مدني، وزير الثقافة والإعلام، عموم المثقفين في محافظة الأحساء، أن الملك عبد الله بن عبد العزيز أعطى موافقته على انشاء ناد ادبي للمثقفين في محافظة الأحساء، وهو النادي الذي طالب به مثقفو المحافظة منذ سنوات، حيث يوجد في المنطقة الشرقية ناد أدبي واحد مقره الدمام، يبعد عن الاحساء نحو 170 كيلومترا.
وكان الملك عبد الله قد التقى بعد ظهر أمس وفداً يمثل مثقفي الأحساء في مطار الهفوف، قبل مغادرته إلى حائل.
وفي حائل قامت «فرقة حائل» فور وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى مطار حائل الإقليمي، بتأدية العرضة السعودية، على أرض المطار. واصطف مئات من المواطنين على جنبات الطريق الذي شهد مرور موكب الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث رفعت الأعلام السعودية، وزينت الشوارع بصور خادم الحرمين الشريفين.
وقد عمد بعض أهالي مدينة حائل الى رفع صور الملك عبد الله بن عبد العزيز، على أعالي منازلهم.
الشرق الأوسط

الاثنين، يونيو 12، 2006

وجيهة الحويدر تطلب لقاء الملك بغية استحداث وزارة للمرأة



شبكة راصد الإخبارية -
طالبت الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر عبر شبكة راصد الأخبارية الأحد بلقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز بمناسبة زيارته للمنطقة الشرقية وذلك لتقديم طلب بتأسيس وزارة تعنى بشؤون المرأة السعودية.
وبررت الحويدر طلبها لقاء الملك عبر الشبكة بالقول «انا مثل سائر النساء السعوديات لا أعرف القنوات الرسمية لعقد لقاء مع الملك.»
كما عللت طلبها استحداث وزارة شؤون المرأة لغرض «تحسين مستوى الأسرة برفع وعي المرأة وتطوير اوضاعها.»
وأضافت «ثمة قضايا كثيرة خاصة جدا بالمرأة لا تعرفها ولا تتفهمها سوى أمرأة اخرى مثلها» كما طالبت «بفتح ملفات مسكوت عنها منذ عقود طويلة في السعودية وتوعية المجتمع عن مضارها مثل ختان الصغيرات.»
ومضت الحويدر في القول «ختان الاناث يمارس بالسر في بعض مناطق المملكة مثل منطقة الحجاز والشرقية والجنوبية... لم نسمع قط بحملة توعية عن ختان الاناث واثاره السلبية عليهن ولا عن مشاكل زواج الاقارب الصحية ولا عن زواج صغيرات السن والمشاكل الصحية التي يتعرضن لها اثناء الحمل والولادة والتي قد تسبب في وفاتهن.»
وتضيف «.. مازالت المرأة السعودية الى اليوم ليس لها تمثيل في المحاكم الشرعية، ولا يُسمح لها بدخول الدوائر الحكومية. وزارة شؤون المرأة هي الحل الأمثل لهذه الاشكالية.»
الحويدر التي قالت ان وزارة شؤون المرأة مطلب اساسي لا يحتمل التأجيل وصفت الملك عبد الله بأنه «راعي الحركة الاصلاحية.. والوزراة خطوة كبيرة للأمام.»
والكاتبة السعودية وجيهة الحويدر كاتبة متخصصة بقضايا المرأة العربية والسعودية على وجه الخصوص.
حازت الكاتبة على جائزة رابطة الكتاب العالمية للعام 2004 وكُـرمت في هولندا.
واختارتها جامعة «جورج تاون» في شهر مارس ممثلة للسعودية للمشاركة في منتدى القيادة العالمي الذي يُـقام كل عام ويـُدعى اليه نُخب من شتى البلدان لمناقشة قضايا الساعة وسياسات الدول

الأحد، يونيو 11، 2006

مقالات عيسى القنصل


لقراءة جميع مقالات الكاتب انقروا على اسمه الموجود في أسفل هذه الصفحة على الجهة اليسرى:

غازي القـُصيبي


بقلم: د إبراهيم عباس نـَـتــُّو
عميد سابق في جامعة البترول
**
مِن مِثلِ غازي، هاتِ يا أيامي!!
من صِنفهِ،.. علماً على الأعلامِ

في كل تنمية تَجدْهُ "جـُبيـْلـَنا"
يحدو الصناعةَ "يـُنبعَ" الأحلامِ

و كذا "الإضاءة" نوَّرتْ أرجاءَنا
أنوارُها تسمو مع الأيــامِ

و "المَشْفياتُ"، بناؤها و دواؤها*
صَرحٌ مُعلَّى.. بلسمُ الآلام

النثر دارسُه، و الشعر فارسُه
سِيـّان في الإنثار و الإنظام

قد صالَ في لغة البَديع يراعُه
و لدَى الفرنجِِ لسان باكنهام

نَجمُ السياسة، عالماً و معلماً
في الجامعات عميدُها المتسامي

هو في الوزارة و السفارة لؤلؤٌ
في صدر منبرها العلي الدِّبلامي

"الجسرَ" واكبَه، بَدءأً بنشأته
للافتتاح..و كان في الأحلام
...
أنظرْ وعَددْ في مناكب أرضنا
تُـحصَى مناقبـُه بـلا إيهـام

هذه المبرةُ للطفولة أٌنشئت
تسعى لصونِ الجسم و الإفهامِ

أما الوفاءُ، ففي الخليج شواهدٌ
محفوفةٌ بالبـِـرِ و الإسهامِ

و عليه قد فاض الإلهُ و زادَه
في العلم بَسطاً ثُم في الأجسامِ

و هو الكريمُ لكل ضيفٍ وافدٍ
و هو القصيبي، مَفخرُ الإسلامِِ
!
_________________________

· ولد معاليه في الأحساء، في 2 من مارس 1940م؛
· "مَن مِثل غازي هاتٍ يا أيامي!": نأمل -و نتوقع- أن تجود البلاد بمثله .. لخدمة الوطن؛ و في قراءة: مَن (بفتح الميم) مثلُ غازي ، في نبرة التحدي ..!
· * "المَشفى" هي الهجاءة التي أفضُّلُها أنا لتأتي مكانَ "المستشفى"؛
· ** القصر الملكي في لندن؛.. في الانگليزية يقولون "لغة الملَك".. حينما يشيرون إلى التمكن من اللغة بصفة مقتدرة؛
· *** "الدِّبلامي"، كلمة من قاموس " نـَـتـّو" لتحل محل الكلمة الإفرنجية "الدبلوماسي"؛ و لقد تولى د. غازي عدة مناصب وزارية، كان منها وزارة الكهرباء و الصناعة، ثم وزارة الصحة في الرياض؛ ثم انتقل سفيراً في دولة البحرين لمدة 7 سنوات، حتى صار "عميد السلك الدبلوماسي" فيها..حتى انتقل سفيراً لدى بريطانيا لعشر سنوات، إلى قبيل عودته إلى المراكز الوزارية مرة أخرى، بدءاً بوزارة "المياه"، ثم "المياه و الكهرباء"، و أخيراً "العمل".
· **** من أعمال الدكتور غازي (الأخرى و هي عديدة): إنشاؤه "جمعية رعاية الأطفال المعاقين"...التي يرأسها حالياً سمو سلطان بن سلمان.

Dr. Ibraheem A. NATTO
dr.natto@gmail.com

السبت، يونيو 10، 2006

لكي تنجح البحرين كمركز لمكافحة الإرهاب



بقلم: إبراهيم علي

في قمة مجلس التعاون التشاورية المنعقدة في الرياض في السادس من مايو المنصرم، تقرر أن تكون البحرين مركزا إقليميا لمكافحة الإرهاب، الأمر الذي بمقتضاه ستتحمل مملكة البحرين دون شك مسؤوليات أمنية كبيرة. غير أن ما يعنينا في هذا الخصوص كمواطنين ومقيمين، ليست الإجراءات و العمليات ذات الطابع الأمني المتوقع تطبيقها لمحاربة الإرهاب والإرهابيين، وإنما كيفية التصدي للأسباب التي خلقت الظاهرة أو ساهمت في نموها و اتساعها. فهذا هو السؤال الكبير الذي يجب التوقف عنده مليا و تركيز الأضواء و الجهود عليه، إذا ما أردنا فعلا استئصال الإرهاب من جذوره و تجفيف الينابيع التي ترتوي منه إلى الأبد.

في الأسباب، و هي ليست خافية على صناع القرار و إنما يجري دوما القفز عليها أو المداورة حولها، يمكن ذكر الكثير، لكننا سنتوقف في هذه العجالة عند أهمها من وجهة نظرنا:

- السبب الأول هو تلك الثقافة المجتمعية السائدة التي تمجد، بل تؤله الماضي و تثير الحنين إلى مظاهره، و إن كانت سلبية لا تتلاءم مع ظروف العصر و لا تخدم المصلحة الوطنية. و بطبيعة الحال فان الوجه الآخر لذلك هو نبذ و محاربة الثقافة العالمية بكل جوانبها الخيرة تحت ذرائع و حجج واهية لعل أبرزها المحافظة على الخصوصية و الهوية. ومن رحم مثل هذه الحجج السقيمة و هذا الخطاب الثقافي السمج، كان لا بد و أن تتشكل ظواهر اجتماعية بليدة ذات اثر سالب على الوعي والحراك المجتمعي و الفردي، منها على سبيل المثال تفضيل قطاع واسع من شبابنا للبقاء عاطلا عن العمل و بالتالي عالة على أسرته، على أن يعمل في وظيفة كريمة ثابتة و ذات مردود مالي جيد و مستقبل واعد كوظائف الصناعة الفندقية أو وظائف القطاع المصرفي غير "الإسلامي"، بحجة أن خصوصيته الثقافية تتعارض مع تلك النوعية من الوظائف.

- السبب الثاني يكمن في نظامنا التعليمي برمته، الذي يركز بإصرار عجيب على الجوانب الماضوية و التراثية "المجيدة"، بل و يقدمها للمتلقي على أنها منبع الحلول و الأجوبة لكل التساؤلات الدائرة في الحياة الراهنة. و مما لا شك فيه أن مثل هذا المنحى التعليمي و التربوي الغارق في الماضوية ترتب عليه ظهور أجيال مأسورة بأحداث الماضي البعيد و ظواهره الاجتماعية المنقرضة، و عاشقة للإبحار في ثناياها و بعثها من جديد، بدلا من التقدم إلى الأمام و التناغم مع متطلبات العصر علما و ثقافة و مظهرا و سلوكا. والطامة الأشد هي أن الأحداث التاريخية لا تقدم للمتلقي من وجهة نظر محايدة و دون نفخ و تفاخر، بل يجري تزويرها وتحريفها و بتر تسلسلها الزمني لغايات معروفة سلفا.

لقد صدمت حينما أخبرني احد خريجي الثانوية العامة بأنه لا ذكر في مناهجنا لتاريخ الأديان عدا ما يتعلق بمرحلتين فقط هما الوثنية (وسماها الجاهلية) و الإسلام. و كنت أظن حتى تلك اللحظة أن ما كان معمولا به قبل نحو 3 عقود يوم كنا في المرحلة الثانوية قد تغير بفعل سنة التطور و تقدم الحياة و انفتاح المجتمعات و الثقافات على بعضها البعض، لكني تأكدت الآن أن سياسة التعليم في أوطاننا العربية "العريقة" لا تزال ماضية نحو نشر الجهل و تعميمه بدلا من نشر العلم و الحقائق كما هي.

- والسبب الثالث وراء ظاهرة الإرهاب هو تسييس الدين والتعليم والأعلام. إذ ليس من المبالغة القول أن الدين و منابره و التعليم و مؤسساته و الإعلام و أجهزته قد تم اختطافها من قبل جماعات سياسية منظمة تنظيماً محكماً، بحيث بات من الصعب على الأجهزة الأمنية اختراقها. فتحت عباءة التدين و المحافظة على الهوية و الخصوصية و منع التغريب، تمكنت هذه الجماعات من اختراق كافة وزارات الدولة إلى الدرجة التي استطاعوا معها أن يجلبوا أتباعهم الأيديولوجيين و رفاقهم في الهوية الفكرية من بعض الجنسيات العربية إلى دول الخليج، بل استطاعوا أيضا أن يؤمنوا لهم الجنسية الخليجية و السكن المجاني المريح والوظائف المرموقة. و هكذا بتنا أمام مشاهد لا تجهلها العين مثل إمساك بعض الاسلامويين المتشددين القادمين من وراء الحدود بتلابيب مراكز حساسة ذات صلة بالتأثير على الرأي العام و توجيهه و لاسيما في أجهزة الإعلام الرسمية و المنابر العامة من تلك التي يمارس فيها هؤلاء على مدار الساعة هوايتهم الخالدة في الصراخ و العويل و النواح و حث الناس على كراهية الحياة و الفرح و الإقبال على الموت و التجهم و مقت الآخر المختلف معهم. و من جانب آخر ساهمت انتهازية البعض أصحاب القرار في الصحافة المحلية في فتح صفحات جرائدهم أمام أصحاب الفكر الإرهابي من مواطنين و مقيمين عرب لنشر مقالات يمجدون فيها زعيم الإرهاب العالمي علنا و دون حياء أو حتى مراعاة لجيراننا ممن اكتووا بحماقات هذا الإرهابي اللعين و صحبه.

و من أمثلة ترويج ثقافة الموت واسترخاص الحياة التي هي أولى درجات الصعود على سلم الإرهاب والانتحار، ما سمعه اذناي ذات صباح باكر من إحدى أيام الشهر الفائت، حينما كنت أنتظر دوري للدخول على الطبيب في مركز عراد الصحي، من أصوات مزلزلة مشوبة بالنواح و الصراخ آتية من السماعات المنتشرة في المركز الصحي المذكور. هذه الأصوات التي لا شك أنها تضاعف من أمراض و مآسي المرضى المترددين على المركز، لم تكن تروج لبرنامج صحي أو تعرض إرشادات وقائية، و إنما كانت تتحدث عن الموت و عذاب القبر و مشاهد الآخرة.

وهكذا يتضح لنا مما تقدم ذكره، أن المطلوب من دول مجلس التعاون بشكل عام، والبحرين بشكل خاص لكونها أصبحت الآن المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب، هو القيام بوضع خطة أو استراتيجية شاملة طويلة المدى (عشر سنوات مثلا) للقضاء على مسببات الإرهاب و على رأسها الترويج لثقافة العنف و الموت و الانتحار في المجتمع الخليجي. و أول ما يجب البدء به في هذا السياق هو الاهتمام بعقول الناشئة و الشباب. ذلك أن فكرة إرهاب الآخر و نبذه تبدأ أولا بخطوط ترسم في العقل الذي يمكن وصفه بخزان الإرهاب، ثم لا تلبث بجرعة من التحريض و الثقافة الملوثة أن تتطور إلى أوامر صادرة من العقل إلى صاحبه للقتل أو التدمير بدم بارد.

وباختصار شديد نقول أن دولنا الخليجية لن تتخلص من تهديدات الجماعات والتيارات الإرهابية، إلا عن طريق قيامها بحملات تطهير ثقافية وتعليمية وإعلامية طويلة الأمد، ترصد لها مبالغ طائلة. فلا قوانين مكافحة الإرهاب ولا أجهزة الشرطة والأمن قادرة وحدها على إجتثاث شأفة الإرهاب. و بالمثل، فلا تبادل المعلومات الاستخباراتية، و لا تفتيش المنازل المشبوهة، و لا التدقيق في هويات القادمين المنافذ الحدودية، قادر على وضع حد لهذا الوباء، و إنما تفتيش العقول و تنظيفها من التلوث باعتبار أن ثقافة الإرهاب مختبئة فيها و تنتظر اللحظة المناسبة لتدمير نفسها و من حولها.

وفي هذا الصدد نقترح على الدولة اتخاذ الخطوات التالية في مسيرتها الطويلة والشاقة لمكافحة الإرهاب:

أولاً: توجيه الجزء الأعظم من اية ميزانية خليجية مرصودة لمكافحة الأعمال الإرهابية نحو الإنفاق على مكافحة الإرهاب الثقافي و التعليمي و الإعلامي، بدلا من إنفاق السواد الأعظم على تطوير الأجهزة الأمنية.

ثانياً: إنشاء مراكز ثقافية في كل محافظة، بهدف تقديم خدمات ثقافية مجانية متنوعة للجمهور على مدار العام، شاملة كل أنواع الفنون، من مسرح وموسيقى وسينما و مكتبات و عروض لمشاهير الفكر و الفن في العالم. إذ أن أفضل تحصين للمجتمع ضد الإرهاب هو في تنويع دائرة الثقافات المعروضة، مع توسيع دائرة مساحة الحريات العامة والشخصية وعلى رأسها حرية التعبير والنقد ودعم الصحافة الحرة والمستقلة وحماية هذه الحريات من كل انتقاص أو تهديد.

ثالثاً: منع المحرضين على ثقافة الموت والإرهاب من استخدام المنابر التعليمية والإعلامية والدينية، مع سحب الجنسية البحرينية أو الخليجية من العرب الذين تم تجنيسهم وتوطينهم في ليلة ظلماء من أجل القيام بتخريب ثقافة التسامح التي فطر عليها شعبنا، و إعادتهم من حيث أتوا. و يكفينا أن هؤلاء انكشفوا على حقيقتهم عندما وقفوا مع غزو المجرم صدام حسين للشقيقة الكويت، و ضد مصلحة شعبنا في الخليج، ناهيك عما فعلوه في الشقيقة السعودية من تخريب و تآمر باعتراف وزير داخليتها.

bumarwan@batelco.com.b

الجمعة، يونيو 09، 2006

امتحان للمواطنة!


صبحي غندور*

ما يحدث حاليّاً في عدد من البلاد العربيّة هو امتحان جدّي وصعب لهذه الأوطان من حيث قدرتها على التّعامل مع الشّروخ والانقسامات الّتي تنتشر كالوباء في جسمها الواهن، وما فيه أصلاً من ضعف مناعة.
صحيح أنّ هناك قوى خارجيّة تعمل على تأجيج الصّراعات الدّاخليّة العربيّة، وأنّ هناك مصلحة أجنبيّة وإسرائيليّة في تفكيك المجتمعات العربيّة، لكن العطب أساساً هو في الأوضاع الدّاخليّة الّتي تسمح بهذا التدخّل الخارجي، الإقليمي والدولي.
إنّ البلاد العربيّة لا تختلف عن المجتمعات المعاصرة من حيث تركيبتها القائمة على التّعدّديّة في العقائد الدّينيّة والأصول الإثنيّة، وعلى وجود صراعات سياسيّة محليّة. لكن ما يميّز الحالة العربيّة هو حجم التّصدّع الداخلي في أمّة تختلف عن غيرها من الأمم بأنّها أرض الرّسالات السماويّة، وأرض الثّروات الطّبيعيّة، وأرض الموقع الجغرافي الهام. وهذه الميزات الثلاث كافية لتجعل القوى الأجنبيّة تطمح دائماً للاستيلاء على هذه الأرض أو التحكّم بها والسّيطرة على مقدّراتها.
وقد كان من الطّبيعي أن تمارس القوى الأجنبيّة الطامعة بالأرض العربيّة، سياسة "فرّق تسد"، وبأن تفكّك الأمّة إلى كيانات متصارعة فيما بينها وفي داخل كل منها، وبأن تزرع في قلب هذه الأمّة جسماً غريباً يقوم بدور الحارس لهذا التّفكّك، فأصبحت الأمّة العربيّة تبعاً لذلك، رهينة لمخطّطات الخارج ولأجندة خاصّة أيضاً بهذا الجسم الغريب المزروع في قلبها.
لكن هل يجوز إلقاء المسؤوليّة فقط على "الآخر" الأجنبي أو الإسرائيلي فيما حدث ويحدث في بلاد العرب من فتن وصراعات طائفيّة وعرقيّة؟! أليس ذلك تسليماً بأنّ العرب جثّة هامدة يسهل تمزيقها إرباً دون أي حراك أو مقاومة؟
إنّ إعفاء النّفس العربيّة من المسؤوليّة هو مغالطة كبيرة تساهم في خدمة الطّامعين بهذه الأمّة والعاملين على شرذمتها، فعدم الاعتراف بالمسؤوليّة العربيّة المباشرة فيه تثبيت لعناصر الخلل والضّعف وللمفاهيم الّتي تغذّي الصّراعات والانقسامات.
إنّ غياب الولاء الوطني الصّحيح في معظم البلاد العربيّة مردّه ضعف مفهوم الانتماء للوطن وسيادة الانتماءات الفئويّة القائمة على الطّائفيّة والقبليّة والعشائريّة. ويحصل الضّعف عادةً في الولاء الوطني حينما تنعدم المساواة بين المواطنين في الحقوق السّياسية والاجتماعيّة، وحينما لا تكون هناك مساواة أمام القانون في المجتمع الواحد.
أيضاً، إنّ غياب الفهم الصّحيح للدّين والفقه المذهبي وللعلاقة مع الآخر أيّاً كان، هو البيئة المناسبة لأي صراع طائفي أو عرقي يُحوّل ما هو إيجابي قائم على الاختلاف والتنوّع والتّعدّد إلى عنف دموي يُناقض جوهر الرّسالات السّماويّة والحكمة أصلاً من وجودها على الأرض!
أيضاً، إنّ الحكومات العربيّة مارست بعد نشأة جامعة الدّول العربيّة منذ ستة عقود، مفهوم "الخيمة" في العلاقات بين الدول العربيّة وليس مفهوم "العمارة" الّذي مارسته والتزمت به دول المجموعة الأوروبيّة. ففي "خيمة" العلاقات الرّسميّة العربيّة إمّا الاتفاق على كل شيء أو التّصارع في "الخيمة" وهدمها على من فيها!
في تجربة "السّوق الأوروبيّة المشتركة"، لّتي تزامنت نشأتها مع تأسيس جامعة الدول العربيّة عقب الحرب العالميّة الثانية، جرى تطبيق مفهوم "العمارة" الّتي تحتاج أوّلاً إلى أساس متين سليم وصلب، ثمّ في كل في كل حقبة زمنيّة، وبعد توفّر ظروف وإمكانات مناسبة، يتمّ بناء الطّابق تلو الطّابق في "عمارة" وصلت الآن إلى صيغة "الاتحاد الأوروبي" بينما يتراجع دور الجامعة العربيّة ويبقى أسير مفهوم "خيمة الحكومات"!
وحينما يختلف الأوروبيّون على تفاصيل "طابق" جديد في "عمارتهم"، فإنّهم لا يهدمون "العمارة" كلّها بل يوقفون بناء هذا "الطابق" الجديد لفترة زمنيّة (كما حصل مؤخّراً في الاستفتاء على صيغة دستور الاتّحاد الأوروبي) إلى حين توفّر ظروف أفضل أو إعداد رسم هندسيّ جديد !
هؤلاء الأوروبيّون عاشوا حروباً دمويّة طاحنة داخل مجتمعاتهم وبين بلدانهم المتعدّدة الأعراق والثقافات والطوائف، لكنّهم أدركوا أهميّة التصالح والاتّحاد فيما بينهم على أسس سليمة لمجتمعات ديمقراطيّة تفصل بين خصوصية الشّرائع الدينيّة عند الأفراد وبين عموميّة السلطات المدنيّة، فلا يكره المواطن مواطناً آخر على معتقد، ويتساوى الجميع أمام القانون المدني المشترك.
المجتمعات الأوروبيّة أخذت بخلاصات الفيلسوف المسلم ابن رشد ومدرسته العقلانيّة، وبما أنتجته الحضارة العربيّة والإسلاميّة في الأندلس، بينما المجتمعات العربيّة تعود الآن في بعض مفاهيمها والكثير من سلوكيّات شعوبها إلى عصر الجاهليّة بكل معانيه!
البلدان الأوروبيّة اختارت الحفاظ على خصوصيّاتها الوطنيّة والثّقافية ضمن مظلّة التكامل والتوحّد القارّي الأوروبي، فلم تجد ضرراً في الجمع بين الهويّة الوطنيّة وبين التكامل الأوروبي. بينما البلدان العربيّة الّتي تجمعها الهُويّة الثّقافية العربيّة الواحدة، تنحدر نحو التّمزّق الداخلي وتغليب الفئويّات الضّيّقة المصطنعة على الأفق الطّبيعي المشترك.
الشّعوب الأوروبيّة خلصت إلى قناعة بضرورة نبذ العنف بين بلدانها وداخل مجتمعاتها الخاصّة، واعتماد النّهج الديمقراطي في الحكم والعلاقات بين المواطنين والأوطان، بينما تزداد ظواهر العنف الدّاخلي في أرجاء المنطقة حتّى داخل بلدانها الخاضعة للاحتلال..
فكم هو مؤسف هذا المزيج اليومي من الأخبار القادمة من العراق أو فلسطين حيث الضّحايا هم خليط من ممارسات الاحتلال ومن الصّراعات الفئويّة المحليّة! وأصبح لازماً أن نميّز في أخبار القتلى والجرحى بين رباعيّات العنف المستخدم في البلد الواحد، كما العراق، حيث امتزجت عمليّات المقاومة مع ضحايا الاحتلال والإرهاب والحرب الأهليّة!!
إنّ الحروب الأهليّة هي طاحونة الأوطان في كل زمان ومكان. وهاهي المجتمعات العربيّة أمام تحدٍّ خطير يستهدف كل من وما فيها. هو امتحان جدّي لفعل المواطنة في كل بلد عربي إذ لا يمكن أن يقوم وطن واحد على تعدّدية مفاهيم المواطنة. وحينما يسقط المواطن في الامتحان يسقط الوطن بأسره.

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

اغتصاب؟



د. إلهام مانع


هل يمكن للرجل أن يغتصب زوجته؟
سؤال غريب؟
لعله غير منطقي على الأحرى؟
في كل الأحوال أدعوكم أعزائي إلى التأمل فيه وأنا أكمل الفقرة القادمة.

نفس الموضوع طُرح بصورة عارضة خلال أمسية قضيتها مع مجموعة من البرلمانيات السويسريات على شرف وفد صحافي نسائي من ست إعلاميات سعوديات زرن سويسرا في شهر مايو من عام 2002 بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية.

ضمن حوار جانبي، تحدثت إحدى البرلمانيات عن قضية المرأة، والتي اعتبرتها مسألة إنسانية عالمية، لا تتعلق بثقافة محددة أو شعب بعينه، لافتة إلى أن قانون العائلة السويسري الذي تم تعديله في بداية الثمانينات كان يحتوي على نص يعطي للرجل الحق في تحديد المكان الذي تعيش فيه عائلته، حتى لو كان ذلك يتعارض مع رغبة زوجته.

بكلمات أخرى، كان يمكن للرجل حينها أن يقول لزوجته "أجمعي أمتعتنا، سننتقل غداً إلى كانتون جديد"، وكان عليها أن "تطيع"، شاءت ذلك أم أبت!

ثم أضافت، إن المجتمع السويسري أحتاج إلى فترة طويلة كي يتقبل أن هناك حالات "يغتصب فيها الرجل زوجته".

عندما قالت ذلك قاطعتها إحدى الصحافيات السعوديات بلطف معترضة "الرجل لا يغتصب زوجته!"

قالتها وهي مندهشة.
قالتها وهي منزعجة.
في الواقع قالتها مستغربة من الفكرة في حد ذاتها.

وفهمتها.
كما فهمت دهشتها.

فالفكرة في حد ذاتها لا تبدو فقط مستهجنة بل غير معقولة من الأساس.
الاغتصاب عادة هو فعل الغريب، الذي يرتكب هذه الجريمة متعدياً على ما لا "حق" له فيه.
لكن أن نحدد هذا الفعل ضمن نطاق العلاقة الزوجية، فهذا أمر غير مفهوم، خاصة وأن العلاقة الحسية تظل حقاً مؤسساً للزوجين على حد سواء.

هذا لا يعني أنه لا يحدث.
يحدث عندما يجبر الرجل زوجته على ممارسة الجنس ضد إرادتها، أو يعتدي عليها بالضرب كي يحصل على مراده.
وهو يحدث في مجتمعاتنا كما يحدث في المجتمعات الأخرى.
وأنا أدري أنه يحدث في مجتمعاتنا، لأن حياتي في خمس بلدان عربية وإسلامية، وتنقلي فيما بعد ضمن إطار عملي كصحافية، مكناني من التعرف عن قرب على العديد من القصص التي روتها لي النساء المتضررات بأنفسهن.
كقصة المرأة التي "أغتصبها" زوجها وهو سكران.
أرادها "غصباً"، فهي لم تعترض في الواقع على طلبه، لكنه مارس "حقه" بعنف وقسوة، وإلى المدى أنها استيقظت في الصباح لتجد جسدها مليئاً بالكدمات الزرقاء! أين المودة والرحمة في كل هذا؟

لعلكم تتساءلون أعزائي عن مبرر التطرق إلى هذا الموضوع، خاصة وأنه لا يمثل ظاهرة "عامة".
فكونه يحدث، لا يعني أنه يحدث كل يوم أو في كل بيت. بل يظل في كل ذلك الاستثناء لا القاعدة. على الأقل هذا ما يمكننا أن نتصوره خاصة في ظل غياب أية دراسات أو بحوث متعمقة في هذا الشأن.

لكن الدهشة التي جوبه بها تعليق البرلمانية تستحق منا التوقف.
لأنها دهشة تعكس القناعة السائدة في مجتمعاتنا، خاصة في شبه الجزيرة العربية، تجاه طبيعة العلاقة الحسية بين الزوج والزوجة.

تلك القناعة ترى أن للرجل "حقاً مطلقاً" في جسد زوجته،
وأن هذا الحق يمارسه "وقتما شاء" و"كيفما شاء"،
فجسدها ليس ملكاً لها،
بل لزوجها،
يفعل به ما يشاء حتى لو كانت كارهة لذلك،
وأن على الزوجة "دائماً" أن تلبى طلبه مهما كان شعورها،
وأن من لا تفعل ذلك لا تستحق فقط غضب المجتمع،
لا بل ستحق عليها أيضاً لعنة السماء.

هكذا!

مسكينة هذه المرأة.
لم يكف أننا خنقنا الأنفاس من حياتها في شؤونها العامة، بل زدنا على ذلك بأن كبلناها في أدق خصوصيات حياتها.
في فراشها!

مثل هذه الرؤية لها تداعيات.
أهمها أنها تؤسس لعلاقة غير متساوية بين الزوجين،
تتحول معه المرأة إلى "شيء" يتم استخدامه من قبل الزوج،
"شيء" سلبي،
يقف دائماً في موقع المتلقي لا المبادر،
لا كشريك متساو له نفس الحقوق والواجبات ضمن إطار علاقة يُفترض أنها تقوم على المودة والرحمة.

ومادامت المرأة "شيء" في الفراش، هل يمكننا فعلاً أن نتوقع تحولها إلى كائن إنساني كامل في الحياة العامة؟

أظن أن الكثير الكثير سيتغير لدينا إذا بدأ المجتمع يتعامل مع المرأة على أنها كيان مستقل،
لها الحق في أن تقبل أو ترفض ممارسة العلاقة الحسية مع زوجها، مثلها في ذلك مثله.
لأنها إنسان،
مثله،
ولأنها ببساطة
لا تريد!

elham.thomas@hispeed.ch