أمل زاهد
تأتي مجموعة الكاتب حمد العيسى القصصية الأولى ( أسبوع رديء آخر ) جريئة ، صاخبة ، ساخنة ، ومتدفقة ، يختلط فيها الهم العربي مع الهم السعودي مع الهم الإنساني في توليفة جميلة مفعمة بسخرية لاذعة تقطر مرارة وأسى ، تحفر وتنقب حتى تصل بالقاريء إلى أعماق ذلك الوجع الكامن وحيث مخابئه الدفينة . توحي ايقاعات الجمل السريعة ، الحادة ، والساخرة للقاريء أن الكاتب يريد أن يصوب طلقات نارية إلى عمق مشكلات أرقت الإنسان العربي عامة والسعودي خاصة بل تصل بعض القصص إلى تخوم المعاناة الإنسانية بمفهومها الشامل الذي يضعنا وجها لوجه أمام حقيقة أن الإنسان هو الإنسان في أي مكان تواجد ومن تحت أي عباءة ثقافية خرج.
كما يوجه الكاتب من خلال قصصه رشقات نبال إلى خاصرة النفاق والفساد والوصولية والازدواجية والأقنعة والزيف والرياء والتدين الشكلاني الكاذب ، فينفجر ما في ذلك الجسد من أمراض وعاهات مفرزا قيحه ومبرزا سرطانه . ويتجه الكاتب أيضا إلى حيث المسكوت عنه فيعمد إلى ستائره فيكشفها وإلى معالمه فيظهرها في جرأة متميزة تسمي الأسماء بأسمائها الحقيقية دون محاولة للمواربة أو الترميز أو الايحاء . وربما كانت هذه الجرأة التي أراد الكاتب بها فضح المسكوت عنه هي دافعه لانتهاج الأسلوب السردي التقريري في كثير من قصص المجموعة ، والذي يؤخذ عليها من ناحية التكنيك .
وهو يتطرق من خلال قصصه أيضا إلى الكثير من القضايا الاشكالية والظواهر الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع السعودي ، كنظرة الشاب السعودي للفتاة السعودية والتي يشوبها الغموض وسوء الفهم ،وهرب الشباب إلى أماكن يتم له فيها اشباع متعه الجسدية ، وظاهرة الإيمان بالسحرة والدجالين والتكسب من الرقيات الشرعية على حساب المريض والذي يعاني عادة من مرض نفسي أو عصابي ، ولبس مسوح الدين لاخفاء الفساد ، وأسلمة بعض الاستثمارات حتى ينجذب الانسان البسيط لها ثم يتم عبرها استنزاف جيوبه حتى آخر ريال فيها ، وانتخابات المجالس البلدية الجديدة على المجتمع السعودي والمخيمات التي لا ينتمي ما يدور فيها بصلة إلى المجلس البلدي !!واشكاليات اخرى مفصلية متعددة لا يمكن حصرها في مقال واحد فقط .
والقصص التي يصل مجموعها إلى الستة عشر والمتفاوتة طولا وقصرا تحكي معاناة جيل ، جيل تجرع الهزائم وازدرد الخيبات واتخم بالمصائب ، وشاهد أمام عينيه انهيارالاحلام وتهشيم الأماني العربية ، وراح يفتش عن الهوية الضائعة بين أنقاض الخرائب المتوالية . وفي محاولاته الدؤوبة تلك للبحث عن ذاته والنتقيب عن كيانه الضائع ، تاه منه الطريق وتسربت من بين يديه ذاته وفقد القدرة على الرؤية الثاقبة، وإذا به يلجأ إلى كل ما يلمح فيه بارقة أمل تعيده إلى مجده التليد وعزه السامق . ففي قصة عزيزي ماهر والتي تأتي بشكل رسالة يبعثها البطل إلى زميل دراسته في كلية البترول والمعادن ويستعيد خلالها ذكرياته في ذلك المعقل التعليمي يقول البطل : ( هل تذكر كيف تلقفنا الطلبة الملتزمون في ( الأورينتشن ) وهل تذكر كيف كان الصراع شديدا بين جماعات الاخوان والسلف والتبليغ على جذب الطلبة الجدد ؟ تخرجنا من ثانوية الدمام الشاملة مسلمين عاديين .. نصلي ونصوم ونحب الحياة والبلوت والموسيقى وكرة القدم كنت أعشق طلال مداح ، وأنت تموت في فيروز .. ثم فجأة أصبحنا سلفيين ملتزمين أو وهابيين .. لا فرق الآن يا عزيزي .. أعفينا اللحى ، وقصرنا الثياب إلى ما فوق الكعبين ، وبدأنا نؤدي الصلوات الخمس في المسجد ونصوم الاثنين والخميس ، وننكر الكثير من الأمور على أهالينا في منازلنا ، ونجتمع مع الشباب كل ثلثاء للدرس ، وأتلفنا أشرطة الأغاني ، ومنعنا أنفسنا من مشاهدة التلفزيون ، وصار لعب البلوت من خوارم المرؤة ) ثم يواصل الكاتب الذكريات التي تستعرض حقائق وتناقضات عايشها على ما يبدو الكاتب نفسه والمتخرج من كلية البترول والمعادن.
يبدو الكتاب محاولة للمكاشفة ورغبة حقيقية في التصادم مع الماضي والوقوف وجها لوجه أمامه ، وتهشيم تابوهات عانى منها جيل اكتوى بنيران الأصولية وتلظى بحر الأحادية ، ونفى ذاته داخل جدران اتضح له بعد معاناة أنها لم توفر له الأمان بقدر ما استلبت منه نفسه وأفقدته القدرة على النظرة الواقعية لما يدور حوله في العالم . ويتضح أيضا من خلال القصص الصراع القائم في نفس الكاتب وفي نفس كل مثقف بين اعجابه بمنجزات وتقنيات الحضارة الغربية و التي نرفل فيها ونستمتع بما توفره لنا ،وبين رفضه لسياسات القوى العظمى الخارجية وخاصة أمريكا والتي تنحو للهيمنة والسيطرة على عالمنا العربي !!
كما يتضح أيضا ذلك الصراع بين الحداثة والتقليد من خلال بعض القصص كقصة ( شكل ومضمون ) ، وكأني بالكاتب يقوم بمقابلة بين شخصية ( حسن ) الحلاق المصري البسيط المتخم بنظرية المؤامرة والمجيش المشاعر ضد كل ما هو أمريكي وغربي مع التركيز على المشاعر الانسانية والحميمية الخاصة التي تربطه ببطل القصة ، وبين شخصية ( انجي ) الحلاقة الأمريكية الجميلة والمتبعة لأحدث التقنيات في عملها ، بينما لا تجمعها مع البطل الا برودة وجفاف العلاقة المادية والرغبة في انجاز عملها على أكمل وجه يرضي الزبون فيعود لها مرة أخرى . وهناك أيضا مقابلة مضمرة بين دكان حلاقة حسن البسيط والبدائي وبين الصالون الذي تعمل فيه انجي والمزود بأحدث التقنيات وأفخم المعدات ، وكأني بالبطل يصل في النهاية إلى حل للمعادلة الصعبة بين التقليد والحداثة فيقول:
ياليت التي تحلق لي انجي والذي يحدثني أبو علي !
لم يعتمد الكاتب على الرمز أو التكثيف إلا في بعض القصص التي جاءت فيها لمحات متقدة من الخيال ومن الأفكار المبتكرة مثل قصة ( الجلد السميك دوت كوم ) . والتي تبدأ برسالة الكترونية موجهة للكاتب من رئيسة الجمعية العربية للجلد السميك توضح فيها السمات الواجب توافرها في أعضاء الجمعية . وسرعان ما يكتشف القاريء أن هذه السمات والملامح أضحت هي المهيمنة على كثير من الشخوص الذين يتعامل معهم في حياته اليومية ، ففي عالم لم يعد يعترف إلا بالبرجماتية والنفعية الخالصة والرغبات الجامحة في العب من المظهرية والوجاهة ، والرغبة الآسرة في الاستحواذ على السلطة لابد أن يتوارى الضمير وتحتجب الأخلاق وتنتهك القيم ويتم تقويض بنيان المثل والمباديء ، ليعتلي أصحاب الجلد السميك أعناق أصحاب الجلد الناعم فلم يعد هناك مكان لهم في عالم أضحى البقاء فيه للأقوى والاستمرار فيه فقط لمن يعرف من أين تؤكل الكتف . يأتي في المادة الحادية عشر مايأتي : (لا مجال لأي من الهرطقات المثالية ، التي مصدرها الزائدة الروحية الخبيثة المعروفة بالضمير، مثل : التواضع ، الصراحة ، الرحمة ، المروءة ، العدل ، الإخلاص ، حسن الظن ، الوفاء ، التضحية ، الصدق ، عدم الحسد، الفضيلة ، الأمانة ، الشهامة ، الكرم ، والحب بكل أنواعه) . وهنا لا بد أن يتساءل القاريء هل هناك مكان لأصحاب الجلود الناعمة في زمن احتجب فيه الحب !! في زمن رديء آخر !!
تأتي القصة الأخيرة في المجموعة والتي أخذ الكتاب عنوانها ( أسبوع رديء آخر ) لتدخل في ردهات وأروقة شركة أرامكو والتي يبدو أيضا أنها محاولة للمكاشفة وتسليط الضوء- فالكاتب أحد المنضوين تحت مظلة هذه الشركة كما هو واضح من النبذة الموجودة عنه في آخر الكتاب- على ما حدث ويحدث، ما كانت الشركة وما صارت إليه ، وكيف سادت الشعاراتية والمبادرات التطويرية بصورة فوضوية . تأتي المكاشفة صارخة وعنيفة وصريحة ، توضح معاناة الإنسان في عالم صار فيه مجرد ترس في آلة ضخمة تنصهر فيها ذاتيته وفرديتته ليدخل في عبودية من نوع جديد ، عبودية تنصهر فيها روحه وتتدمر قدرته على الانجاز ويضطر لتقديم التنازلات وإلى الرضا بمقاييس جديدة نظرا لطوباوية المقاييس وعدم قدرته على الالتزام بها . وينهي الكاتب قصته بمرارة لاذعة قائلا : خرجت لأمارس رياضة المشي حول مسجد العيد كعادتي بعد أن نزعت الساعة من
معصمي حتى لا أعلم كم بقي من الوقت على بداية أسبوع رديء آخر !!
Amal_zahid@hotmail.com
تأتي مجموعة الكاتب حمد العيسى القصصية الأولى ( أسبوع رديء آخر ) جريئة ، صاخبة ، ساخنة ، ومتدفقة ، يختلط فيها الهم العربي مع الهم السعودي مع الهم الإنساني في توليفة جميلة مفعمة بسخرية لاذعة تقطر مرارة وأسى ، تحفر وتنقب حتى تصل بالقاريء إلى أعماق ذلك الوجع الكامن وحيث مخابئه الدفينة . توحي ايقاعات الجمل السريعة ، الحادة ، والساخرة للقاريء أن الكاتب يريد أن يصوب طلقات نارية إلى عمق مشكلات أرقت الإنسان العربي عامة والسعودي خاصة بل تصل بعض القصص إلى تخوم المعاناة الإنسانية بمفهومها الشامل الذي يضعنا وجها لوجه أمام حقيقة أن الإنسان هو الإنسان في أي مكان تواجد ومن تحت أي عباءة ثقافية خرج.
كما يوجه الكاتب من خلال قصصه رشقات نبال إلى خاصرة النفاق والفساد والوصولية والازدواجية والأقنعة والزيف والرياء والتدين الشكلاني الكاذب ، فينفجر ما في ذلك الجسد من أمراض وعاهات مفرزا قيحه ومبرزا سرطانه . ويتجه الكاتب أيضا إلى حيث المسكوت عنه فيعمد إلى ستائره فيكشفها وإلى معالمه فيظهرها في جرأة متميزة تسمي الأسماء بأسمائها الحقيقية دون محاولة للمواربة أو الترميز أو الايحاء . وربما كانت هذه الجرأة التي أراد الكاتب بها فضح المسكوت عنه هي دافعه لانتهاج الأسلوب السردي التقريري في كثير من قصص المجموعة ، والذي يؤخذ عليها من ناحية التكنيك .
وهو يتطرق من خلال قصصه أيضا إلى الكثير من القضايا الاشكالية والظواهر الاجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع السعودي ، كنظرة الشاب السعودي للفتاة السعودية والتي يشوبها الغموض وسوء الفهم ،وهرب الشباب إلى أماكن يتم له فيها اشباع متعه الجسدية ، وظاهرة الإيمان بالسحرة والدجالين والتكسب من الرقيات الشرعية على حساب المريض والذي يعاني عادة من مرض نفسي أو عصابي ، ولبس مسوح الدين لاخفاء الفساد ، وأسلمة بعض الاستثمارات حتى ينجذب الانسان البسيط لها ثم يتم عبرها استنزاف جيوبه حتى آخر ريال فيها ، وانتخابات المجالس البلدية الجديدة على المجتمع السعودي والمخيمات التي لا ينتمي ما يدور فيها بصلة إلى المجلس البلدي !!واشكاليات اخرى مفصلية متعددة لا يمكن حصرها في مقال واحد فقط .
والقصص التي يصل مجموعها إلى الستة عشر والمتفاوتة طولا وقصرا تحكي معاناة جيل ، جيل تجرع الهزائم وازدرد الخيبات واتخم بالمصائب ، وشاهد أمام عينيه انهيارالاحلام وتهشيم الأماني العربية ، وراح يفتش عن الهوية الضائعة بين أنقاض الخرائب المتوالية . وفي محاولاته الدؤوبة تلك للبحث عن ذاته والنتقيب عن كيانه الضائع ، تاه منه الطريق وتسربت من بين يديه ذاته وفقد القدرة على الرؤية الثاقبة، وإذا به يلجأ إلى كل ما يلمح فيه بارقة أمل تعيده إلى مجده التليد وعزه السامق . ففي قصة عزيزي ماهر والتي تأتي بشكل رسالة يبعثها البطل إلى زميل دراسته في كلية البترول والمعادن ويستعيد خلالها ذكرياته في ذلك المعقل التعليمي يقول البطل : ( هل تذكر كيف تلقفنا الطلبة الملتزمون في ( الأورينتشن ) وهل تذكر كيف كان الصراع شديدا بين جماعات الاخوان والسلف والتبليغ على جذب الطلبة الجدد ؟ تخرجنا من ثانوية الدمام الشاملة مسلمين عاديين .. نصلي ونصوم ونحب الحياة والبلوت والموسيقى وكرة القدم كنت أعشق طلال مداح ، وأنت تموت في فيروز .. ثم فجأة أصبحنا سلفيين ملتزمين أو وهابيين .. لا فرق الآن يا عزيزي .. أعفينا اللحى ، وقصرنا الثياب إلى ما فوق الكعبين ، وبدأنا نؤدي الصلوات الخمس في المسجد ونصوم الاثنين والخميس ، وننكر الكثير من الأمور على أهالينا في منازلنا ، ونجتمع مع الشباب كل ثلثاء للدرس ، وأتلفنا أشرطة الأغاني ، ومنعنا أنفسنا من مشاهدة التلفزيون ، وصار لعب البلوت من خوارم المرؤة ) ثم يواصل الكاتب الذكريات التي تستعرض حقائق وتناقضات عايشها على ما يبدو الكاتب نفسه والمتخرج من كلية البترول والمعادن.
يبدو الكتاب محاولة للمكاشفة ورغبة حقيقية في التصادم مع الماضي والوقوف وجها لوجه أمامه ، وتهشيم تابوهات عانى منها جيل اكتوى بنيران الأصولية وتلظى بحر الأحادية ، ونفى ذاته داخل جدران اتضح له بعد معاناة أنها لم توفر له الأمان بقدر ما استلبت منه نفسه وأفقدته القدرة على النظرة الواقعية لما يدور حوله في العالم . ويتضح أيضا من خلال القصص الصراع القائم في نفس الكاتب وفي نفس كل مثقف بين اعجابه بمنجزات وتقنيات الحضارة الغربية و التي نرفل فيها ونستمتع بما توفره لنا ،وبين رفضه لسياسات القوى العظمى الخارجية وخاصة أمريكا والتي تنحو للهيمنة والسيطرة على عالمنا العربي !!
كما يتضح أيضا ذلك الصراع بين الحداثة والتقليد من خلال بعض القصص كقصة ( شكل ومضمون ) ، وكأني بالكاتب يقوم بمقابلة بين شخصية ( حسن ) الحلاق المصري البسيط المتخم بنظرية المؤامرة والمجيش المشاعر ضد كل ما هو أمريكي وغربي مع التركيز على المشاعر الانسانية والحميمية الخاصة التي تربطه ببطل القصة ، وبين شخصية ( انجي ) الحلاقة الأمريكية الجميلة والمتبعة لأحدث التقنيات في عملها ، بينما لا تجمعها مع البطل الا برودة وجفاف العلاقة المادية والرغبة في انجاز عملها على أكمل وجه يرضي الزبون فيعود لها مرة أخرى . وهناك أيضا مقابلة مضمرة بين دكان حلاقة حسن البسيط والبدائي وبين الصالون الذي تعمل فيه انجي والمزود بأحدث التقنيات وأفخم المعدات ، وكأني بالبطل يصل في النهاية إلى حل للمعادلة الصعبة بين التقليد والحداثة فيقول:
ياليت التي تحلق لي انجي والذي يحدثني أبو علي !
لم يعتمد الكاتب على الرمز أو التكثيف إلا في بعض القصص التي جاءت فيها لمحات متقدة من الخيال ومن الأفكار المبتكرة مثل قصة ( الجلد السميك دوت كوم ) . والتي تبدأ برسالة الكترونية موجهة للكاتب من رئيسة الجمعية العربية للجلد السميك توضح فيها السمات الواجب توافرها في أعضاء الجمعية . وسرعان ما يكتشف القاريء أن هذه السمات والملامح أضحت هي المهيمنة على كثير من الشخوص الذين يتعامل معهم في حياته اليومية ، ففي عالم لم يعد يعترف إلا بالبرجماتية والنفعية الخالصة والرغبات الجامحة في العب من المظهرية والوجاهة ، والرغبة الآسرة في الاستحواذ على السلطة لابد أن يتوارى الضمير وتحتجب الأخلاق وتنتهك القيم ويتم تقويض بنيان المثل والمباديء ، ليعتلي أصحاب الجلد السميك أعناق أصحاب الجلد الناعم فلم يعد هناك مكان لهم في عالم أضحى البقاء فيه للأقوى والاستمرار فيه فقط لمن يعرف من أين تؤكل الكتف . يأتي في المادة الحادية عشر مايأتي : (لا مجال لأي من الهرطقات المثالية ، التي مصدرها الزائدة الروحية الخبيثة المعروفة بالضمير، مثل : التواضع ، الصراحة ، الرحمة ، المروءة ، العدل ، الإخلاص ، حسن الظن ، الوفاء ، التضحية ، الصدق ، عدم الحسد، الفضيلة ، الأمانة ، الشهامة ، الكرم ، والحب بكل أنواعه) . وهنا لا بد أن يتساءل القاريء هل هناك مكان لأصحاب الجلود الناعمة في زمن احتجب فيه الحب !! في زمن رديء آخر !!
تأتي القصة الأخيرة في المجموعة والتي أخذ الكتاب عنوانها ( أسبوع رديء آخر ) لتدخل في ردهات وأروقة شركة أرامكو والتي يبدو أيضا أنها محاولة للمكاشفة وتسليط الضوء- فالكاتب أحد المنضوين تحت مظلة هذه الشركة كما هو واضح من النبذة الموجودة عنه في آخر الكتاب- على ما حدث ويحدث، ما كانت الشركة وما صارت إليه ، وكيف سادت الشعاراتية والمبادرات التطويرية بصورة فوضوية . تأتي المكاشفة صارخة وعنيفة وصريحة ، توضح معاناة الإنسان في عالم صار فيه مجرد ترس في آلة ضخمة تنصهر فيها ذاتيته وفرديتته ليدخل في عبودية من نوع جديد ، عبودية تنصهر فيها روحه وتتدمر قدرته على الانجاز ويضطر لتقديم التنازلات وإلى الرضا بمقاييس جديدة نظرا لطوباوية المقاييس وعدم قدرته على الالتزام بها . وينهي الكاتب قصته بمرارة لاذعة قائلا : خرجت لأمارس رياضة المشي حول مسجد العيد كعادتي بعد أن نزعت الساعة من
معصمي حتى لا أعلم كم بقي من الوقت على بداية أسبوع رديء آخر !!
Amal_zahid@hotmail.com