الخميس، مارس 02، 2006

رواية تركي السديري لما حدث في الرياض



لا أريد أن أثقل على المسؤولين والقراء بسرد تفاصيل ما حدث مساء يوم الأحد الماضي في ندوة «الرقابة الإعلامية ومتغيرات العصر» ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب لأن ما حدث معروف وتناقله الناس باشمئزاز..
دعوني أستطلع ملامح ما يعنيه ما حدث.. أو ما الذي يمكن استخلاصه من ذلك الذي حدث.. الأمر هو أكبر بكثير من حجم خلاف حول حوار أو حول أفكار.. إن أحداً لم يختلف معهم.. أي لم يطرح أحد أفكاراً تستدعي تلك الهجمة الشرسة من قبل بضعة أشخاص.. إنني عندما قبلت رئاسة الندوة شجعني على ذلك أن عناصرها وقورة ومتعقلة وخصوصاً الدكتور محمد عبده يماني والدكتور محمد الرميحي بما لهما أيضاً من قيمة أكاديمية وأهمية ثقافية..
الحقيقة أنهم والزميلة ناهد باشطح لم يتجاوزوا ما هو معقول.. لم يمسوا الدين بأي شيء أو حتى يتعرضوا لفئاته.. كان الكلام هو كيف نوفر حرية مسؤولة أي غير مطلقة ورقابة ذاتية أمام تدفق المرئي والمسموع الإعلامي والثقافي من كل مكان بحيث يأتي المنشور الورقي في مرتبة ثانية.. وكان المتحدثون يؤكدون على أن الرقابة بأي شكل كانت لن تكون حامية ومانعة لكل ما هو محظور حيث أصبح يأتي مع الهواء ولكن لابد من توفير تربية وطنية ودينية منفتحة توفر هذا الرقيب الأخلاقي والديني والمهني في كل نفس..
الذي حدث هو وجود من قاطع الدكتور الرميحي بجلافة طالباً منه الانتهاء حتى يجد وقتاً ليتكلم رغم أنه لم يمض من الزمن إلا نصف ساعة وبقي ساعة ونصف وانتهى المتحدث الأول والثاني عند نهاية ورقته بحيث بقيت متحدثة واحدة.. فلماذا المقاطعة؟..
من الواضح أن هناك تنظيماً دقيقاً ليس لدخول المكان ولا لتوزيع أدوار المداخلات فقط.. لكن أيضاً في اختيار لغة الحوار تسفيهاً وإساءات إلى رجال فاضلين مثل الدكتور اليماني وإعلان وقح بانتظار أن يبعد الوزير مدني عن مكانه.. والوزير مدني الكل يتفق على أنه الرجل القادر في إعطاء الإعلام الرسمي السعودي فاعلية الانتشار وهو صاحب تجربة وفيرة ونزاهة..
التنظيم بينهم كان في منتهى الدقة.. يأتي من يدعي أنه شيخ أو طالب علم وليس له منهما إلا إطالة الذقن وتقصير الثوب وعدم لبس العقال وتجد بيده مفاتيح وموبايل وجريدة فيحجز ثلاثة مقاعد بجواره وهكذا يستطيع عشرة أشخاص حجز مقاعد لأربعين شخصاً من فئتهم في مقدمة المكان.. الأمر الذي جعل المثقفين الحقيقيين يجلسون في الخلف وعددهم يتجاوز الثلاث مئة شخص وكانوا في منتهى العقل.. لم يصعّدوا لغة القذف والافتراء والكذب ولكنهم بعد أن أنهيت الندوة قبل وقتها فرضوا وجود ممر بشري من منصة الحديث وحتى سيارتي لئلا يحتك بي أحد من المتطرفين مثلما فعلوا مع الدكتور محمد عبده يماني ومع الزميل يحيى الأمير..
عند الباب الخارجي قال لي زميل إنه لم يتمكن من الدخول لوصوله متأخراً وذلك أتاح له مراقبة متجمهرين حاولوا فتح الباب بالقوة «ملتحين» وأتى شاب نصحهم وهو من فئتهم بأن الحوار يختلف عن العنف فما كان منهم إلا أن ضربوه الأمر الذي جعل الزميل يبلغ الشرطة بطبيعة الوضع القائم عند البوابة..
لدي سؤال: من الذي يحوّل الإرهابي إلى قاتل؟.. هل هو من يضع في يده المسدس؟.. بالطبع لا.. لكنه من يؤثر على عقلية الشاب فيصوّغ عدوانيتها حتى ترى القتل نوعاً من طقوس العبادة..
إذاً كيف يفلت هؤلاء لممارسة تدمير عقليات الشباب وتنظيم انحرافهم نحو التكوين الذي تسميه الدولة بالفئة الضالة.. من أوصلهم إلى الضلال؟.. وهل ليس بين هؤلاء من لم يمارس مهمة التكفير؟..
إن اللغة العدوانية الرديئة التي أرادت دفع الجميع نحو الاستفزاز وحضرت لممارسة الاعتداء مثلما هي عبارات تحريضهم وخصوصاً الأكاذيب التي سردها أحدهم من بضع ورقات في جيبه..
ثم هل هذه أول مرة تتضح فيها هذه الصورة المخيفة؟.. لا.. عندما أقيم ملتقى المثقفين السعوديين في مركز الملك فهد الثقافي حدثني مسؤول سابق في وزارة الإعلام (أحتفظ باسمه) أنه أثناء الحوارات لاحظ وجود أشخاص منشغلين باتصالات عبر الجوال وأنهم يقومون بالإعداد تنظيماً لأمر ما فكان أن ذهب إلى البوابة وطلب عدم دخول أي شخص إلا بدعوة أو بترك بطاقته الشخصية حتى انتهاء الحوار.. الذي حدث أن سيارة تابعة لهيئة الأمر بالمعروف حضرت وأرادت الدخول بحشد من الملتحين داخلها ولأنهم ليس لديهم دعوات فقد رفضوا تسليم بطاقاتهم وهربوا وكانوا يأملون أن تكون سيارة الهيئة وحدها وسيلة الدخول..
ثم مساء يوم الأحد.. هل اقتصر التعريض على وزيرين ورؤساء تحرير وكتاب؟.. لا.. لقد قالوا إنه لا يجوز التقاضي إلى غير شرع الله.. فلماذا لا يحاكم الكتاب ورؤساء التحرير والصحفيون داخل المحاكم الشرعية؟..
من يقصدون بهذه العبارة؟.. أليست الدولة؟.. ثم كيف يتجاهلون أن هناك أنظمة للتجارة وأنظمة للعمالة وأنظمة لحقوق الموظفين كل يتبع وزارة الاختصاص مثلما هناك نظام في وزارة الإعلام يعرف بنظام المطبوعات والنشر يتم الرجوع إليه مثل الفئات الأخرى؟..
أليست كل تلك الأنظمة مستمدة من شرع الله.. ولكنها تتجزأ حسب نوعيات المهن؟..
ما حدث في الندوة التي اشترك فيها خالد الدخيل لا يقل سوءاً عما حدث يوم الأحد الماضي.. إننا نرحب بالحوار لكن مع من يحترمه.. أما عندما يوجد أشخاص مهمتهم ملاحقة أي حوار لإفشاله وليس هذا فقط ولكن تلقين الشباب بأن وزراء وكتاباً ومثقفين هم في حالة انحراف فلماذا هذا التحضير؟ وماذا يعني دقة التنظيم والتواصل بينهم خصوصاً وأن الأمر يتكرر في مرات عديدة؟.. الأمر الذي يستوجب تدخلاً رسمياً يحبط ما يخطط له هؤلاء ويقضي باستبعاد من يمارس هذه المهمة مع فئته لإفساد الحياة العامة.. إنهم أقلية تحتاج إلى معاملة حازمة..
لا أتصورني أو من يهمه أمري لو طالني ضرر سأبحث عن مراهق يرتكب جريمة ولكن يجب البحث عمّن أفسد عقل ذلك الشاب وجعله وسيلة جريمة..
أمامنا فظاعة الرغبة في تدمير البترول عبر المحاولة في بقيق.. والبترول هو ثروة الأمة والعمود الفقري لاقتصادها.. وأمامنا شاهد الكم الهائل من السلاح لدى الذين تم القضاء عليهم مؤخراً وهم من الفئة الضالة ولكن علينا أن نسأل من الذي قادهم إلى الضلال؟..
٭٭ عدا حالات إثارتهم للشغب في أكثر من مناسبة بشواهد موثقة.. هناك أشرطة أيضاً عليها وقائع اللغو والاتهامات الباطلة والإساءات الجارحة إلى مسؤولين كبار بما فيهم الدولة وثقافتها..
٭٭ شكراً لجمهور الثقافة والإعلام الذي عزل أولئك عني من منصة الحوار وحتى موقف السيارة وكثافة عددهم كشفت لأولئك أنهم أقلية ضئيلة خطورتها أنها حزبية منظمة..
٭٭ شكراً لكل الزملاء في الصحف السعودية وفي الدول الخليجية الذين كتبوا أو اتصلوا بي معلنين اشمئزازهم لما حدث

ليست هناك تعليقات: