الخميس، مارس 30، 2006

الفلسطينيون والمدنية



بقلم د. أحمد البغدادي


ياسين الحاج صالح، كاتب فلسطيني، على ما يبدو، كتب في الحياة مقالا هادفا عن تواجد السلاح في الشارع الفلسطيني في »الحياة« ( 26/3/2006)، انتقد فيه وبشدة مسألة السلاح الفلسطيني في الحياة المدنية، وتأثيرها السلبي على مجمل أوجه الحياة في الضفة والقطاع، من دون أن يهتم أحد بهذه القضية الحساسة التي أعطت العالم صورة المجتمع الفلسطيني الفوضوي الذي لا يستطيع العيش كمجتمع مدني، حيث أصبحت الكلمة النهائية في هذا المجتمع الفوضوي لصاحب السلاح. يقول ياسين الحاج ما نصه »لدى كاتب هذه السطور شعور بأن السلاح المستعرض - يقصد في الشوارع والاحتفالات - بهذه الطريقة يخدم أكثر حاجة أفراد ومجموعات وفصائل لحيازة سلطة وأسبقية في المجتمع الفلسطيني وليس لمقاومة العدو، وأنه مرتبط بتدهور المقاومة، فاعلية وسياسة وفكراً وأخلاقاً، وليس بصعودها وكفاءتها وهو مرتبط بمنافسة مع سلاح آخر، وفصيل آخر، أكثر مما هو مرتبط بمقاومة فعالة لإسرائيل«، وفي مكان آخر من المقال يقول الكاتب »إن تجوال السلاح هذا مرتبط بثقافة تعلي من شأن العسكري على المدني، والسلطة على المجتمع، والمقاتل على المنتج، والحرب على الحب، والنضال على الحياة، !وهي ثقافة لا تحوز غير مناعة بالغة الضعف حيالها في فلسطين وفي غير
فلسطين«، ثم يستعرض الكاتب هذه الصورة المدمرة للحياة المدنية من خلال المثال التالي، ( وهل يشعر المرء بغير الخوف والتشاؤم حين يرش شاب في الثلاثين كلمات مهددة أمام كاميرات الأقنية الفضائية، بعيد فوز حماس في الانتخابات التشريعية، نحن لا نسمح ب¯: كماً يرش الرصاص من بندقيته? أليس في هذا انحطاط للسياسة؟ من أنت، ياسيدي، لتسمح أو لا تسمح، من فوضك? يصادف دوما أن »لا نسمح... موجهة عمليا ضد رأي أو طرف فلسطيني آخر«. هذا ما كتبه شاهد يشوف كل حاجة في الشارع الفلسطيني يومياً، هل يريدوننا أن نصدق أن فوز حماس ووصولها لحكم الفلسطينيين، هو في صالح الفلسطينيين؟ وهل من لوم على الغرب وأميركا في توقفهما عن مساعدة الفلسطينيين ماليا وهو يرى في حماس حركة مسلحة لا يمكنها أن تقيم مجتمعا مدنيا، بشهادة كاتب فلسطيني؟إن انتشار السلاح في الشارع الفلسطيني دليل واضح على غياب الحس المدني في الشارع الفلسطيني وهو عين ما صنعه الديكتاتور صدام حسين البائد في الشعب العراقي، حين أرغمه على حمل السلاح داخل المدينة، لا ليخلق المجتمع المقاتل النظامي كما تفعل إسرائيل القادرة على تحويل قطاع كبير من أفراد الشعب الى عسكريين محترفين، بل ليتيح الفرصة لكل مواطن لإيذاء من يعادي من أبناء وطنه لأسباب تافهة تتعلق بالحزب والجماعة والحاكم، وهذا ما يحدث في القطاع والضفة، خاصة في غزة حيث تهيمن حركة حماس، وحيث غابت السلطة الفلسطسينية منذ ايام البطل الشهيد (كذا!!) ياسر عرفات، واللوم يقع على حماس بالدرجة الأولى، لأنها سمحت بانتشار لغة السلاح في الشارع الفلسطيني، واستخدامه لإرهاب الآخرين المعارضين لها، وسواء كان قادة حماس ضد هذا التوجه أم لا، إلا أنهم يتحملون مسؤولية المنحرفين منهم، كما هو حاصل بالنسبة للشاب الفلسطيني المنتمي لحركة حماس الذي استعرض قوة الرصاص أمام كاميرات القنوات الفضائية.
السلاح الذي نشرته حماس في الضفة والقطاع، والذي لا يعلم سوى الله كيف حصلت على ثمنه، لانعدام الشفافية المالية، لكن الذي لا شك فيه أن هذه الأموال إما أنها من صدام حسين الذي كان يمول الهجمات الانتحارية (وقد رأيت شخصيًا سيدة فلسطينية تقر علنا في برنامج »على الهوا« بقبضها مبلغ عشرة آلاف دولار بعد قيام ابنها بعملية انتحارية في اسرائيل)، واذا لم يكن التمويل من صدام حسين، فلا يبقى سوى أحد احتمالين، الأموال الخليجية المخصصة بزعم الأنظمة الخليجية للأسر الفلسطينية المحتاجة، أو أموال جماعة الإخوان المسلمين التي يتم تجميعها من الصدقات والزكوات، بمعنى آخر أن أميركا صادقة في ادعاءها بالربط بين هذه الأموال والإرهاب، ومطلوب من حماس أن تكشف بشفاقية عن مصادر تمويل السلاح لدى أعوانها .لكن في جميع الأحوال، المجتمع الفلسطيني أبعد ما يكون -في ظل حكم حماس - عن الحكم المدني اللازم لبناء الدولة القادمة، والتي لا يؤمل قيامها مع تعنت قادة حماس فيما يتصل بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف ضدها، وهو من مستلزمات القبول الدولي، ليس فقط فيما يخص أميركا وأوروبا، بل والأمم المتحدة أيضا، ناهيك بحقيقة عجز حماس في هذه المرحلة عن ضبط الشارع الفلسطيني المسلح بشكل عشوائي، خاصة في غزة .في حين أن الحياة المدنية تستلزم إلغاء الوجود العسكري القائم في الساحة الفلسطينية، والذي ساهمت حماس في صنعه . وبالطبع لن يثق العالم بحكومة تتخذ من العنف سبيلا وسياسة لمعالجة الأمور، وسيكون من الغباء لو صدقت حماس وعود الأنظمة العربية، خاصة الخليجية بالدعم المالي، لأن هذه الوعود مرهونة بالموافقة الأميركية، بل والدولية أيضا.
بذلك يكون الفلسطينيون أبعد ما يكون عن المجتمع المدني المطلوب تحققه في الدولة القادمة، والتي سيساهم عناد قادة حماس في تأخر قيامها . واذا كانت حماس بحاجة اليوم فقط الى مئة وثلاثين مليون دولار لترتيب أوضاع مؤسسات السلطة الفلسطينية، ومع ذلك لم تتمكن، برغم كل الجولات من توفيرها، فلن يعجب العاقل لو عاد الوضع الفلسطيني الى الوراء خطوات وخطوات بسبب وصول حماس الى السلطة وإصرارها على التمسك بأسلوب العنف كوسيلة للعمل. السؤال: هل سيكون وصول حماس للسلطة السبب في تأخر قيام الدولة الفلسطينية؟

*كاتب وأكاديمي كويتي

ليست هناك تعليقات: