الأربعاء، نوفمبر 29، 2006

غنيت مكة

*فاطمة لبابنة

غنيت مكة،تناهى صوت الموسيقى الى مسامعي،أعادني الى زمن كان للموسيقى والشتاءطعما اخراً مليئا بخيالات الصبية،كان العالم مليءا بالدهشة والتوقعات الغائمة الجميلة حينا ...البعيدة احيانا فمنذ زمن لم استمع الى بعض الفيروزيات التي كبرنا وهي تدندن في مسامعنا معاني الجمال والرفعة،اعطني الناي وغنّ حيث حاكى جبران من خلال صوتها وجداننا الغض ورسم فيه صورا وتأملات تأخذنا وتعيدنا ... وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير.

حتى الغيرة التي اسمعتنا فيروز عذبة جميلة،ترتسم ابتسامة حين نسمعها ونغرق في تخيل الصورة،والمشاوير التي يفتريها البعض حين يترك لها الصبي الورد في غرفتها لتنكرانها رأته وتنكر انه ترك لها الورد،بسبب علو شباكها،وفي منتهى الاغنية "شو بيفضحوا أسرار ...ومشوار...تعترف
ما الذي كان يفكر به سعيد عقل حين اتاح لهذه الدرةان تتبرج بقلمه،خيال جميل صاغ ما ابتدعه الشاعر،سعيد عقل عبقري بالتقاط اللحظة والانفعال وقدرة استشفاف طفولة بعيدة وكان الشاعر ما زال يحمل منها الكثير ليلتقط مفرداتها.تناولها الرحابنة فصقلوها باللحن العذب الرائع وغنتها فيروز كما لم يغن من قبل ولا من بعد،وتأخذنا تارة الى طريق النحل ،وتارة تعيدنا أولادا على جسر اللوزية،وتارة تأخذنا لمكة وتغنيها دعاء للبقاء
وكنا ننهل مما يرفع من شأن عقولنا ،كتب وموسيقى،زمن الصبا زمن القراءات وزمن تذوق الموسيقى المعجزة،وزمن تكون ذائقة فكرية وجمالية ووجدانية تبحر في متغيرات الكون .
تنبهت لطفلتي بعد أن أعادتني فيروز صبية ذات سبعة عشر ربيعا تنطر كرم العنب وتسير في دروب لبنان الخضراء...بحبك يا لبنان حيث أحببنا لبنان دون ان يرانا

بكثير من الاعتبار لعبقرية الرحابنة وروعة شعرائنا المرهفين،وهذا التناغم الكلي،وحالة التشكل الغيبية ما بين الرحابنة وصوت فيروز ،حفيف الاحساس والتحليق الذي يرفعنا للسماء
وإن نزلنا الى الأرض نزلنا ملائكة وأطفالا
حيث تميزت صورة الاطفال في تلك الاغاني بالكثير من الفدرة على الاحساس بالأشياء والبحث والتساؤل حول كهنوت الأشياء دون اصطناع ،اطفال حقيقيون،وصبية يخطون خطى صغيرة فيها الكثير من الدهاء والخبث الطفوليين والخطايا الصغيرة ...الأقاويل والحكايات التي تشكل في عالمهم عالما آخر غير ما تشكله لنا نحن الكبار حيث كنا ذات طفولة صغارا

هل كان السحر في الكلمات المشتبكة بالطبيعة والثلج واللوز والوديان والجبال وكروم العنب والتين ...النواطير وطيارات الهوا والحب حالة لا تنفصل عن هذه الطبيعة والحب في كل شيء تغنيه .. للحبيب ، للوطن، للام، للولد، للشجر ، وتعبر عنه بالتفاصيل الصغيرة التي تدخل كل واحد منا صورة الاشياء.
أم هي عبقرية الصوت الذي يحمل كل المعاني في كل اللحظات المفرحة والموجعة المخجلة والفخورة والمبدعة.
أم هي الموسيقى التي صنعت بكل ما اوتي السحر من روعة؟.
حتى تصل لنا أغاني الرحابنة وتظل تملك من وجداننا الكثير .. اين نحن من معجزة ابداعية بهذا الانسجام ،ايتها النجمة العالقة في السماء كم اغبط الموسيقى عليك وانا ممتنة لكل لحظة تستطيعين فيها اعادتي إلي..في زمن ما،أعوام تختصرينها في لحظات.
أعود لطفلتي التي أتمنى أن تتشكَّل في ذاكرتها وذائقتها أدب وفن جميل يسمو بها عن ترهات وابتذال هذا الزمن الرديء

كاتبة اردنية

السبت، نوفمبر 25، 2006

إح إحم م م م

بقلم : يوسف فضل
طالما أن الإنسان قادر على الشهيق والزفير فان حواس استشعار المعرفة المجردة لدية تبقى منتصبة لتلقي كل ما هو جديد في كافة مناحي الحياة سواء اقتنع بهذا الجديد فيسير على دربه أو ممارسته لتسهيل حياته أو كان هذا الجديد يتعارض مع ما يعتقده الإنسان فإما يعتنقه بعد لأي أو يرفضه كلية .البارحة كان الجديد لدي أنه أثناء صلاة الظهر في مصلى الشركة ونحن في حالة الركوع الأخير من الصلاة دخل أخ سوداني (الزول ) في الصلاة أولا بالنحنحة ومن ثم إعلانه الدخول بالصلاة بالتكبير ( الله أكبر ) بصوت مرتفع مما أوقعني بحيرة أنها تكبيرة الإمام للرفع من الركوع فرفعت رأسي واثنين آخرين من المصلين خطأ ولم يرفع المصلين الباقين رؤوسهم لأنهم ميزوا بين الرفع من وضع الركوع بقول الإمام (سمع الله لمن حمد ) وتكبيرة الداخل في الصلاة ، فرجع ثلاثتنا إلى وضع الركوع . لم افهم ما الذي قصده الزول بالنحنحة لكن بعد انتهاء الصلاة جاء التفسير واضحا إذ جرى جدل وعتاب من الأخ الزول تجاه الإمام (السوداني ) الذي لم يطل الركوع حتى يتمكن الأخ الزول من الدخول في الركعة الأخيرة . وحين طلبوا رأيي (أفتيت! ) بان الإمام ( على خطأ) لان الإمام والمصلين موظفين لدى هذا الزول موظف الشركة وعليهم أطاعته في إطالة الركوع حتى يتمكن من الدخول في الركعة الأخيرة وحتى نعطية فرصة أخرى بالحضور لأداء الصلاة متأخرا حسب مزاجه . وبالتفكير الشيطاني ، حرمانه الدائم من فضل الحضور إلى الصلاة مبكرا .

نحن أفهمنا الزول طويل التيلة أن الرسول ( صلى ا لله عليه وسلم ) وجه أن يسير المصلي إلى الصلاة بكل تؤده ووقار وان لا يحدث أي جلبه فان لحق بالصلاة فاليدخل ويصلي ما لحق من الصلاة ويكمل الباقي لوحده . فكان رد الأخ الزول أن الرسول ( صلى ا لله عليه وسلم ) ذكر النحنحة في حديث نبوي يفيد انه يجوز تنبيه الإمام بالنحنحة إذا كان في وضع الركوع ليدرك المصلي الركعة . فعلمنا من الأخ الزول ( جزاه الله كل خير ) ويكأن النحنحة من أركان الصلاة . وبما أنه لم يستطع أن يقدم لنا أي دليل عن الحديث النبوي أدركنا أن النحنحة ليست من أركان الصلاة .

وفي مجال دفاع الأخ الزول عن نفسه لمثل هذا ا لتصرف قال انه لم يتبع أسلوب الخبط بالأرجل أو شخللة المفاتيح ولم يتلفظ بالقول " إن الله مع الصابرين " كما يفعل الكثير من المصلين لتنبيه الإمام بدخولهم للصلاة فشكرناه على حسن صنيعه معنا ورأفته بنا .

واليوم دخل الأخ الأدروب ( كلمة سودانية تعني من يتفاخر باستخدام السيف ، خاصه في شرق السودان ) معنا الصلاة كعادته متأخرا وقام بالنحنحة مرة أخرى فراودتني أفكاري السيئة بان الإمام سيطيل الصلاة حتى لا يدخل في جدل حيص بيص مع هذا المصلي الذي لا يريد ان ينتظم بالصلاة بمواعيدها . وماذا لو دخل بعده مصلي آخر وتنحنح وأطال الإمام الركوع حتى يتمكن المصلي من اللحاق بالركعة ومن ثم يتبعه مصلي آخر (ليس بالضرورة زول ) تنحنح تباعا ساعتئذ ستتحول الصلاة إلى مشروع خيري يرضي المصلين ولا يرضي الله لان كل مصلي سيأخذ الأمر على محمل التأويل الشخصي في حالة تأخره .

بعد انتهاء الصلاة قال له الإمام انه أطال الصلاة حتى يتمكن من اللحاق بالركعة الأخيرة فكان رد الزول انه لم يتنحنح من اجل الصلاة بل أنه يعاني من البرد . فرد عليه الإمام وكيف اعلم أن النحنحة من اجل الصلاة أو انك تعاني من البرد ؟ فاقترحت عليهما طالما أننا سنعتاد على نحنحة هذا الزول ( النشيط) فيتوجب أن نعلم المصلين أنه إذا كانت النحنحة موجة قصيرة (إف إم ) أو على موجة أقصر منها مثل موجة المايكروييف التي هي اشبه بالحزق الخافت او الاقرب إلى صوت صرير الباب الصديء فهي تعني الدخول في الصلاة . أما إذا كانت النحنحة موجة طويلة أي ( إخبارية ) فتعني أن المصلي يعاني من البرد وإذا رافقتها دفقات من موجات من الكحة فهذا آكد في الدلالة الطبية القاطعة على المرض وان المصلي يعاني من السعال أو التهاب في حلقة فنذكره بالتلطف بنا بالذهاب إلى الطبيب . واقترحت أن نصيغ ذلك في قرار إداري حتى نخلي مسؤوليتنا الإدارية والدينية أمام الله والموظفين . فلاقى اقتراحي آآآي بالسوداني والتي تعني القبول .

وجدت أن النحنحة من الفعل نح والنحنحة: أسهل من السعال. أي خروج أصوات غرغرة إفرازات الحلق والتنحنح هو علة البخيل، قال:
و التغلبي إذا تنحنح للقرى حك أسته و تمثل الأمثالا
و قال:
يكاد من نحنحة و أح يحكي سعال الشرق الأبح

وقد وجدت أيضا كلمات على وزن فعللة في حكايات أصوات الناس في أقوالهم وأفعالهم مثل :
القهقهة : حكاية قول الضاحك: قهٍ قهٍ•
الصهصهة : حكاية قول الرجل للقوم: صه صه•
الدعدعة : حكاية قول الرجل للعاثر: دع دع أي انتعش•
البخبخة : حكاية قول الرجل: بخ بخ•
الزهزهة : حكاية قول الرجل: زه زه•
النحنحة والتنحيح : حكاية قول الرجل: نح نح عند الاستئذان وغيره •
العطعطة : حكاية صوت المجَّان إذا قالوا عند الغلبة: عيط عيط•
الهرهرة : حكاية زجر الغنم•
البربرة : حكاية أصوات الهند عند العرب•
الفسفسة : حكاية زجر الهرة•
الولولة : حكاية قول المرأة: وا ويلاه•
التأخيخ : حكاية قول الرجل: أخ أخ•

الكل منا مارس التنحنح سواء اراديا حسب فهمه الاجتماعي لاستخدامها أو مكرها إذا شرب لبن او مص ليمونه فيشرق فيعالج الشرقة برد فعل سريع بـ إح إح ح ح ..... لتنظيف حنجرته لئلا يدخل شيء من السوائل إلى القصبة الهوائية .

لكن عاداتنا لها طقوس مع النحنحة واستخداماتها . فمن باب آداب المرحاض اننا نتنحنح في المراحيض العامة بخاصة إذا لم يكن لها قفل أو مزلاج لارسال اشارة ان المرحاض مشغول باحد ما رجل أو إمرأة . ونستخدم النحنحة في حالة التعبير عن المديح او الاحتجاج بمعنى نحن هنا أو الاحتجاج على الفقر بالقول كأن تسأل المرء : كيف الحال ؟ فيجيبك : نحيا على النحنحة أو عند بدء الآذان فتسمح المؤذن يتفحص جاهزية صوته قبل الآذان بخاصة آذان الصبح بدل استبدال النحنحة بمحاولة البلع أو الكحة الخفيفة المفتوحة. أو نستخدم التنحنح للتحقير من مكانة شخص ما أو للتذمر في حالة إطالة الامام في صلاة التراويح . وتستخدم النحنحة عند بداية الحديث في الجلسات الخاصة أو أمام الجمهور (يجرد زوره ) كونها مقدمة للدخول في صلب الموضوع أو للتعبير عن حالة التوتر عند الحديث على الهاتف أو أمام الميكروفون أو عند القاء قصيدة وعادة ما يتبعها بشربة ماء . والمغني يتنحنح إذا كان أمام لجنة اختبار .ويستخدم الزوج النحنحة لإسكات زوجته إذا تمادت في حديثها إلى منطقة الإحراج . وعند استيقاظ المدمن على التدخين صباحا فيسلك وينظف حنجرته من بقاياة الدخان يتبعها بتنخع ثم بصق مواد كيماوية لعابية صفراء . أو قد تستخدم النحنحة كشيفرة سرية من مدير الاجتماع عند بدء الاجتماع بمعنى الصمت والبدء بالاجتماع . لكن الاستخدام الشائع للنحنحة هي عند دخول الرجل الى بيت غريب عنه فيبعث رسالة استئذان للنساء ... احم م م م م لأخذ الاحتياط الواجب من عدم ظهور مفاجىء لجنس حريم أمامه مع أن الاصح هو قول السلام عليكم قبل الاستئذان .

وقد استبد بي الفضول فبحثت عن فتوى تتعلق بالنحنحة فوجدت ان الفتوى تخص النحنحة اثناء الصلاة وليس باستخدامها كإشارة للدخول في الصلاة . وجواب فضيلة الشيخ ابن باز عن حكم النحنحة والنفخ والبكاء في الصلاة أن النحنحة والنفخ والبكاء كلها لا تبطل الصلاة ولا حرج فيها إذا دعت إليها الحاجة ، ويكره فعلها لغير حاجة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنحنح لعلي رضي الله عنه إذا استأذن عليه وهو يصلي . وأما البكاء فهو مشروع في الصلاة وغيرها إذا صدر عن خشوع وإقبال على الله من غير تكلف ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبكي في الصلاة

ومما ورد في ذلك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة آتيه فيها، فإذا أتيته استأذنت فإن وجدته يصلي تنحنح فدخلت وإن وجدته فارغا أذن لي. ذكره النسائي وأحمد، ولفظ أحمد: كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخل من الليل والنهار وكنت إذا دخلت عليه وهو يصلي تنحنح. رواه أحمد وعمل به فكان يتنحنح في صلاته ولا يرى النحنحة مبطلة للصلاة .فنحنحة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كانت عمدا بمثابة الإذن لعلي ليدخل عليه ، و لذا يبعد قول من قال أن النفخ والنحنحة يبطل الصلاة مطلقا .

سيعتقد البعض أنني اكتب من اجل النكتة . لكن واقع هذا الحال قائم ولا ارمي الكلمات المكتوبة جزافا إذ أحببت أن أكشف مثل هذا السلوك حتى لا يقع المرء في نفس المشكلة . مع أن حياتنا تطفح بالمواضيع التي تستحق الكتابة عنها لكن دون فائدة ترجى لاني (وأنت ) لا نصنع الفعل . وأقترح على رواد السياسة العربية أن نستخدم النحنحة السياسية (هذا التعبير من حقي ) للتعبير بايجاز شديد عن ما نتطلع إليه من تحقيق الحرية الكاملة فيكفى الله المؤمنين القتال بيننا وامريكا وحلفائها . وأقول أن خير الكلام النحنحة ، مع أن النحنحة لا تعتبر كلاما لأنها لا تدخل في مسمي الكلام أصلاً، فإنها لا تدل بنفسها، ولا مع غيرها من الألفاظ على معنى، ولا يسمى فاعلها متكلمًا، وإنما يفهم مراده بقرينة، فصارت كالإشارة‏ . وكل إح وانتم بخير .

الجمعة، نوفمبر 24، 2006

بيان صادر عن جمعية من اجل الجالية اللبنانية في اسرائيل

منذ الفي عام قالها السيد المسيح: "ستضطهدون لاجل اسمي"...
واليوم يكررها لبنان ويقول للاحرار والوطنيين من ابنائه : ستضطهدون من اجل حريتي من اجل سيادتي ومن اجل استقلالي...

نحن اضطهدنا بالهجرة والابعاد... اما رجالاتنا الذين يقدمون الشهيد تلو الشهيد على مذبح الحرية والكرامة فلهم نقول: ثورتكم هي الحق، وخطكم هو الاوضح وعلى هذا النهج نطلب منكم الاستمرار والعناد لان فجر الحرية قد بزغ! وها هي المحكمة الدولية اول شعاعه، بعدما اضاءت دماء الشهداء الست طريق الاستقلال الثاني ورصفته بالاحمر القاني لتعبر عليه بشائر الوطن الجديد المبني على المحبة والتفاني والوحدة والاخلاص...

الى الرأي العام العالمي ودول القرار نتوجه لا بل نستغيث بالا يقايضوا لبنان ثانية والا يتباطأوا في كشف الحقيقة وانزال اشد العقاب بالمجرمين اينما كانوا ومن كانوا.

والى الرأي العام الداخلي نتوجه وندعو ان يصطفوا خلف حكومتهم ورئيسها وخلف قيادتهم الحكيمة غير المرتهنة للخارج وغير تلك الساعية خلف منصب او كرسي رئاسي، وغير تلك التي تنفذ ارادة الغير ومخططاته الشيطانية!

والى قوى 14 آذار وشعب 14 آذار نقول: بما انكم اصحاب حق وشهادة ستنتصرون! وها هي بداية النهاية اوشكت ان تجلل جهودكم ومعاناتكم وتجعل عطاءاتكم تزهر وتضحياتكم تثمر!!

نأمل ان تكون دماء الشهيد بيار الجميل كدموع الشمع الاحمر الذي به نختتم المآسي والويلات الى غير رجعة!

"ان جولة الباطل، وان طال امدها، سترتد على صانعيها ومنفذيها عقابا اليما! فقصاص العدل عادل وحكم الله آت وان غدا لناظره قريب"...

الهيئة الاعلامية
بتاريخ 24/11/2006

الثلاثاء، نوفمبر 21، 2006

ملاحظات حول المحكمة الدولية الخاصة



د. داود خيرالله

طلبت الحكومة اللبنانية وقرر مجلس الأمن الدولي انشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري وعدد من المواطنين. السجال السياسي الذي قام ولا يزال مستمرّا حول هذه المحكمة والاطلاع على ما تسرّب ونشر كمسودة لنظامها الأساسي يستدعي بعض الملاحظات. يبدو مشهد قيام المحكمة الدولية الخاصة للبعض بأنه يعكس مقايضة السيادة الوطنية بمصالح سياسية لبعض الفرقاء الداخليين ولأخرين يبدو تنازلا عن السيادة من أجل بلوغ العدالة فيما يخشى آخرون أن ما يجري قد يكون تخلّ عن السيادة والعدالة والاستقرار الوطني.
مما لا شك فيه أن القبول بانشاء المحكمة الدولية الخاصة لممارسة أعمال قضائية , على ضوء ما ينصّ عليه مشروع نظامها الأساسي, والقيام بوظائف هي في صميم الاختصاص والسيادة اللبنانية هو تخلّ عن جزء هام من السيادة الوطنية. فالسيادة هي الاستئثار بالحكم الذاتي. وأهمّ مظاهر السيادة هو أن تتولّى الدولة ممارسة كافة حقوقها ومسؤولية تطبيق القوانين في كل الجرائم التي ترتكب على أرضها. من الصعب جدّا تصّور دولة تتمتع بسيادة تامة تقبل بالتنازل عن حقها في أن تقوم أجهزتها وموظفوها بتطبيق قوانينها على كافة اراضيها بما في ذلك مكافحة وعقاب كل من يخالف هذه القوانين.المحاكم الجنائية الخاصة ذات الطابع الدولي تقام عادة لتطبيق القانون في دول منقوصة السيادة.

لكنّ العديد من المواطنين قد يشعر بأن العدالة هي هدف كل مجتمع بشري راق, وأن تحقيق هذا الهدف هو قيمة قد تعلو على قيم عديدة وتدفع الى التنازل عن السيادة في بعض وجوهها فيغالب المواطن حزنه بأنه ينتمي الى وطن تشعر فيه حكومته المؤتمنة على السيادة الوطنية والمكلّفة بممارستها بان العدالة لا يمكن ان تأخذ مجراها وتبلغ هدفها في ظل حكمها فتطلب انشاء محكمة دولية تقوم بما تعجز هي عن القيام به. يغالب المواطن حزنه ويقبل بالتنازل عن بعض السيادة شرط أن تأخذ العدالة مجراها وتبلغ هدفها. وقد يمنّي هذا المواطن النفس بأن مثل هذا الاجراء قد يساهم بشكل فعّال في الحدّ من انتشار ثقافة الاغتيالات السياسية في المستقبل.
لكنّ المقلق هو أن تصبح المحكمة الدولية الخاصة وسيلة لتحقيق أهداف سياسية خارجية وداخلية دون أن تبلغ العدالة هدفها, فتصبح في أيدي محرّكيها "كالمسار السلمي" أي أن المسار أصبح هو الهدف وهو الوسيلة للابتعاد عن السلم, فتطول التحقيقات والاجراءات القضائية والتقارير ذات المفاعيل السياسية ولا تبلغ العدالة هدفها وقد تخرج القضية كلّيا عن سيطرة السلطات اللبنانية ويتحكّم بها المسيطرون على "الشرعية الدولية".
فهل من مبرر لهذا القلق؟
طبيعي ان يهزّ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق لبنان بكل أطياف شعبه ولكن الاهتمام الذي لقيه هذا العمل الاجرامي وردود فعل بعض سلطات المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة وفرنسا أمر غير مالوف لا بل غير مسبوق. وقد اتخذ هذا الاهتمام شكل الرغبة في مساعدة لبنان على معرفة الحقيقة بالنسبة للجناة لكي ينالو عقابهم. فكان قرار مجلس الأمن رقم 1595 في تعيين لجنة تحقيق دولية لمساعدة السلطات اللبنانية في التحقيق والكشف عن الجناة وقد اختير السيد دتلف مليس رئيسا لهذه اللجنة التي اعطيت امكانيات مادية وتقنية وصلاحيات ندر أن نال مثلها محقق دولي. فكانت النتيجة أن أساء السيد مليس استعمال وظيفته وخالف كافة القوانين والأعراف لجهة الحفاظ على مبدأ سرية التحقيق بما فيها قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الملزم له. فسرّب معلومات كان يجب أن تبقى سرّية ونشر أسماء وافادات لشهود ولمتهمين استمع اليهم, وأمر بتوقيف متهمين لا يزالون في السجن بناء على افادات شهود تبين كذبهم فيما بعد, وأعلن في تقاريره عن خطته في اجراء التحقيق وعن استنتاجات قطعية بلغها بالرغم من اعلانه بأن لجنته كانت لا تزال في بداية تحقيقاتها وقد طلب ومنح تمديد المهلة المحددة لاكمال التحقيق.
فلو صدر عن أي فرد عادي جزء بسيط من المعلومات التي نشرها أو سرّبها السيد مليس لحوكم بجريمة اعاقة مجرى العدالة. وليس أدلّ على مخالفة السيد مليس لمبادئ وأصول جوهرية في التحقيق الجنائي من عمل السيد برميرتس الذي خلفه في ترؤس لجنة التحقيق الدولية. فطريقة اجراء التحقيقات وكتابة التقاريرالتي يضعها السيد برميرتس هي ادانة واضحة لما قام به سلفه. فسرية التحقيق أضحت مصانة ولم نعد نسمع أو نقراء في تقارير لجنة التحقيق الدولية عن أسماء وافادات الشهود والمتهمين, وأضحت الاستنتاجات رهينة انتهاء التحقيق. أن عمل السيد مليس كان ذو أهداف سياسية بامتياز. فهدف تقاريره واستنتاجاته المبكرة كان استعمالها لاستصدار قرارات عن مجلس الأمن الدولي هدفها سياسي في جوهره وهذا ما حصل.
بعد مرور عام ونصف العام على بدء التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه, والتحقيق هو المرحلة الأهمّ في كشف الفاعلين ومعرفة الحقيقة وهو الموضوع الأساسي لكل محاكمة قادمة, لم يعرف حتى الآن من الجاني ولم يصدر بحق أي فرد, بمن فيهم الضباط الذين لا يزالون موقوفين على ذمة التحقيق, أي قرار بالاتهام أو الظن. ولكن قبل تعيين متهم يمكن احالته الى المحاكمة تتسارع الأحداث وتزداد الضغوط من أجل اقامة محكمة دولية خاصة تحلّ محل السلطات اللبنانية في كل ما يتعلّق بادارة اجراءات التحقيق والمحاكمة وتنتزع من السلطات اللبنانية ما حفظه قرار مجلس الأمن رقم 1595 لها من سيادة بهذا الشأن. فما هي طبيعة وخصائص هذه المحكمة؟

الاستئثار في تطبيق القوانين الجزائية من قبل الدول كان ولا يزال رمزا هاما من رموز السيادة الوطنية. يمكن مثلا أن تحدد قواعد القانون الدولي الخاص في دولة ما تطبيق قوانين دولة أخرى على بعض العقود والمعاملات الخاصة وكذلك تنفيذ أحكام صادرة عن محاكم دول أخرى في شؤون القضايا المدنية والتجارية, لكن من غير المألوف أن تقبل دولة أن تطبق على أراضيها قوانين تتعلق بالشأن العام وخاصة القوانين الجزائية أو تنفيذ أحكام صادرة بهذا الشأن عن غير المحاكم الوطنية. لكنّ الفظائع والمآسي التي خلّفتها جرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية, التي مكّن التطور التكنولوجي المجتمع البشري من معايشتها, جعل من ايجاد مرجع قضائي فعّال على المستوى العالمي للحد من هذه الجرائم ضرورة ملحّة عبّرت عنها الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ عام 1948 . لكنّ رغبة المجتمع الدولي هذه لم تترجم الى واقع حتى عام 1998 مع توقيع اتفاقية روما المنشئة لمحكمة الجنايات الدولية التي مركزها في لاهاي.
لكن العالم شهد قيام عدة محاكم جنائية خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فمحاكم نورمبرغ وطوكيو أقامها الحلفاء لمحاكمة القادة الألمان واليابانيين الذين اعتبروهم مسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت ابّان الحرب العالمية الثانية. ولم تسلم هذه المحاكم من النقد على أساس أنها كانت محاكم أقامها الغالب لمحاكمة المغلوب. وقد أنشأ مجلس الأمن الدولي محاكم جنائية خاصة لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي اثر الفظائع التي رافقت تفكك يوغوسلافيا وتلك التي ارتكبت في بوروندي نتيجة حرب أهلية. وكان القانون الذي يطبق في هذه المحاكم هو القانون الدولي والقضاة هم من رعايا دول أجنبية. لم تحقق هذه المحاكم الهدف المرجو منها ان لجهة السرعة في التحقيق أو البت بالدعاوى أو الكلفة المادية أو الأثر الايجابي على الذين عانو من الجرائم ومرتكبيها. وقد عمد مجلس الأمن الدولي الى انشاء محاكم وصفت بالهجينة لأنها ضمت قضاة محليين اضافة الى قضاة أجانب للنظر بالجرائم التي وقعت في سيراليون وكوسوفو وكمبوديا وغيرها.
ان ما يميز المحكمة الخاصة بلبنان عن سواها من المحاكم الجنائية الأخرى ذات الطابع الدولي هو أنها الوحيدة التي أنشئت لمعالجة جريمة قتل سياسية وصفت بالعمل الارهابي لكي يكون لمجلس الأمن الدولي مبررا للتدخل ان بالنسبة للتحقيق أو اقامة المحكمة. ولن يكون على المحكمة الخاصة النظر في أية تهمة أو جريمة من أجلها أنشئت محاكم جنايات دولية. فخلافا للمحاكم الدولية الأخرى لن تنظر المحكمة بجرائم تعتبر عادة جرائم ضد القانون الدولي كجرائم الحرب والابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية. وفيما يتعلّق بجريمة الارهاب التي تتكرر بسخاء وغزارة في قرارات مجلس الأمن فليس هناك تعريف متفق عليه في القانون الدولي لهذه الجريمة أو عقاب معيّن لها. وليس هناك سابقة أن نظرت محكمة دولية بجريمة وصفت بأنها عمل ارهابي. لذلك فلا مناص من تطبيق القانون اللبناني على جريمة هي في الأساس من اختصاص القضاء اللبناني. وهذا ما نصّت عليه المادة الثانية من مسودة النظام الأساسي للمحكمة العتيدة.
المحاكم الدولية الخاصة لم تسلم من الانتقاد لاسباب عدة ومنها أن الدوافع لأنشائها يغلب عليها الطابع السياسي. لذلك فاللجوء الى" محكمة الجنايات الدولية" هو الخيار الأفضل لابعاد تهمة التسيس عن المحكمة التي تقام لأسباب خاصة وأهداف معينة. ولكن جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه لا يمكن احالتها الى محكمة الجنايات الدولية ليس لأن لبنان ليس عضوا موقعا على الاتفاقية المنشئة للمحكمة, فهذا أمر لحظه النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية ونص على وسائل عدة لتجاوزه. لكن العائق الأساسي هو أن العمل الجرمي المرتبط باغتيال الرئيس الحريري لا يدخل ضمن الجرائم التي هي ضمن اختصاص المحكمة الدولية وهذا دليل اضافي بأن المحكمة الخاصة التي يجري انشاؤها يصعب تجريدها عن مآرب سياسية.

هناك أسباب عدة تدفع للاعتقاد بأن الدوافع وراء انشاء المحكمة "ذات الطابع الدولي" الخاصة بلبنان لا تعكس استجابة للرأي العام العالمي لوضع حد لجرائم ضد الانسانية وانزال العقاب بمرتكبيها, كما هو الوضع بالنسبة لكافة المحاكم الجنائية الدولية الخاصة واالعامة, ولا تعكس رغبة صادقة لاحقاق الحق وبلوغ العدالة كما يتمنى العديد من اللبنانيين. وسوف اقتصر من هذه الأسباب وأصحاب الأهداف السياسية على موقف الولايات المتحدة الأميركية.
مما لا شك فيه أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليس لها أن ترى النور لولا ارادة وعمل ونفوذ الولايات المتحدة في مجلس الأمن. ففي حين تسعى معظم دول وشعوب العالم الى اعطاء محكمة الجنايات الدولية, لما تتمتع به من كفاءة وصدقية ونزاهة القدرة على ممارسة سلطات فعلية في تطبيق القانون الدولي الانساني وفرض حكم القانون على مرتكبي كبار الجرائم في القانون الدولي, تمتنع الولايات المتحدة عن التوقيع على الاتفاقية المنشئة لمحكمة الجنايات الدولية وتفرض عقوبات على كل دولة تنضمّ الى المحكمة الدولية ما لم توقع مع الولايات المتحدة تعهّدا بأنها لن تلجأ الى محكمة الجنايات الدولية بشأن أية جريمة أو مخالفة قد يرتكبها جنود أو مواطنون أميركيون أو من حالفهم.
أما بشان المحاكم الجنائية الخاصة فيكفي لتقييم موقف الولايات المتحدة لجهة التجرد والحرص على أن تأخذ العدالة مجراها وتبلغ هدفها مقارنة موقفها بشأن محاكمة ومعاقبة من تعتبر أنهم ارتكبوا جرائم جسيمة وخطرة في العراق وفي لبنان. ففي العراق تعتبر الولايات المتحدة, وقد أعلن رسميّوها مرارا, أن صدّام حسين وشركاه في الحكم مسؤلون عن جرائم حرب وجرائم ابادة جماعية اضافة الى أصناف عدة من الجرائم ضد الانسانية, لكنها ترفض انشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة صدّام ورفاقه. فمن أجل بلوغ العدالة بالنسبة لجرائم دولية بامتياز تلجأ الولايات المتحدة, وبصورة مخالفة للقانون الدولي الذي لا يجيز للمحتل اقامة مثل هذه المحكمة, الى انشاء محكمة عراقية خاصة, في بلد مسلوب السيادةّ وفي حالة تمزّق داخلي, تعمل في الاطار العراقي وفي منأى عن كل رقابة دولية وتعكس في تكوينها كافة الأحقاد والخلافات الداخلية, مما يحول دون بلوغ محاكمة عادلة ولا يضمن سوى الانقسام الدخلي العراقي وارتياب الرأي العام العالمي بعدالة أي حكم يمكن أن يصدر عنها.
أمّا بالنسبة الى لبنان فالجريمة التي هي دون أي شك من اختصاص القضاء اللبناني ولا يوجد قانون دولي يطبق بشأنها وليس هناك قرارات سابقة لمحاكم دولية يمكن العودة اليها, فتعمل الولايات المتحدة مع فرنسا وبمساعدة أطراف لبنانية على انشاء محكمة دولية حتى لو كان القانون اللبناني هو وحده القانون الواجب التطبيق.
المهمّ بعد التنازل عن جزء هام من السيادة الوطنية والمخاوف التي أثارها موضوع المحكمة الدولية أن تأخذ العدالة مجراها وأن لا يصبح دم الرئيس الحريري وآخرون من قادة الرأي الذين قضو في ظروف مماثلة موضوع متاجرة سياسية وأن تصبح المحكمة الدولية الخاصة وسيلة لمزيد من التصدّع الداخلي يمتدّ ويتفاقم مع امتداد فترة التحقيق وبطئ المحاكمة. فما الذي يمكن توقعه بعد اكتمال الخطوات اللازمة لانشاء المحكمة وملئ الوظائف الضرورية لبدء عملها؟
ما يأمله كل مواطن حريص على مصلحة لبنان وما يرجوه كل محب للعدالة هو أن يشغل كافة الوظائف الرئيسية في المحكمة من تتوفر فيهم النزاهة والكفاءة والخبرة والاستقلال والجرأة الأدبية للوقوف بوجه أي تدخّل من قبل أية سلطة مهما علا شأنها وعظمت قوّتها. وأن ينتهي التحقيق والمحاكمات بأسرع ما تقتضيه الضرورات الاجرائية والكفاءة المهنية وتعود الى لبنان سيادته في بسط سلطة القانون على أرضه بصورة تامة وباسرع وقت ممكن. فبالرغم من كل ما ارتكب من أخطاء وتجاوزات وما لقي الشعب اللبناني من معاناة نتيجة اغتيال الرئيس الحريري يمكن للمحكمة اذا توفرت لها النزاهة بالاضافة للكفاءة أن تصل الى نتائج يتمنّاها كل محب للعدالة ويكون عملها سابقة تحتذى في اماكن أخرى من العالم اذا ما اقتضت الضرورة.
لكن من الصعب تبديد شكوك من يساورهم القلق بالنسبة للأهداف السياسية من وراء انشاء المحكمة وما يحتويه نظامها الأساسي من فجوات. قد يكون من المستبعد أن تصدر عن المحكمة أحكام نهائية لا تعكس حدّا أدنى من المهنية من قبل القضاة, الا ان هناك دلائل عدّة بأن المحكمة يمكن أن تستغل لبلوغ أهداف سياسية كما جرى في المرحلة الألى من التحقيق ابّان كان في عهدة السيد مليس. أولا ان مآرب الولايات المتحدة وفرنسا وكذلك الأطراف اللبنانية من وراء انشاء المحكمة لا يمكن تجريدها من الأهداف السياسية. والاصرار على انشاء المحكمة وبدء عملها قبل نهاية التحقيق أمر يدعو للريبة والتساؤل.

بموجب المادة الرابعة من مسودة النظام الأساسي للمحكمة "عند تعيين المدعي العام وفي فترة لا تتعدّى الشهرين, ستطلب المحكمة الخاصة من السلطات القضائية الوطنية المسؤولة عن قضية الهجوم الارهابي على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين, الخضوع لاختصاصها" وكذلك سوف تحيل السلطات اللبنانية بناء على طلب المحكمة الخاصة الموقوفين ونتائج كافة التحقيقات ونسخ عن سجل المحكمة. وبناء على طلب المحكمة أيضا, "ستخضع السلطة الوطنية المعنية لاختصاص المحكمة". وبذلك يتم التنازل عن كل ما حفظ قرار مجلس الأمن رقم 1595, الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية، للسلطات اللبنانية من سيادة بالنسبة لادارة التحقيق وتطبيق القانون بشأن الاعمال الجرمية التي رافقت اغتيال الرئيس الحريري وآخرين. فضلا عن ذلك ان كف يد القضاء اللبناني بصورة فورية وقبل انتهاء التحقيق يبدو مخالفا لقرار مجلس الأمن رقم 1644 الذي أقرّ في البند 6 منه طلب الحكومة اللبنانية بأن "يحاكم من توجه لهم في آخر المطاف تهمة الضلوع في هذا العمل الارهابي أمام محكمة ذات طابع دولي...." فهل بلغ التحقيق آخر المطاف ؟ وهل يجوز اختصار التحقيق أو النيل من وحدته عن طريق احالته لمدّعي عام المحكمة الخاصة قبل تمامه؟
هناك فجوات لجهة القانون الواجب التطبيق من الوجهة الاجرائية والأساسية تدعو الى القلق. فبالنسبة الى اجراءات المحاكمة وقواعد الاثبات يبدو أن مسودة نظام المحكمة لم تلحظ قواعد معينة لأصول المحاكمات وقبول الأدلة. وفي المادة 28 من مسودة نظام المحكمة يترك لقضاة المحكمة الخاصة وضع نظام اجراءات بعد تأليفها. فان كان ذلك جائزا في بعض لجان التحكيم الدولية الاّ أنه غير مألوف ويشكل سابقة خطيرة في القضاء الجزائي.
في الباب الثالث من مشروع نظام المحكمة وخاصة في المادتين 13 و16 منه يتبنى مشروع النظام بصورة عامة المعايير الدولية للمحاكمات الجنائية الدولية خاصة لجهة حقوق المشتبه فيهم والمتهمين, الا أنه يغفل الاشارة الى حق الموقوف بطلب اخلاء سبيله من المدعي العام لدى المحكمة الخاصة ضمن مهلة زمنية معقولة اذا لم تتوفر لدى المدعي العام أدلّة بحقه تجيز استمرار التوقيف. وهذه فجوة هامة جدّا بالنسبة لمصير الضباط الموقوفين.
ولعلّ أهم مصادر القلق في مسودة نظام المحكمة الخاصة هو توسيع صلاحيات المحكمة بحيث تمتد, بالاضافة الى جريمة اغتيال الرئيس الحريري, الى أعمال أخرى مماثلة في طبيعتها وخطورتها "حصلت في لبنان بين الأول من تشرين الأول 2004 و31 كانون الأول 2005 أو أي تاريخ لاحق يقرر باتفاق الاطراف المعنية وموافقة مجلس الأمن". ان توسيع صلاحية المحكمة هذا, بالاضافة الى أنه يتعدّى منطوق قرار مجلس الأمن رقم 1664 الذي هو المستند الأساسي في انشاء المحكمة الدولية, والذي يحصر ولاية المحكمة "بالتفجير الارهابي الذي ادّى الى مقتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وآخرين" على أن تنشاء "محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن هذه الجريمة الارهابية", ان توسيع صلاحية المحكمة هذا في الزمان وبالنسبة لأفعال جرمية يترك لاستنساب المحكمة تبنّي معايير التشابه في الطبيعة والخطورة مع الأعمال الجرمية التي أودت بحياة الرئيس الحريري, يخالف مبادئ أساسية في القانون الجزائي خاصة وأن قرار مجلس الأمن رقم 1664 اعتمد أن المحكمة ذات الطابع الدولي يجب أن تستند الى " أعلى المعايير الدولية في القضاء الجنائي". ان قرار توسيع اختصاص المحكمة الى أعمال جرمية قد ترتكب مستقبلا ويترك للمحكمة القرار بشأن اختصاصها للنظر فيها يصعب تجريده من أهداف سياسية.

فبالنظر لتوسيع دائرة صلاحية المحكمة الخاصة لتشمل أفعالا جرمية عديدة ارتكبت وأفعال قد ترتكب في المستقبل اذا شاء أصحاب القرار, وبالنظر الى أن التنازل عن السيادة وممارسة الحق في تطبيق القانون بالنسبة لكافة الجرائم التي ترتكب على أرض الوطن يبدو أنه قد أصبح أمرا مقضيا, فان الأمر الوحيد الذي يمكن التطلع اليه هو أن يكون القضاة القيمون على هذه المحكمة على مستوى عال من المهنية والنزاهة والجرأة الأدبية للوقوف في وجه من باستطاعته أن يحوّل المحكمة الى أداة سياسية لتفاقم عدم الاستقرار السياسي والامني في لبنان. جميع المراكز القضائية التي يلحظها مشروع نظام المحكمة الخاصة هي على درجة عالية من الأهمية خاصة وأن ليس هناك أية هيئة قضائية أو ادارية يمكن مراجعتها في حال مخاصمة أحد القضاة أو موظفي المحكمةلاسباب ادارية أو مالية. الا أن هناك قضاة ثلاثة يجب أن يلقى اختيارهم مقدارا كبيرا من الأهمية وهم المدعي العام والقاضي الدولي لمرحلة ما قبل المحاكمة ورئيس المحكمة.
فالمدعي العام يعين من قبل الأمين العام للأمم المتحدة ويتمتع بصلاحيات واسعة ويسيطر على مجريات التحقيق والاتهام والتوسع بها, وهو يعمل بطريقة مستقلّة في المحكمة الخاصة. والقاضي غير اللبناني لمرحلة ما قبل المحاكمة هو كذلك معيّن من قبل الامين العام للأمم المتحدة وهو يتولّى تحضير الدعوى أو الدعاوى وصلاحياته تتجاوز تجميع الملفات الى التدخل مباشرة في مجريات التحقيق والمحاكمة حتّى أنه قد يعيد النظر منفردا في قانونية الأدلّة المتوافرة في التحقيقات القضائية اللبنانية أو تحقيقات لجنة التحقيق الدولية ويمكن أن يوجّه الدعوى كما يريرد دون شورى أو مراجعة. أمّا رئيس المحكمة فهو بالاضافة الى وظائفه القضائية كرئيس لغرفة الاستئناف في المحكمة فهو يمثل المحكمة الخاصة ويكون مسؤولا عن أدائها. وهو يرفع تقريرا سنويا عن سير أعمال المحكمة الى الأمين العام للأمم المتحدة.
يكفي أن يوفق أصحاب المآرب السياسية في انشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان, بتعيين قاض واحد من هؤلاء الثلاثة من صنف السيد ديتليف ميليس, أول رئيس للجنة التحقيق الدولية, لكي تصبح المحكمة الخاصة حلما مزعجا في ليل يعلم الله متى ينتهي وكم ستكون كلفته من عدم الاستقرار السياسي والأمني فضلا عن كلفة مالية قد تفوق تصوّر الكثيرين.

------------
*استاذ محاضر في القانون الدولي في جامعة جورجتاون في واشنطن.

الاثنين، نوفمبر 20، 2006

تكاثر الغريب


عائد نبعة*

زاد طنينها حتى ابتلع مسام الغرفة, وأخذت أراقبها مرتعدا, بدت كطائرة أنهكتها الغارات الكثيفة على ساحة المعركة, تهبط وتصعد ولا تدري أين وجهتها؟ كأنها تصارع سكرات الموت ,وأخيراً ارتدت بعيداً حتى كادت ترتطم بسقف الغرفة الذي يرتفع أربعة أمتار أو أكثر ،حلّقت للحظات ثم غارت كصاروخ ذكي نفث غباره في وجه أمي مصدرة أزيزاً كسماعة بائع الحلوى التي تعطلت كلما مر بقريتنا ذات صيف,صرخت أمي فجأة بعد أن طعنتني بنظرة حادة آمرة
" أخرج هذه الذبابة الملعونة من بيتي".
وفي الحال امتثلت لأوامر سيدة البيت ،أخذت أهش على الذبابة بيدي ،واضرب الأرض بقدمي ،والاحقها لأخرجها من الباب فتهرب نحو الشباك وهكذا... و أخذت تدور حول رأس أمي وكأن أمي لا تعجبها,فتلحق بها أمي الى كل الامكنة مستخدمة ما تيسر من مكانس ومن صواني القش المعلقة على الجدران .
بيتنا ككل بيوت القرية ذو سقف عال، وجدران سميكة , أذكر المرات التي افترشت بها النوافذ بوسائد صوفية أهدتنا إياها عمتي في العيد، كم كنت منتشيا بمراقبتها تحشو الصوف داخل أكياس قماشية مزركشة ناعمة الملمس, قيظ آب يتجنب النوافذ الغربية بحسب قول جدي الذي داهمه الموت وهو متمدد في باحة إحدى النوافذ عند الغروب، ودفن عشاء ذلك اليوم، وظلت جدتي التي لحقت به في نفس السنة تردد" كان جسده بارداً رغم قيظ آب".
تعلمت أمي من جدتي فرد القمح والشعير بين يدي النوافذ ليجف سريعا،ومن ثمة تخزنه في خوابيها مؤونة لشتاء مر,صرخت أمي ولكن بصوت أعلى هذه المرة، وأمرتني أن أسرع وفي الحال لمناداة أبي ليخرج هذه الذبابة التي تقضُّ راحة أمي,وتشغلها عن تنقيتها لما بين يدها من عدس وقمح .
مسرعا ذهبت إلى دكان أبي ، مشغول مع أحد زبائنه يبادل خمس بيضات بصاع شعير,فبضاعة أبي اقتصرت هذا العام على على القمح والشعير والتمر والحلاوة والحلقوم ، الزيت قد نفذ ،محصول العام الماضي كان شحيحاً بزيتونة وأمطاره,حمل الزبون صاع الشعير وغاب في شوارع القرية المقفرة المغلفة بلزوجة القيظ, زّن الدبابير ينهش حبة التين اليتيمة في الشجرة المقابلة للدكان ، ويعلو بإستمرار ليمزق الفضاء الرمادي, القرية في ذلك اليوم الجهنمي مقفرة لا يسكنها أحد,نظر أبي الذي ما زال مستغرقاً بإغلاق كيس الشعير إلى الشارع شاكيا" إن هذا أول زبون يعبر شارعنا منذ أسبوع", ما يردده أبي على مسامع أمي بإستمرار حين تشكو الفاقة وتدني الغلة ,وبالكاد أنهى كلامه، وإذا برجل فارع الطول_ لم أر مثل قامته من قبل _يذرع الشارع, مربع الجسد والكتفيين، رأسه كبير جداً وكأنه لأربعة رجال ، مخيفاً عالياً كجبل في زي رجل، يحمل فأساً عملاقة على كتفه تجهز على ثور بضربة واحدة,وقف قليلاً ،حدق في الدكان,تجمدت خطواتي ،الصمت غلف القرية ،لم أعد أسمع صوت زنِّ الدبابير ولا صوت كيس الشعير بيد ابي, لا صوت إلا صوت لهاث الغريب,ثم هم مغادراً الشارع بإتجاه المقبرة,أما ابي فمازال مشدوهاً يحدق بالغريب فهو لم ير رجلاً بهذا الحجم ابدا,رمى بأذيال الكيس من يديه وخرج مسرعاً يصرخ بالغريب أن يتوقف,حفرت اقدام الغريب حفرة حمراء في نسيج الشارع،وانتصب الجسد المرعب كعمود الظلمة رامقا ابي بنظرة محايدة متشفية، ابي حبة شعير أمام عود الحراث الذي يجره حصان ،كان وجه الغريب مفلطحاً وعيناه غائرتان وشعرة الطويل الأجعد يغطي جبهته البارزة ، لا ليس بآدمي، ملابس غريبة الشكل مصنوعة من مادة خشنة ومخاطة بشكل فظ ، يداه كبيرتان وقدماه الضخمتان العالق بهما كثير من الأعشاب والطين الجاف تسللت اليه من وعورة المسافات البعيدة ,أبتعد أبي قليلاً، وعيناه تجوسان الغريب ،لم يتوقف أبي لحظة عن الحديث وعن طرح الأسئلة "من أين جاء وإلى أين يذهب "ولكن الغريب بقي صامتاً كصمت حبل الصدى المحاذي للقرية المجاورة إلى أن دعاه أبي إلى الدكان فنظر إلي نظرة واحدة جمدت الدم في عروقي وهم راجعاً الى الدكان. طارت الدبابير التسعة عشر عن حبة التين اليتيمة وشعرت أن الريح هبت نحوي في ذلك اليوم الحار،ركض أبي من أمامه باتجاه الدكان ولحقه الغريب بخطوات ثابتة، انتظره أبي عند الباب ووصل الغريب ،وقف بجانبي فلم أجرؤ النظر إلى من سد الشمس عن عيني، ولكني شممت رائحة العرق القوية التي فتكت بحواسي ، وقف محدقاً بأبي الذي مازال يسأل بنبرته الراجفة والمرتعدة "إلى أين تذهب في هذا اليوم الحار؟",فأجاب الغريب أخيراً بنبرة حادة هزت كل الأواني التي رتبها أبي في رفوف الدكان بأنه ذاهب إلى المقبرة ليدفن نفسه,فبلع أبي ما تبقى من ريق ومسح جبهته التي تتصبب عرقاً ودعاه لشرب الشاي الأخير,حنى الغريب جسده وكور نفسه ليلج الباب الذي كان عالياً على كل رجال القرية,وأغلق الغريب الباب خلفه,ارتعدت فرائسي وبدأ صوت قلبي الذي يخفق بشدة يرتفع لدرجة أني صرت أسمعه بوضوح، نظرت إلى حبة التين اليتمة التي خلفت الدبابير الفارة نصفها، سقطت من شدة الحر والخوف على باب الدكان المقفل. خارت قدماي ولم أعرف أنمت أو أغشي علي؟.ولكني صحوت مع أذان العصر,أفقت على صوت فتح باب الدكان ،وثبت واقفا على قدمي عندما رأيت ذلك الجسد الضخم يتكور مرة أخرى للخروج من الباب، مد جسده ثم استقام كمنارة ،وضع فأسه على كتفه,ولحق به أبي الذي لم ينظر إلي _ بفأس على كتفه _ ماشيا خلفه بخطى ثابتة تشق الصمت والقيظ ،وأخذا يبتعدان نحو القرية,تسمرت في مكاني إلى ما قبيل الغروب ،وبدوت كخميس المعتوه الذي كان يجوب القرية كل صباح، يحدث نفسه بطلاسم لا يعرفها أحد قبل أن يرفسه بغل أم مسعود ويرديه قتيلاً قبل عام ونصف_.
بدأ اصفرار الجو يخيم على تخوم القرية فركضت مسرعاً نحو الجبل المطل على المقبرة والذي يأكل الشمس كل مساء،؟ فصعدت الجبل حافي القدمين أستجمع ما تبقى من أنفاسي المتقطعة حتى وصلت القمة عند الغروب, الجو يميل إلى الحمرة عند الأفق البعيد ، نتوءآت الجبال المتصلة تنتظر الشمس بفارغ الصبر لتمارس فجورها الليلي,نظرت باتجاه المقبرة فميزت الغريب وفأسه في المقدمة وأبي خلفه وكل رجال القرية الحامليين فؤوسهم خلفه متجهين إلى القبور,ركضت مسرعاً متدحرجاً على الجبل باتجاه القرية مخلفاً ورائي هذا المشهد حيث بدأ الظلام الكثيف يحط أنفاسه الثقيلة على قلب قريتنا الصغيرة,ووصلت البيت مع آخر نفس بقي لدي فإذا بأمي على وشك أن تجهز على تلك الذبابة.


الخميس، نوفمبر 16، 2006

ماذا أصاب تعليمنا الجامعي


بقلم: إبراهيم علي

في مطلع سبعينيات القرن الماضي، كانت لدينا في البحرين "كلية الخليج الصناعية" التي تحول مقرها في مدينة عيسى لاحقا إلى مجرد فرع من فروع جامعة البحرين. والذين حالفهم الحظ، وتلقوا تعليمهم العالي في هذه الكلية، لا شك أنهم يتذكرون كيف كانت أجواءها الأكاديمية و أنشطتها الطلابية و فعالياتها الثقافية متقدمة جداً بالمقارنة مع ما يجري اليوم في أروقة جامعاتنا، سواء كان الحديث عن جامعة البحرين أو الجامعات الخاصة التي بدأت تنبت كالفطر من حولنا دون معايير أكاديمية صارمة أو رقيب يحصي عليها خطواتها الأكاديمية و نوعية مناهجها و كفاءة أساتذتها، إلى الحد الذي لم تتردد فيه إحدى هذه الجامعات الجديدة التي لم يمض على ظهورها سوى اقل من سنتين عن الإعلان عن منحها درجات الماجستير، بل و الدكتوراه أيضا. هذا مع العلم بأن الجامعات الجادة والحريصة على سمعتها و مستواها الأكاديمي تتريث طويلا قبل الشروع في إطلاق برامج الماجستير و الدكتوراه.

على أننا في هذه العجالة لسنا بصدد تقييم النوع الأخير من جامعات البحرين، لأن الحديث في هذا الشق يطول و يحتاج إلى متخصصين، و إنما بصدد البحث في مفهوم الجامعة و الأدوار التي تلعبها في حياة مجتمعاتها. فمن نافلة القول التذكير بأن التعليم الجامعي في أي مكان و أي زمان يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، تختلف كلها عن أهداف التعليم ما قبل الجامعي. و بعبارة أخرى، إذا كان الهدف من التعليم ما قبل الجامعي تسليح الطالب أو الطالبة بمعارف مبدئية شاملة في حقول العلم المختلفة و تعويده على الطاعة و الإنصات و المتابعة و الاستذكار و الاهتمام بما يطلب منه من فروض و واجبات، فان التعليم الجامعي يستهدف أمورا أكبر و أوسع من مجرد تخصص المتلقي في فرع من فروع المعرفة، و إلا لما سمي بالجامعي.

انه يهدف باختصار إلى صقل شخصية المتلقي، و تمكينه من الاعتماد على نفسه، و إعداده لأدوار قيادية في حاضر و مستقبل بلده و مجتمعه. و هذا لن يتأتى إلا من خلال تعويده على التفكير الحر المستقبل، و إزالة الوصاية الأبوية عنه، و تحفيزه على التعبير عن ذاته و أفكاره دون وجل، و تشجيعه على إظهار طاقاته و مواهبه دون تابوهات. و هذا بدوره لن يتأتى إلا بوجود أمرين على الأقل هما: جو أكاديمي مفعم بروح التحدي، تتصارع فيه الأفكار، و تتلاقح فيه الأبحاث، و تنشط فيه الفعاليات الراقية على مدار العام. و جامعات ترتبط بمشاكل مجتمعها و تتفانى في خدمتها و تحرص على دمج طلبتها في صميم متطلبات الارتقاء بهذا المجتمع.


وإذا ما تأملنا في حقيقة أداء تعليمنا العالي منذ كلية الخليج الصناعية، فإننا نكتشف أن هناك تقدما قد تحقق بالفعل، لكنه للأسف الشديد شمل الكم و ليس الكيف. إذ أن كل المعطيات الماثلة أمامنا اليوم تفيد بأن تقدمنا كان على المستوى العددي للخريجين، و ربما على مستوى تمدد المباني الجامعية وجمال أشكالها الهندسية، في الوقت الذي تراجعنا فيه كثيرا لجهة نوعية التعليم و الأداء الأكاديمي، و بالتالي لم نحقق شيئا من الأهداف الحقيقية المرتجاة من إطلاق الجامعات من تلك التي سبق شرحها.

و لا نبالغ لو قلنا أن كلية الخليج الصناعية، و رغم كل ظروف السبعينات الصعبة، قدمت وقتذاك حياة طلابية وتعليمية شبه متكاملة لطلابها، شاملة أنواعا لا تعد من الأنشطة الأكاديمية و غير الأكاديمية من تلك التي جرت في أجواء صحية بعيدة عن التزمت والتشدد الذي بات يسمم أجواء جامعات اليوم ، و بما أثرى تجارب الطلبة و صقل شخصياتهم و استنطق مواهبهم وساعد على تواصلهم و عزز علاقاتهم و قرب فيما بينهم و مكنهم من معرفة هموم و أحلام مجتمعاتهم. و هذا بطبيعة الحال لعب دورا محوريا في حصول البحرين وقتذاك على كوادر متخصصة قادرة على قيادة مسيرة التنمية و تبوء المناصب القيادية و الإشرافية و التنفيذية في القطاعين العام و الخاص باقتدار رغم حداثة تخرجها.

في مقابل هذا ، نجد أن الفترة التالية وصولا إلى أيامنا هذه، حفلت بمظاهر التراجع التدريجي في قطاع التعليم العالي و مخرجاته، الأمر الذي يمكن البرهنة عليه من خلال ما نراه من توجه شركات القطاع الخاص والمصارف نحو تبني سياسة تفضيل خريجي الجامعات الأجنبية الأوروبية والأمريكية على خريجي جامعة البحرين في إشغال الوظائف الشاغرة. ودلالة هذا التوجه أن خريجي الجامعات المحلية أو الوطنية لا يمتلكون المؤهلات العلمية والشخصية التي تتفق مع معايير السوق العالمي واحتياجاته و تستطيع تحقيق الأهداف المنشودة للمؤسسات الاقتصادية والمالية الحديثة. كما أن هناك الكثير من أولياء الأمور الذين استدانوا من أجل إن يبعثوا أبناءهم لإكمال تعليمهم الجامعي في الجامعات الأسترالية والأوروبية والأمريكية، وذلك بسبب عدم ثقتهم في التعليم الجامعي الوطني.

وبعد ، فان السؤال الذي تطرحه الوقائع السابقة هو: إلى أين يمضي تعليمنا الجامعي؟ و إلى متى نظل نخدع أنفسنا بالقول أن كل شيء في قطاع التعليم العالي عال العال؟ الم يحن الوقت بعد لإحداث ثورة شاملة في هذا القطاع وبالاستناد إلى تجارب الأمم الحية في الشرق، كيلا نقول الغرب؟ و ماذا سنقول لأجيالنا الشابة من المنخرطين اليوم في جامعات خاصة بائسة لا تستحق هذا المسمى، يوم أن يكتشفوا أن زهرة شبابهم ضاع في تحصيل شهادات لا تساوي شيئا بمعايير سوق العمل العالمي و لا تطعمهم خبزا في عالم لا يتوقف عن التحديث و التجديد و الارتقاء.

أسئلة نترك الجواب عليه للمسؤليين عن التعليم العالي في المملكة.

bumarwan@batelco.com.bh

لا تنتخبوا »أبوحمزة« البحريني!!


بقلم : فاضل عباس
– كاتب بحريني و رئيس جمعية التجمع الوطني الديمقراطي
اذا كان العراقيون قد ابتلوا بالمقبور الزرقاوي الذي مارس كافة أشكال الفنون في قتل العراقيين في الأسواق والشوارع والجوامع حتى جاء حتفه غير مأسوف عليه وهو الذي شوَّه تاريخ العراق الوطني ونضالاته التاريخية مند ثورة العشرين للذي لا يعرف انه متطفل على شعب العراق وليس من هذا الشعب الكريم.
وعليه فان تنظيم القاعدة الذي اعد العدة لتشكيل الخلافة الإسلامية في العراق لم يكن ليترك العراقيين يحددون مصيرهم كما يرونه ويتوافقون عليه، بل لا بد من جزار آخر يمارس النحر في رقاب الأبرياء وكان هذه المرة »ابو حمزة المهاجر« الذي أعلن إن دولته الإسلامية المزعومة سوف تبدأ بنسف البيت الأبيض ليقيم هو بيت الظلام الموعود وهو مظلم كما هي جحور تورا بورا فهؤلاء لا يستطيعون العيش في النور.ولكن هل اُبتلي العراقيون وحدهم بدعاة الجهل والظلام ؟
لقد اثبت الواقع وعلى مدى الفترة الماضية إن »ابا حمزة« قد يكون موجوداً بفهمه السطحي الظاهري لنصوص الإسلام في عدة دول بل إن هناك من يتاجر بالدين والسياسة وهو لا يختلف عن »ابي حمزة« في هدفه من الخلافة الإسلامية المزعومة وهما واحداً في تعميم الجهل حتى الوصول إلى الغايات القبيحة غير مبالين باستباحة الدم والكرامة للآخرين، سعياً وراء مصالح لا تتكشف إلا بضرب مخابئهم كما قصفت تورا بورا ودخلها النور من بعد عتمة.فابو حمزة البحريني قد يتلون ويتغير ولكن تصرفاته تفضحه وهو يأخذ أشكالاً عديدة فمن يحارب الفنادق ويضرب السياحة ويشتم الآخرين في الإعلام ويسعى إلى إغلاق المجمعات التجارية وكل ذلك من اجل الفضيلة المزعومة لابي حمزة وينسى ويتناسى أن هذا الشعب قد فهم الإسلام الصحيح قبل ان يخرج هو إلى الدنيا وناضل من اجل حقوقه ولا يحتاج إلى أشكال ابي حمزة لكي يفهمه ما هو الإسلام ؟
فخنادق تورا بورا لا تنتج إلا القتل والدمار وكان آباؤنا الأولون وهم يتحركون في الأزقة والقرى والمدن قد فهموا وحفظوا القرآن ونقله الأبناء عن الآباء وبدون خنادق تحت الأرض لا ترى النور.وقد يأخذ ابو حمزة في البحرين شكلاً آخر فإذا كان في العراق انه سينسف البيت الأبيض من اجل الخلافة الإسلامية فما هو موجود عندنا يتبع وسائل أخرى تبدأ بالتشهير بمنافسيه في الانتخابات النيابية ودفع الرشاوى المادية والعينية من اجل الوصول إلى كرسي المجلس النيابي ويصدر الفتاوى التي تحرم وصول المرأة إلى مجلس النواب فالخلافة الإسلامية هنا سوف تتحقق ولكن بدفع فواتير الكهرباء وعشرين ديناراً لكل ناخب، وفي بعض الأحيان يكون ابو حمزة البحريني (علمانيا( ولكن تضطره الظروف إلى المزايدات بين الحين والآخر وتقمص الأدوار فيصبح ضرب الاستثمار ومهاجمة الفن وتأييد القتلة في العراق شعاراً انتخابياً يتفاخر به، بل إننا لن نستغرب اذا شاهدنا هؤلاء قد تشبهوا بابي حمزة المهاجر في العراق حتى من حيث اللبس وإصدار الفتاوى التي تبيح الفرقة بين المسلمين فالاجتهاد عند هؤلاء لا يتوقف ما دامت المصالح تتطلب ذلك وما داموا يمارسون فنون العمل الطائفي على الأرض فهذه مقدمات لتقمص الشخصية بالكامل ، وهم ينسون ويتناسون إن بن لادن لم يستطع إن يختبأ في تورا بورا واكتشف أمره فالباطل لا يدوم .ولكن يبقى المواطن البحريني هو الذي عليه أن يختار بين الحرية والديمقراطية وبين نظام طالبان في أفغانستان والمحاكم الإسلامية في الصومال وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين فهذه جميعها أشكالاً لفكر واحد يختطف الوطن ويصادر الحريات ويتاجر بالناس.
فإذا كنا نرفض حجز النساء في بيوتهن كما فعلت طالبان ونرفض قتل الأبرياء في العراق ونرفض اختطاف الطائرات ونسفها في الجو فعلينا أن نرفض الفكر القائم على ذلك ونرفض أن ننتخب من يؤيد هذه الأفكار أو يروج لها سعياً وراء أوهام الزعامة التي لن يطولها أو ضمن فهم ظاهري للإسلام لا يتعدى أحكام الصوم والصلاة و لا يتعمق في معانيه ولا تتطور عندهم أشكال السلطة السياسية كما يتطور العالم بل إن الاجتهاد عندهم هو في المسائل الجانبية التي تثير النزاعات وهي ليست مهمة.
فالتعايش السلمي بين الطوائف الإسلامية في البحرين أو بين الديانات لا يتحقق بهؤلاء فهم مصدر خلاف وليس مصدر توافق وهم سبب في الطائفية وليس علاجاً لها وهم يمثلون مصدرا للإعاقة الاقتصادية وليسوا دعاة إصلاح وهم مع تكميم الأفواه وليسوا دعاة حرية وهم أصحاب مصالح شخصية وليسوا قيادات وطنية ولذلك فان عدم انتخابهم يوفر على البحرين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، والشعب جربهم في العمل السياسي و الحزبي فكانوا مثالاً للفشل والفوضى وتازيم الوضع المحلي بمناكفات لم يحصد منها الشعب إلا الفتنة والمزايدات السياسية وبقيت أفواه الشعب فارغة وحياتهم الاجتماعية مهددة والسلم الاهلي يتعرض إلى الإزعاج الدائم منهم ولذلك فعلينا جميعاً ان نرفض ابا حمزة البحريني وان تعددت أشكاله فأهدافهم واحدة.

سبب جنوني




فتنة قهوجي


**
افتح حقيبتي
اراك في اشيائي
بقلمي الاحمر
ارسمك على شفتي
بعطري
انشر رذاذك على جسدي
في محفظتي وجهك مطبوع
حتى على اوراق نقودي
اقرر خيانتك
اقرر ان انهي توحدي
ان ارميك في مزابل العشاق
هناك رميت يوما رجلا مثلك
فكر فقط
فكر في خيانتي
اقرر الخروج من صومعتي
عل رجلا اخر عنك يلهيني
كيف اتزين
كيف اتكحل
كيف اثبت انوثتي
ووجهك في مرآتي
افتح خزانتي
ثوبي الوردي امامي
اسحبه بيدي
تخرج انت منه
وتلبسني
رميت حقيبتي
قصقصت نقودي
حطمت مرآتي
كسرت الخزائن والادراج
مزقت ملابسي
اتلفت ملفاتي
احرقت اوراقي
اتهمني الجيران بالجنون
اشعلوا البخور
دقوا الطبول
وتفنن المشعوذ في ربط احجبة طرد الشاطين
على رقبتي
ساقوني كما تساق بعير الوادي
اقاموا لاجلك قيامتي
تفننوا في اخراجك من جسدي
ومن كينونتي
مشعوذهم بقربي
يدور
و يدور
ويدور بي
و انا في فلك عشقك ا د و ر
و ا د و ر
و
ا
د
و
و
و
و
و
ر
حتى فقدت وعيي
يا سيدي
**


الأحد، نوفمبر 12، 2006

مقالات عناق مواسي


لقراءة جميع مقالات الكاتبة اضغطوا على اسمها الموجود في أسفل هذه الصفحة على الجهة اليسرى:

الجمعة، نوفمبر 10، 2006

بازار الملصقات والدعاية الانتخابية في البحرين


بدر عبدالملك
- كاتب و سياسي بحريني
تبدو البحرين جميلة هذه الأيام وهي تزدان بملصقات من الأحجام الضخمة، مدعاة للضحك والتعجب والتساؤل من أبرزها: من أين خرجت تلك الدنانير؟! وهل نحن في موسم عرس شخصي أم سياسي؟ لكي يركض المترشحون لتلك الأحجام »الفضائية الضخمة«، فنتذكر نحن جيل الستينات سينما الزياني، حينما يتحفنا بملصقات أفلام عنتر، وقد كان احمد.....،،
يلف الأحياء معلقا صورة من الفيلم على لوح عريض فوق ظهره مناديا »لا يفوتكم اليوم فيلم عنتر وعبله«، وطبعا الزياني كان مرتهناً بمشروع الفرضة اليومي، فكلما قدمت السفن من الساحل المتصالح كان عليه تبديل الفيلم فورا، حتى بدا عنتر مواطنا يعيش في المنامة وعبلة فتاة جميلة سمراء من الحورة والمحرق، لهذا نكتشف أن هناك أسماء كثيرة انبثقت في تلك الفترة تحمل أسماء عبلة وعنتر، مستلهمين رجال الغوص عند شواطئ المحرق الموروث الشعبي وحكاياته الطريفة عن رومانسيات عنتر وبطولاته.
وإذا ما تم استبدال الفيلم العربي بفيلم هندي »فإن صراخ وزعيق منافسه في المهنة يتسرب إلى نوافذ البيوت فتطل النسوة بفضولهن لمعرفة من هو،، سليم بمبي والي« لا يفوتكم »ضرب البوكس« اليوم في سينما بن هيريس »هجرس«. اليوم غابت تلك البوسترات السينمائية المتنافسة والعمل الدعائي الشعبي واختفى احمد من المشهد، ولكن ذاكرة عجائب السينما وبوسترات الإثارة برسمها وألوانها الفاقعة تحتفظ بخصوصيتها ورائحتها القديمة، بينما تطورت المطابع في فرز الألوان واتحفتنا بصور اكثر رونقا وجمالا من صور الماضي ومحلات »زوجوا بناتكم«.
اليوم تتردد عبارات جديدة وصور مختلفة، ونداءات غريبة تناشد الشعب بشعارات صيغت بغباء وعجالة، كتبت دون استيعاب للمعنى فكأنها مقالة مدرسية وشعارات شاب مراهق بعث برسالة لابنة الجيران يغازلها بسذاجة قائلا: »قمري الجميل فوق سطح البيت« معتقدا أن القمر معلق خلف تلك السقيفة الطينية. اليوم مرشحونا كتبوا عبارات وجملاً تثير الضحك والسخرية كجزء من عملية دعائية وانتخابية، فإذا ما كان تركيز الجميع في تجربة الدورة الأولى على »محاربة الفساد« وهم في داخلهم اكثر فسادا من مدن الرذيلة، فان مرشحينا من الإسلاميين يعيدون ترويج سيرتهم الذاتية كحماة للفضيلة والأخلاق، معتبرين أن سيرتهم الذاتية هي افضل من سيرة اينشتاين وفرويد وكوبرنيك ودافنشي وعنتر وعبد الحليم حافظ، فكل هؤلاء أصوات وأسماء نكرة في التاريخ، وهم الذين منحوه راحة التبريد والمكيف من صيف أغسطس القاتل، معتبرا أن قمة تألقه في الدعاية الانتخابية بأن يذكر ناخبيه بأن المكتبة العالمية تحتفظ بمرجعية فقهية ووعظية عن خطب الأخلاق والفضيلة التي ناهزت،، المليون،، بينما خطبه الدنيوية والأخروية في دروس الأخلاق وتشذيب حدائق المنازل افضل من دورة في الحلاقة النصرانية واستخدام كريستيان ديور بدلا من بخور الصومال الإسلامية.
مرشحنا يتوهم أن توثيق أعداد الخطب التي،، مارسها،، عنوانا لبطولة جهادية دون أن يستخدم المفخخات الكلامية الفعلية، لعل الناخبين حينما يقرأون منجزاته يقولون رحمك الله دنيا وآخرة على ما فعلت، فقد أنقذتنا بخطب الفضيلة والأخلاق فقد كادت تغرق سفينة نوح بعد أن عاث قوم لوط في مدينة الفضيلة المنتهكة.
من يقرأون،، بروشيه،، المرشح الفاضل يصابون بحالة إمساك معوي بعد أن أصابهم أولا إمساك سياسي للحالة المتردية من وعي المترشح، غير أنني قلت في نفسي، طالما أن خطاب المترشح لناخبيه هكذا فكيف سيكون نوع الناخب؟! تصورت كتاب الأغاني ومكتبة الكونجرس الأمريكي والمكتبة الوطنية في بريطانيا، ستصبح ناقصة معرفيا إن لم تحتوِ على تلك الخطب المليونية في الفضيلة والأخلاق لمرشحنا الهمام في خطبه حول خير الأنام، والمعادي لجريدة »الأيام«، والمتطاول على الساهرين والنيام إلى يوم الدين. مثل أولئك المترشحين هم من سيصنعون لنا ثقافة المستقبل وحضارة التنوير لكونهم سينتجون بعقولهم،، المتفتحة،، براءة اختراع،، كيف تستخدم المهفة بطريقة عصرية وبتكاليف أقل،، وخلف الاختراع مكتوب بالبنط العريض وبخط الرقعة طريقة استعمال الدواء الناجع للنساء الحوامل،، مع قراءة بعض من نصوص خطب الفضيلة والأخلاق لمرشحنا الفلتة.
عاشت ديمقراطية الغرب الكافرة، التي أتاحت لهؤلاء تعلم كيف يتحفوننا بملصقات بلغت عنان السماء وببروشيه اكثر تحفة في تاريخ الانتخابات العالمية. بئس السياسة عندما ينتابها حمى الملصقات الضخمة وبئس الانتخابات حينما يصبح فرسانها أبطال المنجزات في علم الفضيلة والأخلاق، ولا عجب من أن تكون تلك المنجزات في سي دي إسلامي بعد أن صار الشريط التقليدي نمطاً من التخلف السلفي في ميدان التكنولوجيا الباعثة على الإباحية والحفلات الماجنة، كما فعلت نانسي عجرم والأخ الأكبر، فعبدة الشيطان بحاجة إلى مناعة داخلية من جرعة تلك الخطب العصماء، جرعة تحمينا من الإمبريالية العالمية والصليبيين.
اللهم احمنا من رذيلة الفضائيات العارية وامنحنا خطبا ومواعظ في الفضيلة والأخلاق من نمط سيرة مرشحينا الاماجد، والتي بلغت المليون خطبة فمن يا ترى سيربح المليون والمقعد النيابي؟!

الاثنين، نوفمبر 06، 2006

عبد اللات.. عبد العزى


حسن عبد الرزاق

دروب

مسرحية قصيرة جدا
المكان : ارض واسعة مفتوحة على الافاق. في احد اجزائها صنم يقوم بتنظيفه من التراب رجل طويل القامة .. بدين ، ثم بعد ذلك يبدا بالتطواف حوله مهرولا ، وخلفه بمسافة قصيره صنم آخر تركع امامه امراة ثرية)
البدين : انت محوري أيها الاله والوتد الذي ارتبطت فيه روحي بحبل المحبة السميك.امنحني من الخير بقدر مامنحتك من حب . اجعل نهاراتي شموسا وظلالا وليالي اقمارا ولذة. نجني من عثرات الطريق أيها المنجي.بك استقوي ولك اهرع كل يوم لازيح عنك حتى ذرة التراب التي تغطيك وليس سوى قدميك من اركع تحتهما .
الامراة : (تضع اقرصة رغيف كبيرة عند قاعدة الصنم الذي تصلي له)
البدين : (يلمح الامراة لكنه يواصل التطواف مع توسيع قليل لدائرته)رضاك هو رغيفي ، وحنانك هو مائي . مغفل من ينظر إلى سواك .هاانا ابصر كفك وهي متحفزة للانبساط . بل صرت اراها منبسطة وسوف تنثر سخاءها عليّ .
الامراة : (تضع صحنا من الحلوى إلى جانب الرغيف)
البدين: ( تتسع دائرة تطوافه ) عيناي إلى بهاء وجهك تنظران ، ولابهاء يغريهما سواه . سحرك هو غذائي فزدني منه حتى ازيد من لهاثي .
الامراة: ( تضع كاسا من الحليب )
البدين : (تتسع دائرة تطوافه ايضا) : لاياقدمي .. لااقبل منكم الميل أو الانحراف . الضياع وحده وليس سواه من ينتظرني عند الابتعاد عن محوري. هنا مكان التصاق القلب ، وهنا منبع الهواء الذي يبقيني حيا.
الامراة : تنثر قطعما من النقود عند قدمي الصنم)
البدين ( مع اتساع الدائرة اكثر) امطر كرمك عليّ أيها الاله الحبيب . امطره لكي تخضر روحي وتتبرعم اغصان محبتي وتينع ثمارها.بالامس كنت لك ، واليوم انا لك ، وغدا مهما كان لونه فانا لك ايضا.
الامراة : ( تنهض وتضع قلادة من ذهب في جيد الصنم)
البدين (تتسع دائرة تطوافه حتى تشمل الصنمين في إن واحد)الذي تقرره سيكون نصيبي وساقتنع به. هاهي موجة الاخلاص ترفعني وتطوف بي حولك . اني لاشعر بخفة بدني كانني طائر سماوي احتضن الاثير جناحيه مخففا عنهما التعب.
الامراة : (تنحني احتراما للصنم ثم تنسحب)
البدين: ( تضيق دائرة تطوافه وتصبح حول الصنم الثاني فقط)انت محوري أيها الاله . انت الوتد الذي ارتبطت فيه روحي بحبل المحبة السميك. لابهاء يغريني سوى بهاءك. هنا مكان التصاق القلب . وهنا منبع الهواء . بالامس كنت لك واليوم انا لك. الذي تقرره سيكون نصيبي وساقتنع به.(يلمح عصفورا يحط على راس الصنم الأول ويذرق عليه . يتجاهل ذلك ويستمر بالتطواف حول صنمه الجديد) بك أستقوي .. ولك اهرع كل يوم .. لازيح عنك حتى ذرة التراب التي تلتصق بك ………(يعيد التضرعات نفسها)
( ستار)

السبت، نوفمبر 04، 2006

توفيق الحكيم‏..‏ والزي الإسلامي للمرأة



بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

الاهرام
اطلعي اشربي معايا فنجان قهوة‏..‏ سمعا وطاعة يا أستاذي‏..‏ رهن الإشارة يا راهب الفكر‏..‏ أمرك يا سيدي‏..‏ حاااالا يا فندم‏..‏ ساعة أن يأتيني طلبه دوغري أي حاجة في أيتها حاجة تكون في يدي أضعها جانبا‏.‏ أسكنها اللاهتمام‏.‏ أركنها في اللامكان‏.‏ تتراجع لموقع الثانوي‏..‏ تطوي جنب الحيط‏..‏ وأي أمر كنت أظنه ــ من قبل دعوته ــ مهما يصير في التو هامشيا ونسيا منسيا‏,‏ وأي زائر يجلس قبالتي ــ من قبل دعوته ــ أدلقه بفورية‏,‏ وأي حاجة ساقعة أو سخنة كنت طلبتها ــ من قبل دعوته ــ أريقها وأهرول إليه ولو كان فنجانها أو كوبها في أول طلعة لفمي‏....‏

توفيق الحكيم بمنزلته ومكانته وسلامته وظرفه وخفة ظله اللا متناهية يدعوني لأشاركه فنجان القهوة‏...‏ حاااالا جاية‏.‏

هل تدركون المعني أن يدعو الحكيم أحدا لتناول القهوة معه؟‏!‏ المعني كبير وضخم وممعن في القرب وله دلالته‏,‏ فالحكيم الشهير بعدم دعوة أحد علي حسابه‏-‏ والذي اعترف لي عم حسين ساعي مكتبه لعشرات السنين بأنه إذا ما كان يقول له هات القهوة بسرعة يعني روح واختفي من علي وجه الأرض واوعي تجيب قهوة وحسك عينك يبان لك طرف في الأفق‏,‏ والوحيدة التي كان يعمل لها ألف حساب ويطلب لها قهوتها في الحال هي الدكتورة عائشة عبدالرحمن‏-‏ عندما يتنازل بالدعوة ويكرر طلبها في حضوري دون أن يعقبها لفظة السرعة فمعني ذلك أن لي عنده منزلة‏,‏ وأمي داعية لي لكوني قد احتسيت علي مهل ترياق القهوة المضبوطة مع الحكيم في مكتبه‏..‏ وكم من فناجين شربتها‏..

‏كان مكتبي في الدور الخامس بالأهرام ومكتب الأديب الكبير يعلونا في برج الدور السادس‏,‏ وأبدا لا أذكر أني انتظرت إليه مصعدا أو أحصيت درجات سلم أو رددت تحية في سكة اندفاعي إليه‏..‏ كنت أجدني جالسة بين يديه لحظة أن يضع سماعته إثر استدعائي‏..‏ لم يكن يقطع لهاثي إليه إلا دعائي للأستاذ محمد حسنين هيكل الذي جمع للأهرام وقتها نخبة أهل الفكر في مصر والشرق وأسكنهم البرج‏,‏ ليكون من بينهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ود‏.‏ يوسف إدريس ود‏.‏ حسين فوزي ود‏.‏ بنت الشاطيء ود‏.‏ زكي نجيب محمود ود‏.‏ لويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوي‏,‏ وجاورهم إحسان عبدالقدوس وصلاح طاهر وأحمد بهاء الدين وثروت أباظة‏..‏ قال لنا نحن شباب الأهرام وقتها‏:‏ انطلقوا إليهم‏.‏ جالسوهم‏.‏ اسألوهم‏.‏ اسمعوهم‏..‏ أنصتوا لحواراتهم ودونوا أدب الحوار‏.‏ لا تضيعوا الوقت‏,‏ ولا تهدروا الأيام خواء وسدي‏,‏ واستفيدوا من تجارب عقول الأفذاذ وخلاصة الفكر‏,‏ فنادرا‏,‏ وعلي مستوي العالم أجمع أن اجتمع مثل هؤلاء الجهابذة معا أياما وشهورا وسنين في مدينة واحدة‏.‏ في شارع واحد‏.‏ في مبني واحد‏.‏ في طابق واحد‏..‏

الباب يجاور الباب‏..‏ويا سعدك يا طالب المعرفة إذا ما توجهت إلي صومعة‏-‏ مكتب‏-‏ أحدهم فتجد عنده كوكبا آخر فتجلس‏-‏ كما جلست ــ علي سبيل المثال تستمع للدكتور حسين فوزي السندباد البحري يناقش توفيق الحكيم‏,‏ يختلفان ويتفقان وتعلو نبرة النقاش حول الكثير والطريف مثل تسمية الموجات الجديدة بصراع الأجيال‏,‏ ورأي العقاد في أنه قلما يرتقي الشاعر بعد الأربعين لأن أخصب أيام الشعر أيام الشباب‏,‏ ومصادر أحمد شوقي في مسرحيته عن كيلوباترا وإصرار حسين فوزي علي أنه استقي مادتها كلها من كتب جورجي زيدان‏,‏ ومعارضة الحكيم لمسرحيات ناتالي ساروت لاختفاء لفظ الحب منها مع دفاع حسين فوزي من أنه كيف يتأتي لشخص مرهف الحس أن يجمع كل التنوعات المتقلبة لعلاقة عميقة في كلمة واحدة كثيرة الاستعمال أحبك‏,‏ وعمر محمد عبدالوهاب الحقيقي‏,‏ وهل كان سعد زغلول من زبائن مقهي متاتيا مع الإمام محمد عبده وحافظ إبراهيم وجمال الدين الأفغاني وعبدالعزيز البشري‏....‏ وفجأة يهل يوسف إدريس ليغمر وادي النقاش المستنير بفيض الجديد في الموضوع القديم‏.‏

في طلعتي إليه يقول الحكيم ونادرا ما قلت أنا اللهم إلا بزج تعبير أو سؤال أو لفظة مقتضبة موحية تفتح أبواب استمرار التواصل لمزيد من البوح والحكي مثل لماذا؟ وكيف ومتي؟ ومعقولة؟ ويا خبر أبيض وطيب وبعدين ويا ساتر ولامش ممكن وكان ايه رد الفعل؟ وحضرتك قلت له إيه وطبعا سيادتك أفحمته‏,‏ وأكيد بقي في نص هدومه وهو كان ناسي بيكلم مين؟‏..‏ وذلك لكي يستطرد الأستاذ‏,‏ فخسارة فادحة إهدار الوقت الثمين لأبدد دقائقه فأشغله بصوتي بينما يسعدني زماني أن يملأ توفيق الحكيم تلك الدقائق بأي من قوله أو ذكرياته‏..‏

مرات ومرات قال لي واستمعت‏,‏ وقال لي وكتبت‏,‏ وقال لي وانبهرت‏,‏ وقال لي فأسقطت البعض من عليائهم‏,‏ وقال لي فرفعت البعض من السفح إلي السماء‏,‏ وكانت ذكري مقالبه تثري ضحكته المجلجلة ومنها حكايته مع مصطفي أمين عندما كان يرأس مجلة الاثنين‏:‏ كان يطلب مني باستمرار أن أكتب له في المجلة‏.‏ وفي إحدي المرات طلبني أكثر من مرة بالتليفون‏,‏ وكنت في ذلك الوقت أعمل في وزارة الشئون الاجتماعية‏,‏ ليطلب مقالا كنت وعدته به‏,‏ لأن المجلة تحت الطبع وهو مصر علي ظهور مقالي في هذا العدد بالذات‏,‏ وكان عددا ممتازا عن العيد‏..‏ وأمام إلحاحه كتبت المقال رغم مشاغلي الكثيرة‏,‏ ولكن فكرة شيطانية راودتني‏..‏ كان يعمل معي موظف مغرم بالأدب والأدباء‏,‏ وكان اسمه طلعت عزمي‏,‏ فطلبت من طلعت هذا أن يوقع هو المقال وأن يكتب تحت توقيعه جملة تفيد بأنه معجب بأدب توفيق الحكيم دون جميع الأدباء‏..‏ وأرسلت المقال‏,‏ وإذا بمصطفي أمين يعاود الاتصال بي يستعجل مقالي‏,‏ فقلت له أن أحد الأدباء الشبان قد أطلعني علي مقال لا بأس به وقال انه سيرسله إليك‏,‏ وقلت لمصطفي أمين انشره في عدد العيد بدلا من مقالي‏,‏ فإذا بمصطفي يثور مقاطعا‏:‏ أعوذ بالله‏!!‏أنا قريت المقال مجرد واحد يقلدك لكن دمه ثقيل خالص ولابد أن ينسي كتابة أي حاجة بعدها‏!..‏ ولم أخبر مصطفي أبدا ولا في أي مناسبة جمعتنا بأنني كاتب المقال بعد أن وصفني من حيث لا يدري بأن دمي ثقيل لأني أقلد توفيق الحكيم‏..‏ لكن هيهات بين الأصل والصورة الباهتة‏!!.‏

الحكيم إذا ما تبدي اليأس يوما من حوله وعكرت الجو عبارة مافيش فايدة كنت آراه غاضبا يدافع عن مصر بقوله لاهناك فايدة وعشرات الفوائد ولكي ينهي نبرة الإحباط المرتفعة يقول‏:‏ أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الهرم لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخري أو معجزات‏..‏ أمة يزعمون أنها ميتة ولايرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة‏..‏ لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلي الأبد‏.‏وسألته يوما‏..‏ كلنا شعراء يا مولاي لكن غالبيتنا ضل الطريق وإن بقي الشعر إيقاعا للحياة‏,‏ وقد يكشف البعض عن مكنون أشعاره في مرحلة المبتدأ متقبلا بصدر رحب التريقة علي ركاكة المحتوي وضحالة المعني‏,‏ هذا علي عكس ما أذهلنا من قوة أشعارك في فترة الشباب الأولي خاصة التي كتبتها بالفرنسية‏..‏

لماذا هجرت الشعر العربي فقال‏:‏ أذكر ذات يوم وكان يوم جمعة قبل التحاقي بالتعليم الأميري المنتظم‏,‏ وقد ارتدي والدي جلبابه المنزلي وتناول إفطاره وقرأ جريدته‏,‏ ولم يجد بعدئذ ما يفعل بوقته فناداني قائلا‏:‏ تعالي امتحنك‏!‏

وناولني كتاب المعلقات السبعة‏..‏ ذلك الكتاب الذي كان يحبه هو ويترنم بأبياته‏..‏ وأخرج لي معلقة زهير بن أبي سلمي‏,‏ وطلب مني أن أقرأها بصوت مرتفع‏,‏ فلما وصلت إلي البيت‏:‏

ومن لم يصانع في أمور كثيرة

يغرس بأنياب ويوطأ بمنسم

سألني عن معني يصانع فلم أوفق في الإجابة‏..‏ وكيف لمن كان في سني وقتها معرفة حقيقة المصانعة في الحياة بينما يجهل الحياة نفسها وعلاقة الأشخاص في ذلك المجتمع المتشابك المعقد‏,‏ فلما لم أجب بما يقنعه رفع كفه الضخمة وضربني علي وجهي كفا أسال الدم من أنفي لتأتي جدتي علي بكائي فصاحت به وأخذتني من يدي إلي حجرتها تحميني منه وأنا ألعن المعلقات وأصحابها‏..‏ بل ألعن الشعر كله‏..‏ وكان من الطبيعي والمنطقي أن أحب الشعر كما أحبه أبي‏,‏ولكن الدم الذي سال من أنفي بسببه جعلني أمقته مدة طويلة‏,‏ وكيف والله أحبه وقتها وبيني وبينه دم مسفوك‏!..‏

ولقد ساهمت مراحل التعليم بعدها في الابتعاد عن الشعر بما كانت تفرضه من مقطوعات أدبية وقصائد شعرية ثقيلة لحفظها عن ظهر قلب‏:‏

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطه السيل من عل‏..‏

لقد كانت كتب اللغة العربية التي وضعت بين أيدينا صغارا كتبا غثة المعني متكلفة الأسلوب الذي كان غايته يطرب الآذان المسترخية‏..‏ أيجوز أن نجعل من لغتنا النبيلة وسيلة لهو وأداة براعة كألعاب الحواة؟‏..‏

إن جلال اللغة العربية في بساطتها وسيرها نحو الغرض‏,‏ ونجد ذلك في كتابات الفلاسفة والمؤرخين العرب‏,‏ كابن خلدون‏,‏ والطبري‏,‏ وابن رشد‏,‏ والغزالي‏..‏ كيف أن هؤلاء لم يعرضوا علينا قط في دراساتنا للأدب العربي بالمدارس‏,‏ وكل كاتب عربي بسيط الأسلوب نافع لنا في الحياة يقصونه إقصاء بحجة أنه غير بليغ أو يأتون إلينا بالكاتب الذي لا ينفع في حياتنا إلا نموذجا لإثارة السخرية‏....‏

في شعره الفرنسي كتب الحكيم قصائد من نار في نار الحب‏:‏

قبلاتك يا نفريت عسل من نار‏..‏

بل جمر من عصير اللآلئ في كأس من نار‏!‏

إني أغار‏..‏ الغيرة‏..‏ جعران مخيف يسير فوق شغاف قلب‏..‏

نفريت‏!‏ رأسك اللامع بين يدي كوكب أسود لا نهار له‏..‏

نفريت‏!..‏ جزيرة الهناء الدائم ليست في محيطات الفضاء‏..‏

جزيرة الهناء الدائم لا يعرف مقرها غيري‏..‏

ميلي بأذنك نحوي كي أهمس لك بمكانها‏..‏

أتدرين أين جزيرة الهناء الدائم؟

إنها ليست في محيطات الفضاء‏..‏

إنها في محيط عينيك‏..‏

عيناك بحيرتان صافيتان‏..‏

يسبح في إحداهما الحب‏..‏

وفي الأخري‏..‏ الحب‏.

‏الحكيم كانت رؤيته أن تراث الأقدمين ليس إلا إفراز عقول وقلوب بشرية عاشت في ظل معطيات حضارية تختلف عن يومنا هذا بما حدث من إضافات الحياة المتجددة‏,‏ وعليه فلا يجب أن نقف عند حدود تلك المعطيات الأولي وحدها ونجعلها قيدا لأفكارنا أو حدا لا نتخطاه‏..‏ فنظل مئات السنين ندور في حلقة مفرغة حول عصر واحد فقط‏,‏ فكأن الإسلام لا يصلح إلا له ولأفكاره وظروفه وحدها‏:‏ وهو عصر الإسلام الأول‏,‏ نبني عليه كل تفكيرنا‏,‏ وننسي أن الإسلام صالح لكل العصور والأزمان‏,‏ لأنه من اليسر بحيث يصلح للحياة والتقدم في كل عصر وزمان ومكان‏..‏

وأسأله عن الإسلام والعقل والتفكير فيجيبني في قول السيدة عائشة‏:‏ قلت يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا؟

قال‏:‏ بالعقل‏,‏

قالت‏:‏ وفي الآخرة؟

قال‏:‏ بالعقل‏,‏

قالت‏:‏ أليس إنما يجزون بأعمالهم؟

قال صلي الله عليه وسلم‏:‏ يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل‏,‏ فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم‏,‏ وبقدر ما عملوا يجزون‏..‏

وقال تعالي في سورة الروم أو لم يتفكروا في أنفسهم

وفي سورة البقرة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون

وفي سورة سبأ أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكروا

وفي الأنعام قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون

وفي سورة يونس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون

وفي سورة آل عمران الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض

وفي سورة الأعراف فاقصص القصص لعلهم يتفكرون

وفي سورة النمل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

وفي سورة الحشر وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون

لقد خلق الله لنا آلة التفكير فلم نستخدمها كثيرا‏,‏ واكتفي أكثرنا بالتلقين دون تفكير‏..‏واستخدم بعضنا التفكير داخل جدران التلقين ولم يعملوا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لا عبادة كتفكر‏.

‏يوم وفاة ولده الوحيد إسماعيل كانت لتوفيق الحكيم فلسفته الخاصة في الحزن‏..‏ دموع علي جدران النفس الداخلية‏..‏ مؤمن بالرحمن الرحيم الصفة التي وصف الله تعالي بها نفسه ونكررها في كل ساعة بسم الله الرحمن الرحيم‏..‏ شبه ذهول يجعله يتحرك في إطار طبيعي وكأن المصيبة لم تصبه‏.‏ كان حزنا يختلف كثيرا عن زلزال اللوعة الذي جرفه يوم ماتت شريكة العمر‏,‏ ذلك الصامد الساخر المتفلسف المدعي عداء المرأة لم يستطع إخفاء ضعفه بدونها كطفل تركته أمه وافتقد حنانها وغطاء رعايتها‏..‏

بعدها كنت معه أستشعر كلمة السر التي أتسلل بها إلي أدراجه الخاصة‏,‏ وكانت الكلمة أن آتي بإشارة إلي سيرة الراحلة كما لو كان الأمر قد جاء عرضا أثناء الحديث‏..‏ ساعتها تنفرج أسارير الحكيم التي تظنها‏-‏ ظلما له‏-‏ غاضبة قاسية ليقول عنها وعن أنسها وحنانها ورعايتها ودقائق حياته معها ودورها كراعية لأدبه ناقدة لسطوره متأخرة لتقدمه متوارية لمزيد من تألقه متفردا‏..‏ يحكي لي عنها بسعادة غامرة‏..‏ ينهل من نبع لا ينضب ويجرف من تل لا يختل‏..‏يروي عن حسنها وحذقها وتدبيرها وعطائها وألفتها وجلالها وفيضها ووقارها‏..‏ وصبرها عليه‏..‏ سألته مرة عن أناقتها فأشاد وأطال في حسن الذوق والاختيار في ملابس البيت الأنثوية وخارج الديار المميزة بالاحتشام وعدم الخروج عن الالتزام بتعاليم الإسلام‏..‏

وغادرته بأحاسيس أن في جعبة الأستاذ أمورا فتحت شهيته عليها‏..‏ عالم المرأة والأناقة في ظل الوقار‏..‏ لهذا عندما استدعاني الحكيم بعدها تعالي المتوقعة سلفا إعجابي وانبهاري هرعت وأنا عارفة أن في الأمر ما يتعلق بالأناقة وزي المرأة المناسب‏..‏وفوجئت بالحكيم‏-‏ والله العظيم‏-‏ جالسا إلي مكتبه باهتمام بالغ ممسكا بالمقص كأفضل ترزي يدور به حول عدة صور للموضة النسائية يفصلها بعناية بالغة من صفحات أحد أعداد المصور ليلصقها وحدها علي أوراق بيضاء مع مقال عنوانه الزي الإسلامي للمرأة كتب فيه رأيه في الأناقة المثالية‏..‏

أعطاني الأوراق وابتسم‏..‏ سلمني الأمانة ونفض يده من أمرها‏..‏ قال رأيه ممهورا بإمضائه ومضي‏..‏ واحترت أنا فيما أصنع بها‏..‏ لماذا لم تنشر يا مولاي ما كتبت مجاورا لما قصصت من نماذج بعيدا عن مسئوليتي‏..‏

يا سيدي العصفور من الشرق لماذا لم تزقزق علي الفنن البعيد؟‏!‏

يا طالع الشجرة لماذا لم تسدد رصاصتك لقلب هناك؟‏!‏

يا نائب الأرياف لماذا لم توقظ في غيبة مني أهل الكهف من سباتهم العميق؟‏!‏

يا سلطاني ظللت طويلا حائرة في توقيت الإفصاح عن مكنون رأيك‏..‏ لقد احتفظت بالمقال ولم يسألني الحكيم عن مصيره في حياته‏,‏ وها أنا بعد‏22‏ عاما من فنجان القهوة السادة أفتح درجي الخاص فيعانقني عنوان المقال يطالب بالإفراج من بعد غياهب الظلمات‏..‏ فأمتثل‏..‏ وهاكم رأي الحكيم بخط يده في عام‏1984‏ حول الزي الإسلامي للمرأة‏..‏ الزي الإسلامي الذي للأسف لم يردع بعض شباب انفلت عياره في أجازة العيد الأخيرة عن التحرش الجماعي بالبنات المحجبات والمنقبات علي مرأي ومسمع من الشعب وتحت الأضواء ووسط المدينة‏..‏ فلا كانت مشية البنت السبب ولا العري السبب ولا عبورها وحدها بدون محرم السبب‏..‏ وإنما كان السبب‏..‏ قلة الأمن والأدب‏!!!!‏

الجمعة، نوفمبر 03، 2006

الاسلام الاوروبي ..نجاح ام فشل


بقلم عماد رجب

أعد أستاذ العلوم السياسية الهولندي فرانك بايس تقريرا عن الاتجاهات الراديكالية والديمقراطية بين الشباب الهولندي , ناقشة الكاتب ميشيل هوبنك بإذاعة هولندا الدولية عبر مقال ممتع , و أحتوي التقرير على بعض العناصر الجدية , مثل انه يجب إعطاء مساحة للإسلام الحداثي و البعد عن الأصول الشرقية الراديكالية , مشيرا في تقريره إلى عدم الفصل بين الدين والدولة كسبيل لنجاح المشروع الغربي داعيا إلى إقامة كيانات إسلامية على هيئة معاهد لتدريس علوم الدين المختلفة مع إعطاء مساحات كبيرة منها للفكر الحداثى الذي يسمونه الإسلام الأوروبي.

وحقيقة أعجبني أسلوب الكاتب في عرض التقرير ومناقشته ورأيت انه يحاول جاهدا وضع يده على مواطن الخلل في المشروع الأوروبي وقد أصاب في بعضها و اخطأ في البعض الأخر أصاب عندما استطاع أن يضع يده على مواطن الخلل , في وصفه بان الحداثيين الإصلاحيين , و مشروعاتهم لا تنال المصداقية والشرعية والقبول؛ و اخطأ في أخرى ,عندما وصف العالم العربي بأنه لا يقبل بأي محاولات إصلاحية لأن أية محاولة للإصلاح، في نظر الرأي العام الإسلامي، توصف بأنها غربية, وتغاضيه عن تلك الشخصيات التي تتبني المشروع الإصلاحي, فلا يمكن أن تطلب تعلم السباحة في الصحراء, ولا يمكن أن تطلب بحثا أكاديميا عن الانشطار النووي من طفل أمي ولد في غابات أفريقيا .

وهو بالفعل ما تحاول تلك المؤسسات الغربية فعله , تنفق كثيرا على مشاريع وتختار الأسوأ ليقودها , ثم نجدها تارة أخرى تمد يد العون لجهلة الدين , والخارجين عليه بحجج واهية , أمثال أمينة داود وصبحي منصور ووفاء سلطان التي بدون مله أو نصر حامد أبو زيد الذي يختزل القرآن في نص تاريخي لا اكثر و سلمان رشدي المكروه فكيف يشرع للمسلمين شخص رغب عن عقيدتهم , أو معروف عنه ولائه للغرب بدون وعي , ولم يسأل الكاتب نفسه ماذا لو استطعنا أن نناقش الأمور مع الشخصيات الأشهر في العالم الإسلامي صاحبة الشعبية الجارفة , والرأي المسموع وبعضهم بالفعل متقبل للنقاش.

لقد اخطأ الغرب عندما أرادنا كما يريد ولم يحاول أن يتعمق في فهم الإسلام وعقلية المسلم الذي يقبل بعقيدته كما هي لا كما يريدها الغرب , متفهما لأصل من أصول الفقه اسمه الاجتهاد والقياس, الذي يجعله قادرا على البقاء تحت أي ظروف , متخذا من عقلة وذكائه وتفكيره هاديا له, أن عجزت النصوص عن التصريح المباشر بالحل. ثم أخطأ الغرب مرة أخرى عندما لم يمد يد للفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي ومد يده للطغاة والقتلة ظانا منه انه بذلك يسيطر على مجريات الأمور , لكن تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن , فالذي لم يكن في الحسبان أن تمتد الشرارة في الخفاء , و بدلا من أن تكون إصلاحية أصبحت رافضة بلا وعي لكل ما هو غربي. ثم اخطأ الغرب عندما أراد أن يصور كل محجبة أو ملتح على انه إرهابي ليدارى سوأته وعيوبه أو أن الإسلام مجرد تطبيق لبعض الحدود , والطلاق , والزواج بأربعة المقننة في أضيق الحدود , وتركيزه على نقاط الاختلاف بدلا من بحثه عن نقاط الاتفاق, ونسي أن الإسلام اعظم واشمل من ذلك بكثير وان الحدود يمكن إن تكون آخر ما يمكن تقنينه في المشروع الحضاري الإسلامي , ونسي أيضا أن الإسلام أعطى للحضارة الغربية ما لم يقدمه غيره , من علوم وثقافة في مختلف المجالات .

وأعاد الغرب الخطأ مرة أخرى عندما جعل المواطن العربي أو الإسلامي يري نماذج رديئة لما يسمي بديمقراطية الغرب الكاذبة التي أسقطت كل قيم الغرب التي راحوا يبنونها في سنين طويلة فديمقراطية أمريكا في كل من أفغانستان والعراق وفلسطين خير شاهد على كذب ما أطلقوا عليها ديمقراطية في منع انتشار المخدرات والدعارة والفساد على ارض أفغانستان, فضح فساد المنهج المتبع في التعامل مع المسلم , في الوقت الذي نجحت فيه نظرية الشورى و الحكومة الإسلامية في محوها من الوجود, خلال فترة حكم طالبان , برغم راديكالية طالبان المتزمتة جدا.

إن الحل ليس في مشروع غربي أو شرقي فقط , إنما الحل في الشخصيات التي تتكفل بتلك المشاريع, وتضع علي عاتقها النهوض بها , والمرونة في المشروع نفسه , مع توافقه مع العقيدة الإسلامية....

كاتب وشاعر مصري

هؤلاء هم الخطر الحقيقي على الأوطان


بقلم:إبراهيم علي

الاستقرار والأمن اللذان تتمتع بهما الدول و المجتمعات يمكن ارجاعهما إلى واحد من السببين التاليين:

فإما أن يكون الاستقرار بسبب استبداد السلطة الحاكمة واستفرادها بصناعة القرار، و قيام أجهزتها الأمنية بممارسة القمع ، وخوف الناس من هذه الأجهزة ، على نحو ما كان سائدا في العراق في ظل نظام صدام حسين الذي بدد مليارات الدولارات من ثروات بلده في بناء المعتقلات وسجون التعذيب و أوكار التجسس و شبكات التآمر و في شن الحروب الداخلية و الخارجية و شراء ولاءات الشخصيات و الأحزاب و الصحف الاجنبية من اجل الحفاظ على كرسيه. وهذا النوع من الاستقرار هو بلا أدنى شك استقرار مؤقت ومهزوز وقابل للانفجار في أية لحظة. حيث لم ينفع مثلا ما أقدم عليه النظام الصدامي المخلوع في ديمومة سلطته البغيضة إلى الأبد، و كانت النتيجة انه لئن استطاع أن يجثم فوق صدور العراقيين طويلا، فانه في النهاية سقط في أيام قليلة و صار في مزبلة التاريخ.

النوع الآخر من الاستقرار هو ذلك المستند إلى أو المتأتى من وجود دولة المؤسسات الدستورية، وسيادة القانون، وحيوية المجتمع المدني وتماسكه. وهذا هو الاستقرار الحقيقي الذي يحقق طموحات الإنسان في حياة هانئة مستقرة و مفعمة بالأمل والازدهار والمستقبل المشرق ، وفي ذات الوقت يضمن للسلطة الحاكمة استمرارية وجودها، واستعداد مكونات المجتمع للدفاع عنها متى ما تعرضت لأي اعتداء خارجي.

و يقترن النوع الأول من الاستقرار ، إن لم يكن من شروطه الأساسية، بالنفاق السياسي. ففي ظل النظام الصدامي ، و من قبله النظام الشاهنشاهي في إيران و النظام الناصري في مصر، كان النفاق السياسي للأفراد و الجماعات في طليعة المؤهلات المفضية إلى نيل رضا النظام وبركاته وتجنب شر أجهزته القمعية و قسوتها. و هكذا كثر المداحون والمطبلون ممن بالغوا في إطراء شخص الزعيم و تنزيله مرتبة الآلهة التي لا تخطيء و تسويغ قراراته و الدفاع عن سياساته، و بما جعله يزداد غرورا و يكرر الأخطاء و الحماقات و القرارات الارتجالية المميتة، الأمر الذي نستخلص منه درسا تاريخيا بليغا لا نتعلمه للأسف مفاده أن وجود المداحين و المنافقين و المطبلين حول صانع القرار هو مقتل لأي نظام، و بما يشبه العلاقة الطردية، أي كلما كثرت و تفرخت هذه الفئة وزاد تأثيرها كلما اقترب النظام المعني من الانهيار و السقوط، و العكس بالعكس.

في المقابل نرى إن نظام الحكم في إسرائيل ، وعلى الرغم من الحروب المتكررة التي تخوضها منذ تأسيس الدولة العبرية في عام 1948م، وبالرغم من اللاتجانس الثقافي والإثني الذي يتميز به المجتمع الإسرائيلي، يزداد استقرارا و قوة ورسوخا. والسبب بطبيعة الحال يكمن في استناد الدولة ونظام الحكم هناك إلى سيادة القانون والمؤسسات الدستورية والصحافة المستقلة وحيوية المجتمع المدني ودوره في توجيه النقد لرموز السلطة الحاكمة وتصحيح الأخطاء أولاً بأول. وقد لاحظ الجميع مدى حدة النقد والنقاش و المناظرات الدائرة في المجتمع الإسرائيلي على مختلف المستويات حتى هذه الساعة حول نتائج الحرب الأخيرة بين تل أبيب و ميليشيات حزب الله اللبناني، و بما يشكل دليلا على صحة هذا المجتمع و حيويته و ترسخ نظامه و استعداده للمراجعة والتصحيح و الاعتراف بالأخطاء، مهما كان رأينا فيه أو عداودتنا له. لكن دعكم من هذا كله و انظروا كيف يتعامل هذا المجتمع مع قضية التحرش الجنسي لرئيس جمهوريته كاتساف و ما قيل عن تهرب رئيس حكومته اولمرت من الضرائب! فهل سمعتم يوما عن شيء من هذا القبيل في مجتمعاتنا العربية الفاضلة المعصومة؟

إن معالم الكارثة و الانهيار يا سادة يا كرام تبدأ أو تلوح في الأفق فقط حينما يلجأ صانع القرار في أي بلد إلى إتباع أسلوب إبعاد الكوادر المثقفة ثقافة عالية من المفكرين و المصلحين الغيورين على مصالح الأمة، لصالح تقريب المداحين المنافقين والاستماع لهم و الأخذ بمشورتهم، تحت حجج مغلفة تارة بغطاء الحرص على الدين وحماية الموروث وتارة أخرى بتخويف النظام من الفئات المعارضة و التحريض ضدها. أن هذه الفئة الأخيرة هي التي تمثل الخطر الحقيقي على الأوطان و الشعوب، وهي مصدر البؤس و التراجع المفضي إلى الشلل و الجمود و الانهيار، وبالتالي فمن الحصافة و الحكمة توخي الحذر منها و إبعادها عن مراكز صناعة القرار وإهمال مجمل توصياتها الغبية كيلا يتكرر ما حدث في أماكن كثيرة حولنا، حينما استنفعت هذه الفئة كثيرا من وجودها بالقرب من السلطان، لكنها كانت أول المنفضين عنه في وقت الشدائد و المحن، بل أول المنافقين لخلفائه و المستجدين من أعدائه.

bumarwan@batelco.com.bh