بدر عبدالملك
- كاتب و سياسي بحريني
تبدو البحرين جميلة هذه الأيام وهي تزدان بملصقات من الأحجام الضخمة، مدعاة للضحك والتعجب والتساؤل من أبرزها: من أين خرجت تلك الدنانير؟! وهل نحن في موسم عرس شخصي أم سياسي؟ لكي يركض المترشحون لتلك الأحجام »الفضائية الضخمة«، فنتذكر نحن جيل الستينات سينما الزياني، حينما يتحفنا بملصقات أفلام عنتر، وقد كان احمد.....،،
يلف الأحياء معلقا صورة من الفيلم على لوح عريض فوق ظهره مناديا »لا يفوتكم اليوم فيلم عنتر وعبله«، وطبعا الزياني كان مرتهناً بمشروع الفرضة اليومي، فكلما قدمت السفن من الساحل المتصالح كان عليه تبديل الفيلم فورا، حتى بدا عنتر مواطنا يعيش في المنامة وعبلة فتاة جميلة سمراء من الحورة والمحرق، لهذا نكتشف أن هناك أسماء كثيرة انبثقت في تلك الفترة تحمل أسماء عبلة وعنتر، مستلهمين رجال الغوص عند شواطئ المحرق الموروث الشعبي وحكاياته الطريفة عن رومانسيات عنتر وبطولاته.
وإذا ما تم استبدال الفيلم العربي بفيلم هندي »فإن صراخ وزعيق منافسه في المهنة يتسرب إلى نوافذ البيوت فتطل النسوة بفضولهن لمعرفة من هو،، سليم بمبي والي« لا يفوتكم »ضرب البوكس« اليوم في سينما بن هيريس »هجرس«. اليوم غابت تلك البوسترات السينمائية المتنافسة والعمل الدعائي الشعبي واختفى احمد من المشهد، ولكن ذاكرة عجائب السينما وبوسترات الإثارة برسمها وألوانها الفاقعة تحتفظ بخصوصيتها ورائحتها القديمة، بينما تطورت المطابع في فرز الألوان واتحفتنا بصور اكثر رونقا وجمالا من صور الماضي ومحلات »زوجوا بناتكم«.
اليوم تتردد عبارات جديدة وصور مختلفة، ونداءات غريبة تناشد الشعب بشعارات صيغت بغباء وعجالة، كتبت دون استيعاب للمعنى فكأنها مقالة مدرسية وشعارات شاب مراهق بعث برسالة لابنة الجيران يغازلها بسذاجة قائلا: »قمري الجميل فوق سطح البيت« معتقدا أن القمر معلق خلف تلك السقيفة الطينية. اليوم مرشحونا كتبوا عبارات وجملاً تثير الضحك والسخرية كجزء من عملية دعائية وانتخابية، فإذا ما كان تركيز الجميع في تجربة الدورة الأولى على »محاربة الفساد« وهم في داخلهم اكثر فسادا من مدن الرذيلة، فان مرشحينا من الإسلاميين يعيدون ترويج سيرتهم الذاتية كحماة للفضيلة والأخلاق، معتبرين أن سيرتهم الذاتية هي افضل من سيرة اينشتاين وفرويد وكوبرنيك ودافنشي وعنتر وعبد الحليم حافظ، فكل هؤلاء أصوات وأسماء نكرة في التاريخ، وهم الذين منحوه راحة التبريد والمكيف من صيف أغسطس القاتل، معتبرا أن قمة تألقه في الدعاية الانتخابية بأن يذكر ناخبيه بأن المكتبة العالمية تحتفظ بمرجعية فقهية ووعظية عن خطب الأخلاق والفضيلة التي ناهزت،، المليون،، بينما خطبه الدنيوية والأخروية في دروس الأخلاق وتشذيب حدائق المنازل افضل من دورة في الحلاقة النصرانية واستخدام كريستيان ديور بدلا من بخور الصومال الإسلامية.
مرشحنا يتوهم أن توثيق أعداد الخطب التي،، مارسها،، عنوانا لبطولة جهادية دون أن يستخدم المفخخات الكلامية الفعلية، لعل الناخبين حينما يقرأون منجزاته يقولون رحمك الله دنيا وآخرة على ما فعلت، فقد أنقذتنا بخطب الفضيلة والأخلاق فقد كادت تغرق سفينة نوح بعد أن عاث قوم لوط في مدينة الفضيلة المنتهكة.
من يقرأون،، بروشيه،، المرشح الفاضل يصابون بحالة إمساك معوي بعد أن أصابهم أولا إمساك سياسي للحالة المتردية من وعي المترشح، غير أنني قلت في نفسي، طالما أن خطاب المترشح لناخبيه هكذا فكيف سيكون نوع الناخب؟! تصورت كتاب الأغاني ومكتبة الكونجرس الأمريكي والمكتبة الوطنية في بريطانيا، ستصبح ناقصة معرفيا إن لم تحتوِ على تلك الخطب المليونية في الفضيلة والأخلاق لمرشحنا الهمام في خطبه حول خير الأنام، والمعادي لجريدة »الأيام«، والمتطاول على الساهرين والنيام إلى يوم الدين. مثل أولئك المترشحين هم من سيصنعون لنا ثقافة المستقبل وحضارة التنوير لكونهم سينتجون بعقولهم،، المتفتحة،، براءة اختراع،، كيف تستخدم المهفة بطريقة عصرية وبتكاليف أقل،، وخلف الاختراع مكتوب بالبنط العريض وبخط الرقعة طريقة استعمال الدواء الناجع للنساء الحوامل،، مع قراءة بعض من نصوص خطب الفضيلة والأخلاق لمرشحنا الفلتة.
عاشت ديمقراطية الغرب الكافرة، التي أتاحت لهؤلاء تعلم كيف يتحفوننا بملصقات بلغت عنان السماء وببروشيه اكثر تحفة في تاريخ الانتخابات العالمية. بئس السياسة عندما ينتابها حمى الملصقات الضخمة وبئس الانتخابات حينما يصبح فرسانها أبطال المنجزات في علم الفضيلة والأخلاق، ولا عجب من أن تكون تلك المنجزات في سي دي إسلامي بعد أن صار الشريط التقليدي نمطاً من التخلف السلفي في ميدان التكنولوجيا الباعثة على الإباحية والحفلات الماجنة، كما فعلت نانسي عجرم والأخ الأكبر، فعبدة الشيطان بحاجة إلى مناعة داخلية من جرعة تلك الخطب العصماء، جرعة تحمينا من الإمبريالية العالمية والصليبيين.
اللهم احمنا من رذيلة الفضائيات العارية وامنحنا خطبا ومواعظ في الفضيلة والأخلاق من نمط سيرة مرشحينا الاماجد، والتي بلغت المليون خطبة فمن يا ترى سيربح المليون والمقعد النيابي؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق