السبت، نوفمبر 04، 2006

توفيق الحكيم‏..‏ والزي الإسلامي للمرأة



بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي

الاهرام
اطلعي اشربي معايا فنجان قهوة‏..‏ سمعا وطاعة يا أستاذي‏..‏ رهن الإشارة يا راهب الفكر‏..‏ أمرك يا سيدي‏..‏ حاااالا يا فندم‏..‏ ساعة أن يأتيني طلبه دوغري أي حاجة في أيتها حاجة تكون في يدي أضعها جانبا‏.‏ أسكنها اللاهتمام‏.‏ أركنها في اللامكان‏.‏ تتراجع لموقع الثانوي‏..‏ تطوي جنب الحيط‏..‏ وأي أمر كنت أظنه ــ من قبل دعوته ــ مهما يصير في التو هامشيا ونسيا منسيا‏,‏ وأي زائر يجلس قبالتي ــ من قبل دعوته ــ أدلقه بفورية‏,‏ وأي حاجة ساقعة أو سخنة كنت طلبتها ــ من قبل دعوته ــ أريقها وأهرول إليه ولو كان فنجانها أو كوبها في أول طلعة لفمي‏....‏

توفيق الحكيم بمنزلته ومكانته وسلامته وظرفه وخفة ظله اللا متناهية يدعوني لأشاركه فنجان القهوة‏...‏ حاااالا جاية‏.‏

هل تدركون المعني أن يدعو الحكيم أحدا لتناول القهوة معه؟‏!‏ المعني كبير وضخم وممعن في القرب وله دلالته‏,‏ فالحكيم الشهير بعدم دعوة أحد علي حسابه‏-‏ والذي اعترف لي عم حسين ساعي مكتبه لعشرات السنين بأنه إذا ما كان يقول له هات القهوة بسرعة يعني روح واختفي من علي وجه الأرض واوعي تجيب قهوة وحسك عينك يبان لك طرف في الأفق‏,‏ والوحيدة التي كان يعمل لها ألف حساب ويطلب لها قهوتها في الحال هي الدكتورة عائشة عبدالرحمن‏-‏ عندما يتنازل بالدعوة ويكرر طلبها في حضوري دون أن يعقبها لفظة السرعة فمعني ذلك أن لي عنده منزلة‏,‏ وأمي داعية لي لكوني قد احتسيت علي مهل ترياق القهوة المضبوطة مع الحكيم في مكتبه‏..‏ وكم من فناجين شربتها‏..

‏كان مكتبي في الدور الخامس بالأهرام ومكتب الأديب الكبير يعلونا في برج الدور السادس‏,‏ وأبدا لا أذكر أني انتظرت إليه مصعدا أو أحصيت درجات سلم أو رددت تحية في سكة اندفاعي إليه‏..‏ كنت أجدني جالسة بين يديه لحظة أن يضع سماعته إثر استدعائي‏..‏ لم يكن يقطع لهاثي إليه إلا دعائي للأستاذ محمد حسنين هيكل الذي جمع للأهرام وقتها نخبة أهل الفكر في مصر والشرق وأسكنهم البرج‏,‏ ليكون من بينهم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ود‏.‏ يوسف إدريس ود‏.‏ حسين فوزي ود‏.‏ بنت الشاطيء ود‏.‏ زكي نجيب محمود ود‏.‏ لويس عوض وعبدالرحمن الشرقاوي‏,‏ وجاورهم إحسان عبدالقدوس وصلاح طاهر وأحمد بهاء الدين وثروت أباظة‏..‏ قال لنا نحن شباب الأهرام وقتها‏:‏ انطلقوا إليهم‏.‏ جالسوهم‏.‏ اسألوهم‏.‏ اسمعوهم‏..‏ أنصتوا لحواراتهم ودونوا أدب الحوار‏.‏ لا تضيعوا الوقت‏,‏ ولا تهدروا الأيام خواء وسدي‏,‏ واستفيدوا من تجارب عقول الأفذاذ وخلاصة الفكر‏,‏ فنادرا‏,‏ وعلي مستوي العالم أجمع أن اجتمع مثل هؤلاء الجهابذة معا أياما وشهورا وسنين في مدينة واحدة‏.‏ في شارع واحد‏.‏ في مبني واحد‏.‏ في طابق واحد‏..‏

الباب يجاور الباب‏..‏ويا سعدك يا طالب المعرفة إذا ما توجهت إلي صومعة‏-‏ مكتب‏-‏ أحدهم فتجد عنده كوكبا آخر فتجلس‏-‏ كما جلست ــ علي سبيل المثال تستمع للدكتور حسين فوزي السندباد البحري يناقش توفيق الحكيم‏,‏ يختلفان ويتفقان وتعلو نبرة النقاش حول الكثير والطريف مثل تسمية الموجات الجديدة بصراع الأجيال‏,‏ ورأي العقاد في أنه قلما يرتقي الشاعر بعد الأربعين لأن أخصب أيام الشعر أيام الشباب‏,‏ ومصادر أحمد شوقي في مسرحيته عن كيلوباترا وإصرار حسين فوزي علي أنه استقي مادتها كلها من كتب جورجي زيدان‏,‏ ومعارضة الحكيم لمسرحيات ناتالي ساروت لاختفاء لفظ الحب منها مع دفاع حسين فوزي من أنه كيف يتأتي لشخص مرهف الحس أن يجمع كل التنوعات المتقلبة لعلاقة عميقة في كلمة واحدة كثيرة الاستعمال أحبك‏,‏ وعمر محمد عبدالوهاب الحقيقي‏,‏ وهل كان سعد زغلول من زبائن مقهي متاتيا مع الإمام محمد عبده وحافظ إبراهيم وجمال الدين الأفغاني وعبدالعزيز البشري‏....‏ وفجأة يهل يوسف إدريس ليغمر وادي النقاش المستنير بفيض الجديد في الموضوع القديم‏.‏

في طلعتي إليه يقول الحكيم ونادرا ما قلت أنا اللهم إلا بزج تعبير أو سؤال أو لفظة مقتضبة موحية تفتح أبواب استمرار التواصل لمزيد من البوح والحكي مثل لماذا؟ وكيف ومتي؟ ومعقولة؟ ويا خبر أبيض وطيب وبعدين ويا ساتر ولامش ممكن وكان ايه رد الفعل؟ وحضرتك قلت له إيه وطبعا سيادتك أفحمته‏,‏ وأكيد بقي في نص هدومه وهو كان ناسي بيكلم مين؟‏..‏ وذلك لكي يستطرد الأستاذ‏,‏ فخسارة فادحة إهدار الوقت الثمين لأبدد دقائقه فأشغله بصوتي بينما يسعدني زماني أن يملأ توفيق الحكيم تلك الدقائق بأي من قوله أو ذكرياته‏..‏

مرات ومرات قال لي واستمعت‏,‏ وقال لي وكتبت‏,‏ وقال لي وانبهرت‏,‏ وقال لي فأسقطت البعض من عليائهم‏,‏ وقال لي فرفعت البعض من السفح إلي السماء‏,‏ وكانت ذكري مقالبه تثري ضحكته المجلجلة ومنها حكايته مع مصطفي أمين عندما كان يرأس مجلة الاثنين‏:‏ كان يطلب مني باستمرار أن أكتب له في المجلة‏.‏ وفي إحدي المرات طلبني أكثر من مرة بالتليفون‏,‏ وكنت في ذلك الوقت أعمل في وزارة الشئون الاجتماعية‏,‏ ليطلب مقالا كنت وعدته به‏,‏ لأن المجلة تحت الطبع وهو مصر علي ظهور مقالي في هذا العدد بالذات‏,‏ وكان عددا ممتازا عن العيد‏..‏ وأمام إلحاحه كتبت المقال رغم مشاغلي الكثيرة‏,‏ ولكن فكرة شيطانية راودتني‏..‏ كان يعمل معي موظف مغرم بالأدب والأدباء‏,‏ وكان اسمه طلعت عزمي‏,‏ فطلبت من طلعت هذا أن يوقع هو المقال وأن يكتب تحت توقيعه جملة تفيد بأنه معجب بأدب توفيق الحكيم دون جميع الأدباء‏..‏ وأرسلت المقال‏,‏ وإذا بمصطفي أمين يعاود الاتصال بي يستعجل مقالي‏,‏ فقلت له أن أحد الأدباء الشبان قد أطلعني علي مقال لا بأس به وقال انه سيرسله إليك‏,‏ وقلت لمصطفي أمين انشره في عدد العيد بدلا من مقالي‏,‏ فإذا بمصطفي يثور مقاطعا‏:‏ أعوذ بالله‏!!‏أنا قريت المقال مجرد واحد يقلدك لكن دمه ثقيل خالص ولابد أن ينسي كتابة أي حاجة بعدها‏!..‏ ولم أخبر مصطفي أبدا ولا في أي مناسبة جمعتنا بأنني كاتب المقال بعد أن وصفني من حيث لا يدري بأن دمي ثقيل لأني أقلد توفيق الحكيم‏..‏ لكن هيهات بين الأصل والصورة الباهتة‏!!.‏

الحكيم إذا ما تبدي اليأس يوما من حوله وعكرت الجو عبارة مافيش فايدة كنت آراه غاضبا يدافع عن مصر بقوله لاهناك فايدة وعشرات الفوائد ولكي ينهي نبرة الإحباط المرتفعة يقول‏:‏ أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الهرم لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخري أو معجزات‏..‏ أمة يزعمون أنها ميتة ولايرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة‏..‏ لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش إلي الأبد‏.‏وسألته يوما‏..‏ كلنا شعراء يا مولاي لكن غالبيتنا ضل الطريق وإن بقي الشعر إيقاعا للحياة‏,‏ وقد يكشف البعض عن مكنون أشعاره في مرحلة المبتدأ متقبلا بصدر رحب التريقة علي ركاكة المحتوي وضحالة المعني‏,‏ هذا علي عكس ما أذهلنا من قوة أشعارك في فترة الشباب الأولي خاصة التي كتبتها بالفرنسية‏..‏

لماذا هجرت الشعر العربي فقال‏:‏ أذكر ذات يوم وكان يوم جمعة قبل التحاقي بالتعليم الأميري المنتظم‏,‏ وقد ارتدي والدي جلبابه المنزلي وتناول إفطاره وقرأ جريدته‏,‏ ولم يجد بعدئذ ما يفعل بوقته فناداني قائلا‏:‏ تعالي امتحنك‏!‏

وناولني كتاب المعلقات السبعة‏..‏ ذلك الكتاب الذي كان يحبه هو ويترنم بأبياته‏..‏ وأخرج لي معلقة زهير بن أبي سلمي‏,‏ وطلب مني أن أقرأها بصوت مرتفع‏,‏ فلما وصلت إلي البيت‏:‏

ومن لم يصانع في أمور كثيرة

يغرس بأنياب ويوطأ بمنسم

سألني عن معني يصانع فلم أوفق في الإجابة‏..‏ وكيف لمن كان في سني وقتها معرفة حقيقة المصانعة في الحياة بينما يجهل الحياة نفسها وعلاقة الأشخاص في ذلك المجتمع المتشابك المعقد‏,‏ فلما لم أجب بما يقنعه رفع كفه الضخمة وضربني علي وجهي كفا أسال الدم من أنفي لتأتي جدتي علي بكائي فصاحت به وأخذتني من يدي إلي حجرتها تحميني منه وأنا ألعن المعلقات وأصحابها‏..‏ بل ألعن الشعر كله‏..‏ وكان من الطبيعي والمنطقي أن أحب الشعر كما أحبه أبي‏,‏ولكن الدم الذي سال من أنفي بسببه جعلني أمقته مدة طويلة‏,‏ وكيف والله أحبه وقتها وبيني وبينه دم مسفوك‏!..‏

ولقد ساهمت مراحل التعليم بعدها في الابتعاد عن الشعر بما كانت تفرضه من مقطوعات أدبية وقصائد شعرية ثقيلة لحفظها عن ظهر قلب‏:‏

مكر مفر مقبل مدبر معا

كجلمود صخر حطه السيل من عل‏..‏

لقد كانت كتب اللغة العربية التي وضعت بين أيدينا صغارا كتبا غثة المعني متكلفة الأسلوب الذي كان غايته يطرب الآذان المسترخية‏..‏ أيجوز أن نجعل من لغتنا النبيلة وسيلة لهو وأداة براعة كألعاب الحواة؟‏..‏

إن جلال اللغة العربية في بساطتها وسيرها نحو الغرض‏,‏ ونجد ذلك في كتابات الفلاسفة والمؤرخين العرب‏,‏ كابن خلدون‏,‏ والطبري‏,‏ وابن رشد‏,‏ والغزالي‏..‏ كيف أن هؤلاء لم يعرضوا علينا قط في دراساتنا للأدب العربي بالمدارس‏,‏ وكل كاتب عربي بسيط الأسلوب نافع لنا في الحياة يقصونه إقصاء بحجة أنه غير بليغ أو يأتون إلينا بالكاتب الذي لا ينفع في حياتنا إلا نموذجا لإثارة السخرية‏....‏

في شعره الفرنسي كتب الحكيم قصائد من نار في نار الحب‏:‏

قبلاتك يا نفريت عسل من نار‏..‏

بل جمر من عصير اللآلئ في كأس من نار‏!‏

إني أغار‏..‏ الغيرة‏..‏ جعران مخيف يسير فوق شغاف قلب‏..‏

نفريت‏!‏ رأسك اللامع بين يدي كوكب أسود لا نهار له‏..‏

نفريت‏!..‏ جزيرة الهناء الدائم ليست في محيطات الفضاء‏..‏

جزيرة الهناء الدائم لا يعرف مقرها غيري‏..‏

ميلي بأذنك نحوي كي أهمس لك بمكانها‏..‏

أتدرين أين جزيرة الهناء الدائم؟

إنها ليست في محيطات الفضاء‏..‏

إنها في محيط عينيك‏..‏

عيناك بحيرتان صافيتان‏..‏

يسبح في إحداهما الحب‏..‏

وفي الأخري‏..‏ الحب‏.

‏الحكيم كانت رؤيته أن تراث الأقدمين ليس إلا إفراز عقول وقلوب بشرية عاشت في ظل معطيات حضارية تختلف عن يومنا هذا بما حدث من إضافات الحياة المتجددة‏,‏ وعليه فلا يجب أن نقف عند حدود تلك المعطيات الأولي وحدها ونجعلها قيدا لأفكارنا أو حدا لا نتخطاه‏..‏ فنظل مئات السنين ندور في حلقة مفرغة حول عصر واحد فقط‏,‏ فكأن الإسلام لا يصلح إلا له ولأفكاره وظروفه وحدها‏:‏ وهو عصر الإسلام الأول‏,‏ نبني عليه كل تفكيرنا‏,‏ وننسي أن الإسلام صالح لكل العصور والأزمان‏,‏ لأنه من اليسر بحيث يصلح للحياة والتقدم في كل عصر وزمان ومكان‏..‏

وأسأله عن الإسلام والعقل والتفكير فيجيبني في قول السيدة عائشة‏:‏ قلت يا رسول الله بم يتفاضل الناس في الدنيا؟

قال‏:‏ بالعقل‏,‏

قالت‏:‏ وفي الآخرة؟

قال‏:‏ بالعقل‏,‏

قالت‏:‏ أليس إنما يجزون بأعمالهم؟

قال صلي الله عليه وسلم‏:‏ يا عائشة وهل عملوا إلا بقدر ما أعطاهم عز وجل من العقل‏,‏ فبقدر ما أعطوا من العقل كانت أعمالهم‏,‏ وبقدر ما عملوا يجزون‏..‏

وقال تعالي في سورة الروم أو لم يتفكروا في أنفسهم

وفي سورة البقرة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون

وفي سورة سبأ أن تقوموا لله مثني وفرادي ثم تتفكروا

وفي الأنعام قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون

وفي سورة يونس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون

وفي سورة آل عمران الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض

وفي سورة الأعراف فاقصص القصص لعلهم يتفكرون

وفي سورة النمل وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

وفي سورة الحشر وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون

لقد خلق الله لنا آلة التفكير فلم نستخدمها كثيرا‏,‏ واكتفي أكثرنا بالتلقين دون تفكير‏..‏واستخدم بعضنا التفكير داخل جدران التلقين ولم يعملوا بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم لا عبادة كتفكر‏.

‏يوم وفاة ولده الوحيد إسماعيل كانت لتوفيق الحكيم فلسفته الخاصة في الحزن‏..‏ دموع علي جدران النفس الداخلية‏..‏ مؤمن بالرحمن الرحيم الصفة التي وصف الله تعالي بها نفسه ونكررها في كل ساعة بسم الله الرحمن الرحيم‏..‏ شبه ذهول يجعله يتحرك في إطار طبيعي وكأن المصيبة لم تصبه‏.‏ كان حزنا يختلف كثيرا عن زلزال اللوعة الذي جرفه يوم ماتت شريكة العمر‏,‏ ذلك الصامد الساخر المتفلسف المدعي عداء المرأة لم يستطع إخفاء ضعفه بدونها كطفل تركته أمه وافتقد حنانها وغطاء رعايتها‏..‏

بعدها كنت معه أستشعر كلمة السر التي أتسلل بها إلي أدراجه الخاصة‏,‏ وكانت الكلمة أن آتي بإشارة إلي سيرة الراحلة كما لو كان الأمر قد جاء عرضا أثناء الحديث‏..‏ ساعتها تنفرج أسارير الحكيم التي تظنها‏-‏ ظلما له‏-‏ غاضبة قاسية ليقول عنها وعن أنسها وحنانها ورعايتها ودقائق حياته معها ودورها كراعية لأدبه ناقدة لسطوره متأخرة لتقدمه متوارية لمزيد من تألقه متفردا‏..‏ يحكي لي عنها بسعادة غامرة‏..‏ ينهل من نبع لا ينضب ويجرف من تل لا يختل‏..‏يروي عن حسنها وحذقها وتدبيرها وعطائها وألفتها وجلالها وفيضها ووقارها‏..‏ وصبرها عليه‏..‏ سألته مرة عن أناقتها فأشاد وأطال في حسن الذوق والاختيار في ملابس البيت الأنثوية وخارج الديار المميزة بالاحتشام وعدم الخروج عن الالتزام بتعاليم الإسلام‏..‏

وغادرته بأحاسيس أن في جعبة الأستاذ أمورا فتحت شهيته عليها‏..‏ عالم المرأة والأناقة في ظل الوقار‏..‏ لهذا عندما استدعاني الحكيم بعدها تعالي المتوقعة سلفا إعجابي وانبهاري هرعت وأنا عارفة أن في الأمر ما يتعلق بالأناقة وزي المرأة المناسب‏..‏وفوجئت بالحكيم‏-‏ والله العظيم‏-‏ جالسا إلي مكتبه باهتمام بالغ ممسكا بالمقص كأفضل ترزي يدور به حول عدة صور للموضة النسائية يفصلها بعناية بالغة من صفحات أحد أعداد المصور ليلصقها وحدها علي أوراق بيضاء مع مقال عنوانه الزي الإسلامي للمرأة كتب فيه رأيه في الأناقة المثالية‏..‏

أعطاني الأوراق وابتسم‏..‏ سلمني الأمانة ونفض يده من أمرها‏..‏ قال رأيه ممهورا بإمضائه ومضي‏..‏ واحترت أنا فيما أصنع بها‏..‏ لماذا لم تنشر يا مولاي ما كتبت مجاورا لما قصصت من نماذج بعيدا عن مسئوليتي‏..‏

يا سيدي العصفور من الشرق لماذا لم تزقزق علي الفنن البعيد؟‏!‏

يا طالع الشجرة لماذا لم تسدد رصاصتك لقلب هناك؟‏!‏

يا نائب الأرياف لماذا لم توقظ في غيبة مني أهل الكهف من سباتهم العميق؟‏!‏

يا سلطاني ظللت طويلا حائرة في توقيت الإفصاح عن مكنون رأيك‏..‏ لقد احتفظت بالمقال ولم يسألني الحكيم عن مصيره في حياته‏,‏ وها أنا بعد‏22‏ عاما من فنجان القهوة السادة أفتح درجي الخاص فيعانقني عنوان المقال يطالب بالإفراج من بعد غياهب الظلمات‏..‏ فأمتثل‏..‏ وهاكم رأي الحكيم بخط يده في عام‏1984‏ حول الزي الإسلامي للمرأة‏..‏ الزي الإسلامي الذي للأسف لم يردع بعض شباب انفلت عياره في أجازة العيد الأخيرة عن التحرش الجماعي بالبنات المحجبات والمنقبات علي مرأي ومسمع من الشعب وتحت الأضواء ووسط المدينة‏..‏ فلا كانت مشية البنت السبب ولا العري السبب ولا عبورها وحدها بدون محرم السبب‏..‏ وإنما كان السبب‏..‏ قلة الأمن والأدب‏!!!!‏

ليست هناك تعليقات: