بقلم عماد رجب
أعد أستاذ العلوم السياسية الهولندي فرانك بايس تقريرا عن الاتجاهات الراديكالية والديمقراطية بين الشباب الهولندي , ناقشة الكاتب ميشيل هوبنك بإذاعة هولندا الدولية عبر مقال ممتع , و أحتوي التقرير على بعض العناصر الجدية , مثل انه يجب إعطاء مساحة للإسلام الحداثي و البعد عن الأصول الشرقية الراديكالية , مشيرا في تقريره إلى عدم الفصل بين الدين والدولة كسبيل لنجاح المشروع الغربي داعيا إلى إقامة كيانات إسلامية على هيئة معاهد لتدريس علوم الدين المختلفة مع إعطاء مساحات كبيرة منها للفكر الحداثى الذي يسمونه الإسلام الأوروبي.
وحقيقة أعجبني أسلوب الكاتب في عرض التقرير ومناقشته ورأيت انه يحاول جاهدا وضع يده على مواطن الخلل في المشروع الأوروبي وقد أصاب في بعضها و اخطأ في البعض الأخر أصاب عندما استطاع أن يضع يده على مواطن الخلل , في وصفه بان الحداثيين الإصلاحيين , و مشروعاتهم لا تنال المصداقية والشرعية والقبول؛ و اخطأ في أخرى ,عندما وصف العالم العربي بأنه لا يقبل بأي محاولات إصلاحية لأن أية محاولة للإصلاح، في نظر الرأي العام الإسلامي، توصف بأنها غربية, وتغاضيه عن تلك الشخصيات التي تتبني المشروع الإصلاحي, فلا يمكن أن تطلب تعلم السباحة في الصحراء, ولا يمكن أن تطلب بحثا أكاديميا عن الانشطار النووي من طفل أمي ولد في غابات أفريقيا .
وهو بالفعل ما تحاول تلك المؤسسات الغربية فعله , تنفق كثيرا على مشاريع وتختار الأسوأ ليقودها , ثم نجدها تارة أخرى تمد يد العون لجهلة الدين , والخارجين عليه بحجج واهية , أمثال أمينة داود وصبحي منصور ووفاء سلطان التي بدون مله أو نصر حامد أبو زيد الذي يختزل القرآن في نص تاريخي لا اكثر و سلمان رشدي المكروه فكيف يشرع للمسلمين شخص رغب عن عقيدتهم , أو معروف عنه ولائه للغرب بدون وعي , ولم يسأل الكاتب نفسه ماذا لو استطعنا أن نناقش الأمور مع الشخصيات الأشهر في العالم الإسلامي صاحبة الشعبية الجارفة , والرأي المسموع وبعضهم بالفعل متقبل للنقاش.
لقد اخطأ الغرب عندما أرادنا كما يريد ولم يحاول أن يتعمق في فهم الإسلام وعقلية المسلم الذي يقبل بعقيدته كما هي لا كما يريدها الغرب , متفهما لأصل من أصول الفقه اسمه الاجتهاد والقياس, الذي يجعله قادرا على البقاء تحت أي ظروف , متخذا من عقلة وذكائه وتفكيره هاديا له, أن عجزت النصوص عن التصريح المباشر بالحل. ثم أخطأ الغرب مرة أخرى عندما لم يمد يد للفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي ومد يده للطغاة والقتلة ظانا منه انه بذلك يسيطر على مجريات الأمور , لكن تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن , فالذي لم يكن في الحسبان أن تمتد الشرارة في الخفاء , و بدلا من أن تكون إصلاحية أصبحت رافضة بلا وعي لكل ما هو غربي. ثم اخطأ الغرب عندما أراد أن يصور كل محجبة أو ملتح على انه إرهابي ليدارى سوأته وعيوبه أو أن الإسلام مجرد تطبيق لبعض الحدود , والطلاق , والزواج بأربعة المقننة في أضيق الحدود , وتركيزه على نقاط الاختلاف بدلا من بحثه عن نقاط الاتفاق, ونسي أن الإسلام اعظم واشمل من ذلك بكثير وان الحدود يمكن إن تكون آخر ما يمكن تقنينه في المشروع الحضاري الإسلامي , ونسي أيضا أن الإسلام أعطى للحضارة الغربية ما لم يقدمه غيره , من علوم وثقافة في مختلف المجالات .
وأعاد الغرب الخطأ مرة أخرى عندما جعل المواطن العربي أو الإسلامي يري نماذج رديئة لما يسمي بديمقراطية الغرب الكاذبة التي أسقطت كل قيم الغرب التي راحوا يبنونها في سنين طويلة فديمقراطية أمريكا في كل من أفغانستان والعراق وفلسطين خير شاهد على كذب ما أطلقوا عليها ديمقراطية في منع انتشار المخدرات والدعارة والفساد على ارض أفغانستان, فضح فساد المنهج المتبع في التعامل مع المسلم , في الوقت الذي نجحت فيه نظرية الشورى و الحكومة الإسلامية في محوها من الوجود, خلال فترة حكم طالبان , برغم راديكالية طالبان المتزمتة جدا.
إن الحل ليس في مشروع غربي أو شرقي فقط , إنما الحل في الشخصيات التي تتكفل بتلك المشاريع, وتضع علي عاتقها النهوض بها , والمرونة في المشروع نفسه , مع توافقه مع العقيدة الإسلامية....
كاتب وشاعر مصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق