الأحد، نوفمبر 29، 2009

سفير العاشقين

ايمن يحيي‏

أقدم اليك اوراق اعتمادي
سفيرا جديدا في دنيا العاشقين
واقسم يمين الولاء لقلبك
فيا من أحبك هل تقبلين؟
دعيني أقدم نفسي لقلبك
لعلي افوز بقلب ثمين
لاجلك انت عشقت الحياه
سهرت الليالي
صاحبت القمر
رايتك نجما سكن السماء
كتبت حروف اسمك فوق الشجر
فهل يكفي هذا لكي تقبلين؟؟
فنظرت برفق في عيني وقالت
اريدك ان تعدني
بان ابقي دوما في قلبك وعقللك
وملئ الجفون
وان تبقي انت الملاك الحنون
سمعا وطاعة لما تتطلبين
فهل تقبلين؟؟؟

الخميس، نوفمبر 26، 2009

مثلث بغير قاعدة

محمد محمد على جنيدي

عندما يطبق الفقر ويجهز على أنفاس أمة فهو أمر مهين لا شك فيه - ولكن - ربما تجد في ثقافة أبنائها واتساع مداركهم ملاذاً أو طوق نجاة يأخذ بيدها من غرقها فينعش آمالها في إعادة البناء من جديد - ولكن أيضاً - سوف يكون الأمر أكثر خيبة وتعاسة إذا ما كان السواد الأعظم من شباب هذه الأمة قد انصرفوا عن علمائها ورموزها وانحصرت اهتماماتهم في توافه الأمور وصغائرها, فلا رغبة في علم, ولا سعي وراء معرفة, ولا تواصل بين أجيال - هنا - يحق لأي مهتم بقضايا هذه الأمة أن يتنبأ بسقوطها بين ليلة وضحاها هذا من جهة..

ولكنني أتساءل من جهةٍ أخرى عن تصور أحوال هذه الأمة إذا ما أطبقت عليها الأمراض الفتاكة من كل صوب وهي الفقيرة المعدمة المتخلفة عن القوافل الحضارية المحيطة بها ولعياذ بالله.

وهنا يكمن- بيت القصيد - ذلك لأن أي متابع لقضايا ومقدرات هذه الأمة التعسة يستطيع بغير جهد يذكر أن يجزم بتوقع سقوطها فوراً.

هذا هو الذي يقولوا عنه ويسمونه - بمثلث الرعب – والذي يتشكل محيطه من قاعدة الفقر وضلعي المرض والجهل، وكلنا يعرف كم قامت من أجل تفاديه أو القضاء عليه ثورات العديد من الأمم.

وعلى الرغم من وجود أسقف كثيرة تضغط علينا والمتمثلة في التوجهات الإعلامية التي توحي برقي النظم التعليمية وتعددها وتعلن دائماً عن وفرة المشاريع الاستثمارية وتنوعها وتروج من جانب آخر عن منظومة صحية عالمية فاعلة نمضي قدماً نحو تحقيقها!!.. على الرغم من كل هذا إلا أن - الحقيقة الساطعة - دائماً أن المواطن في بلادنا لا يشعر بمصداقية كل ما تسلط عليه الأضواء ويعلم جيداً كل ما يلامس الواقع كما يعلم كل ما يحاول أن يخفيه الزيف الصارخ.

ولإحقاق الحق ومن أجل خلق حلولاً عملية لأهم قضايا الأمة فلنعترف بالإخفاقات المتكررة في منظومة الرعاية الصحية ويكفي أن نعلم أن الكثير من مرضانا ربما يفتك بهم المرض وهم في طريق الحصول على دوائهم، ولننظر أيضاً بعين الواقع إلى شبابنا وهم يملأون المقاهي والملاهي والطرقات بغير عمل جاد ومثمر يفي بالحد الأدنى من متطلبات حياتهم اليومية! ولنسأل أنفسنا عن أبنائنا الطلبة كيف يستوعب الواحد منهم دروسه وينتفع من مناهجه الدراسية وهو قابع في فصل أشبه بمعلب التونة أو السردين

إن رؤية الخطأ بحجمه الطبيعي واختيار البديل الأمثل لمواجهته لهو أقصر الطرق نحو تصحيحه

وإنني أعتقد أن الحل المنهجي لمعظم قضايا أمتنا نجده في الضغط على قاعدة مثلث الرعب السالف ذكره والذي يتمثل في ضلع الفقر وأتصور عن يقين مدروس أن - من هنا - نستطيع الإفلات من ضلعي المثلث الآخرين وقد سبق تمثيلهما بالمرض والجهل

لا ريب - أن مثلثاً كهذا بغير قاعدة نستطيع الهروب منه سيكون أفضل حالاً من أن تطبق علينا أضلاعه الثلاثة في آنٍ واحد

ولكن – كيما يكتب لأفكارنا النجاح ونصبح أمة أكثر تفاؤلاً ونبدأ مسيرة الإصلاح بحزمٍ وفاعلية .. يبقى لنا أن نسأل القادرين عمن يشارك الفقراء همومهم وكأنه منهم!!

أرى أنه السؤال الأكثر حيوية في موضوعنا وأدعو كل من صلحت نواياه من الأغنياء وكل ذي سعةٍ وفضل أن يشاركنا الإجابة على تساؤلنا إذا أراد بأمته وبنفسه خيراً.

الأربعاء، نوفمبر 25، 2009

قصة الفستان

انطوني ولسن


التقيا في حفل عام بعد طول خصام... تقدم اليها وقال لها

هو: هل لي ان اسألك؟

هي: كيف؟. وانت قطعت بيني وبينك، كل وشائج حب؟!

هو: لالاـ لا يخطرن في خاطرك ظن، أني اريد عودة الأمس من الحب والصفاء.

هي: وحتى لو اردت انت، فأنا لا..

هو: ان كنت ذلك كما تزعمين وتتوهمين، فلماذا اذا ترتدين هذا الفستان؟!

ضحكت ضحكة مجلجلة لفتت أنظار الحاضرين. دنا منها وأمسك بيدها وانتحى بها زاوية حميمة متوارية وهمس:

هو: اخفضي صوتك. لقد لفت الينا الانظار. تعالي نتحدث هناك...

هي: انا حرة، أضحك كما اشاء ومتى اشاء وكيفما اشاء.. لا يهمني احد ابعد يدك عني، أرجوك.

هو: ارجوك اخفضي صوتك، ضاق صدري، حولنا أذان وعيون...

هي: ممن تخاف؟ من هؤلاء؟! أنا اعرفهم اكثر منك، أرفع صوتي، عاليا حتى يسمع كلُّ حي.. كفاني كتمان، وهمس..كفاني...؟

هو: هل نسيت؟ هل نسيتِ انني تحديت بك يوما كل الناس، الكاره والمحب؟

هي: ألم اخرج معك علانية الى كل مكان؟ الم اتحدّ بك كل من حولي غير عابئة بقيل وقال؟ عابثة بكل شيء سواك؟ تخاصمني وقت ما تحب وتصالحني وقت ما تريد.

أنا لست حذاء في قدمك، تخلعه عندما تتعب منه، وتنتعله عندما ترغب فيه.. انا امرأة، امرأة لها احاسيس وعواطف وكيان، ليس لك أن تسألني بعد لماذا ارتدي هذا الفستان او سواه...؟

هو: لا.. لا.. فلو كنت انظرُ اليك كحذاء، لخلعتك من زمان، والقيت بك جانبا بازدراء..

هي: ماذا تسمي علاقتنا؟ خصاما، كلاما، غراما وانتقاما، أم مهزلة الايام؟!

هو: كنت بالامس أسميها، الحب الكبير. اما الآن فأسميها، الخيانة الكبرى،.. الخديعة العظمى...

هي: ها.. ها.. ها.. خسئت يا صاح.. انت واهم.. عدّ الى رشدك واتعظ بما عملت..

هو: لا تضحكي مني رجوتك، أخفضي صوتك، عودي الى صوابك..

هي: اليك عني.. لا تتكلم ولا تنبس بكلمة..

هو: هل وصلنا إلى نقطة اللا رجوع...

هي: «في دلال».. عفوا، انا لأمر ما، يضطرني للذهاب...

هو: مهلاً رجوتك، ردي الجواب.

هي: عن ماذا؟!

هو: سبب ارتدائك الفستان؟!

هي: اجبتك.. لا تسأل بعد..

هو: ايتها الماكرة، إذن انتِ تعرفين...

هي: ماذا؟

هو: ان لهذا الفستان عندي، ذكريات..

هي: كل شيء عندك له ذكريات..

هو: وأنت؟

هي: لا.. فستان، مثل سواه من بقايا الفساتين...

هو: لكني أهديتك اياه...

هي: واخذت الثمن.. ما الفرق بينه وبين آخر..؟ من يدري ان فساتيني الأخر غير مهداة الي؟

هو: ودفعت الثمن كما دفعته لي؟

هي: ولما لا؟!

هو : «بصوت عال» آه يا فاجره!

هي: اخفض صوتك.. رجوتك مرة بعد..

هو: «مقاطعا» ممما تخافين؟

هي:" لم تتكلم".

هو: لماذا تطلبين مني خفض صوتي..؟ اتخشين ان يعرفك الناس على حقيقتك؟!

هي: انا اعرف الناس بك وبالناس.. لا تستثرني بعد..

هو: أمرأة مجرّبه..

هي: وإنني لكذلك أفهمت؟

هو: بربِّك خبريني، كم رجل عرفت في حياتك الى الآن، وهل..؟..

هي: «مقاطعة بغضب» لا شأن لك معي...

هو: بل نعم...

هي: كان لك.. «وكان» فعل ماضٍ، وناقص ايضا، ذلك لا شك تعرفه..

هو: وعندما «كان» كان، كم عرفت من رجل؟!

هي: لا اذكر، رجوتك كُفّ عن هذا الحرج...

هو: إلى هذا الحد، بلغت كثرة العشاق والمعجبين، حتى أنك لا تعرفين العدد؟

هي: قد يكون...

هو: سوف تدفعين الثمن...

هي: دفعت...

هو: ليس هذا، ما قصدت اليه، بل الثمن الاغلى الذي دفعت.. اغلى ما عندك، الى سواي..

هي: دائما ذاك ما يطلبه الرجال...

هو: انا لم اطلبه منك ولا من سواك، ولا من انثى على الأرض..

هي: ولكنك اخذته...

هو: دفعتني دفعا الى اخذه، فأطعت...

هي: صارخة في وجهه.. لم ادفعك ابدا الى اي عمل...

هو: بلى...

هي: الا ترى انك تتذكر ما تشاء، وتنسى ما تشاء؟

هو: انا..؟

هي: نعم انت.... الست انت صاحب نظرية التكامل...

هو: اي تكامل؟

هي: الحب والتكامل...

هو: ذكريني.

هي: لا داعي للتذكير.. لقد انتهى ما بيننا.. كل شيء انتهى.. لا عودة للأمس لا.. وألف لا.

هو: وانا ارفض ذلك..

هي: دعني وشأني.. تؤلمني الذكريات...

هو: الذكرى ماض.. والحديث عن الماضي حياة...

هي: لقد انتهى.. ماضي لا عودة اليه...

هو: والفستان الذي ترتدين، أليس من الماضي؟ من الحديث المعهود ومن الحياة؟!

هي: كان حديثا وكانت حياة... لكنه صار فستانا عاديا لأمر عادي...

هو: دعي الفستان الآن.. ذكريني بنظرية التكامل التي تدعين...

هي: انت الرجل الوحيد الذي حيّرني وبلبل حياتي ولقد جئت اعترف لك...

هو: رجوتك.. ذكريني.. هاتي.. بحق الحب بيننا، الذي عبر...

هي: أنسيت حقا؟... هل حقا نسيت؟!

هو: نسيته وحياتك، بالله الذي خلق الحب والحياة.. عودي الى الأمس بي.. فما اطيب الذكريات؟

هي: اليك عني.. لا حق لك بالتحدث بعد اليَّ...

هو: خذيني كرجل آخر، عنك غريب.. افضي الي بكل سرائرك..

هي: الرجل الآخر لا ذكريات لي معه...

هو: لم أفهم.. افصحي بعد.. لقد أغلق علي...

هي: ليس المهم ان تفهم.. دعني وشأني لا وقت لي للضياع...

هو: ارجوك انتظري.. لا تبرحي، لا...

هي: «مشوحة بيدها، لا، لا.. رجوتك.. لقد أضعت، الكثير معك..

هو: بربك ذكريني، كدتُ أجنّ... «يصمت فترة وجيزة.. ثم يعود ويتكلم» التكامل.. التكامل... آه لقد تذكرت.. آه..

هي: «في شك» لا أظن...

هو: نعم.. نعم..

امسك بيدها.. جذبها نحوه بشغف.. ارتمت بين ذراعيه بحرارة متمادية.. اغرورقت عيناه... كعيون الفجر... جفّف دموعها بشفتيه.. دارت برأسها وقالت...

هي: الناس...

ردّ عليها وقال..

هو: أنا أعرف الناس...

ضحكا معا... وغابا في قبلة طويلة.

(تمت)

بالروح .. بالدم

عـادل عطيـة

فى كل عام ، فى موكب عيد الاضحى ، لدى اخوتى المسلمين ، أتخيل ملايين من الخراف تساق إلى الذبح وهى تهتف من القلب : " بالروح بالدم نفديك يا إنسان " !

وقد عهدناها دائما : صادقة فى وعدها ، وفى عطائها ، فهى منذ العصر الإبراهيمى رمز للتضحية والفداء !

وفى المقابل ، يؤسفنى أن أتخيل ملايين من البشـر ، تهتف عاليـاً من اعماق حناجرها وتردد : " بالروح بالدم نفديك يا فلان " ! ، فإذا ما جاء يوم الوفاء والعطاء ، كانوا : أول من يولى الأدبار !

صحيح أن الروح غالية جداً " فيا روح ما بعدك روح " كما يقولون

ولكن الصحيح كذلك : ألا يقدم مثل هؤلاء المرائين أرواحهم على طبق من كلام ولو كان من فضة ، فالسكوت فى هذه الحالة ليس من ذهب فحسب ، بل ومن حياة وحياء !

جزيرة الحبيب البعيدة

عدنان الظاهر

[[ في الفترة الأخيرة عندي نفور من السفر
واشعر بانني إن سافرت لن أعود أبدا إلى ... ،
وانا صغيرة كنت أحلم بان يكون لي حبيب له جزيرة بعيدة
أذهب عنده وأنعزل عن العالم ثم لا أعود .
لا أعرف سبب هذه الأمنية، هي أمنية وكفى ]] .
جزيرة ؟ حبيب ؟ بعيدة ؟
أليس هذا كله كثيرٌ على حمائم البيان والبلاغة والإبداع والخلود ؟ لماذا الإنزواء في جزيرة يا حبيبةُ وعلامَ حب العزلة يا ملاك والملائكة لا ينعزلون ولا يترفعون على البشر ولا يعلون ؟ يبقى الملاكُ ملاكاً ويبقى البشرُ بشراً فلِمَ إختيارك الإنعزال يا روحَ الكون وجوهر الكائنات ؟ كيف سأحبك وكيف سأواصل هذا الحب إذا ما علوتِ وابتعدتِ ونأيتِ عن البشر وأنا واحد منهم ليس أكثر ؟ أين آنئذٍ سألقاك وكيف سألتقيك وأنتِ في العلاء وأنا وأمثالي في الحضيض ؟ وهل سيحب الذي هو في الحضيض ملائكة السماء وإمرأة هي لوحدها تشغل أعلى مراتب العلاء ؟ إنها قسمةٌ ظيزى يا امرأة من خيال كالمرايا ومثل رسائل الإنترنت . قسمةٌ ظيزى فكيف رضيتِ أنْ تكوني الأميرة الملاك والحاكم غير العادل في نفس الآن ، كيف ؟ هل سأكسر المرايا شظايا شظايا وأحطّمُ أجهزة الكومبيوتر جميعاً على طريقة وفلسفة المرحوم الملا عبّود الكرخي حين قال : ساعةْ واكسر المجرشةْ / والعن أبو راعيها / ذبيتْ روحي على الجرش / مدري الجرشْ ياذيها.
فهل أنكفئُ على نفسي وعمري وزماني وأعتكفُ على المجرشة أطحنُ فيها بقايا عمري وأجترُّ فيها أحزاني وذكرياتي ورسائلي دوراتٍ دوراتٍ كما تدور طاحونة الحجر حول مركزها القطب وكما يدور حمار الناعورة مشدودَ العينين لا يدري أمتجهٌ في حركته أماماً أم إنه يدور في دائرة مغلقة عليه وعلى دنياه التي إظلمّت بغلق نور الحياة عن عينيه ؟ هل أجرش روحي ودنياي وأقدمهما عَلَفاً لهذا الحيوان المسكين المغلوب بجوعه وفقره وظلم الناس على أمره الدائر أبداً حول نفسه دونما هدف يدركه أو له فيه غاية ومكسب ؟ (( يفترْ عَكِسْ شُغل الفَلَكْ / دادةْ جميلْ شبدّلكْ ... من أغنية ليوسف عمر )) . شغل الفلك يفتر عكس ، أي أنَّ الزمان يدورُ معكوساً من الحاضر إلى الماضي فكيف يحيا الإنسان مثلَ هذا الزمان ، كيف ؟ كلا ، لا من مزاح مع الحمير . سأقدم مطحونَ وجريش زماني وحياتي وروحي ( لُقطاً ) لبلابل أٌقفاص وطيور جنات حبيبتي التي قست عليَّ ذات يوم في سَورة دلالٍ وطفرةٍ شبابية متأججة بنار وضرام صباها وغرور ما وصلت إليه من شهرة ووظيفة ومكانة وسُمعة . الطيور لا شكَّ أفضل من الحمير الدائرة حول نفسها ومحورها المرسوم أو المقسوم . الطيورُ تطيرُ في كافة الإتجاهات ولا تدورُ على محور ثابت حول نفسها . الشرقُ شرقُها والغربُ غربُها والسماءُ مفتوحةٌ أمامَها . سأقدّمُ إذاً مجروش أو جريش جسدي وزماني وروحي للحبيبة التي ظلمت ذاتَ يومٍ وقستْ فالظلمُ من شيم النفوس كما قال سيّدُنا أبو الطيّب المتنبي . نتقبل ظلمَ الحبيبِ وقسوته حتى وإنْ قال المتنبي :
واحتمالُ الأذى ورؤية جاني
هِ ، غذاءٌ تذوى به الأجسامُ
لا يذوى جسمي بظلم وجناية مَنْ قد أحببتُ . بالعكس ، إنه يتعافى ويسترد زمنه الأول حتى أيام فتوّته وصباه . الآنَ ، هل ستقبل المليكة المتغرّبةُ صحبتي والإقامة معي في جزيرتي النائية الواقعة في غرب المحيط الهندي ؟ ماذا لو أصابتها ظاهرةُ الحنين إلى الوطن وليس معي سفنٌ ولا زوارق بخارية تعود بها إلى وطنها الأصلُ؟ هل سأتحمّلُ شكاواها ووطأة حنينها لأهلها وبلدها الذي فارقت في ساعة خيال مغامر لا يعرف الحسابات ؟ هل سيكونُ مصيرُها مصيرَ طالبة جامعة الصداقة في مدينة موسكو ( فاء ) التي ضربها غرامٌ فجائي عاصفٌ مدمِّرٌ بزميلِ لها من لاؤوس فتزوجته وأنجبت بنتاً منه ثم حين أنهى دراسته وقررَ العودةَ إلى وطنه لم تشأ أنْ تصطحبه فتركها مع طفلتها التي كانت تحملُ إسم سميرة ؟ ثم ، ماذا عن الطفلة سميرة هذه ؟ تركتها والدتها في دارٍ للأيتام ومجهولي الآباء لأنها كانت مشغولة بالدراسة من جهة ، ولأنها لم تستطع مواجهة الناس بما حصل وبالطبع لم تُخبرْ أهلَها بما حصل . { الهوى والشبابُ والأملُ المنشودُ / توحي فتبعثُ الشعرَ حيّا . والهوى والشبابُ والأملُ المنشودُ / ضاعتْ جميعُها من يديا ... للأخطل الصغير بشارة الخوري } . فيا حبيبةَ ويا سيّدةَ جزيرةِ الأوهامِ والأحلام هلاّ تدبّرتِ أمرَكِ وأعدتِ النظرَ في مشروع مغامرتك الكبيرة ؟ ماذا ستأكلين في الجزيرة ولمن ستكتبين روائع قصصك ومن سيقرأها بعد غيبتك ورحيلك ؟
طيّب ، غضي النظرَ عن موضوع الجزيرة سواءً أكانت جزيرة مايوركا أو إيبيزا أو الكاناري أو الجزر البريطانية ... تعالي وشاركيني شقتي الصغيرة فإنها حقاً جزيرةٌ عائمةٌ فوق أحزاني وأحزان العراق وباقي البشر المعذّب المُمتَحن . ستجدين فيها جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة وستجدينها أفضل من نيويورك ولندن . ستمكثين فيها حتى لا تفارقينها حتى لو ضرب الزلزالُ مدينتك الأصل وانشقَّ القمرُ وكسفت الشمسُ . هنا معي مستقرك الأبدي ودار إقامتك ومربط قلبك الرقيق النابض بالإبداع القصصي والروائي . هنا الحب الذي تنشدين وهنا الحبيب الذي تتمنين وبه تحلمين . لا ضرّة لك في هذه الجزيرة ولا حماة ولا حاسدة ولا حسود . تعالي إذاً فأنت الأميرة وأنت ملاك ومليكة هذه الجزيرة .
{{ ما تنسمعْ رحّايْ بس إيدي إديرْ // أطحن بقايا الروحْ موش أطحنْ شعير }}.
[[ عندي نفورٌ من السفرِ ]] ... قالت ... علامَ النفورُ من السفرِ والناس عموماً تهوى الأسفار وتشتاق إليها ؟ السفرُ عدو الصدأ اللدودُ فمن يدمن السفرَ لا يصدأُ أبدأ { أي ما يزنجر ... بالعراقي الدارج }. السفرُ شررٌ يتقادح في أعماق النفس البشرية ... فرنٌ لا تنطفئ نيرانه ... نارُهُ أزليةٌ لا تحرقُ لكنها تُشفي العليلَ من علته وتعالجُ جروحَ الذين هدّهم الضنى والهوى . جربيه يا صبية فلقد تراكم تحت أديم روحك الكثير من الصدأ وما تُخلّفُ الجروحُ إذْ تشفى من أورامٍ لا تهدأ إلاّ بحكّها بالأنامل . جرّبي السفر . قالت بمنتهى الأدب محتجةً عاتبة : مع مّنْ سأسافر ومع مَنْ تُريدني أنْ أسافر؟ السفر الناجحُ بالرفقة الجميلة فمن ذا الذي ترشحه لرفقتي في أسفاري ؟ سؤال وجيهٌ لكنه مُحرِجٌ . مَن أرشّحُ ليرافقَ هذه المليكة النادرة المثال إذا ما قررت القيامَ بسفرة إلى مكانِ ما ؟ همستُ على إستحياءٍ : هل أرشّحُ نفسي لمرافقتها في سفرٍ أحددُ هدفَهُ وتفاصيلَهُ ؟ هل ستقبلُ بي رفيقَ سفرٍ ونحن غرباء لم نلتقِ في هذه الدنيا أبداً ؟ وماذا عن أهلها وذويها والقائمين بأمرها ؟ هل يقبلون لها رفقةَ رجلٍ غريب ما رأوه قط ؟ قالت أنا ناضجة وأموري كافة غدت منذ زمنٍ ملك يدي . الأهلُ يوافقون على ما أختارُ ولا يعترضون . هل معنى ذلك أنك لا تمتنعين من السفر معي ، سألتها بجرأة نادرة ؟ أغضتْ ، صمتتْ ولم تُجبْ . قالوا السكوت من الرضى ، فهل يعني سكوتها أنها موافقة على مشروعي ؟ قالت ، بعد فترة صمت ثقيلة طويلة : أخشى السفرَ معك ! لم أصمتْ طويلاً بل سارعتُ للسؤال لماذا ؟ قالت إنك تحبُّ السفرَ وأنك كثيرُ السفرِ وأنك لا تنفكُّ من ترداد شعرِ أبنِ زُريقٍ البغداديِّ :
ما آبَ من سفرٍ إلاّ وأزمعهُ
عزمٌ على سَفَرٍ بالرغمِ يُزمعهُ
تضاحكتُ مغبوناً لا مغلوباً على أمري ثم قلتُ : أنا يا مليكتي لستُ إبنَ زُريقٍ البغدادي . أنا حليٌّ من مدينة الحلة . غادر البغداديُّ بغداده طلباً للرزق في بلاد الأندلس وترك حبيبةً هناك لم تشفع لها دموعها في أنْ تُثنيه عن سفره فقال :
وكم تشبّثَ بي يومَ الرحيلِ ضُحىً
وأدمُعي مستَهِلاتٍ وأدمُعُهُ
أما أنا فكما تعلمين لا أطلبُ رزقاً من بلدٍ أو أحدٍ فأنا مقيمٌ منذ عقودٍ حيث أنا . تنهدتْ عميقاً ثم قالت : أقيمُ إذاً معكَ حيثُ تقيمُ . مكانُ إقامتك هو جزيرةُ أحلامي منذ طفولتي المُبكّرة . فكّرْ في الأمر . غبتُ عنها متوارياً لأنني عاجزٌ حتى عن التفكير في هذا المُقترَحِ . في طريق هروبي كنتُ أقولُ لنفسي وماذا ستجدُ ( بنتُ الحلالِ ) هذه فيَّ ولديَّ ؟ لا خيلَ عندكَ تُهديها ولا مالُ ... كما قال المتنبي . كيف أتخلصُّ من أمرٍ ورّطتُ بغباءٍ نفسي فيه ؟ هل أجدُ لها شخصاً مناسباً آخر يحلُّ محلي ويلعب الدورَ الذي تُريد أنْ ألعبَ معها ؟ هل أغيّرُ مظهري وأصبغُ شعرَ رأسي أو أضعُ مثلَ كافورٍ الإخشيديِّ باروكةً فوق رأسي وأقلّم حواجبي وأحملُ على الدوامِ معي [ مثل صديقي ز.د ] حبوب الفياكرا والسياليس ؟ أهذا هو الرجل الذي تريدُ عاشقةُ الجزيرة والعزلة ؟ الحياة يا حلوتي أكبرُ وأقوى من ميلك للعزلة وتجنّب باقي الناس فالإنسانُ حيوانٌ إجتماعيٌّ بالطبع والخلقة . حذارِ ثم حذارِ من العزلة ... إياكِ يا مليكة الأنس من التقوقع والإعتزال ، إياكِ إياكِ . أنتِ إمتدادٌ لهذا الإنسان وأنت كنتِ فيه منذ أجيالٍ وآجالٍ وأجيال فما جدوى العزلة وما جدوى الحياة في جزيرة جرّبها قبلك رجلٌ أندلسي ؟ أوليست الأرضُ اُمُّنُا ومهوانا ومدفننا الأبديُّ هي الجزيرةُ المثلى التي تبتغين ؟ إبقِ إذاً معي يا حبيبة ، إبقِ معي حيثُ أنا وشاركيني المقسوم لي في حياتي على هذه الأرض . لا تغادرينها ولا تغادريني فكلانا منها ونحنُ معاً إليها عائدون . غابت مليكةُ وغاويةُ الجزائر لتقومَ بعد حينٍ أمامي تمثالاً بحجم الفضاء الذي يفصلُ الأرضَ عن السماء . أردتُ أنْ ألمسَ ذيلَ فستانها فأبعدتْ كفي عنها . شعرتُ بخجلٍ بل وبشيءٍ من الوجل وتساءلتُ : أهذه هي أخلاقُ حورياتِ جنّاتِ الخُلد ومليكات السماء ؟ ردّت بأنفةٍ وكبرياء : لا أنا هذه ولا تلك ! أنا مثلك إنسانة لم تجدْ بعدُ مّنْ تُحب ولم تعثر على رجل يحبها فتعاليتُ على نفسي وعلى باقي البشر الذي عدّني منه رقماً فيه لكنه ظلمني ولم يجدْ لي مكاناً لائقاً بي أتمددُ فيه وأحقق نفسي وأبرر مسألة وجودي . الخيلاء هذا والكبرياء هما غطاء للتمويه ليس أكثر ... ثم راحت تغني بصوتٍ حزين شجيٍّ {{ ما تنسمعْ رحايْ // بس إيدي إديرْ // أطحنْ بقايا الروحْ // موش أطحنْ شعيرْ }} . لم تبكِ المليكةُ المغبونة لكنني أنا الذي بكى وأغرق الكون بالدموع !

ملحمة العشق..الجزء الثالث:هي تسكن ذاتي

ايمن يحيي‏

هي تسكن ذاتي
تملكني..تخرج آهاتي
هي نهر يروي شرياني
تمسح بيديها احزاني
عيناها وطني...عنواني
تملأ بالفرحه أوقاتي
هي تسكن ذاتي
هي حلم يأخذني
ويحلق بي عبر الاكوان
هي أجمل سيده شهد
بالحسن لها طير الاغصان
هي قمر أعشقه وينير حياتي
هي نسكن ذاتي
هي أم تقسو وتدلل
في حضن يديها
من عقدي أتحلل
هي نسمه صبح
تلفح وجناتي
هي تسكن ذاتي
أعرفتم من يهوي قلبي؟؟
أعرفتم من يعشق قلبي؟؟
هي مصر بلادي وحياتي
هي تسكن ذاتي

الثلاثاء، نوفمبر 24، 2009

الـتـمـيـيـز بـيـن الـبـشـر

هـيـثـم الـبـوسـعـيـدي

قضية "التمييز" بين البشر قضية متأزمة في جميع الاوطان والمجتمعات والدول مع تفاوت النسبة والمقدار من بيئة لآخرى، ولا تخلو بقعة على وجه الأرض من وجود تمييز بين أفرادها مع تعدد المظاهر وتنوع الأشكال من مكان للآخر، كما أن قضية التمييز بين البشر يمكن اعتبارها جرح أصيل ومشكلة كامنة في أعماق الذات الانسانية تتناقلها الجينات البشرية عبر الاجيال ولفترات زمنية طويلة تصل ربما إلى عشرات القرون.

ويمكن تعريف التمييز بأنه "شعور باطني" يجبر الإنسان على الاحساس بالفوقية والافضلية للعنصري البشري الذي ينتمي إليه سواءً على مستوى اللون أو الجنس أو الديانة أو على أي مستوى من الخصائص الإنسانية، ويتكون عن هذا الشعور سلوك ربما يكون عدوانيا في بعض صوره لأن الإنسان قد يعزز هذ الاعتقاد بوجود تمايز بينه وبين الغير والآخر، فتتشكل بعد ذلك نظرة مرضية هي أقرب إلى نظرة التفاوت بين الاجناس فيقرر المؤمن بهذه النظره أنه الأفضل وأن جنسه أعلى من جنس الآخر فيجد المبررات التي تدفعه نحو قهر الطرف الآخر ومحاولة الانتقاص من إنسانيته والحط من قيمته وكرامته، وربما يصل الأمر إلى الاعتداء والهجوم على الطرف الآخر بمختلف الطرق والوسائل.

وهنا نقسم أنواع التمييز بين البشر حسب المراجع التخصصية والكتب الحقوقية بحيث تندرج إلى ثلاث أنواع: (1) "التمييز الفردي" ضد فرد أو شخص بعينه وخصوصا عندما تختل العلاقة بين الطرفين ويختفي مبدأ المساواة في المعاملة.(2) "التمييز القانوني" دائما يظهر في حالة المنتميين لجماعة محددة أو فئة معينة تتقاسم مجموعة من الصفات والمشتركات، لذا يتم صناعة مجموعة من القوانين التي تحرم جميع أفرادها من الحقوق مثلما حدث للزنوج في الولايات المتحدة قبل عشرات العقود عندما حرموا من كثير من الحقوق كحقوق الملكية وحقوق العمل. (3) "التمييز المؤسسي" الذي يشير إلى عدم المساواة في المعاملة المترسخة في المؤسسات الاجتماعية الأساسية فيؤدي إلى إفادة جماعة واحدة على حساب جماعات أخرى.

وبعيدا عن واقع البشر فإن أغلب التشريعات الالهية العزيزة شددت على مبدأ المساواة بين البشر ومحاربة كل أنواع ومظاهر التمييز الذي قد تتمثل معانيه في عدة تسميات كالعنصرية والطائفية والمذهبية والقبلية، وتسمية العادل هي أحد صفات المولى عزوجل المرادفة لمبدأ "العدل" ذاك المبدأ الرئيس في الإسلام الذي بتحقيقه تسود المحبة والوئام والاتفاق بين أبناء الشعب الواحد لذلك يقال دائما العدل أساس الملك، كما أن كتب الأسلام الحديثة والقديمة شاهده على كثرة النصوص المقدسة التي دعمت هذا المبدأ فقد كانت ولازالت ترسخ في أذهان الناس تساويهم في الحقوق وأنهم كأسنان المشط، ولا فرق بين العربي والأعجمي إلا بالتقوى، حيث أن قاعدة "التقوى" هي المقياس الوحيد لتصنيف البشر ومدى قربهم أو بعدهم عن طريق الصواب والصلاح.

وتأتي بعد ذلك كل القيم والمبادئ والمثل المنادية بالمساواة بين البشر وعدم التفرقة بينهم وهي ترتبط من الناحية التاريخية بمناهج الأنبياء والأولياء والمصلحين، لكن رغم ما بذلوه هؤلاء العظام من جهود كبيرة وما قدموه من تضحيات مسجلة عبر التاريخ لأجل تطبيق كل ما ينتمي لهذه المناهج الخيرة فهي لازالت في "عالم النظريات" وبطون الكتب ولم تخرج من هذه الدوائر ولم تأخذ حقها بشكل كافي على أرض الواقع.

لكن الواقع في وقتنا الحاضر يشهد بوجود أشكال متعددة ونماذج جديدة من التمييز الذي أدى في بعض الحالات إلى انتصار "التفرقة" وغلبة الخلافات بين أفراد المجتمع الواحد وتعميق أمراض مزمنة مثل الحقد الطائفي والضغينة المذهبية والكولسترول العرقي، وهذا الأمراض اللصيقة بالتمييز لا تؤدي لهدم وتمزيق المجتمع إلى أشلاء مبعثرة وطبقات متناحرة فحسب بل تؤدي إلى تعميق الانتماء الفئوي وتكاثر الفئات ذات المصالح المتضاربة.

الأمثلة كثيرة ومتعددة على أشكال العنف الناتج من "أمراض التمييز" المستشرية بين أجزاء عديدة من شرائح وفئات البشر، فالأمر لا يقتصر على بلد دون آخر فقد تجد تمييز ضد هذا الشخص لأنه اسود وقد تجد تمييز ضد ذلك الشخص لأنه مهاجر كادح قادم من بلاد بعيدة نتيجة ظروف قاهرة اجبرته على الهرب وقد تجد تمييز أيضا ضد شخص آخر لانه لا ينتمي إلى دين أو مذهب الاغلبية في هذا البلد أو ذلك المجتمع.

وهذا "التمييز المصطنع" الذي يظهر بحلل جديدة في عالم اليوم صادر من أماكن ومواقع متباينة، فمثلا بعض سياسات وأنظمة الدولة تعتبر تمييز ضد مواطنيها حيث تحلل لهذه الفئة ما تحرمه على فئة أخرى وتبيح لهذا القسم من الأفراد ما لا تبيحه للأخريين، كما أن غياب القانون الصارم واختفاء الإداري الملتزم وضمور الحس الأخلاقي واهمال الوازع الديني وترك الأمور تسير بدون تنظيم ومراقبة في جميع مؤسسات الدولة فيما يتعلق بتصرفات المسؤولين في مختلف الهيئات العليا في النظام الحاكم هي بمثابة مؤشر قوي لغلبة المصالح الشخصية وتقديم رغبة هذا الشخص على الآخريين، مما يمهد لانتشار آفات أخرى مثل المحسوبية والفساد التي هي نتائج طبيعية للتمييز في التعامل بين مختلف المواطنين في البيئة الواحدة.

وقد تأطر الدولة هذا التمييز من خلال سن "قوانين جائرة"، وتظهر تلك القوانين بشكل علني أو خفي حتى تلزم بها جميع المؤسسات والمنظمات في جميع أجهزة وخلايا الدولة، فينعكس ذلك بصورة سلبية على أفراد المجتمع فيتكون بمرور الزمان اعتقاد لدى أبناء المجتمع باتجاه تثبيت هذا الشكل من التمييز بين جنبات المجتمع، وهذا بحد ذاته يدفع نحو تكوين تصرفات فردية وسلوكيات جماعية تحمل على عاتقها مهمة تطبيق تلك القوانين في عالم الواقع.

وهذا بلا شك له آثار كبيرة وعواقب وخيمة على المدى القريب والبعيد على مستوى الروابط والعلاقات والتعاملات بين أفراد المجتمع الواحد، وفي هذه الحالة فإن الدولة تلعب دورا خفيا في "صناعة التمييز" فهي تعطي الامتيازات والهبات لأفراد بعينهم فتخلق بعد فترة ما يسمى بنظام الطبقات فهذه الطبقة غنية مرفهة وهذه الطبقة فقيرة كادحة.

وهذه الحالة دليل قوي على أن النظام المكون لهذه الدولة يعاني من نقص كبير وخلل واضح، كما أن تلك الدولة تفتقر للقادة الحقيقيون وأصحاب الإدارة الصحيحة لأن النظام المكون للدولة قائم بالتأكيد على أساس "طائفي أو قبلي أو عرقي أو مذهبي".

وفي المقابل هناك تمييز آخر هو موجود بالأساس في المجتمع يمارسه الأفراد في جميع تعاملاتهم وتصرفاتهم وهو وليد الماضي بكل عقده ومشاكله حيث يمكن اعتباره أحد مخلفات التاريخ وأحد العيوب القاتلة في نسيج المجتمع لأن الأفراد تناقلوه فيما بينهم عبر "وسائط متعددة" كالثقافة والتراث والتربية وهي وسائل تغذي التمييز وتوقد نيرانه بمزيد من الصور والمظاهر.

فالأب عندما يحابي ابن دون آخر فهو يمارس التمييز، وأفراد المجتمع من فئة الرجال عندما يضطهدون المرأة ويهضمون حقوقها فهم يمارسون شكل قاسي من "أشكال التمييز"، والمدرس الذي يقترب من طالب دون آخر لاجل منفعة شخصية فهذا هو التمييز، والمؤسسة التربوية التي تهمل المتفوقين مقابل احتضان شرائح من الطلاب أقل مستوى فهي تمارس صورة من صور التمييز، وحالة الاعتداء الناتج عن تعصب المشجعين لهذا الفريق أو ذاك في مباريات كرة القدم تعتبر حالة من حالات التمييز، كما أن فرد المجتمع الذي يحمل في أعماق نفسه كمية كبيرة من الكره والحقد ضد أخوه المواطن المخالف له في المذهب والدين والطائفة قد يترجم هذه المشاعر بعد فترة إلى سلوك وتصرف شاذ فهو بالتالي يمارس صورة من صور التمييز.

ولا ننسى الوقوف في هذا المقال أمام نوع جديد وخطير من التمييز ظهرت أنيابه على السطح منذ فترة ليست بالقريبة، ويعتبر أنتاج جديد من "انتاجات التمييز" ضد البشر ونموج للتأخر البشري في مجال الحياة الانسانية في ظل النهضة التكنولوجية ألا وهو التمييز بين البشر على أساس المال وهو يقسم البشر لنوعين فقراء وأغنياء ويسعى إلى افقار الفقراء وأثراء الاثرياء، ففي هذه الحالة قيمة الإنسان ترتبط بما عنده من أموال وثروة، أما الفقير فلا قيمة ولا قدر له ولا مكانة في هذا العالم الجديد.

وفي ظل وحشية المؤسسات المالية وتصاعد الازمات الاقتصادية بين مختلف شعوب الأرض وتزايد سيطرة رأس المال واستسلام الحكومات والمجتمعات أمام هذا "المد الخطير" فإن هذا النوع من التمييز في أزدياد ونتائجه المخزية ستفرض نفسها بقوة على أرض الواقع.

ورغم ما شددت عليه الأديان والشرائع والقوانين الإنسانية المحايدة كما ذكرنا سابقا باتجاه تفعيل معاني "المساواة بين البشر" فإن التمييز موجود وبقوة في كل بلدان ومناطق العالم حتى هذه اللحظة والقارئ الجيد لما يحدث في الواقع ولسير الأحداث وحركة الحياة يدرك جيدا أن القوانين والتشريعات الموجودة فشلت في الحد من أشكاله وصوره على الرغم من جهود كثير من المؤسسات والمنظمات الحقوقية وعدم جدوى تأثير ما يسمى باليوم العالمي لمكافحة التمييز بين البشر، لذا أمام الناشطون في مجال مكافحة التمييز أشواط ومساحات لابد من قطعها لزيادة جرعات العلاج "لآفات التمييز" مثل المساوة في الحقوق بين جميع الأفراد في البلد الواحد والسعي نحو تقزيم ما يسمى بصور الاضطهاد ضد الآخر لأن الاضطهاد واضح مهما اختلفت صوره، فتارة يكون ضد الديانة المخالفة وذلك على سبيل المثال لا الحصر ما يحدث للمسلمين في الوقت الحاضر في بلدان الغرب ويتمثل في حوادث المضايقات ووقائع التحرش، وتارة ما يحدث من انتهاك لحقوق الاقليات الدينية والعرقية في كثير من الدول ومنها الدول العربية، وتارة يمنع الإنسان من الحصول على وظيفة في هذه المؤسسة لأنه من هذا الدين أو ذاك المذهب، وتارة لا يستحق المواطن هذا الامتياز لأن لونه أو عرقه مختلف عن بقية البشر المتواجدون في بقعة جعرافية محددة.

لذا "فمكافحة التمييز" تظل ممارسة ضئيلة وضعيفة على أرض الواقع ولازالت تحتل هامش بسيط من اهتمام أغلب المجتمعات والدول لانها غير مدركة للابعاد المختلفة والنتائج الايجابية لتراجع نسبة التمييز بين أفرادها وما هو الدور الحقيقي لمكافحة كافة الاسباب المؤدية لها المرض المستشري في جميع انحاء العالم.

عند هذه النقطة فإن "مسؤولية التمييز" ترجع بالأساس لأصحاب المصالح والمنافع الذاتية الذين ترعد قلوبهم وعقولهم من فكرة المساواة في الحقوق بين مختلف فئات وشرائح المواطنين لأن ذلك معناه تصدع مكانتهم المجتمعية واستلاب عوامل القوة والظلم التي يستخدمونها للتفرقة بين الناس وشق صف الوحدة بينهم حتى تنتصر مقولة فرق تسد وتبقى فترات زمنية طويلة تخدم مصالحهم الديكتاتورية.

أخيرا فإن "نسب التمييز" كما ذكرنا في أولى فقرات المقال تختلف من منطقة لآخرى فصور التمييز الذي تتعرض له المرأة والطفل وذوي البشرة السوداء وذوي الاحتياجات الخاصة والأقليات العرقية والدينية والمهاجرين في المجتمع الغربي الذي يتشكل – كما يقال- من دول قائمة على النظام والقانون والديموقراطية هي مختلفة تماما عن ما يحدث في العالم العربي، ورغم ما حققته بعض الدول الغربية فلازلت هناك جهود مستمرة ومبادارات شجاعة لتأسيس جمعيات جديدة ضد التمييز.

أما عمليات مكافحة التمييز في البلدان العربية التي لم تخرج حتى اللحظة من مرحلتها التكوينية في العقل العربي لأن العناصر الرئيسة للبلدان العربية " الفرد، المجتمع، الدولة" لازالت تستأثر بالسلطة المادية والمعنوية عند مواجهة الطرف الآخر وتستمر باداء كل أشكال التهميش والاقصاء ضده، بل تسهم في الترميم الدائم لممارسة شتى أنواع التمييز.

هذا بحد ذاته خلق صورة نمطية متدنية للواقع العربي وساهم في تكاثر "حروب التمييز" الملعنة وغير المعلنة وعطل عمليات البناء والاصلاح والنهوض والتنمية في كافة مجالات وأنشطة الحياة العربية.

ولا وجود فعلا في واقع الحياة العربية لحركة جادة توجه الجميع نحو المستقبل والامام في ظل غرق الجميع في مستنقع النظرة الدونية للغير والذي أسفر عنه بمرور الوقت غياب الوعي العام بمبدأ "الأخوة الإنسانية"، والذي يفترض بناء حس وسلوك المساواة في الكرامة الآدمية بين الناس، الأمر الذي سيجعل الجميع في مقبولية التسامح والتعايش فيما بينهم، وأن يكونوا في الواقع والحكم والقانون متساويين...وهذا ما يعتبر اليوم من أضغاث الأحلام في الواقع العربي.

الاثنين، نوفمبر 23، 2009

أنا المصري

محمد محمد علي جنيدي
يا ريت يا مصري ما تسلِّم

ولا تراهن على همَّك وتتألِّم

ومين يعرف!

ما جايز الحزن ما يطوِّل

ويجي اليوم..

تعيش اجمل من الأوِّل

مدام قادر تقول لأَّه

وقادر بردو تتحمِّل

مدام مُمكن تقول رأيك

وتتحاور وتتكلِّم

مَهُشْ مُمكن

يدوم الهَمِّ للآخر

ومُش مُمكن

مع صبرك تكون خاسر

تأكَّدْ..

إنَّ لا يمكن يضيع حلمك

تريخك كُلُّه من إيدك ومن كَدَّك

ولا تراهن على همَّك

واقول رأيك

بأعلى صوتك اتكلِّم

مدام من مصر يا مصري

هَتتقدَّم.. وهَتقاوم.. وهَتعلِّم

وهَتغني لكلِّ الكون

أنا المصري .. أنا المصري

مَهُشْ طبعي انَّ انا أبكي

ولا ف. طبعي انَّ انا استسلم

حتى لا يقود بادئ الرأي الأمة

زهير الخويلدي

" إن المغرب و المشرق ليسا معطيين أوليين أو وحدتين ذاتيتين أو منطقتين متمايزيتين يعكسان مفهومين للوحدة وتجربتين إقليميتين متباينتين بل هما جناحان لعالم واحد هو العالم العربي أو إن شئت العالم الإسلامي."[1] - د حسن حنفي

تبدو الأمة هذه الأيام في حاجة ماسة إلى بيان افتتاحي وقول فصل بعد أن ظهرت بوادر الفتور والارتداد عن المكاسب التنويرية الحداثية وبعد أن دبت روح الشقاق والانقسام ووصل الحال إلى تغليب مصلحة اللعبة على الانتماء إلى الملة وجعل ماهو ظرفي أمر رسمي و تحويل ماهو رسمي إلى أمر ظرفي. ولعل السؤال الأكثر إلحاحا بعد هذه القرقعات وبعد أن تلبدت سماؤنا بالغيوم هو: من نحن؟ أو يا ترى من نكون؟ ومن هم أصدقاؤنا ومن هم أعداؤنا؟ إلى أي حضارة ننتمي؟ وماهي الثقافة التي تخصني؟ وماهي الروابط التي تجمعنا بمن يقاسمنا الانتماء؟ وماهي آداب الانتماء؟

غني عن البيان أن الأمة العربية الإسلامية هي التي تمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي مرورا بالبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والبحر الأسود وبحر العرب والمحيط الهندي وتبدأ رمزيا من مراكش لتنتهي في جاكرتا ومن جبال القوقاز إلى الجزر والصحراء الإفريقية وتضم شتات من الجاليات الكثيفة العدد في أوربا وأمريكا الشمالية واللاتينية والوسطى واستراليا ولو انطلقنا من جملة الأديان التي تضمها والأعراق التي تتكون منها واللهجات واللغات التي تنطق بها والثقافات المحلية التي تغذيها فإننا نلاحظ أنها جميعها تدعو إلى التوحد والتكاتف و"التواصي بالصبر والتناصح بالحق" حسب عبارة البروفيسير أبي يعرب المرزوقي. ولا جدال أن كل من المؤتمرات ولجامعات والندوات والجمعيات قد تعثرت في رأب الصدع ولم الشمل ومنع تفجر النزاعات الحربية أو حتى المشاحنات الإعلامية والتحرش الاثني من طرف مستعلي على طرف آخر ولم ينفع التبشير بالحوار القومي الإسلامي وتدشين صفحات من الحوار العلماني -الديني والحوار اليساري- الإسلامي لكي يتم تفادي مثل هذه الانقسامات وإنهاء الخلافات وكأن قدرنا هو أن نتشرذم وننكفىء على أنفسنا ونسارع عجلة التفريط والتجزيء في ظل زمن معولم ملتهب يقوم على التكتل والتحالف وتجبيه القوى و الاقتصاد في المدخرات من الطاقة والمياه والرأسمال اليشري.

لكن السبب الرئيسي لهذه الموجة الشديدة من التشققات هو أن الذي يقود الأمة ويمتلك سلطة القرار يعتمد على بادئ الرأي وغير مكترث بصوت العقل ولغة الضمير ومهمل لمنطق الحكمة ونصيحة الواقع. لكن ماهو بادئ الرأي الذي انقادت له الأمة؟ وأليس من الضروري الآن العمل على تخليصها من الانقياد إليه وإعادتها إلى صراط العقل وهدي المنطق بماهو محك النظر وميزان العمل وقسطاس مستقيم؟

يقر الفارابي أن الملة تعلم الأشياء بالتخييل والإقناع ويحصل لها ذلك ولو كانت الأقاويل الاقناعية مغلوطة والطرق جدلية مبنية على مقدمات ظنية ويفسر ذلك أن الإقناع حصل بمقدمات هي في بادئ الرأي مؤثرة ومشهورة ومحل إجماع من الجمهور ومستمدة من المعارف المشتركة ولكنه يتعقب بادئ الرأي ولا يحمل المسؤولية للجمهور والملة وإنما للذين يعتمدون طرق خطابية دون توثيق ومع غياب اليقين وخاصة السوفسطائيين من بائعي الكلام ومروجي الشائعات وصانعي الدعايات المغرضة. وخطيئة هؤلاء أن جعلوا القوة الجدلية والسوفسطائية تتقدمان الفلسفة وما تمثله من تحري وتثبت وتعقل واتزان. ولو عدنا لما أصاب الأمة اليوم فإننا نجد أن السفسطة عمت الفضاء العمومي واكتسحت منابره وفقدت الأنظمة عقلها وبرز روح ثقيل ينزع نحو التدمير والهيمنة والاستئثار ويقضم ما تبقى من ذيله ويستهلك نفسه.

إن بادئ الرأي لا يعنى الدهماء والسواد الأعظم والسوقة والأغلبية الصامتة ومثل هذه التصنيفات تنم عن أرستقراطية معرفية مضللة ونظرة طبقية مقيتة ولكن يعني الشعب الكريم والحشد والناس والجمهور الذين هم في حاجة أكيدة إلى التنوير الآخر وآخر التنوير ومتلهفون إلى الحريات والتمتع بالحقوق من أجل استعادة الإنسانية التي فقدت منهم بفعل فاعل السلطة والاستقطاب الإيديولوجي والثقافة الآثمة.

إن إعادة التفكير في مفهوم الأمة هو أحسن الطرق الممكنة من أجل الرد على هذه الموجة من التشويهات التي تعرض لها الإنسان في حضارة اقرأ والآتية ويا للأسف من الداخل المصاب بالزكام والمانع لكل هواء نقي يريد الدخول إلى أروقة الذات لكي يجدد لها شبابها ويبعثها من رقادها.

ماهو منطقي أن كل التشنجات تنتهي وكل سوء التفاهمات تزول وكل الحروب تخمد وكل التنازلات تلغى وكل التراجعات تسرد وكل الأشياء النفيسة الضائعة تسترجع وتبقى الأمة شامخة مواصلة المسيرة دون كلل أو ملل وذلك بفضل سواعد أبنائها وتضحياتهم واعتصامهم بعقولهم وبضمائرهم وإرادتهم الصلبة.

إن حضارة اقرأ لا تهتز ولا تتهاوي بفعل حفريات في كهوفها الجغرافية ومواقعها الأثرية طالما ظل الأمر القطعي الذي أسسا حيا منبعثا مدويا في السماء تتلقفه الأفواه وتنظر بفعله العيون إلى النصوص باحثة عن المعاني متصورة للأفكار بالعقول تسطر بالأيادي ما اختزنته الذاكرة وباح به الوجدان.

ان ثقافة العرب والمسلمين ليست كتلة واحدة متجانسة ولا وحدة أقنومية جامدة بل منظومة تعددية ونقطك التقاء بين ثقافات جمة وهذه التعددية هي التي تجعلها عصية عن كل تقوقع أو تشظي وهي ما انفكت تتفاعل مع مكوناتها ومع كل العناصر الوافدة من المحيط الذي يلفها. وفي الحقيقة هناك علاقة جدلية عميقة وغامضة بين المعنى الديني والمعنى الاجتماعي التاريخي للأمة في التكوين النفسي الثقافي الذي تحمله المجتمعات العربية من تاريخها الطويل، القديم والحديث."[2]

ان المطلوب ليس التنكر للعروبة ولا التملص من الإسلام حتى نبرأ أنفسنا من ذنوب ارتكبها غيرنا عن جهل وقلة تبصر وحتى ننتمي إلى الراهن ونواكب روح العصر وناما نمنح العروبة السرد اللازم لجعلها تصنع التاريخ الخاص بالمعمورة دون تمركز أو وله ذاتي ونطلق عنان الاجتهاد في القرآن والحديث لننتج تنويرا أصيلا ونفضي المكان لميلاد الإنسان بكل ما يحتمله من فردية وشخصانية وآدمية.

إن الخطر الذي يهدد الأمة ليس الخارج النيوكلياني ولا اشتداد الصراع بين دعاة التقليد ودعاة التجديد ولا امتلاك بعض الجهات الاقليمية عناصر القوة والمنعة فهذه علامة صحية وتصب في اتجاه استئناف التجدد الحضاري ولكنه يوجد في الداخل ويتمثل في هذا الجحود بالصلات والروابط والاستخفاف بالقريب وشيطنة الشريك وتجريم الحليف وإقصاء الصديق والتغافل عن التحديات والمهالك وإلغاء آداب الصحبة وواجب الأخوة، فكيف نصير أشداء على بعضنا البعض رحماء مع من يبحث لنا عن المضرة؟ وفي ظل التبجح بالقطرية والتمييز بين القومية والوطنية والكونية أليس من الضروري البحث عن شروط لبناء كيان سياسي فيدرالي فعلي بين مكونات الأمة؟ ألا ينبغي إعادة طرح إشكال الوحدة وتراوحه بين الإقليمية والاندماجية؟ ألم يقل عابد الجابري في ذلك الحوار الشهير مع حسن حنفي:" ما أريد أن أخلص إليه أن فكرة الوحدة هي اليوم في حاجة إلى إعادة تأسيس في الوعي العربي."[3]؟ فما أحوجنا اليوم إلى حوار بين مثقفين والى وحدة ثقافية بين مكونات الأمة تخرجنا من مغالطات بادئ الرأي وتعيدنا إلى حديقة العقل وأنوار المدنية والتقارب؟ أليس الانتماء إلى المقاومة ومناصرة القضايا العادلة للأمة هو وحده الذي يبعد شبهة التعصب إلى المذهب أو الاثنية الطائفية؟

المراجع:

حسن حنفي- محمد عابد الجابري، حوار المشرق والمغرب،نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي، مجد بيروت 1990

ناصيف نصار، مفهوم الأمة بين الدين والتاريخ، دار الطليعة بيروت، طبعة خامسة، 2003

[1] حسن حنفي- محمد عابد الجابري، حوار المشرق والمغرب،نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي، مجد بيروت 1990 ص51

[2] ناصيف نصار، مفهوم الأمة بين الدين والتاريخ، دار الطليعة بيروت، طبعة خامسة، 2003 ، ص 13

[3] حسن حنفي- محمد عابد الجابري، حوار المشرق والمغرب،نحو إعادة بناء الفكر القومي العربي، مجد بيروت 1990 ،ص49


تلعنكَ نطفة ميلادي

يُسْر فوزي


تركع حانياً
تلملم بقايا أوراقِ التوت
تستجدي رحيقاً تلظى
أتى على عناقيد الصدف المكنون
تطلب مني أن نحيي جنون الفصول
بعد سنوات من القحط و الجوع
تشهد على موت كروم العشق

تلعنكَ نطفة ميلادي
وسادة الأحلام..
خاليةٌ من ريش النعام
وتغريد الطيور
وعناقيد الكروم
تناجي مطر السماء
تروي ظمأ الأرض..
من ماء الأحزان

أعانق صمت الليل
أرقب صوت حوافر الخيل
تدكّ صقيع الألم
أحمل حزن الغيم للسماء
أنتحي ركناً قصيّاً
أتلو تراتيل المحبه
وأناجى ترانيم المطر
لعل شذى الزهور يفوح
رائحة العدم تسحقني
ضحكة السراب تعلو
تقذفني مصلوبةً..
في طالعي الفلكي
ويمزّق غيمَ السماء..
سكينة احتضار الجروح

تهمس رجولتك المطعونة
ضقت هجرا
الطيور فى مواسمها تعود
والحجر من تحت الركام يعلو
وتزهر فوقه الورود
تترنّح تحت أذيال صومعتي
ظامئ الثغر
تتضور..
لتلثم بقايا العهود
تتوسّل سماء الوجد..
لتمطر حبّات الوصل..
من بعد جحود
أعمدة الدخان
تلتهم قلبك المتعب
أنهكه العيش..
تحت ظلال صدِأة
و قرر أن يستكين

رويداً..
ما خطبك؟
مقاليد سلطانك..
أزهرت جراحاً..
أضرمت حنيني نارا
و سيمفونية الأحلام..
استأنست دقّ الطبول
لم يبقَ سوى رماد منفوث..
فوق أطباق الطحالب
تذوّقه..
لعلك تسأم نبش القبور
فسعير جفاؤك
لا تتفتّح على لظاه الزهور

إبنتي

ميمي أحمد قدري

إبنتي الحبيبة...
اجلسي هنا واسمعي
هذه وصيتي لك اليوم وغداً
وفي كل يوم أت :
أخرجي من عباءة أبيك ولا تنحني
أنا أحببتك...فأحبيني مثلما احبتني أمي
ومثلما احبني ابي.....أحبيني
أشعلي البريق في عينيك ولا تخجلي
أخرجي النور من قلبك ولا تتمنعي
قبلي يدية .... قبلي وجنتية
قبلي بين كتفيه ولكن لا لا تنحني
سيري في الطريق ولا تترددي
امسكي القلم واكتبي...أكتبي...واكتبي
فالكتابة نور........ ولغير الله لاتنحني
فأنا امك احبك
أنت لي وأنا لك...أحبيني
اخرجي النور من قلبك
أدخلية قلبي.........واحبيني
فأنا مت من زمن
ودفنت وكُتب على قبري ما يقول :
أحييني
خذي بيدي وانفضي عني التراب
وطهريني واكتبي
ولا تنحني
اخرجي من عباءة أبيك ولا تنحني
سيري في الطريق ثابتة ولا تترددي
إنما لا تنحني
كي لا يضيع الطريق...ويختفي
لا لا لا...لا تترددي
اِقْدِمي وأحبيني
أحبيني

يَوم العيد

نعمان إسماعيل عبد القادر
كنتُ إذا جاءنا الأضحى، أفرحُ لمقدمه فرحًا كبيرًا لا يوصفُ، وأبتهج لتكرّمه علينا بزيارته لنا مرّة كلّ عامٍ ليخبرنا أنه لن يغيب عنّا الدّهر كلّه حتى ولو غبنا عنه، ولن ينسانا أبدًا.. تأخذني نشوةٌ كامنةٌ في داخلي.. تغمرني غبطةٌ روحانيّةٌ وتغمر أطفال الحارة من حولي؛ فقد كنّا ننتظر قدومه بفارغ الصبرِ ونتساءل عن سبب تأخّره عنّا.. حتّى إذا ما تأكّدنا من موعد زيارته خرجنا نتغنّى بأغانٍ توارثناها عمّن سبقونا، ونلبّي مثلما يلبّي الحجيج، ونكبّر كما يكبّر المصلّون. كنتُ أهيّء نفسي ونخرج بعد أن يؤذّن المؤذّن لصلاة الفجر سويًّا؛ لنتجمّع قرب شجرة بلّوطٍ كبيرةٍ قائمةٍ في وسط الشارع فننطلق في مسيرة صغيرة نحو مقبرة الشهداء نحمل المشاعل لتضيء لنا الطريق، والمصاحف لنتواصل مع أعزّائنا وننير بها قبورهم أو لنمحو عنهم ببراءتنا خطاياهم وما اقترفته أياديهم. وكنا متى نصل أرض المقبرة يتشتت جمعنا ويلتفّ كل واحدٍ فينا حولَ قبرٍ يسكنُه مَن كُنّا نُعزّه في مَحْياه ونتمنى ببساطتنا أن يرجع إلينا من مماته ونشرع في قراءة سورة يس ونجتهد في إتمام سورة البقرة وختم الزيارة بسورة الفاتحة. ومع انبلاج الضوء واقتراب موعد طلوع الشمس تنهمك بعض النسوة في توزيع حلوياتٍ صنعتها بأيديهن وتقديم ما تجود به نفوسهنّ من قطع نقديّةٍ جمعتها على مدار شهرين متتاليين، إلى الصبية والمتسوّلين الغرباء.
يا لروعة العيد ورهبة الموقف وبهاء تلك الساعة حين نسمع أصوات المصلين تصدح بالتكبيرات والتهليل، وحناجرهم تمدح الأنبياء والمرسلين، وقلوبهم تتجه نحو قبلة المؤمنين الموحّدين.. فنقفل راجعين إلى البيوت كأننا عائدون من حجٍ مبرور كَفَّرَ اللهُ فيه ذنوبنا وغفر لنا سيئاتنا. كنّا ننتظر الأضحية انتظارًا حارًّا مضطربًا فيذكّرنا أبي بسنّة أبينا إبراهيم الخليل وولده إسماعيل ثمّ تتجلّى أحزاننا وتتجهَّم وجوهنا وتنقبض قلوبنا على الخروف الذي بذلنا من أجل تربيته، أقصى جهودنا فصار رفيقًا لدروبنا عزيزًا علينا يشاركنا في ألعابنا ومسلّياتنا.. نتذكّر أو نذكّر بعضنا الأيام التي فيها، حملناه في صغره بين أيدينا وحضنّاه في أحضاننا وقبّلناه بشفاهنا.. كم داعبناه وقدّمنا له المأكل والمشرب ليته لم يرحل عنّا.. وما هي إلا سويعاتٍ حتّى ينطلق بنا قطار العيد إلى بيوت أعزائنا وأصدقائنا وأرحامنا...
يا لِبَهْجَتِنا الَّتي فاقَتْ كُلَّ بَهْجَةٍ في الدُّنْيا رِفْعَةً وَاسْتِكْبارًا..
يا لِعيدٍ تَلأْلأَتْ فيهِ أَنْوارُ السَّعادَةِ مِنْ عَلْيائِها
وَتَنَزَّلَتْ فيهِ الرَّحَماتُ وَنَسَماتُها
يا لِعيدٍ فَرِحَتْ لَهُ كُلُّ الْخَلائِقِ وَانْهَمَرَتْ
فيهِ، دُموعُ الثَّكالى وَالْيَتامى وَمَنْ رَحَلوا
عَنِ الدِّيارِ وَالأَوْطانِ فَانْتَشَروا
في كُلِّ فَجٍّ كُلِّ وادٍ وَافْتَرَشوا
رَمْلَ الْبَوادي بَيْنَ الزَّواحِفِ وَالْتَحَفوا
غَيْمَ الْفَيافي.. بَرْدَ اللَّيالي.. فَتَضاحَكَتْ حَشَراتُها..
يا لِعيدٍ فارَقَ الأَحِبَّةُ مِنْ إِخْوانِنا، وَارْتَفَعَتْ
أَرْواحُهُمْ إِلى عَرْشِ خالِقِها وَانْتَهَتْ
في السِّدْرَةِ الْعَلْياءِ جَلَّ باريها...
أَلا لَيْتَ الزَّمانَ يَعودُ يَوْمًا فَنُوافيهِ كَيْفَ صارَ الْعيدُ فينا..

الأحد، نوفمبر 22، 2009

إحتضار الظل

أفين أبراهيم

بكل الضعف الذي يعتريني
والوجع الذي ُيقًطرني
أُعلنُ جبروتي ...على عشقك الأستثنائي
ألقاكَ بحيرتي العمياء
تقتربُ كالوجع العذب...
لتستحضرَ أنوثتي حد الأشباع
عارياً تأتي كنيساني...
تتنفس بي أجزاء الزمن...
تخطُ برد الأستفهام

تلملمني كحفنةِ حنانٍ...
توقد بها وجودكَ الإضراري
في حنجرتك ...
تستوطن الأحلام
مازلتُ أتوسل جبروتي...
أرتبُ هروبي ...في شرخ الصوت
أختصٌر لهفتي ...في عبث اللقاء
أتراشقُ الحب
بين أناملي المختبئة
في أزراركَ الفقيرة
تقتربُ كالوجع العذب...
منقوعٌ بثمار الشوق المنكسر
كل الآنَات ... من مسامك تنهمر
واضحٌ كقطرة ماء...
تتكىءُ على نجومٍ تعثرت ...
بثنايا جروحيَ المهترأة
ترسمُ مضجع الحلم فوق الماء...
تجففه ببقاياك الكئيبة
تحمله كطفلٍ... في ذاكرتك
تعجنه...
برائحة طعام أمك
لهاث الضبابِ ينتظر...
هامشي المتعطش ...لأيام الياسمين
أتمسكُ بجبروتي...
أسكبكَ في مساحة الحضن
لتنتهي معجزةً ضئيلةً
أخوض بها حربي مع الظل
أقطع أوردة الحقيقة...
وأجتث قلبي النابض بك
أُحِيك همسات الرحيل...
لأصعد سلم موتيَ المؤجل
تضيق بي كل الزوايا
تغرقُ أسطورتي...
في صمت المرايا
فيُلوَثُ الألمُ وجهي المتباسم
عندما يتناثر ظلك الأخير
أتشربُ دموعي
أتمنى ...
أن لا ألقاك ثانيةً

الولايات المتحدة الأمريكية
evinabbas@hotmail.com


السبت، نوفمبر 21، 2009

تَحِيَّةٌ.. إلى خَالدٍ بْنِ الْوَلِيد

محمد محمد علي جنيدي



إلَى خَالِدٍ قَلْبِي يَذُوبُ اشْتِياقَا

يَحِنُّ إلَى مَاضِيه يَدْعُو الرِّفَاقَا



يَهِيمُ ويَشْكُو اللهَ فِي ضَعْفِ قَوْمِنَا

وَنَفْسِي لِسَيْفِ اللهِ تَرْجُو الْلِحَاقَا



رَأيْنَاه حِينَ الْفَتْحِ يَهْوِي كَصَخْرَةٍ

عَلَى صَنَمِ الْعُزَّى فأضْحَى دُقَاقَا



رَأيْنَاه فِي يَوْمِ الْيَمَامَةِ قُوَّةً

لَنَا وَعَلَى الْبَاغِينَ كَانَتْ حُرَاقَا



رَأيْنَاه نَحْوَ الْفُرْسِ مَاضٍ ودَاعِياً

لِدِينٍ ودَينُ اللهِ كَانَ اعْتِنَاقَا



رَأيْنَاه فِي الْيَرْمُوكِِ سَدّاًً مُرَوِّعاً

وحِصْناً لَنَا في مُؤْتَةٍ وانْطِلاقَا



فأضْحَى بِحَوْلِ اللهِ سَيْفاً بِحَدِّهِ

أحَالَ دِمَاءَ الْكُفْرِ بَحْراً دِهَاقَا



فَذِكْرَاه ظُفْرٌ لِلْمَدَى وَهْوَ فَخْرُنَا

وإسْلامُه الْمَيْمُونُ كَانَ الْوِثَاقَا



تَحِيَّةُ إجْلالٍ إلَى نَوْطِ مَجْدِنَا

وَيَا لَيْتَ يَبْنِي الْقَوْمُ مِنْهُ رُوَاقَا



فإنِّي رَأيْتُ السَّيْفَ لِلْحَقِّ مُظْهِراً

وأنَّ هَوَانَ النَّفْسِ يُجْنِي الشِّقَاقَا



فَيَا أُمَّةَ الإسْلامِ مَا ضَاعَ حَقُّنا

ونَحْنُ بِحَبْلِ اللهِ نَرْجُو الْوِفَاقَا


الجمعة، نوفمبر 20، 2009

مجنون مريم

د. عدنان الظاهر

(( ملأتِ سما قلبي عشقاً وأرضَهِ ... / مجنون ليلى لأحمد شوقي ))
(( ملأتِ الأرضَ حبّاً وسمائي / مجنون مريم ))
تعالَ تعالَ يا مجنونَ إبنة عمك ليلى . تعالَ وشارك مجنون مريمَ فيما يُعاني من حبّه الجديد العاصف العاتي . تعالَ واشهد معاناة القرن الواحد والعشرين ، قرن الزلازل والصواعق والإحتلال . تعالَ تعالَ فليس في الوقت متسعٌ تعالَ تعال . تعالَ قيس أخي تعالَ فإني في إثركِ على خطو المحال . كنتَ ترى وتكلم حبيبتك ليلى لكني لا أرى ولا أكلّم حبيبتي مريم ولم أرها إلا في صورة وحيدة يتيمة يحسدني عليها العامةُ والأصدقاء المندائيون . قال لكنَّ عمّي طردني شرَّ طردةٍ واتهمني أني زرتُ دياره لأشعلَ فيها ناراً واللهُ يشهدُ أني ما زرت تلكم الديار إلاّ لأقبس منها ناراً فلقد [ خَلَتْ من نارِنا الدارُ ] . وما كان موقف حبيبتك ليلى من تلك الزيارة ؟ قال إنها رحّبت به وأمرتْ وصيفتَها عفراءَ قائلةً [ خذي وعاءً واملأيه لأبن عمّي حطبا ] . تنهدّتُ وتحسّرتُ ورفعتُ عينيَّ نحو السماء ضارعاً فسحّتْ دموعي مدراراً . رقَّ المجنونُ قيس على حالي وتعاطف معي فجفف بطرف كوفيته ما تساقط على وجنتيَّ من دموعٍ ثم أخرجَ من خُرجٍ بالٍ كان يحمله على كتفيه قطعةَ خبزٍ جافة وتُميراتٍ من أردأ تمور بلاد نجد وفرشها على الرمل وقال كلْ ما رزقَ اللهُ ولا تَهُنْ يا عاشقُ ولا تحزنْ فنحنُ العشّاقُ المساكينُ المعاميدُ أفضلُ خلق الله وأشرفهم وأنظفهم وكذلكَ نحنُ الأعلون في الدنيا والآخرة والآخرةُ للمتقين العاشقين التائهين الفاقدين عقولهم وشؤونهم لا يملكون في دنياهم حتى شروى نقير . كنتُ منهمكاً بطعامي البائس لأنني لم أتناول لفترة أسبوعٍ طعاماً لذا ما كنتُ أفقه معنى ما كان يقول صاحبي المجنون ، مجنون ليلى . شبعتُ خبزاً أقوى من الصخر مُملّحاً برمال نجدٍ وبعرور وادي ثقيف [ بدلَ عنصر اليود ] فتجشأتُ بصوتٍ عالٍ ثلاثَ مرّاتٍ وحمدتُ اللهَ ـ الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواه ـ على ما أسبغَ على عبده المجنون التائه بين البلدان من فضلٍ ونِعَمٍ سابغةٍ . ماذا كنتُ أريدُ أكثر من ذاك ؟ صديقٌ زاهدٌ مثلي مجنونٌ بليلاه طعامهُ جامدُ الخبز كجلمودِ الصخر وبعضُ الساقط من بلح بلاد نجدٍ ورملٌ يُغنيني عن الملح المعتاد وناقةٌ بيضاءُ كريمةُ الأصل والفصلِ يردفني مجنونُ ليلى وراءَه في حِلّه وترحاله . القناعةُ كنزٌ لا يَفنى . قال صاحبي كريمُ الأصل والنفس هل أقصُّ عليك مفصّلاً مأساتي مع إبنة عمي الثريِّ الذي طردني ورفضني زوجاً لإبنته ليلى ؟ قلت له كلّا ، أعرفُ المقتلَ من ألفهِ إلى يائهِ . قرأنا قصيدة أحمد شوقي في المدارس المتوسطة وشاهدنا على المسارح مراراً أوبريت مجنون ليلى من تلحين محمد عبد الوهاب . بدل ذلك قصَّ عليَّ مواقفَ ليلى منك بعد رفض أبيها وتوجيه الإهانات البذيئة لك . أفلمْ تفكّر ليلى بالهرب معك [ نهيبةً ] وترك جحيم الحياة مع أبيها ؟ الحياةُ مع الحبيب المهتوك المفلس أفضلُ من نعيم الحياة مع أبٍ قاسٍ لا يعرف الحب ولم يجرّبه في حياته . قال إنها بكل تأكيد كانت تفكر في هذا الأمر ولكنَّ المسكينة كانت موضوعة تحت حراسة مشددة وإقامة إجبارية في بيت أبيها يحيط بها عبيدٌ سودٌ غِلاظُ الشفاهِ مدججون بالسلاح يتطايرُ الشررُ من حدقات عيونهم لو رأيتهم لوليّتَ منهم هرباً . ما رأيُ حبيبتي مريم التي سلبت عقلي وصيّرتني قيسَ زماني الدمقراطي الوحيد القُطبِ والقرنِ ؟ هل جرّبتِ يا حبّي ومليكةَ أقداري وباقي عمري ... هل عرفتِ أو جرّبتِ الحب ؟ قالت أفضّلُ الكتابةَ على الكلام فكتبتْ رسالةً قصيرةً بلغة لا يفهمها مجنونُ بني عامر [[

أحببتُ أنْ أجيبك عن سؤالك هنا قبل أن أخلد للنوم :
هل عرفتْ مريمُ الحبَّ في حياتها ؟
نعم ، عرفتُ الحبَّ لكني لم أتعلّمه ،
لاني كم وددت لو فعلته لربما تفننت فيه
و إلا لا داعي لأنْ أحُبَّ أو أُحَبُ .
تصبح على حب
كل القبل
مريم ]] .
فاجأني صاحبي مجنونُ بني عامر بقوله إنه فهم ما كتبت مريمُ العذراء على سعف نخلة أبيها ولو إنه لا يعرف اللغة التي كتبتْ بها . كيف فهمتَ إذاً ؟ قال من حركة شفتيها إستطعتُ فكَّ ألغاز لغتها التي حسبتها عصيّةً على فهمي . الجنونُ فنونُ الجنونُ فنونُ ... أخذتُ أردد حتى ضحكتْ ضيفتُنا ـ اللغزُ ولم تصدّقْ ما إدّعى مجنون ليلى . سألتني وهل تحملُ يا مَنْ جُنِنتَ بي مثلَ ما يحملُ قيسُ العامريُّ من عِلمٍ وحذاقةٍ حيّرتا عقلي ؟ قلتُ كلاّ ، كلاّ لشديد أسفي . الجنون ، جنون العشقِ والعاشقين سيّدتي درجاتٌ ومراتبٌ متدرّجة تماماً كما هو الحال مع المتصوّفة وعالم التصوّف . قالت ألهذا يُسمّى المتصوفةُ مجانين ؟ أكيد ، أكيد يا سيدتي ومَن بيدها نفسي وأنفاسي ودقّات قلبي .
لمّا كان قيسُ العامريُّ أميّاً لا يقرأُ ولا يكتبُ ، كلّفني أنْ أكتبَ بإسمه رسالةً لإبنة عمّه الغليظ القلب . سرّني تكليفه هذا لأنه وضع تحت تصرّفي فُرصةً ثمينةً لأخاطب فيها حبيبتي مريمَ العذراء بدل ليلى . سأضع إسمَ مريمَ كلّما تطلّبَ الأمرُ ذكرَ إسم ليلى . ثم إنَّ لي في بابلَ حبيبةً طردني أبوها حمورابي فهمتُ على وجهي لا أعرفُ ليلي من نهاري ، طعامي الدغلُ والشوكُ والطرطيع وسعف النخيل الأخضر. فقدتُ من الجوع وزني حتى غدوتُ كواحدةٍ من جراد صحاري نجدٍ وبادية السماوة . يممتُ وجهي شرقاً وأسرفت في التوغل شرقاً حتى بلغتُ القطب الشمالي حيثُ وجدني بعض المغامرين ومستكشفي الأقطاب هالكاً هيكلاً عظميّاً فحاروا في أمري . المهم ـ إنحرفتُ عن الموضوع الرئيس ـ مسكت القلم فكتبتُ والمجنون يدنو مني ويدنو ويدنو مادّاً بوزه الطويل ليرى ما أكتب . كتبتُ [[ صباح البهجة والأنوار الظاهرة مثلي والمخفية وراءكِ في مرآتك ، مرآة حجرة نومك وعالم أحلامك وسياحات رؤاك الليلية خلال ساعات رقادك الهني إذْ يتهيأ لي كأني أقف على رأسك حارساً أمينا وملكاً كريماً حريصاً على متابعة حركات صدرك زفيراً وشهيقا ... صدرك العالي المقام والهيبة الذي لم يخلق صانعه مثيلاً له . هنا في حجرة نومك أحسبك كالنائمة ... أحسبكِ لأنني عاجزٌ عن تخيّل وتصوّر هيئتك أثناء النوم واضعةً كفَّ يدك اليمنى تحت ورود جنّات خدّك وجفناك يحرسان نور السماوات في كواكب عينيك الآسرتين فأسرحُ وأتخيلُ وأتيهُ لا أدري كيف أتصرّفُ في حضرة آلهتي ومعبودتي وحبيبتي النائمة في واقعها ـ الصاحية في تخيلاتي وأمنياتي وظنّي ؟ كيف أُطيقُ رؤيتها نائمةً حبيبةُ وجودي وجامعةُ الأرباب والألهة فيها شخصاً ووجهاً وجسداً هو الهيكل المقدّسُ الذي أتقرّبُ بالأضاحي والقرابينِ له وأسفك دمي بعضاً من نذوري وعهودي له ثم أحجُّ إليه شهراً إثرَ شهرٍ لألتمسَ أركانه وأمسحَ أهدابَ وأجفان عينيَّ تبركّاً بما يغطيه من أردية وإحراماتٍ ثم أرفعُ رأسي إلى الأعلى لأرى هل أنا في حُلُمٍ أمْ أنا يقظان وإني حقاً مع الحبيبة ـ المثال ـ الربّة ـ مريم التي آوتني وأطعمتني من رطب نخلتها وأدفأتني بحرارة رحم جسدها وأرضعتني لبنَ صدرها الربّاني المقدّس ؟
كيف حالك اليوم يا حبيبة ؟ هل إستأنفتِ الدوام في المعهد ؟ كيف قضيّتِ عطلة نهاية الأسبوع المنصرم ؟
صورتك جسداً ووجهاً وعينين تملأ فضاء بيتي ثم الفضاء الألماني بل وكل فضاءات الكون السرمدي ، فهل عرفتِ الحبَّ يا نبيّةَ النبيّات وسيدة الكائنات ؟ ما الفرقُ بين أنْ تعرفينه وأنْ تتعلمينه والمعرفةُ علمٌ كما تدرين ؟
ومتى لي تكتبين فشوقي لك لا حدودَ له .
عدّون / عدّون جنّات عدنكِ ... طفلك الظمآن للبن صدرك فاسقيه قبل أنْ يفارق الحياة ... ويتحرّقُ رغبةً وشوقاً لسكّر تمور نخيلك القرآنية وعسل ونبيذ ثغرك وخلاصة رمّان وبرتقال لسانك . أسعفيه سريعاً وإلا فإنه نافقٌ لا مَحالة ]].
وضعتُ القلمَ وحررتُ يدي لأمسحَ ما تراكم من عرقٍ على جبيني بذيل عباءة صاحبي الأميِّ . قال : إقرأ ما كتبتَ . فوجئتُ حقّاً بهذا السؤال . الرجلُ بدويٌّ وهذا لسانٌ عصريٌّ . فضيحة ! قرأتُ ببطءٍ وتوأدةٍ لكي أتنبّهَ فأتحاشى ما يزيدُ من ورطتي مع هذا المعتوه . تابعتُ قراءة الرسالة على مهلٍ ويدي على قلبي خوفاً مِنْ أنْ يبطشَ بي هذا البدويُّ الفاقدُ شأنه وعقله إذا ما اكتشف حقيقة أمر الرسالة . أنهيتُ قراءتي لكني لم أجرؤ على رفع رأسي لأرى ردود فعل صاحبي على ما كتبتُ بإسمه لحبيبته ليلى . تململتُ بحذرٍ شديد ثم قويّتُ عزمي وعزيمتي المنهارة ورفعت عينيَّ صوبَ صاحبي فيا للعجب ! أخيراً خدمني الحظُّ النادر الوقوع ! رأيتُ صاحبي نائماً فجهّزتُ نفسي وغادرتُ المكان دون إحداث صوتٍ أو ضجّةٍ . إعتليتُ ظهر ناقته البيضاء من غير سوءٍ ضارباً في عرض الصحراء لا ألوي على شئ . المهم أني أنجزتُ المهمةَ على أكملِ وجهٍ وبلغتْ رسالتي مسامعَ حبيبتي مريمَ وليذهب المجنونُ العامريُّ وإبنةُ عمّهِ إلى حيثُ ألقتْ رحلَها أمُّ قشعمِ .
[[ ملاحظة في زمنها : لا تصلُ رسائلي على كثرتها لمريمَ لأسباب أجهلها. أما تلفونها فأصمُّ أبكمُ ميّتٌ أو كالميت فما العملُ وما الحلُّ ؟ ]].
أجاب قيس العامري : لك اللهُ يا مجنون مريم ! إصبرْ كما صبرتُ على بلواك .

خمس قصص قصيرة جدا 1


محمد شوكت الملط

(1)
كراهية وحب
أخبروه بأن عددا من الأشخاص يكرهونه ... أجابهم ...بأنه يعرفهم فردا فردا...استغربوا....دُهشوا...اعترضوا... قالوا له...لماذا لاتبادلهم تلك الكراهية؟...بثقة رد عليهم...أنا لاأعرف أن أكره أحدا...وليس لدى وقت أضيعه...فى ذلك.
(2)
تفاخر وديون
تفاخر أمام زوجته ...بأنه دفع أجرة السفر لخمسة من زملائه...كانوا برفقته ...فى رحلة عمل إلى القاهرة....أطعمهم أحلى المأكولات...فى أفخر المطاعم ...سقاهم المشروبات الساخنة ...والباردة...غالية الثمن....لمدة ثلاثة أيام...بعد أن أنهى كلامه...بأدبها المعتاد...أخبرته زوجته ...بأن مصاريف الدروس الخصوصية لأولاده ...لم تُدفع منذ ستة أشهر ماضية .

(3)
منصب مرموق

وعدوه بمنصب مرموق...إذا ترك طريق الدعوة... وإنضم الى الحزب الحاكم ...إنها شهوة نفس ...لم يمهلهم كثيرا من الوقت...وافقهم...سلخ نفسه ... من ماضيه...تبعهم ... جعلوا منه نجما للفضائيات ... يسب إخوة الأمس ...يمدح من كانوا أعداءه ... بعد أن أدى دوره المطلوب...على أقبح وجه...لم يستمر الحال على ما هو عليه...استبعدوه...تجاهلوه...أغلقوا فى وجهه... كل أبوابهم.
(4)
البُن المنسى
فى صبيحة اليوم التالى... لمناقشة رسالة الدكتوراة...التى نالها ...بتقدير ممتاز...مع مرتبة الشرف ... لم يزل منتشيا بعبارات الإطراء والمديح ...من الأساتذة العلماء اللذين ناقشوا الرسالة ...ومن العديد من النخبة المثقفة .. ومن جمهور الحاضرين ...صاحت زوجته فى وجهه ... موجهةً له فاصلا من الألفاظ القاسية... لأنه نسى أن يأتى لها بالبُن الذى تحبه ... لإنشعاله بتلقى تهانى المحبين .
(5)
سألوا راعى الغنم عن السبب فى أنها سمينة وجميلة ...أجاب لأنها تأكل الشعير.. ردوا بوحشية : أتأكل الشعير فى وقت الحرب ...أنت مخالف لقانون الطوارىء ... استولوا على الغنم ...وزعوها على أنفسهم...بعد عدة أيام مر راع ٍ آخر.. أتأكل غنمك كسرات الخبز الجافة ..ونحن فى وقت الحرب!! ...الراعى الثالث الذى علم بماحدث لزميليه.. أجاب بأنه يعطى لكل غنمة مصروفها... وكل واحدة تشترى ما تشتهيه من طعام .

ليس لهذه الجوهرة موعدٌ للرحيل

عبدالله علي الأقزم

و حملتُ قبركِ بين أضلاعي أنا

فعلمتُ كيفَ تـُحطَّمُ الأضلاعُ

و علمتُ كيف تعيشُ فيكِ ملاحمي

سُفناً و يُبدِعُ مِنْ صداكِ شراعُ

و علمتُ أنكِ لا تصيدينَ الدُّجى

إلا و فيهِ مِنَ الشِّباكِ شعاعُ

ما جاورتـكِ يدُ الذليل ِ و ظلُّها

مِنْ دون ِ عزِّكِ لعنة ٌ و ضياعُ

ما حطَّمتكِ العاصفاتُ و إن طغتْ

بجميعكِ الأمراضُ و الأوجاعُ

أنتِ انتصاراتُ السَّماء ِ على الثرى

و المبدعون على خطاكِ قلاعُ

و عليكِ واجهةً لكلِّ تألُّق ٍ

و عليكِ مِن ظلِّ الرَّحيل ِ قناعُ

و عليكِ تتصلُ الورودُ ببعضِها

شعراً و يقطرُ مِنْ شذاكِ يراعُ

كوني بأجنحةٍ رحيلاً مورقاً

و صداهُ ذاكَ الفنُّ و الإبداعُ

كوني كما شاءَ الجمالُ روائعاً

و بها جميعُ المبدعين أذاعوا

ساءلتُ غرفتكَ الجميلةَ هل هنا

لم تـنقلبْ برحيلِكِ الأوضاعُ

هلْ كلُّ أشياء الفراق ِ هنا نمت

ألقاً و ما ليدِ الخريفِ تُبَاعُ

هلْ أنتِ لي وطنٌ يُرتـِّلُ للمدى

ما لمْ يُرتـِّل للرياح ِ شراعُ

أنتِ الرُّجوعُ إلى الحقائق ِ كلِّها

و يزيدُ منكِ ثراؤهُ الإرجاعُ

و تعيشُ فيك جواهرٌ لا تـُنـتـَقى

إلا و أنتِ لها النقاءُ طباعُ

عيشي كما عاشَ الزلالُ و ما لهُ

غيرُ الزلال توهُّجٌ و صراعُ

هيهاتَ يمحوكِ الفناءُ و أنتِ في

محو الفناء إعادة و قلاعُ

الخميس، نوفمبر 19، 2009

أطفالنا ينتعشون بالأدب أكثر من البيتسا والماكدونالدز

نعمان اسماعيل عبد القادر
القصةُ والأغنيةُ والمسرحيةُ... ألوانٌ أدبية تتعامل معها الأمُ في بيتها، والحاضنة في روضتها، والمربية في مدرستها، والطفل في غرفته.. ألوانٌ تنوّعت وتعدّدت بتعدد كُتّابها ومبدعيها، وتناغمت مع تناغم رسوماتها ومصمميها. كلّما بكى طفلٌ أعطيناه نصف عمرنا بل كلّ وقتنا وغنّينا له بأصواتنا العذبة، وكلّما نام طفلٌ حرصنا على راحته فصمتنا من أجله وصمَّمْنا على السير على أطراف أصابعنا حتى لا نوقظه فنعكّر صفو منامه.. نعم باتت الأمهات أغلبهن في عصرنا يحرصن على إيجاد ما يساعد على تعليم أبنائهن وتدريبهم على الاندماج مع الكبار في حياتهم اليوميّة ومساعدتهم في تطوير مهاراتهم النطقية والحركيّة والفكريّة، بتكثيف الإرشاد السلوكي والعقلي بنيّة الوصول إلى نتائج مرضية.. مَن مِن الأمهات لا تفرح حين ترى ابنها يقف أمامها لأول مرة على قدميه.. ومن منهن لا ترضى أن يزداد عدد الكلمات التي ينطق بها طفلها في أول نطقه.. ومن فيهن لا ترغب أن يصنع ابنها المجد لنفسه ويرفع من شأن مربيته. وتشير جميع الدراسات أن للأدب دور كبير في تنمية الطفل روحيًّا ومعنويًّا، فكريًّا وأخلاقيًّا، اجتماعيًّا وتربويًّا، وتوصي بإيجاد سبلٍ لتوعية الأمهات لضرورة التوجّه نحو الأدب والإكثار من استخدام كتبٍ للأطفال حتى يكتسب الطفل القيم التربوية اللازمة وتوجيهه نحو الأفضل وتهيئته للاندماج مستقبلا في الحياة العامة ليكون مواطنًا صالحًا منتجًا مفيدًا لمجتمعه لا عبئًا ثقيلاً عليه، وحتى يكتسب من الموروث الثقافي والحضاري والقومي والديني ليسوغ منها هويته التي يعتز بها.
إن أجمل شيء تقدمه الأسرة الأوروبية لابنها في عيد ميلاده كلّ عامٍ أو لتهنئته على شفائه إذا ما مرض هو "كتاب للأطفال"؛ لأنها تتطلع من وراء ذلك إلى تزويده بالغذاء الفكري الذي يعود على ابنها بالفائدة وتولي له أهميّة كبيرةً حتى يصبح في أعلى سلّم أولوياتها. إنّ تحبيب الطفل للكتاب واجبٌ مقدّسٌ في عصرنا الذي أخذت فيه أمتنا تعزف عزوفًا شاذًا عن القراءة وتتجه نحو التزوّد بأصناف غذاءٍ من نوع البيتسا والماكدونالدز والشاورما في الوقتٍ الذي تتباهى فيه الأمم الأخرى بكثرة قرائها ووفرة علمائها وغزارة أبحاثها وجودة إنتاجها وقوّة اقتصادها وانخفاض معدّل الجرائم والبطالة فيها، بينما تتفشى مظاهر العنف فينا وتتعدد أشكالها وتتطوّر أساليبها لتتلاءم مع متطلبات العصر لتسير في خطٍّ متوازٍ مع الابتكارات والانجازات العلمية التي يحققها الآخرون من الشعوب الأخرى هذا عدا عن تقدّمها البطيء الذي يكاد لا يذكر بالمقارنة مع تقدّم باقي الشعوب. أنا لا أنفي ولن أنفي وجود شريحةٍ لا بأس فيها في مجتمعنا من الأمّهات اللائي يقدّمن لأولادهن أرقى ما في الأدب وأروع ما أنتجته قرائح الشعراء وأنقى ما أصدرته دور النشر، لكنني أودّ أن أذكّر بالمثل القائل: درهم وقاية خير من قنطار علاجٍ.. وما أعظم ذلك المثل في عاميتنا الفلسطينية القائل: حين يلقي مجنون حجرًا في بئر، نحتاج إلى ألف عاقلٍ من أجل إخراجه منها.. ولتدارك أمر سقوط الحجر في البئر ينبغي العمل من الأساس ومنذ البداية على خلق أجواء مناسبة وظروف جديدة لتشكيل سورٍ واقٍ يقي الأبناء من الانزلاق إلى الهاوية. وللأم الدور الكبير الهام في تنشئة طفلها وتربيته وتهذيب أخلاقه التي يتفق علماء النفس جميعًا على أنها مكتسبة ومنقولة لا موروثة، بيئية لا وراثية.
من أجل تحبيب الطفل في الكتاب لا بد من توفير الكتاب له وقراءته أمامه باستمرار ومشاهدته والتمعن في مكوّناته وصوره ورسوماته حتى يلمسه الطفل ويشعر بوجوده عن قربٍ قبل أن يسمع عن وجوده من غيره من زملائه في المدرسة.
أَذكُر حين كنّا صغارًا كانت أمّي تحدّثنا قصصًا كثيرةً متنوّعةً، منها المستمدّة من التراث والحضارة العربيّين، وأغلبها مستمدّة من أساطير خرافيّةٍ لقوى غيبية خارقة مخيفةٍ متواترة تجعلنا نغمر وجوهنا خوفًا من ظهورها لنا كالغول والجنيّة والساحرة. ومع كلّ هذا كنّا نتشوّق لسماع الجديد منها من القصص الأخرى. وكنتُ إذا وجدتُ نفسي وحيدًا أعدّ النقاط الكهربائية الموزّعة في حيطان الغرفة أو سقفها حتى استدعي النعاس إلى عينيّ فتأخذني الغفوة التي أبحث عنها. فأين نحن من كتب الأطفال في ذلك الوقت. علينا أن نحمد الله ألف مرة في اليوم والليلة على تحسّن ظروف عيشنا وعلى وفرة الكتب بالمقارنة مع الأيّام التي كنّا لا نجد فيها قصة واحدة ولا نملك ثمنًا لها إن وجدت ولم نجد كاتبًا واحدًا يُعنى بشؤون الأطفال كما يُعنى بها أدباؤنا اليوم في جميع تخصصاتهم الفكريّة. ولهذا حريٌّ بجميع الأمهات التفكير والتوجّه والاطّلاع على أصناف هذا الأدب واختيار أفضلها قبل التوجّه لاختيار أصناف الطعام الشهيّة. وحيّا الله هؤلاء الكتّاب.
naamankq@yahoo.com

الـقـصـة الـقـصـيـرة ومـهـارات الـقـاص المـمـيز

هيثم البوسعيدي

تقديم القصة القصيرة على صورة منتج أدبي إلى القارئ ليس بالأمر السهل فهو عمل مجهد وصعب للغاية، فالقصة أشبه ما تكون بالمنتج الذي يقدم للزبون فأما تجذبه جودة المنتج أو يدفعه تواضع النص للبحث عن منتج جديد في مكان آخر حتى يشبغ غروره ويذكي ذائقته.

وبما أن فن كتابة القصة القصيرة من أحدث الفنون في عالم الأدب، فقد تدافع كثير من الكتاب لممارسته رغم صعوبة أدواته وكثرة العابثين بقواعده.

لذا فإن الممارسة الجيدة لهذا الفن تفرض وجود قاص ماهر صاحب قدرة فائقة على الإلمام بجوانب وخصائص القصة وصهر مكوناتها على صورة حروف وكلمات وجمل تتسلل خلسة إلى قلب القارئ وتكبل تفكيره فتلزمه بقراءة النص حتى آخر حرف في القصة.

ومقدرة القاص المميز تكمن في حياكة نسيج القصة واقتناص الأفكار والحفاظ على وحدة البناء وتقديم وجهات النظر والمعلومات التي يختزنها في ذاكرته الحية بطريقة تسلسلية وبحس عميق وبأسلوب أدبي مكثف ومثير للاهتمام.

يستوجب هذا انتباه القاص لمرتكزات القصة الرئيسة: الشخصية واللغة والحادثة والفكرة واستحضار عاملي الزمان والمكان حتى يتمهد الطريق نحو انسيابية طرح الأفكار وسريان الأحداث فتصبح عملية السرد سهلة وعميقة.

وكتابة قصة يستوجب وجود قلم مميز يستطيع طرح أعقد الرؤى وتفسير أصعب القضايا واستجلاب الدلالات اللغوية التي تمزج الخيال بالواقع فتظهر الأفكار والأحداث المنسوبة للقصة بشكل مؤثر وخلاب.

وحتى تكون عناصر مثل البداية والنهاية والعقدة والحل على درجة عالية من العناية والتكثيف والتركيز، فإن القاص الجيد هو من يمسك بعناصر الكتابة جيدًا حتى يستطيع أن يفرغ على الورق كل ما يدور بداخله، فيضمن بذلك وصول هدفه إلى القارئ في سهولة ويسر.

وما سبق يدفعنا للأقرار بالامكانيات الهائلة لمن يتقن هذا النوع من النصوص لأن التجربة الحياتية ذات أثر مهم ومصدر خصب في تشكيل العالم القصصي للقاص، كما أن اتقان كتابة القصة وضمان علو قيمتها الأدبية تأتي نتيجة الاستفادة من تجارب الآخريين من مبدعين وكتاب حتى ولو لم ينل القاص نصيبا من الدراسة الاكاديمية، إضف إلى ذلك فإن عوامل مثل ملكة التفكير العميق والقدرة على التخيل واختلاق المواضيع والأحداث وجلب الصور الراسخة في الذاكرة تعتبر خطوات هامة في تشكيل قدرات ومواهب القاص.

أخيرا هناك نجاح آخر للقاص لا يدركه القارئ أثناء قراءة القصة - كما يشدد عليه بعض الكتاب – أنه الجهد الذهني والنفسي الذي يبذله القاص - على سبيل التضحية- تأكيدا لمصداقية وشفافية النص وهذا يتطلب معايشة المشاهدات الحية والمواقف الإنسانية الصعبة، عندئذ نجد القاص الجيد يتقمص شخصية إنسانية آخرى بعيده كل البعد عن عالمه الخاص ويغوص في اعماقها ويتأثر بكل ما يحيطها من مؤثرات وتفاعلات في موقف وحدث معين، مع المحافظة على توافر كل الوسائل الضرورية لممارسة فن القصة القصيرة مما يسهل في النهاية عملية نقل الفكرة والحدث على طبق من ذهب إلى القارئ.

الأربعاء، نوفمبر 18، 2009

أحداث تدمي القلب

يسرية سلامة

شجعت منتخب مصر ليس لفهمي قواعد لعبة كرة القدم لكن بدافع مصريتي لأن مصر هي عشقي السرمدي، ومواطن القوة في شخصيتي، تاج رأسي، ترابها كحل عيني...وأحسست في منتخب بلادي رمز للعزة والكرامة والإباء، ليس لمصر فحسب وإنما لكل العرب.. كنت أشعر بأن انتصار مصر هي نصر لكل عربي .. كنت افرح عندما يحقق أي فريق عربي فوز في أي دورة أولمبيه، صحيح أنني أفضل أن يكون منتخب بلادي هو الأكثر سطوعًا وبروزًا وتألقا، لكن مشاعر الوحدة العربية كانت تدفعني لأن أرى مصريتي في عروبتي .

أساتذتي..أكذبتم علي منذ الصغر؟ علمتموني الوحدة العربية ...علمتموني معنى العروبة، وحدة الدم، اللغة والتاريخ وجوار الأرض...أين كل ما علمتموني إياه؟ أين هو؟ وأين منه جمهور الجزائر عندما لا يتوانى الكثير منهم في الاعتداء على الجمهور المصري في السودان الشقيق ...
أهي فعلاً لعبة كرة؟ أم أمور أخرى؟ وأحقاد دفينة أزاح عنها الستار لعبة كرة ؟
لا تقولوا أمثال هؤلاء إخواني...ليس أخي من يقتل أهلي ويستبيح دمي... هم يرسلون أصحاب السوابق ومسجلي الخطر يشترون الأسلحة البيضاء للإعتداء على جزء من دمي في السودان، ونحن المصريين بكل نقاء نرسل الفنانين والمثقفين والنخبة.
انزلقنا وسقطنا في الهاوية بسبب لعبة، اصبحنا أضحوكة للغرب، فلتضحك إسرائيل من الوحدة العربية.
مصر فضلها على الدول العربية لا ينكره إلا كل جاحد، قلبي يعتصر ألمًا على المصرين الذين كتب عليهم الشقاء في كل مكان، المصري يضرب ويهان ويسب في الشقيقة السودان من الشقيقة الجزائر، أهم شقيقات حقًا أم إخوة من حرام؟ الإنسان المصري الذي مات دفاعًا عن أي دولة في الوطن العربي، يهان ويلحق به الأذى حد الموت الآن بفعل عربدة البعض بعد هزيمة كروية لمنتخبنا الوطني .. كيف كان الحال لو حققنا الفوز في هذه المباراة ؟... هل كان سيرجع إخواني في توابيت؟ ولنردد في الآن نفسه نعم العروبة، وعاش التضامن العربي !!
خسارتنا أمر وأعمق من خسارة "ماتش" كرة، إنها حقائق تتضح، ووجوه لم نراها من قبل تكشف عن نفوس مريضة حاقدة، وعن انعدام قيمي لم يسبق له مثيل .. الليلة قاتمة بكل المقاييس، وستبقى أحداثها وصمة عار على من تسبب بها، وستبقى بكل أسف بقعة سوداء في تاريخ العلاقات العربية وروح العروبة والتضامن والوحدة .
قلبي مع إخواني المصريين في السودان، ولن يهنأ لي بال إلا عندما أجدهم على أرض مصر سالمين من كل أذى ان شاء الله .. ما يدمي القلب أن تشعر كعربي بأنك تهان وربما تقتل بيد أخيك العربي، وأنك لست آمن على نفسك على أرض عربية، ليس لسبب سوى بفعل حاقد متعصب لا يعرف معنى للإنسانية والروح الرياضية، ولا حتى أبسط القيم الأخلاقية .
أعاننا الله على هذا الزمان، وأعان مصر وشعب مصر على المتربصين بها وبمكانتها، ومهما لحق بنا من أذى ستبقى مصر شامخة بأبنائها وتضحياتها وبعطائها الذي لن ينضب أبدا، وسأفتخر بمصريتي حتى آخر العمر .

YOUSRIA_SALAMA@YAHOO.COM

الكتابة ورحابة المحلي


محمد العناز

افتتحت شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا برنامجها الثقافي لموسم 2009- 2010 بالحلقة الحادية العشرة من سلسلة تجارب إبداعية، وذلك يوم الجمعة 13- 11- 2009 بقاعة الندوات بالمؤسسة نفسها. وقد استضافت لهذا الأمر الناقد والروائي المغربي د. شعيب حليفي ليعرض تجربته المتميزة في الكتابة أمام حضور مكثف من الطلبة والأساتذة والمبدعين. وقام بتأطير اللقاء الباحث الشاب د. عبد الرحيم الصليعي الذي بسط في كلمته مختلف المحطات التي مرت منها تجربة الكاتب المحتفى به، مع الإشارة إلى أهم إنجازاته في مجال الكتابة الروائية والنقد.

تناول بعد ذلك الكلمة د. شعيب حليفي، فاستهلها- وفي نوع من التلقائية والشفافية- بالحديث عن نشوئه وسط منطقة الشاوية وما تتميز به طبيعتها البدوية من احتفاء بالكلام وصناعته والتفنن في إخراجه في هيئات مختلفة وألوان متعددة، ليعرج بعد ذلك إلى التطرق إلى تشربه فتنة الكلام وصنعته من التصاقه بجذوره البدوية مفتخرا بما أمدته تربيته وسط الفلاحين من شغف بالكتابة عنهم وعن عوالمهم بكل ما تزخر به من سحر ورحابة. لم يقتصر د. شعيب حليفي في رد عنايته بالكلام إلى أصوله البدوية، بل عمل على مطارحة مسألة الكلمة وقوتها وما تتميز به من سلطة لا تضاهيها أية سلطة أخرى عادا حرفة الكتابة نوعا من السلطة الموازية، لكنها سلطة تمنحه القدرة على تكليم الحلم من خلال اللغة وممكنات الصورة. وعد شعيب نفسه مماثلا في الكتابة للصوفي في ملاءمة كلامه مع روحه وباطنه وللثوري في فضحه الخفي.

انتقل بعد ذلك شعيب حليفي إلى وسم نفسه بكونه كاتبا محليا توسعيا؛ أي أنه انطلق في البدايات، وهو يحاول ممارسة الكتابة من الالتصاق بمكان التنشئة الأصلي "أولاد سليمان" ليوسع بعد ذلك منظوره المحلي كي يشمل الشاوية برمتها. فهو كاتب لا يكتب إلا من خلال ارتباطه بجذوره. لكن ذلك كان يحدث انطلاقا من غنى الحياة وتعدد مداخلها، لذلك عد نفسه شخصا مثل كل الناس والغيوم والغابات يحيا وبداخله عشرات الأشخاص، منهم الكاتب والفلاح والأستاذ والمواطن والأب والساكن والمتمرد.

بعد أن حدد شعيب حليفي تصوره لذاته في علاقتها بالكتابة انتقل إلى عرض تجربته الروائية عبر نصوصه: "مساء الشوق"، و"زمن الشاوية"، و"رائحة الجنة"، و"مجازفات البيزنطي" و"أنا أيضا". وإذا كان شعيب حليفي في الروايات الثلاث الأولى يميل إلى الالتصاق بالمكان المحلي وتاريخيته، فإنه في روايتيه "مجازفات البيزنطي" و" أنا أيضا" يجنح إلى جانب ذلك إلى الاهتمام بسؤال فعل الكتابة؛ حيث يبدو الإلحاح على التجريب مطلبا قويا بما يعنيه ذلك من انكباب على مسألة الذات.

ولم يفت شعيب حليفي أن يشير إلى مرحلة الصمت التي انقطع فيها عن كتابة الرواية لإحساسه بأن التجربة التي خاضها في نصوصه الأولى قد استنفذت الحاجة إليها؛ ولم يعد إلى ممارسة الكتابة الروائية في نصيه الأخيرين إلا بعد أن ألح عليه سؤال الذات في علاقته بالمجتمع. كما ألمح إلى تجربته الجديدة التي حاول أن يدرجها في نمط اليوميات حيث يتجه به صوغ الكتابة إلى التقاط الظرفي والعابر، أو الاحتفاء بالجزئي ويجعل من ذلك معبرا نحو الكل من دون هوس بالحبكة. وكأنه في ذلك يسعى إلى الاحتفاء بالحياة في جريانها من ارتهان بما يجردها في محططات سابقة تكبح دفقها الحيوي. ومنم ثمة عد رحلته مع السرد مغامرة مع لعبة التخييل وطرائق التعبير المتنوعة، الشيء الذي جعله يتحول قي الكتابة من النص الذي يُكتب كاملا وقد تُصوِّر من قبل إلى النص الذي إلى النص يُكتب في أجزاء وفصول منفصلة تتخللها فترات زمنية متقاربة أو متباعدة. هذا التحول هو ما يسم تجربته الجديدة التي تتطلب من القارئ أيضا أن يقرأ نصوصه انطلاقا من الجزء نحو الكل، والعكس وارد أيضا.

انتقل شعيب حليفي في الشطر الثاني من مداخلته إلى بسط أهم المحطات التي سلكها في تجربته النقدية، فعد كتابه الأول ذا صلة بالبحث العلمي وفرصة لتملك أدوات البحث في الفانتاستيك كقيمة وموضوعة. أما كتابه الثاني فهو تأسيسي عبر فيه عن رؤية نقدية تعبر لجنس الرحلة السردي في الأدب العربي البحث، وكانت غايته منه محددة في ضبط الأشكال التعبيرية المميزة لهذا الفن. وتناول في الكتاب الثالث الرواية العربية وهوية العلامات والعتبات والتأويل من خلال مساءلة مجموعة من النصوص العربية. وفي الكتاب الرابع "مرايا التأويل" حاول شعيب حليفي استنطاق تاريخ النسيان والتخييل والحكاية والمجتمع وأشكال توظيف الذات.

حاول شعيب حليفي، وهو ينهي عرض تجربته في الكتابة، أن يختتمه باستخلاص عام أقرب إلى الحكمة منه إلى أي شيء آخر قائلا: " إن النصوص التي نكتبها فيها الكثير من أحلامنا إننا كائنات تحيا وسط الرموز".

بعد أن أنهى المحتفى به كلمته تدخل الناقد عبد اللطيف محفوظ ليشير إلى تميز سعيب حليفي بكتابة تجمع بين الوضوح والعمق الفكري مما يجعل علاقته بالقراء متسمة بالتواصل بعيدا عن التعقيد. كما وصف كتابة المحتفى به بتمتعها بقدرة هائلة على التركيب بين توجهات نظرية متعددة في وجازة تامة على المستوى النظري، وبين نصوص مختلفة على المستوى التطبيقي. هذا إلى جانب الجدة في الطرح والنزعة الموسوعية. ولم يفت عبد اللطيف محفوظ استخلاص ما تتميز به روايات شعيب حليفي من خصوصية مؤكدا على ارتباطها بما هو محلي، وعلى أن محلية نصوصه لا تعني انقطاعها عن الصلة بالعالم. فهي تسعى إلى التعبير عما هو وطني وعربي وإنساني من زاوية المحلي. وانتقل بعد ذلك إلى التجربة الجديدة لشعيب حليفي على مستوى السرد، والتي أطلق عليها تسمية المذكرات الشهرية، وعدها شكلا جديدا في التخييل السردي المنفتح على الحقائق المعيشة للكاتب، ولفت الانتباه إلى تميز لغة هذه المذكرات بالشفافية والقدرة على التعبير بسلاسة عن تفاصيل وأحداث تستعصي على اللغة.

كتاب لـ أندرياس فون بولوف - الـ سي آي إيه و11ايلول 2001 والإرهاب العالمي ودور أجهزة الاستخبارات



عرض د.مهند العزاوي
ترجمة: د. عصام الخضراء وسفيان ألخالدي

شهد العالم العربي والإسلامي فوضى سياسية وإعلامية بعد أحداث 11 أيلول 2001 واستهدفت العالمين العربي والإسلامي خصوصا بعد أن شرعت وسائل الإعلام الأمريكية والدوائر السياسية وبسرعة فائقة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة وربط الاتهام بالرئيس الراحل صدام حسين كراع للقاعدة في تضليل واضح وتوظيف المشاعر المتعاطفة مع الضحايا تمهيدا لغزو أفغانستان والعراق المخطط لهما منذ أعوام تسبق الحادث , وكانت تلك الحادثة هي الشرارة الأولى لبدء المرحلة الثانية من لحرب العالمية على الإرهاب على لسان الرئيس الأمريكي السابق بوش بعد أن نادى بها الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان وأفضت إلى تجريم الولايات المتحدة الأمريكية من قبل المحكمة الدولية بإرهاب القوة وباستخدام القوة اللاشرعي ضد نيكاراغوا , وبذلك أصبحت أحداث 11 أيلول حصان طروادة لحروب الشرق الأوسط في أفغانستان والعراق, ونحتت مصطلحات وشعارات إعلامية دعائية ذات منحى سياسي وحربي لتغلف المشهد الحربي القادم وينمط العرب والمسلمين بالإرهاب بما يتوافق مع فلسفة "صموئيل هنغتون" والذي يعلن الحرب العالمية على الإسلام, وشهدنا الكثير من العروض المسرحية لتسويق مشاريع استعمارية لتفتت العالم العربي والإسلامي ومنها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يفضي بسيادة استعمارية أمريكية كونية للقرن الحالي وبدفع صهيوني , وقد أقرته مجموعة القرن الأمريكي الجديد كمشروع كوني للهيمنة على العالم عام 1998في ظل تعاظم النزعة العسكرية الأمريكية وانفرادها كقوة عسكرية الأولى في العالم , وهنا انتهزت إدارة بوش هذا الحدث لتعلن قرصنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية على العالم وكان تصريح بوش المثير للجدل "من لم يكن معنا فهو ضدنا" ليعلن اكبر دكتاتورية سياسية عسكرية تغلفها دعوات وشعارات دموقراطية, نعم هناك الكثير من التساؤلات والمتناقضات التي رافقت تلك الأحداث ومنها ليزال دون إجابة وليس من المعقول والمنطقي والموضوعي أن نصدق كامل الرواية الأمريكية عن الأحداث فان خلف الكواليس الكثير من المتناقضات والأسئلة المحيرة وأصابع الاتهام الفنية والمهنية والحرفية وحتى التنظيمية وسياقاتها التي كانت غائبة عند وقوع الأحداث ومن ابرز معالم الشك حصر التحقيق بأجهزة المخابرات التابعة للكونغرس ومنع البرلمانيين من التحقيق وكشف الملابسات والحقائق التي رافقت الأحداث , وحتى يومنا هذا هناك مطالب شعبية وسياسية تطالب بكشف ملابسات الحادث والإجابة عن الأسئلة المحيرة والتي بالتأكيد أجوبتها صعبة يحضر طرحها على الرأي العام, لم يجرؤ السياسيون العرب والإعلام العربي والتابع منه على مناقشة تلك الأحداث ومعطياتها وفق القيم الأمنية والحقيقية للخروج من نظرية المؤامرة الإسلامية في الحادث , كون الإعلام الأمريكي انتهج إستراتيجية التعتيم الإعلامي الرسمي ,أذا علمنا أن هناك أجهزة مخابراتية جبارة في الولايات المتحدة قادرة على كشف الحقائق أو التلاعب بها وتزييفها وتضليل الرأي العام , وهناك تجارب كثيرة عبر التاريخ في هذا المجال , قد تكون تلك حرب الأشباح التي تنفذها دوائر مخابراتية لإغراض سياسية وحربية والتي لا تتسق مع روح القانون والديمقراطية , وتعزز روح الاحتراب والكراهية بين الشعوب وتنشر الفوضى والحروب وتعزز جشع الشركات القابضة الكبرى وتجعل الدول وشعوبها ميدان لتجارب شركات الأسلحة الحديثة وتسويق منتجها من خلال فتح أسواق دموية وقودها امن الشعوب والدول.

يقدم الكاتب "أندرياس فون بولوف" فكرة مهنية وحرفية تعتمد على قابلية التصور والشك على أسس علمية ونظرية ونمطية ومواكبتها مع المعطيات والموارد المخصصة للمعالجة والإجراءات الوقائية والاحترازية ناهيك عن الإجراءات العلاجية والتعمق بالتحقيق شاملا الوقت والزمان والدلائل الجنائية ومقارنتها مع إعادة تركيب الحدث على الأرض بعد وقوعه, والذي لم يحدث نظرا لتجريف مكان الحادث بسرعة دون معرفة من يقف وراء هذا الأمر والذي يعد خرقا امنيا تحقيقي لطمس بصمات الفاعل الحقيقي ومن يقف خلفه والدافع من ورائه.

استعرض الكاتب أرقام الرحلات 11,157ونوع الطائرات ومدن الانطلاق والتي استهدفت مركز التجارة العالمي البرج الشمال والجنوبي , والرحلة 77, ونوع الطائرة والتي ضربت المحيط الخارجي البنتاغون والتي كانت مستهدفة البيت الأبيض حسب التقارير وكذلك الرحلة 93 ونوع الطائرة والتي سقطت أو أسقطت قرب "شانك فل" في منجم فحم قديم بولاية "بنسلفانيا", وأشارت المعلومات الأولية سقوطها بصاروخ وانفجرت بالجو حسب الكتاب.

برج التجارة مواصفات فنية خارقة

أشار الكاتب إلى الخواص الفنية الخارقة للمبنى وأسلوب بناء مركز التجارة العالمي من بناء فولاذي الهيكل وبلغ ارتفاعه 400 متر مرتكزا على حوامل ضخمة فولاذية وسطه , وأقيمت الأساسات على فولاذ خاص استورد من اليابان سمكه 12 سم يتناقص سمكه باتجاه أعلى البناء لقد تم تثبيت البناء بواسطة 256 حاملة فولاذية تبعد الواحدة عن الأخرى مترا مثبتة بدورها بحوامل جانبية مغلفة بمواد ضد الحريق وركبت فيها النوافذ بمسافة 3,7 م, أما الأرضية في الطوابق فكانت تركن على تركيبه فولاذية إسمنتية مثبتة من جهة على الحوامل الفولاذية وعلى حوامل خارجية خاصة من الجهة الأخرى, لقد حصل ما لم يكن متوقعا يقول الكاتب لقد هبط البرج الجنوبي الذي أصيب من الجانب رغم أن تصميم الأبراج قد نفذ ليتحمل صدمات طائرات ضخمة من هذا النوع ويتحمل كذلك الرياح العاتية التي هي اشد قوة وخطر من الطائرات ولكن ما حدث هناك كان شيء ليمكن استيعابه فقد أظهرت الصور أن كتلة من ثلاثين دورا وعلى ارتفاع مئة متر مالت إلى الجانب بما يعادل 22 درجة لتسقط بعد ذلك مع 72 دور كليا إلى الأرض, وخلف السقوط سحابة غبارية هائلة حيث كان من الصعب حتى رؤية بعض الأجسام الفولاذية الساقطة , ويقول الكاتب انه بعد عشرين دقيقة سقط البرج الشمالي حيث بدا الدخان الأسود الكثيف في الأدوار يفعل فعله أكثر مما تسببه النيران, لقد هبط البرجان كما تهبط طبقات الكيك كما يوصفها الكاتب, جارفة الدور بعد الأخر رادمة تحتها الناس والتجهيزات, لم يعر احد في أوربا أي انتباه للنيران التي انتقلت من الأبراج المحروقة المهدمة إلى البناء المجاور والتي لم تكون بذلك الارتفاع لكنها كانت تمتلك مواصفات فنية شبيه بناطحات السحاب , كيف وصلت النيران إلى البناء رقم 7 بعد سقوط البرج الشمال في تمام الساعة التاسعة والنصف صباحا بتوقيت أمريكا ليسقط هو الأخر في تمام الساعة الخامسة والنصف, أما الأبنية رقم 5,4 فقد استمرت بها النيران لساعات طويلة ولكن هياكلها الفولاذية تمكنت من الصمود على عكس الأبراج والبناية رقم 7؟

مراقبة مضاربات البورصة من قبل إسرائيل

يشير الكاتب إلى نشاط اقتصادي سبق الأحداث تحسبا لوقوع حدث ما , حيث قدم مركز "هرتسيليا" الإسرائيلي لمكافحة الإرهاب عرض بخصوص النشاطات التجارية للمطلعين على مجرى الأحداث داخل الإدارة الأمريكية في فترة الحادي عشر من سبتمبر جاء به , انه تم بيع 4744 سهم لشركة "الطيران المتحدة" مقابل معدل بيع 396 في الفترة نفسها أما شركة "الطيران الأمريكية" فقد تم بيع 4515 سهم مقابل 748 في الفترة نفسها وتم بيع 2157 سهم من قبل شركة "مورغان ستانلي" التي تشغل 20طابق في بناء مركز التجارة العالمي في غضون ثلاثة أيام قبل الأحداث مقابل فقط27 سهم في الفترة نفسها, أما شركة نيرلنك والتي تشغل أيضا 22 دور في مركز التجارة العالمي تم بيع 12215 سهم خلال أربع أيام قبل الأحداث مقابل 252 كانت تباع يوميا , ورغم الإعلان الفوري عن تلك العمليات المريبة لم يتم الكشف عن أسماء المنفذين من داخل الإدارة الأمريكية وكذلك لائحة الشركات الـ38 التي تاجرت بتلك الأسهم قبل أيام من الحادث, وأعلن البنك الاتحادي الألماني بناء على فحص وثائقه في تلك الفترة عن تورط العديد من المقربين من صناع القرار في الإدارة الأمريكية, وحتى اليوم ليزال الرأي العام ينتظر نتائج التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفدرالي أف بي أي بالتعاون مع مكتب مكافحة الجرائم الاقتصادية, حيث قامت وكالة الأمن القومي وحسب المعلومات الصادرة أليها من الإدارة القانونية بمحو التسجيلات التلفونية المتعلقة بأنشطة المضاربين بالبورصة وتم تعليل هذا الأجراء بأنه لم يتم فقط التنصت على مواطنين أجانب, وقد طال هذا الأجراء مواطنين أمريكيين وهذا ما ليسمح به القانون وأعلن المدير السابق لقسم مكافحة الإرهاب انه لابد من الحفاظ على شرائط التسجيل واستخدامها في المحكمة كأدلة أذا كان المواطنون الأمريكيون مشتركين في عمل إرهابي أجنبي

التامين على مركز التجارة العالمي ضد الإرهاب قبل الأحداث بأسابيع

يشير الكاتب "أندرياس فون بولوف" انه قبل أسابيع قام الممول اليهودي "سلبر شتاين" باستئجار مركز التجارة العالمي من مدينة نيويورك لمدة 99 عام وباجر قيمته مئة مليون دولار سنويا, فقد كان هذا الرجل مسئولا في الانتخابات السابقة عن صندوق التمويل الخاص بالحزب الجمهوري وعليه كان هذا الرجل ذو تأثير كبير على الحزب الجمهوري في أمريكا,لقد تم توقيع عقد الإيجار بين إدارة موانئ نيويورك والسيد "سلبر شتاين" في يوم 26 ابريل 2001 باسمه وباسم شركة "ويست فيلد- WEST FIELDAMERICAM" وأصبحت هذه الصفقة سارية في 23 يوليو2001 وذات صلاحية قانونية أي قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بـ سبع أسابيع وسلم السيد "سلبر شتاين" مفاتيح مركز التجارة العالمي وكان هذا الرجل كان يقرا الغيب فقد قام بالتامين على مركز التجارة العالمي بمبلغ 3,2مليار دولار بما فيه الحوادث ضد الإرهاب ولأول مرة يحدث أن توافق شركة التامين على تامين ضد الإرهاب , لقد كان السيد "سلبر شتاين" يفكر منذ وقت طويل بهدم هذا البناء البالغ من العمر ثلاثين عاما والذي لم يكن مستغلا بصورة جيدة واستبدالها بأربع ناطحات سحاب في حالة حصل على تعويض مضاعف كما طالب لكان بالإمكان تمويل هذا المشروع دون عناء.

لا نهاية للمتناقضات- الطيارون لا يعطون الإشارات المقررة

يشير الكاتب "أندرياس فون بولوف" إلى سؤال هام يطرح نفسه عن السبب الذي منع ملاحي الطائرات الأربع المختطفة من اللجوء إلى استعمال الطريقة التي تدربوا عليها في حال اختطاف الطائرات, لان على الطيار في حال اختطاف الطائرة أن يعطي رمزا مؤلفا من أربعة أرقام على الكومبيوتر لمركز المراقبة الأرضي للملاحة الجوية , كيف كان بإمكان الخاطفين وبالطائرات الأربع من التغلب على طواقم الطائرات بكاملها بواسطة سكاكين بلاستيكية كما روي أو تلك التي تستعمل لتقطيع الكارتون, من الصعب استيعاب حقيقة عدم تمكن ولو شخص واحد من طواقم الطائرات الأربع من طباعة الأرقام الأربع على الكومبيوتر كأجراء وقائي أخباري في الطائرة, كما أن أمكانية قيام طيارين هواة سيئي التدريب بقيادة طائرات حديثة عملاقة وتوجيهها بسرعة 800كلم بالساعة باتجاه مركز التجارة العالمي البنتاغون يبدوا عملا مستحيلا حسب أراء و إفادة خبراء ومختصين في مجال الطيران المدني والحربي ,ومن جهة أخرى لا يمكن التصور بان يقوم الطيارين المحترفين لتلك الشركات بتوجيه الطائرة بما فيها من ركاب وهم أمانة في أعناقهم والذهاب بهم إلى الموت في الأبراج المذكورة, لان غالبية الطيارين هم محترفين من سلاح الجو الأمريكي.

اختفاء الصندوق الأسود ومسجل الصوت

ادعت دوائر التحقيق بالحادث عدم التمكن من وجود الصناديق السوداء للطائرتين المرتطمتين بأبراج مركز التجارة العالمي أما صناديق الطائرتين الاخريتين فقد تم العثور عليهما ولكن التسجيلات ناقصة أي متلاعب بمحتواها ولم يتم نشرها نظرا لسريتها, مع العلم أن تلك الصناديق السوداء صممت لتحمل صدمات من ارتفاعات عالية وحرائق تصل حرارتها إلى 1500 درجة مئوية أما شريط التسجيل التابع للطائرة التي سقطت أو أسقطت بصاروخ والمرقمة رحلتها 93 فقد كان يحتوي على تسجيلات تم حجبها من قبل أف بي أي عن أقارب الضحايا والرأي العام, والغريب في الأمر أن ركاب هذه الرحلة قد علموا عن طريق الهاتف المحمول بالضربات التي نفذت ضد مركز التجارة العالمي البنتاغون وتشير الرواية بأنهم شنوا هجوم ضد الخاطفين.

إزالة وحجب الأدلة

يقول الكاتب "أندرياس فون بولوف" بوصف الصخب بعد انجلاء العاصفة برزت صيحات ومطالبات تفيد أن ارتطام الطائرات بالبناء الفولاذي ليمكن أن يسبب انهيار هكذا مبنى بمواصفات فنية خارقة ,فهندسة البناء قد صممت لتتحمل مثل هذه الصدمات وتستطيع الصمود لعشرات السنين في وجه الرياح الشتوية العاتية الأشد ضراوة والتي تجابه مساحة قدرها 6400متر مربع من سطح البناء,وكان قد صرح بروفيسور أخصائي في علم "ستاتيك البناء" بان سقوط البرجين لم يكن ولا بأي حال من الأحوال ناجما عن تأثير عوامل الضغط والحرارة الناجمة من اصطدام الطائرة بالبرج, لان أعلى احتراق للكيروسين يصل إلى 375درجة مئوية أما درجة ذوبان الفولاذ 1300درجة مئوية؟ ويفقد الفولاذ متانته بدرجة 800 وتلك الدرجات لن يصل إليها الكيروسين المشتعل,وتم بصورة لافتة منع وإعاقة السلطات الجنائية من تعقب وجمع الأدلة وأثار الجريمة , خصوصا بعد أبعاد ونقل الأجزاء الفولاذية الحساسة من مكان الحادث قبل وصول الخبراء لإجراء الكشوف مما تسبب بفقدان أدلة مادية هامة من مسرح الجريمة.

تمرين دفاع ضد الإرهاب في يوم الحادي عشر من أيلول

يشير الكاتب إلى أن تمرين كان مقرر إجرائه يوم 11 أيلول في كل من البنتاغون مؤسسة التحريات الوطنية NROوقد الغي يومها بالذات وبالمصادفة كان هدف التمرين مواجهة حادث سقوط طائرة على كل من المبنيين الحكوميين ومعالجة الحادث, وتتولى مؤسسة التحريات الوطنيةNRO إدارة جهاز الاستطلاع في الولايات المتحدة المعتمد على الأقمار الصناعية ومهمته الإنذار المبكر للقيادة العسكرية والسياسية وتزويدهما بما يلزم من معلومات تحذيرية لاتخاذ الإجراءات الضرورية.

سبعة أشخاص ممن اتهموا بالاشتراك في الأحداث يعلنون أنهم على قيد الحياة

في الساعات الأولى بعد الإحداث تم إعلان تسعة عشر منفذ مسلم دخلوا الولايات المتحدة الأمريكية وتدربوا على قيادة الطائرات, في حين جرى التأكد من شركات الطيران لبيان صعودهم للطائرات أصرت الشركات على الإبقاء على لوائح ركابها التي تظهر أن أي من 19 المتهمين باختطاف الطائرات والذين نشرت أسمائهم لم يقم بمراسيم صعود الطائرة-CHECK IN وتبين حسب تحريات الصحفيين وكانوا في غالبيتهم بريطانيين أن سبعة من المتهمين على الأقل ما زالوا على قيد الحياة ولم يتواجدوا في أمريكا وقت الحادث, حيث قامت جريدة "الاندبندنت –INDEPENDENT" وجريدة "دالي مريرDAILY MIRROR" وتم خلال التعاون مع عدد من الصحف العربية بزيارة السبعة المذكورين في بلادهم وأجرت معهم مقابلات صحفية وكذلك صورهم منشورة عبر الانترنت ورغم ذلك لم يجد مكتب التحقيق الفدرالي ولا وسائل الإعلام الأمريكية والأوربية والسائرة في نهجها ضرورة نقاش مصداقية رواية لائحة المشتبه بهم التي أخرجت بسرعة بعد الأحداث بدقائق.

تطرق الكاتب "أندرياس فون بولوف" إلى عدد من الأسئلة والمواضيع المحيرة والمتناقضات الكثيرة والتي تعطي انطباع يقود إلى حقائق بعد التمحيص عبر عناوين رئيسية مثل:-

شكوك تقنية-مصداقية المكالمات الهاتفية من الجو
مكالمات الهاتف المحمول من على متن الطائرة التي سقطت في بنسلفانيا
تقنية التنصت ضد الجريمة الإسرائيلي
ضعف رواية احتلال قمره القيادة بسكاكين بلاستيك
مخططات توضيحية للارتطام والسقوط المشكوك بها
سقوط الحطام بسرعة ثابتة مخالف لنظرية الجاذبية الأرضية
أبنية مركز التجارة5,6,7 وكيفية تحطمها ولم تستهدف بضربة
البناء رقم سبعة يحتوي على محولات خفض التيار وخزانات ديزل ليمكن تحويلها
أخلاء وسقوط البناء رقم7 لمركز التجارة العالمي.
حريق وانفجار في مركز التجارة العالمي البناء رقم6.
تراكم التناقضات تحذيرات الاستخبارات الأجنبية
شل التحقيقات وخداع بصر الرأي العام
طمس البراهين وإعاقة الخبراء
فشل الدفاع الجوي الذريع
حالة طوارئ قومية وأعلى العسكريين رئيس هيئة الأركان لا علم
هنغتون والعدو الإسلامي الجديد
الأثر الزائف للمشتبه بهم
أمكانية التحكم بالطائرات الكترونيا من خارجها
التحكم من بعد موجود في أكثر من 600طائرة ركاب
انعطاف في مسار الطائرة لا يمكن لطيار أن يقوم بها
سر العمارة7 والمقرات وهل موجودة بها مقر تحكم بالطائرات
ماذا كانت الاستخبارات الإسرائيلية تعمله-ضحية إسرائيلية واحدة بالحادث
مراقبون خمس اسرائليون فوق سطح المتجر يلتقطون صور فيديو
اللعبة الكبيرة للسيطرة على العالم-القرن الأمريكي الجديد
الإرهاب كوسيلة للحرب النفسية
العصبية الوطنية تجتاح الشعب الأمريكي
الديمقراطية الساعية للحرب والنخبة المتسلطة
حرب من اجل التلاعب بمشاعر الجماهير ومواقفها
ويستخلص الكاتب في نهاية كتابه تساؤلاته حول المتناقضات والحقائق المدغمة قائلا:- على كل حال فل يكن ما يكون والعواقب لا يمكن التنبؤ بها ولكنها تؤثر في هذا القرن طويلا ما لم يتم دفع الرأي العام إلى الشك بصحة سلوك حكومة بوش واستقامتها, أن الدولة العظمى المتفوقة اقتصاديا وماليا وثقافيا وكذلك عسكريا على الدول والشعوب الأخرى الأضعف والأصغر منها تحرر نفسها للتخلص من قيود القانون الدولي مشيرا إلى الحوادث الإرهابية وتذهب تحت هذه الحجة وحجج أخرى إلى استخدام الوسائل العسكرية لإعادة تنظيم الأرضية النفطية في الشرق الأوسط معتمدة على قواعد عسكرية جديدة في المناطق ذات الواقع الهام في السياسة المالية, أن زمرة القيادة للقرن الأمريكي الجديد تطلب أطاعة عمياء غير مشروطة وتنعت ديمقراطيات أوربا غير المطيعة لها بأنها من أنصار الزهرة على عكس أنصار مارس (آله الحرب) الشجعان وتنعتها بالجبناء والفاشلين والمتخاذلين في الصراع ضد ما تسميه محور الشر وتواجه القرارات الدموقراطية التي لتتماشى مع الخط الأمريكي وتمارس التهديد بالعقوبات,أن الحلم الأمريكي قصة الحرية وحقوق الإنسان يوشك أن يتلاشى((عليك أن تعرف الحقيقة والحقيقة ستحررك)) هذا القول الأمريكي مكتوب على بوابة وكالة الاستخبارات المركزيةCIA, ومعرفة الحقيقة عن 11-9-2001 قد يكون لها المفعول المحرر في إدخال الضوء إلى المشهد العالمي المظلم حاليا,غير أن هذا القول الأمريكي ويقصد به شعار وكالة المخابرات المركزية هو في حد ذاته تضليل ولا يتوافق مع دورها ومهمتها بل هو أجمل من أن يكون واقعيا والمواطن المطلع المدرك هو الذي يستطيع التغلب على نتائج تضليل هائل وهذه مهمة تنتظر الشرفاء والوطنيين الحقيقيين في كل بلد, هكذا انهي الكاتب خلاصة كتابه باحثا عن الحقائق وكشف الملابسات التي رافقت الحادث والتي قادت بالتأكيد الى كوارث سياسية وإنسانية تمخضت عنها غزو دولتين شعوبهما إسلامية في الشرق الأوسط وقتل ملايين من شعوبها ودمرت مؤسساتها ولا تزال ترزح تحت حراب الاحتلال الأمريكي الدمقراطي .

الكاتب: أندرياس فون بولوف خبير الاستخبارات ووزير الاتحاد السابق .

كتاب لـ أندرياس فون بولوف"الـ سي آي إيه و 11ايلول 2001 والإرهاب العالمي ودور وأجهزة الاستخبارات,ترجمة د.عصام الخضراء&سفيان ألخالدي,دار الأوائل للنشر والتوزيع, سورية دمشق,الطبعة الثانية2006

قالوا مجرمون

قصيدة شعر كتبتها احدى الاخوات الفلسطينيات بالبرازيل ننشرها كما وصلتنا بدون توقيع

قالوا مجرمون ... قلت .... وإن شئتم فقولوا سفاحون
قالوا إرهابيون ...قلت .... قلت وإن شئتم فقولوا مخربون
هكذا علمتني الأيام هكذا علمتني السنون
فانا لا أعترف بنظام وأنا لا أعترف بقانون
فأنا عدو السلام وأنا عدو الأنام
فأنا لا يهدء لي بال وعلى وجه الأرض ناس آمنون
لماذا يكونوا أمنين ؟؟ لماذا يكونوا بسلام نائمين ؟؟؟
فأنا أخذت على عاتقي إقلاقهم وأنا أخذت على عاتقي إرهابهم
بأي شكل بالنضال بالألغام بكل سبل الندب والسلام
قد تستغربون لموقفي هذا وقد تحيركم غابة من التساؤلات
تبدأ بكلمة لماذا ؟؟؟ ولكن لن تستغربوا إذا كنتم بالتاريخ
مثقفون ....

ملحمه العشق...الجزء الثاني

ايمن يحيي‏
انا لست عاشقه عاديه


وانا لست ايضا لست عاشقه عاديه
أنا هواء يسكن رئتاك
أنا تلك النقطه السوداء
أتوسط عيناك
أنا نهر
لا يشرب منه سواك
أنا قلب
خلق ليهواك
أنا شمس وجدت
لتنشر الدفئ
أنا لست عاشقه عاديه
أنا عنقود عنب يتدلي
فينادي شفتاك
أنا يومك
أنا أمسك
أنا أحيا برضاك
أنا يوم يبدأ ببزوغ فجرك
وينتهي بظهور القمر في سماك
أنا من تتداوي لو سقمت
بنظره عشق من عيناك
أنا عبله وليلي
وافروديت وجولييت
أنا كل العاشقات تجمعن في من اجل رضاك
أنا لست عاشقه عاديه

عيسى قنصل قصيدة عربية في الغربة

أنقر على المقال لتكبيره وقراءته

في المطعم التركي

نعمان إسماعيل عبد القادر
قصة قصيرة
الوفود التي توافدت من كلّ أنحاء البلدة كان أكثر عددًا في هذه المرّة. أوفدها خبر الوفاة المفاجئ الذي تعرّض له الفقيد وهزّ مشاعرهم. جاءت لتشارك في تشييع جثمان الرجل إلى مثواه الأخير.. وانطلقت جنازته من مسجد السلام الواقع في وسط البلدة إلى المقبرة في تمام العاشرة ضحى يوم الخميس. وحتى رجال المقاهي أفرغوا مقاعدهم كمن سئم المكان وأراد أن يأخذ قسطًا من الراحة لوقتٍ من الزمن. تركوا كؤوس الشاي والقهوة وتبعثرت أوراقهم وشاركوا في الجنازة. منهم من صلّى ومنهم من أسند ظهره على جدار المسجد وانتظر انتهاء الصلاة. تلا كلمات التلقين شيخٌ في الستين من عمره، له لحيةٌ طويلة بيضاء تتدلّى على صدره، تغطّي قمّة رأسه عمامة بيضاء، وبدت على وجهه أمارات الجدّ والوقار، حيث جلس القرفصاء جانبَ القبر من الجهة القبليّة وأخذ يتلو الكلمات بنبراتٍ فيها الخشية والرأفة. تلاها بصوتٍ مرتفعٍ عن ورقةٍ انتشلها من جيب قميصه أمسكها بكلتا يديه واستعان بنظارات طبيّة كبيرة لرؤية حروفها. تنهّد البعض فيما أصغى الآخرون بحزنٍ لتوصياته الفقيدَ بالثبات والإجابة بلسانٍ طلقٍ دون خوفٍ أو وجلٍ على أسئلة الملكين الرفيقين المكلفين حين يسألانه عن ربّه وعن النبيّ الذي بُعث في الأمّة، وعن دينه، فيقول: الكافي هو الله.. الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمد نبيّي، والقرآن دستوري، والكعبة قبلتي... ثمّ أمّن الجميع خلف كلّ دعاء دعاه الدّاعي للميّت وقرأوا له الفاتحة قبل أن يتفرّقوا.
القوم في البلدة تداولوا الأنباء المتفرقة التي تصدّرها نبأُ وفاةِ " أبي أحمد" المفاجئ، فانتقلت معظمها من مكان إلى آخر حتى عمّت كلّ بيتٍ وكلّ مجلسٍ، وكلّ شيعةٍ.. حتّى رجال المقاهي خاضوا فيها مع الورق والعظم وحجارة الشطرنج وازدادوا حديثًا. رنّت في آذان النسوة وعمّت إلى أن وصلت إلى مكّة إلى حيثما جلس أحدهم يهاتف زوجته فاستفسر منها عن أخبار البلد والبلدة والحارة، فانبرت تغرف له مما تعرفه من ألوان القصص تفاصيلها، وأصناف الإشاعات جوانبها، وأجناس التفسيرات المتداولة إجمالها. وقد أعرب هو عن دهشته وعن عميق حزنه وشديد تأثره لما حصل.. ثم أردفت قائلة له في صوتٍ متحشرجٍ غلبه الانفعال: يا حرام!!! الرجل راح ضحيّةً لغيره.. والأطفال لم يبقَ لهم أحد إلا الله.. الرأفة واجبة عليهم جميعًا. ماذا يمكن للمرء أن يقول في مثل هذه المواقف؟!
تأثُّرُ الرجلِ مما سمعه كان حادًا لكنّ الاتّصال انقطع.. يا لهول المصيبة!! هل تعلمون أم أخاه كاظم جاء ليعتمر معنا ولا يدري.. إن علم بالخبر فقد يجنّ جنونه وقد يفقد صوابه.. كم كان يحبّ أخاه كثيرًا ويحترمه. يا الله! لا يعلم أنّ أبناء أخيه قد أصبحوا أيتامًا. رحمك الله يا أبا أحمد. جاءني عشية سفرنا إلى الحجاز وودّعني وداعًا ولسان حاله يقول: لعلّي لا أراكم ولن تروْني بعد سفركم هذا في شهركم هذا وفي عامكم هذا. جئتكم مودّعًا ولن تحظوْا برؤيتي بعد مرجعكم. أين من يملك الجرأة في إخباره بالمصيبة؟ أيّما رجلٍ ينعاه بموت أخيه.. لا، أنا لن أخبره فأكونَ السبب في كآبته. سأتكتّم على الخبر. مسكينٌ كاظم ها هو آتٍ ليدعوَنا لتناول الغداء الذي وعدنا به قبل أيّامٍ في المطعم التركيّ. من منّا يستطيع تناول الزاد في حضرته؟
المعتمرون صامتون يتحلّون بروح الصبر فلا رفث ولا فسوق ولا جدال بينهم. راح البعض منهم يرمق الرجل بنظراتٍ قصيرةٍ محمّلة بأوهام الرأفة، بعضها تثير الشكوك وبعضها تسئ الظنّ. فتساءل عن سبب تحوّلهم المفاجئ في تعاملهم وطيب حديثهم هذا بعد شدّة جفائهم منه طوال الطريق منذ دخولهم الأراضي التي قدّسها الله وعدم تدخُّل بعضهم ووقوفهم إلى جانبه.. تُرى، أسحرٌ ما أراه أم أن الله جلا قلوبهم بماء مثلّجٍ فطهّرها؟ أبناء بلدتي وأنا أعرفهم وأعرف طباعهم لا بدّ من وجود سببٍ جعلهم يتغيّرون. أمِراءً يتودّدون لي أم لحاجة في نفس يعقوب؟ هذا نعتني بالمتفلسف المتطفّل حين تدخّلت حين تشاجر مع زوجته وأخذ يشتمها على مرأى ومسمع من الناس.. وذاك فّقّدّ صوابه وشتم الذات الإلهيّة.. أستغفر الله سبعًا وسبعين مرةً.. أما ذاك فقد جعلني في خانة المجانين حين سألتُ عن المكان الذي وُقِّعَ فيه اتفاق صلح الحديبية.. وهذه.. أصلحها الله.. جاءت اليوم ولبّت الدعوة مع أنها أخبرتني أمس مساءً أنّها لن تأكل من زادي وتترفّع عن مثل هذه الدعوات ولن تسمح لزوجها بالمشاركة لاعتباراتٍ خاصّة على حدّ تعبيرها.. ولمّا لم أكن أتوقع أن يُلبّي هذه الدعوة إلا القليل فعليّ الآن إخبار صاحب المطعم بزيادة عدد الوجبات. هذا جزاء من يسافر مع من تلقوا ثقافتهم في المقاهي.
الموائد تَحَلَّقها المدعوون في هدوءٍ، وبعد لحظات ملأها النادلون بأطباق شهيّةٍ من طعام مشويٍّ أراده كاظم أن يكون عقيقةً لأبنائه الثلاثة. وظلّ همسهم ينمو وتداعبه حركات النادلين بأصواتهم المهنيّة وتحركاتهم المتسارعة حتّى قطعه صوت المرأة التي أخبرته أنها لن تأكل من زاده وتترفع عن مثل هذه الدعوات، وكانت تجلس خلف مائدة قرب الزاوية اليمنى وتوجهت للرجل قائلةً بصوت مسموعٍ ظنّها في البداية أنها سئمت الزاد:
- يا سيّد كاظم! ألا تعرف أنك رجل غريب الأطوار؟ تدعونا للمطعم وتتشفى بموت أخيك..
- ماذا تقصدين يا امرأة؟
- كلهم يعلمون بموته وأنت تجهل ما يدور في فلكك. يا سيدي أخوك أبو أحمد ...
أصيب الرجل بدوارٍ ثم سقط مغشيًّا عليه وظلّت الأطباق محمّلةً بالشواء فيما نقل في عجلةٍ إلى عيادة الطبيب المجاورة. وفي المساء كان يقف قرب المسكن ويتلقى التعازي من المعتمرين من أبناء القرى المجاورة...
Naamankq@yahoo.com

الثلاثاء، نوفمبر 17، 2009

وجه العرب

عـادل عطيـة
adelattiaeg@yahoo.com

ما الذي حدث على المستطيل الأخضر يوم السبت 14 نوفمبر2009 على بعد مرمى من المونديال ؛ ليجعل المنتخب الجزائري يركل بأقدامه كرامة العرب ، والتي تسـاوي الكثير ؟!..

ما الذي جعل من كرة القدم ، كرة من النار، تشتعل في القلوب ، وتنطلق على هواها لتحرق روابط تاريخية بين شعبين شقيقين ؟!..

مـن الذي جـعل مـن الرياضة التي توحـد بين الشعوب المتفرقــــة ، ممزقة للشعوب المتوحـدة ؟!..

وكيف يمكن تبرير أن يكون المونديال اتصالاً بالعالمية ، وانفصاماً عن الأهلية ، بوضع المصريين المتواجدين في الجزائر في مصيدة الأرهاب والموت ؟!..

وماذا تعني اعمال الشغب التي ارتكبها الجزائريون في مهجرهم عقب خسارة منتخبهم في مصر ؛ فراحوا يشعلون الحرائق في الطرقات ، ويحطمون واجهات المحلات في شوارع مدينة مارسيليا الفرنسية ، وكأن فرنسا هي التي اختطفتهم من على بعد ثواني من المونديال ؟!..

هل لأن العرب لا يعرفون معنى تقبل الهزيمة بشرف وكرامة ، على حد تعبير أحد المعلقين الاسرائيليين ؟!..

أم هو جنون العظمة ؟!

أم هو نوع آخر من الانتحار ؟!..

وكيف نفسر هذه التوجهات المشبوهة ، فبينما العرب يحاولون جاهدين إزالة بقع الارهاب السوداء التي ألصقت على وجوههم ، نجد من يعيد تشويهها وبأكثر خسة ؟!..

علينا أن نظهر البطاقة الحمراء ، ونطرد من بيننا ، هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الجمال ولا حتى يحاولون التجمل ؛ لتأكيد مقولة : " خير أمة أخرجت للناس " ، فماذا تنتفع الشعوب لو ربحت كأس العالم وخسرت أخلاقها ، وسمعتها ، وصورتها الجميلة ؟ !

هو... وهي


ميمي أحمد قدري

هو......
تهمس لك عهودي زمناً
تهمس لك ورودي.. أحبك
أحبيني...
أردتك نقشاً في صدري.........
أردتك ملكة على عرشي
أحبيني......
أحببت الفضيلة فيكِ
احبيني...أحبيني
توجتك على صدري
توجتك على اشعاري
أحبيني...أحبيني
فالحياء منك يبكيني...أحبيني
أريدك عهداً
أريدك وعداً
أريدك قيثاراً يعزف على قلبي...معزوفة الحياة
اريدك كلمة تشجيني
كلمة تنسيني هجرك بعد لقائك
أحبيني.....
جئتك أطلب الحب في زمن يعشقُ عذابَ الأبرياء
جئتك أطلب الراحة علي اجدها بعد طول عناء
أحبيني...أحبيني...أحبيني
هي......
تعالَ أنتَ....... لتنسيني زمن الرهبنة العتيد
تعال انت.......... لتهبني حباً أقيم له كل يوم عيد
تعال لكي أحلم............ وأحلم معك بالحب الوليد
ونحيا في عالم ليس فيه أسياد ولا عبيد
فك قيودي وحررني........... ان استطعت فك قيود الكبرياء
فك قيودي فأنا من نساءٍ عشقنَّ همس الحياء
انا امرأة عشقها للفضيلة جعلها تقهر كُلَ بلاء

الاثنين، نوفمبر 16، 2009

لإئتلافات الشحاذين، الف بصقة

مريم الراوي
وملح الصبر ينزف من عمر ضائع، على وطن ملقى مابين الأشواك، وممدد على أكف الغرباء ؟! إنــه العراق...
يقال انه لكثرة الإختلافات في المجتمع نواح ايجابية، منها جعل المجتمع متحرك لاثابت، مبدع لا تابع. ويقال ايضاً ان الإتفاق في الكلمة والرأي والموقف له نواح سلبية منها هدم المجتمع والحاق الضرر به.. ومن الواضح ان هذا ينطبق تمام الإنطباق على مايحصل في العراق... فمع أخذ الإعتبار ان الإتفاق في الكلمة والرأي ليس نابعاً في الحقيقه لإحداث أي تغيير جذري من أجل الشعب، ولاهو قائم على مبادئ وطنية سامية، منبثقة من الإيمان الراسخ بوجوب تحرير وطن، وحرية مواطن. ولكنه في الواقع محض اتفاق في الكلمة وفي الموقف من أجل مصالح حزبية لاترتق أبداً الى عتبات الوطن الجريح، ولا تسمو لتخفيف الوجع عن المواطن العراقي، لا من بعيد ولا من قريب. و ما هي سوى محاولة ساذجة لتلميع الوجوه الممسوخة، بإئتلافات زادت من قبح الوجوه وأبرزت دونية المئتلفين، وأكدت على خصلة الشحاذة المتأصلة في سلوكياتهم وتصرفاتهم.. خصوصاً إن وضعنا في الإعتبار ان مايسمى الحكومة، ماهي سوى "محكومة لاتتمتع بالشرعية، ولا يمكن لها ان تنال هذا الشرعية بالتقادم". فأي إنسان واعِ يدرك بأن من جاء حاملاً الدبابة على ظهره، لايمكن له أن يعيد بناء شارع دنسه بسطال امريكي.. كما لايمكن لأي عاقل أن يصدق ، واشياً كاذباً إدعى على وطنه زوراً بإمتلاك أسلحة دمار شامل، ونوايا سيئة مبيتة للجيران( ولاادري عن اي جار يقصد وعلى اي الجيران قلبه متفحم"ايران ام اسرائيل"، يمكن له أن يشيد جدار وسقف واحد يأوي المهجرين من جراء القصف الامريكي او من فعل ميليشيات منظمة ومدعومة من قبل هؤلاء السوداء قلوبهم كما اياديهم!!
و بعد مايقارب سبع سنوات، لازال الحديث يلف الشارع العراقي عن الإنتخابات، وعن التحالفات وعن "اللغافة" ومن هو الاقل حقداً وسماً بينهم!! "ولاادري كيف للثعبان أن يكون سمه رحيماً"!! كما لازال الحديث قائم عن اللصوص ببدلات أنيقة وربطات عنق حريرية، وعمائم سوداء واخرى بيضاء، "والرب وحده يعلم كم من شيطان يرقص تحت لحاهم، إن لم يكونوا هم الشياطين" .
وبما أن إحدى صفات الشخصية العراقية هي الذكاء والحزن على حد سواء، فهنا على الباحث عن الحقيقة والمتحير من أمر هذا الشعب أن يقف مطولاً، امام هذا الكم الهائل من التناقضات، فلا نحن نريد ان نرسم حياة بمبي ولاشخصية سوبرمان، تملك من الكمال مايفوق التصور والخيال الإنساني..كل مانريده، وجل مانبحث عنه هوصوت الفرد العراقي الحقيقي. صوت إمرأة فقدت أبنائها، صوت شيخ مزقت حنجرته حين الآذان، صوت طفل هاجرت عائلته وسكنت العراء، صوت عروس تنتظر في حديقة بيتها عل الليل يأذن للنهار بالدخول والمكوث مطولاً. صوت اولئك المنثورة أشلائهم على النخيل، وبين السيارات. صوت اليتامى، والثكالى. صوت المهجرين والنازحين، والموجوعين.
لذا، من هنا تبدأ رحلة الأسئلة: هل فعلاً ان الشعب العراقي لايزال يرى في الإنتخابات مخلصاً وخياراً يمكن له ان يشكل تغيير نوعي وكيفي في طريقة التعامل مع الأزمات التي تدك بتأريخ وعمر الوطن، وتدهس المواطن وإنسانيته تحت وطأة التفاصيل اليومية، وموجات المففخات التي أصبحت ملازمة لكلمة عراق؟! هل حقاً سيندفع الجمهور العراقي صوب صناديق الإقتراع، بكرنفال البنفسج الفاسد؟! هل ستتدفق الحشود حقاً بإتجاه مراكز الإقتراع إبتهاجاً واملاً بالغد؟! هل يمكن نسيان، الرؤوس المقطوفة، والعيون المفزوعة وهي تسقط كما حبات التمر بين السواقي وعلى الأرصفة؟! هل يمكن لأرواح ممزقة أن تتناسى من رحلوا دون وداع، من غابوا دون ان نلتقط مناديلهم الناصعة امنيات ولا نتمكن من إحتضان أخر ماتبقى لهم على هذه الأرض ونذهب لمهرجان الموت بأرجلنا؟! من يمكن له أن يصفح ويطوي اوراق مبللة بالدم وبالدموع، وتضج بأصوات من رقدوا تحت التراب قبل موعدهم، وفي ريعان أحلامهم؟! ام تراهم سيبصقون على البوسترات والشعارات؟! وهل ياتراها لعبة إعلامية قذرة ومعهودة من "قواد" العراق الجديد برعاية يمكن لها ان تكون ثلاثية رباعية خماسية الى مالانهائية الأبعاد إن شئت؟!
وتعود الأسئلة من جديد ومن جديد، لاتهدأ ويتردد صداها في أرجاء العقل والذاكرة،وتلهج الروح بإستفهامات لاتكترث لفوضى النعيق، والمؤتمرات الزائفة. تصرخ بكل شحاذ لئيم:
أما سقطت بعض من أرواحنا مقيدة خلف القضبان؟! الم تعصب عيون أحبائنا وتتلقى رصاصة "ولادة الذاكرة العراقية" تحت الجسور وفي ساعات الليل الحالك غضب؟! ألم تنتزعوا الرحيق من ربيع الصبايا الجميلات؟! أم إنكم لم تمزجوا دجلة والفرات ببقايا أشلاء الصبية، وأجساد الفقراء؟!
أخبروني كم من شارع كان الشاهد، وكم من زقاق كان الضحية؟! والف من بيوت الله انتزعت اجراسها وصمتت نداءاتها، بإسم ماذا؟! بإسم الوطن، والدين!!
الم نقل إن إحدى ايجابيات الإختلاف هي مد المجتمع بقوة التحرك لا الجمود، الصراخ لا الصمت، الإنتقام لاالنسيان..ألم نقل أن من أحد سلبيات إتفاق الكلمة والموقف الهدم واحداث الضرر عوضاً عن البناء؟! أما قلنا إن من إحدى صفات الشخصية العراقية هو الذكاء والحزن؟! اليقظة والألم النبيل؟!
والآن، وبعد سنوات الألم،هذه هي افعالهم وهذه هي أصواتنا، وخلافاً للمثل القائل" امشي وراء الكذاب لباب بيته" فإن أغلب من مشى مغيباً ومضى خلف الكاذب لينال واهماً احلام وردية ، لم يكد يكمل ربع الطريق خلفه حتى استيقظ من رقدته، عازماً على البصق على الكاذب ، ومعرفه من بنى بيته...... كي لاينسى!!!فما بالكم بمن لم يصدق منذ البداية ان الغريب يمكن له دون الوطن أن يفنى!! أجزم إنه لن يغفر ولن ينسى..